تفاعلات داخلية ملتهبة
ينشغل الفلسطينيون فيما هو أكثر من مسألة نزاع على الصلاحيات الأمنية بين رأسي السلطة في الأراضي المحتلة، الرئيس ياسر عرفات، ورئيس وزرائه محمود عباس.
ويقول مراقبون إن ما يجري حاليا على خلفية تجدد المواجهة مع إسرائيل، يتعلّـق بمستقبل القرار الوطني الفلسطيني.
هنالك خشية من أن يؤدي اتساع رقعة الخلاف الحالي بين ياسر عرفات ومحمود عباس حول مطالبة الزعيم الفلسطيني بالتخلّـي عن مجمل صلاحياته الأمنية إلى تداعيات داخلية يُـمكن أن تفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات تفكّـك على مستوى القيادة الفلسطينية الحالية.
وقد تعزّزت هذه المخاوف مع إصرار الرئيس عرفات ورئيس وزرائه كل على موقفه، لاسيما رفض عرفات التخلي عن صلاحياته معتبرا، حسب مقربين، أن مسؤولياته الأمنية، خصوصا قيادته لقوات الأمن الوطني (نحو 40 ألف عنصر)، ومعها جهازي المخابرات والاستخبارات العسكرية، هي آخر ما تبقّـى لديه، وأنه غير مستعد أبدا للتخلّـي عنها.
وجاء قرار الزعيم الفلسطيني بتعيين جبريل الرجوب، رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق في الضفة الغربية، والرجل القوي فيها، مسؤولا عن الأجهزة الأمنية في منصب مستشار للأمن القومي، مؤشّـرا قويا على حدّة الخلاف الداخلي.
ويحمل قرار تعيين الرجوب رسالة قوية من عرفات، مفادها أن الزعيم المحاصر في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله لا زال قادرا على الرد، بل على التحدي، خصوصا وأن من شأن تعيين الرجوب أن يُـضعِـف موقف وزير الدولة للشؤون الأمنية، محمد دحلان الذي يقف بشكل خاص مع محمود عباس في مطالبة عرفات بالتخلّـي عن صلاحياته الأمنية.
وعودة الرجوب من شأنها أن تصُـبّ زيتا أمريكيا على النار الفلسطينية المتقدة، مع التذكير أن خطوة التعيين جاءت على عكس ما تتمنى الإدارة الأمريكية التي تقف وراء المطلب الإسرائيلي بتفكيك المقاومة الفلسطينية من خلال توحيد الأجهزة الأمنية تحت قيادة رئيس الوزراء، وليس الرئيس المحاصر في المقاطعة.
تداعيات خطيرة
وتُـفيد المصادر المقربة من رئيس الوزراء محمود عباس بإن الإدارة الأمريكية لم تعد توجه ضغوطها ضد عرفات، بل إنها حولتها خلال الأزمة الأخيرة باتجاه رئيس الوزراء الفلسطيني، الأمر الذي يشير إلى إصرار محمود عباس على موقفه من الأزمة الحالية.
وتشرح المصادر ذاتها أن وزير المالية سلام فياض، وهو الذي يقود قناة الاتصال الحالية مع الإدارة الأمريكية، نقل طلب مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية إلى حكومة أبو مازن بأن “تعمل على تحقيق نتائج ملموسة على الأرض للخروج من الأزمة الحالية”.
النتائج الملموسة التي يجري الحديث عنها، لا يمكن ترجمتها إلا من خلال أمرين أساسين، العمل على دفع عرفات للتنازل عن صلاحياته الأمنية، والشروع في برنامج سريع لتفكيك المقاومة.
أمران كل ما فيهما مُـرّ وينذر بتداعيات خطيرة على البيت الفلسطيني الداخلي الذي ظلّـت جدرانه عرضة للضرب الإسرائيلي المستمر على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، ولعلّ في ذلك ما يُـفسّـر الموقف الإسرائيلي الحالي إزاء الأزمة.
تقف إسرائيل، وإن كانت تتحرك باستمرار من خلال عمليات الاغتيال والاجتياح في الأراضي المحتلة، لتراقب تطورات الوضع الفلسطيني الداخلي وهي تعرف تماما أن فيه ما يكفي من عناصر الانهيار، لكن دون أن ينهار.
فعلى مدار العامين الأخيرين، تبلور داخل القيادة الفلسطينية اتجاه قوي جديد يدعو إلى وقف الانتفاضة والمقاومة واللجوء إلى الحوار والمفاوضات، وهو التيار الذي انتهى باستحداث منصب رئيس الوزراء في شتاء العام الماضي.
وفي هذا السياق، تُـعوّل إسرائيل كثيرا على ما يمكن أن تُـسفِـر عنه نتائج التفاعلات الداخلية الفلسطينية، خصوصا وأنها تعرف أن مسألة الأمن التي تتذرع بها، ليست سوى قميص عثمان للضغط على الجانب الفلسطيني، إذ لا يمكن أن تكون إسرائيل التي تتهم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالمشاركة في المقاومة، ترغب في نفس الوقت أن تكون هذه الأجهزة من يعمل على تفكيك المقاومة.
الرد الفلسطيني
يُـصر الرئيس عرفات على موقفه ويرفض التخلي عن صلاحياته الدستورية، ويقوم باتخاذ خطوات تُـثبِـت ذلك على غرار تعيين الرجوب، في حين يظل رئيس الوزراء محمود عباس على موقفه، لكنه لم يخرج بأي إجراءات عملية تدل على تحركاته المستقبلية.
لكن ثمة ما يجري الإعداد له. يريد رئيس الوزراء التوجه إلى المجلس التشريعي الذي منحه الثقة ليطلعه على إنجازات حكومته خلال المائة يوم الأولى، وينتظر في نفس الوقت خطوات عرفات المقبلة وما يمكن أن تفعله إسرائيل.
وفي هذا ما يُـبقي الأمور على احتقانها، لكنه لا يعفي رئيس الوزراء من اتخاذ قرار مصيري للخروج من الأزمة التي تطال مستقبل الفصائل الأخرى، لاسيما حركتي حماس والجهاد الإسلاميتين.
وفي غضون ذلك، يعمل تيار “التغيير” داخل حكومة أبو مازن بقيادة وزير الإعلام نبيل عمرو، ووزير شؤون الأمن محمد دحلان، على إقناع رئيس الوزراء بالتوجه إلى المجلس التشريعي للحصول على “تفويض” يكون بمثابة تصويت على الثقة على الحكومة من خلال برنامج “لفرض سيادة القانون”، أو عمليا لجم المقاومة دون الحاجة للرجوع إلى الرئيس.
ويقول المقربون من عباس إنه غير معني بمثل هذه المحاولة التي لا يمكن حساب نتائجها على الوضع الفلسطيني الداخلي، بل إن رئيس الوزراء قرر الانتقال إلى غزة للإشراف بنفسه على ما يمكن أن تتخذه أجهزته الأمنية التي يقودها دحلان للتأكّـد من لجم أي مضاعفات.
وبانتظار وصول عملية الجذب والتنافر الداخلية الفلسطينية أوج ذروتها، تبقى الساحة السياسية الإسرائيلية الفلسطينية عند مُـربّـعِـها الأول: من يرمش أولا.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.