تفجيرات مصر: “نحن أمام موجة جنونية من العنف”
رسالة منفذي اعتداءات شرم الشيخ لمصر وللمجتمع الدولي عموما واضحة: "لم يعد أحد في مأمن في أي مكان وأي وقت". الإرهاب يدق الباب رغم التجند الدولي الهائل ضده.
د.محمد عبد السلام، الخبير العسكري والأمني في معهد الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة، أوضح في حديث مع سويس انفو تداعيات وانعكاسات تفجيرات شرم الشيخ.
أكد الرئيس المصري حسني مبارك بعد ظهر السبت 23 يوليو الجاري “عزمه على مواصلة محاربة الإرهاب” و”عدم الاستسلام للابتزاز والتهديد” غداة التفجيرات التي استهدفت منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر ليلة الجمعة إلى السبت.
وأضاف الرئيس في خطاب تلفزيوني وجيز أن “هذا العمل الإجرامي والنذل الذي يستهدف إلى زعزعة استقرار مصر، يعزز عزمنا على مواصلة الحرب ضد الإرهاب والقضاء عليه”. كما تعهد السيد مبارك بـأن مصر “ستواصل مسريتها لضمان التنمية والسلام والاستقرار في المنطقة بأسرها”.
وفي خضم ردود الفعل العربية والدولية المتوالية على اعتداءات شرم الشيخ، أدانت حركة “الإخوان المسلمون” في مصر، أبرز قوى المعارضة في البلاد، ما وصفته بـ”الأعمال الإرهابية في شرم الشيخ التي تتعارض مع قيم الإسلام”.
لإلقاء الضوء على دواعي وأبعاد تفجيرات شرم الشيخ، اتصلت سويس إنفو بالدكتور محمد عبد السلام، الخبير العسكري والأمني في معهد الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة، وأجرت معه الحوار التالي:
سويس انفو: كيف تصفون ما حدث في شرم الشيخ ليلة الجمعة إلى السبت؟
د. محمد عبد السلام: هي أحداث لم تعتدها مصر منذ فترة طويلة، منذ نهاية التسعينات عندما وقعت حادثة الأقصر الشهيرة. لم تألف مصر مثل هذه الأمور رغم أنها شهدت عمليات إرهابية مختلفة حتى منذ منتصف السبعينات لكنها كانت صغيرة ومحدودة ومتباعدة. أما مشاهد القتل الجماعي، ومشاهد التدمير واسع النطاق فتظل غير مألوفة تماما هنا.
لقد شهدنا تقريبا ثلاثة أو أربعة حوادث فقط من هذه النوعية، حادثة الأقصر، حادثة طابا، ثم هذه الحادثة (شرم الشيخ). وبالتالي لدينا تطور نوعي كبير، حتى لا تحتمله نفسية الناس في مصر.
سويس انفو: هل تعتبرون أن اعتداءات شرم الشيخ أكبر بكثير من المذبحة التي شهدتها الأقصر عام 1997؟
د. محمد عبد السلام: لا، كانا في نفس المستوى. الأقصر كانت مُفاجئة تماما لكل الناس في مصر. فمشاهد القتل الواسع النطاق لأجانب في منطقة سياحية لم تكن معتادة على الإطلاق، وبالتالي مثلت صدمة كبرى للناس، كما مثلت أيضا صدمة كبرى للاقتصاد، إذ أن معدل النمو في مصر انخفض في تلك السنة بنسبة 1%، كما تلقت السياحة ضُربة لمدة عام في المرحلة التالية لها تقريبا. حصل اهتزاز شديد في التفكير، وفي مؤسسات الأمن. ربما هذه المرة مختلفة قليلا لأن مثل هذه المشاهد أصبحت مألوفة في العالم وفي المنطقة، وبالتالي لم تؤثر نفسيا بتلك الدرجة. لكن في مصر عادة، لا يتصورون أن هذا ممكن أن يحدث عندنا.
سويس انفو: هل تحمل تفجيرات شرم الشيخ بصمات القاعدة في رأيكم؟
د. محمد عبد السلام: إنها تحمل نفس البصمات التي غالبا ما حملتها التفجيرات السابقة لها في نفس المنطقة في سيناء، حدثت من قبل ثلاثة انفجارات متزامنة في طابا ونويبع وفي قرية عسلة. الآن تحدث نفس الانفجارات في نفس المنطقة. ليس لدى أحد الكثير حول التنظيم السابق. من أين جاؤوا؟ كيف تشكلوا؟ لاعتبارات كثيرة في مصر، لم يتم التركيز على هذه المسألة أو معرفة معلومات عنها. لا أتصور أن لدينا تنظيم جديد، هو ربما نفس التنظيم، ربما بقايا العملية السابقة، فبعض أفرادها اعترفوا أنهم كانوا ينوون تنفيذ عملية في شرم الشيخ من قبل.
لكن ما يحدث في المنطقة، في تركيا في لندن في العراق، في بعض الدول يشير إلى حالة القاعدة، ربما ليست القاعدة أو العناصر المرتبطة بالقاعدة تنظيميا لكن على الأقل عناصر مرتبطة بها فكريا تقوم بنفس النوعية من العمليات، تستخدم نفس الأساليب. وبالتالي الأمور مختلطة إلى حد كبير.
