تفجيرات طابا بين أسئلة السياسة واستنتاجات الواقع
لا زالت التحقيقات مستمرة حول التفجيرات التي هزت فنادق مصرية في منتجعات سياحية مطلة على البحر الأحمر وأدت إلى مصرع 34 شخصا على الأقل.
وفيما يرفض المسؤولون المصريون توجيه الإتهام إلى أي جهة بعينها، تتعدد السيناريوهات المطروحة لمحاولة فهم حقيقة ما حدث.
مع توارد الأخبار الأولى عن التفجيرات التي استهدفت ثلاثة منتجعات سياحية في طابا المصرية بجنوب سيناء، استدعى كثير من المصريين ذكريات أحد أكثر الحوادث الإرهابية إيلاما على النفس المصرية، تلك التي شهدها الدير البحري في البر الغربي في مدينة الأقصر التي تحتوى على ثلث الآثار الفرعونية الموجودة في مصر كلها، وهو الحادث الذي جرى في نوفمبر 1997، وذهب ضحيته آنذاك أكثر من 75 ضحية من السائحين الأجانب، وأودى بصناعة السياحة المصرية لمدة ثلاث سنوات تالية. وكان تعبيرا عن قمة ومأساوية المواجهة المفتوحة بين الجماعات الإسلامية العنيفة والدولة المصرية آنذاك.
غير أن التدقيق في طابا المصرية، أي موقع الحدث الذي يؤمّـه السائحون الإسرائيليون أكثر من أي جنسية أخرى، أخذت الأمور تتضح جزئيا، على الأقل من زاوية أن المستهدفين هم الإسرائيليون بالدرجة الأولى، وليس السياحة المصرية ككل، إذ ليس هناك مواجهة مع الجماعات الإسلامية المصرية التي أعلنت قبل عدة سنوات تراجعها عن العنف كآلية تغيير، وباتت تدعو إلى التغيير بالوسائل السلمية والدعوية المتاحة قانونيا، وعبّـرت عن استنكارها للحادث في بيان واضح ذهب إلى إدانة هذه العملية ووصفها بأنها لا أساس شرعي لها، لأنها استهدفت مدنيين وأطفال ونساء ومدنيين، حتى لو كانوا غير مصريين.
أسئلة السياسة
ومع أهمية هذه الجوانب وصدقيتها، فقد ظل التوضيح جزئيا جدا، إذ جلب معه العديد من الأسئلة التي فرضت نفسها على أي حوار يبدأ دائما بمن الفاعل ومن المستفيد؟ طبعا مع فارق جوهري.
فأسئلة السياسة ليست دائما من حيث المعنى والمضمون كأسئلة الأجهزة الأمنية التي تتعامل مع الأمر كجريمة، سواء إرهابية أو غير إرهابية، يجب حل ما فيها من ألغاز فنية وعملياتية حتى يمكن التعرف على الجاني الحقيقي، وليس الجاني الافتراضي.
بينما أسئلة السياسة تبحث في الغالب عن المبرر والتفسير والمستفيد والنتائج المحتملة، وربما كانت الجهة الفاعلة كأشخاص وأدوات هي آخر ما يكون في بؤرة الاهتمام، رغم أهمية ذلك بالطبع.
ومن زاوية السياسة، يمكن تفهم الاتهامات التي أطلقها الإسرائيليون بسرعة البرق، وقبل أن تتبلور أية معلومة ذات قيمة، ومفادها مسؤولية تنظيم القاعدة عن الحدث.
وكان التبرير الذي قيل لاحقا أن هذه النوعية من العمليات التي تتطلب تخطيطا جيدا وإعدادا لمدة شهور سابقة وتدريبا محكما، لا تقدر عليه إلا القاعدة أو تنظيم صغير مرتبط بها.
كما أن المعلومات التي سبق لإسرائيل الحصول عليها قبل حوالي شهر، وسرّبتها في صورة تحذير لمواطنيها، كانت ترجّـح عملا كبيرا ضد مصالح إٍسرائيلية خارج الدولة، ولكنها كانت تجهل المكان والموعد.
وفى إطار السياسة أيضا، فقد اعتبر المصريون الرسميون أن هذا الاستنتاج متسرع جدا، حسب الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، ولكن دون تجاهله كاحتمال من بين احتمالات أخرى على أن يترك للأجهزة الأمنية المتخصصة حسم الأمر وفقا للوقائع والأدلة والشهود.
أما غير الرسميين من جماعات وأحزاب وكتاب ومحللين سياسيين، فقد رأوا أن هذا التسرع يخفي هدفين إٍسرائيليين، أحدهما ظاهر وهو التغطية على الجرائم الإسرائيلية المتكررة بحق الشعب الفلسطيني، وتطويق أي انتقاد دولي لهذه الجرائم.
أما الهدف الخفي، فهو توجيه التحقيقات إلى وجهة بذاتها لإخفاء وجهات أخرى محتملة، من بينها أن تكون عناصر إسرائيلية نفسها، من الموساد مثلا أو من المتشددين الذين يرفضون إقبال السائحين الإسرائيليين على مصر دون المواقع السياحية الإسرائيلية نفسها، هم الذين دبّـروا الحادثة الإرهابية ليحققوا بها مرام عديدة، كالتغطية مثلا على الاعتداءات المتكررة بحق الفلسطينيين في غزة وغيرها، وإظهار أن معركة إسرائيل في مواجهة عاتية ما تعتبره إرهابا وإرهابيين كثر وبما يتطلب وقوف العالم وراءها.
لكن الأمر المثير هنا حقا، فهو أن إسرائيل، وعلى عكس عادتها المعروفة، ولأول مرة لم توجه اتهاماتها إلى أي فصيل فلسطيني، بل بدت وكأنها تنفي عن الفلسطينيين أي اتهام قد يوجّـه لهم، وتلك بدورها من المفارقات التي لم تكن متصورة من قبل، وإن كانت توضح جانبا من الصورة، ومفادها أن معركة الكيان العبري آخذة في الاتساع رغما عنها، وإن كانت تمتلك أدوات وحماية سياسية ومعنوية أمريكية توفّـر لها قدرة على قمع وإنزال عقاب جماعي على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فليس لديها في الخارج سوى أن يتلقى مواطنوها ومصالحها ضربات بين الحين والآخر من جراء هذه السياسة العدوانية.
تحفظ وروية مصرية
إن رفض جهات التحقيق المصرية إعلان استنتاج أولي بذاته حول الجهة الفاعلة قبل استكمال التحقيقات، وإن عكس قدرا من التحفظ والروية، فهو يعني حسب المعلومات، أن الرؤية المصرية لا تستبعد أي احتمال، بما في ذلك تورطا إسرائيليا من نوع ما، إلى جانب احتمالين آخرين. أولهما، أن الجهة الفاعلة دولية ولها امتداد محلي صغير في الداخل وفّـر إمكانيات التنفيذ بشريا ولوجستيا. والثانى، أن الفاعل هو جهة مصرية أصيلة.
وفي كل الاحتمالات، هناك ثغرة أمنية بات المطلوب معرفتها بكل دقة وإغلاقها على أكمل وجه ممكن.
وهنا تبدو مسألة مراجعة أمن الحدود المصرية في منطقة طابا على قمة الأولويات. فهذه المنطقة التي تخضع لإجراءات حدودية خاصة مع الجانب الإسرائيلي، حيث يسمح للسائحين الإسرائيليين بدخولها دون الحصول على تأشيرة مسبقة من السفارة المصرية في تل أبيب، باتت مؤهلة لإعادة نظر جذرية، خاصة إذا ما ثبت يقينا أن الجانب الآخر من الحدود المصرية كان مصدرا للمتفجرات أو كمية منها، أو معبرا للسيارات التي استخدمت في التفجير، أو ممرا لعنصر من الفاعلين أو أكثر.
استنتاجات مهمة
مثل هذا التحفظ الذي عكس نفسه في عدم التسرع بإدانة جهة بعينها، جاء مصحوبا من الناحية العملية بما يعرف أمنيا بتوسيع دائرة الاشتباه في أفراد ومنظمات وجماعات معروفة وغير معروفة.
ومع توفر بعض المعلومات من شهود قُـدّرت لهم الحياة، بدا الأمر متجها بقوة ناحية ترجيح فرضية أن الحادثة الإرهابية تم تدبيرها في الخارج، وتم تنفيذها بأدوات، هي خليط بين عناصر مصرية وأجنبية.
وجاء البيان الثاني لجماعة غير معروفة من قبل باسم “كتائب عبد الله عزام لتطهير الشام وأرض الكنانة” يُـعلن عن هروب عنصرين شاركا في تنفيذ العملية، ليؤكّـد أن ثمة خلايا نائمة في الداخل شاركت مع جهات من الخارج لتنفيذ العملية.
مثل هذا السيناريو، في حال صحته، يدفع إلى عدة استنتاجات مهمة، منها أن ثمة عناصر تحمل فكرا جهاديا من نفس فكر القاعدة موجودة في مصر، وهى خلايا ليست من قبيل الجماعات الإسلامية المصرية الشهيرة، التي مارست العنف ضد الدولة في التسعينيات من القرن الماضي ثم تخلت عنه عام 1998 فصاعدا.
فهي خلايا جديدة تحمل فكرا جهاديا يتوجه بالأساس إلى ما يسمى بالوجود الأمريكي الصهيوني على أرض مصر. وبذلك، فهي جزء من المواجهة بين الجماعات الجهادية القاعدية المنتشرة في بقاع مختلفة من العالم، وبين القوى التي تصفها هذه الجماعات “بالصليبية الصهيونية اليهودية”.
وفي حال وجود خلايا أخرى من القبيل نفسه، فهذا يعني أن عمليات أخرى ربما تكون قيد الإعداد هنا أو هناك، وأن ثمة حاجة إلى استراتيجيات أمنية جديدة.
يتعلّـق الاستنتاج الثاني بحقيقة أن التجمع السياحي الإسرائيلي هو المستهدف رقم واحد من هذه العملية، وهذا بدوره يمكن ربطه بما يجري في فلسطين المحتلة، ومن ثم فهو يضع المواجهة بين إسرائيل وهذه الجهات المنفذة على أرضية أخرى غير التي ركزت إٍسرائيل عليها مع السلطة الوطنية الفلسطينية وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية، إنها أرضية غير محلية وتتسع باتساع المصالح والتجمعات الإسرائيلية نفسها.
إنها أرضية واسعة جدا، وتتيح دخول لاعبين آخرين غير فلسطينيين لتصفية حسابات مع الدولة الإسرائيلية، بعد أن بدا أن أصحاب القضية أنفسهم باتوا قليلي الحيلة لأسباب عديدة في مواجهة السياسات العدوانية الإسرائيلية.
ويتعلّـق الاستنتاج الثالث بأن المواجهة الممكنة مع هذه المنظمات ليست مواجهة تقليدية، ولن تكون كذلك، حتى وإن تم الإمساك ببعض من عناصرها المحلية، فهي منظمات شبح قد تكون موجودة عضويا وقد تكون مجرد عنوان لشيء آخر، وفي كلا الحالتين، ثمة بداية لمرحلة جديدة من المواجهة والعمل الصعب.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.