سويس انفو: أليس مثيرا استهداف التفجيرات لمصر تحديدا وفي يوم احتفالها بالذكرى الثالثة والخمسين لانقلاب عام 1952؟
د. محمد عبد السلام: في المرة السابقة أيضا كانت تفجيرات طابا في ذكرى 6 أكتوبر 1973، هذه المرة التوقيت مثير بالفعل إذ يرتبط أيضا بتاريخ معين. إن الرموز مهمة جدا في هذه المسألة، فتفجيرات لندن جاءت أيضا بعد يوم من فوزها باستضافة الألعاب الأولمبية لـ2012. إذا كانت الأمور بهذه الصورة، ربما يشير ذلك إلى وضع خطير جدا، بما أن هنالك عناصر تقوم بتنفيذ عمليات في التوقيت الذي تحدده. لكن أتصور أن المسألة مرتبطة ببعض الاعتبارات الفنية الخاصة، أي أنهم يجدون ثغرة بشكل ما وفرصة لتنفيذ مثل هذه العمليات في منطقة معينة. إن الجوانب الرمزية مهمة، لكن لا أتصور أنها كل شيء.
سويس انفو: وزير الداخلية المصري السيد حبيب العادلي وجه أيضا أصابع الاتهام إلى من وصفهم بالإسلاميين المتشددين، هل في ذلك إشارة لمطالب التغيير والإصلاح في مصر من عدة حركات شعبية من بينها التيارات الإسلامية؟
د. محمد عبد السلام: لا، ربما يقصد وزير الداخلية الإسلاميين المتشددين المتطرفين عموما في المنطقة وليس في مصر، لأن قواعد اللعبة السياسية في مصر مستقرة على أن هنالك خط أحمر شديد الوضوح بين السياسة والعنف. في الوقت الحالي، لا توجد أية مؤشرات من جانب القوى السياسية المصرية عموما بأن أحدا ممكن أن يلجأ إلى العنف.
يمكن اللجوء إلى المظاهرات وإلى ما يوصف أحيانا بالعصيان المدني، لكن حتى الجماعات الإسلامية الموجودة في السجون في مصر قد تراجعت عن أفكارها السابقة، وبالتالي لا توجد مؤشرات بأن هنالك ارتباطات داخلية بهذه المسألة، حتى لو كان المرتكبون من الداخل، وأتصور أنهم ربما يكونون من داخل مصر، لكن من سيناء.
سويس انفو: ما هي الرسالة التي يمكن أن تقرأها السلطات المصرية والمجتمع الدولي عامة من اعتداءات شرم الشيخ، خاصة أنها تأتي بعد أقل من يومين عن الانفجارات الثانية التي استهدفت لندن؟
د. محمد عبد السلام: الرسالة واضحة: لم يعد أحد في مأمن من أي شيء في هذه المنطقة أو في العالم. الرسالة بالنسبة لمصر واضحة أيضا، نحن أيضا لسنا في مأمن. يقولون كثيرا في مصر إنها بلد الأمن والأمان، لكن لم يعد أحد بمنأى عن أن تطوله مثل هذه التفجيرات في الوقت الحالي.
المشكلة أن تفجيرات شرم الشيخ كانت قاسية جدا بالنسبة لدولة تعتمد إلى حد كبير على السياحة كأحد مصادر دخلها، وبالتالي المسألة ليست مجرد مسألة أمن بالنسبة لمصر، بل أيضا مسألة اقتصاد، مسألة هزة نفسية تصيب شعبا لا يعرف عنف واسع النطاق بهذه الصورة. أتصور أنها ستُحول كثيرا من التفكير المصري بخصوص ما يحدث في الإقليم.
سويس انفو: كيف تتصورون انعكاسات هذه الاعتداءات على الاقتصاد المصري؟
د. محمد عبد السلام: ستكون صعبة. الاقتصاد المصري حقق نسبة نمو في الفترة الماضية بنسبة 4,8%، وكانت متوقعا أن ترتفع هذا العام إلى 5% (نسبة نمو صافية). هذه النسبة تعتمد في 20% على الأقل على السياحة تحديدا (لا أتحدث عن شرم الشيخ تحديدا التي تمثل نصيب كبير من السياحة المصرية، لكن على السياحة عموما). وإذا تأثرت السياحة في مصر، أتصور أننا قد نتراجع إلى معدل 4,5% مرة أخرى، وهو ما يمثل ضربة ذات أهمية للاقتصاد المصري.
سويس انفو: قلتم إن أحدا لم يعد في مأمن من التفجيرات والاعتداءات، هل تعتقدون أن ما حدث في شرم الشيخ قد يكون مجرد بداية لسلسلة تفجيرات أخرى في المزيد من الدول العربية؟
د. محمد عبد السلام: التفجيرات تتم بالفعل في الدول العربية في الوقت الحالي، التفجيرات في العراق معروفة، في السعودية أيضا، في اليمن التي يحدث فيها عنف شديد النطاق حتى على مستويات مختلفة شعبية، لبنان وسوريا والأردن يحدث فيها نفس الشيء، منطقة شمال إفريقيا تبدو شديدة التوتر في الوقت الحالي، حتى موريطانيا لم تسلم منها. المشكلة تأتي من هذه العمليات الكبيرة المتباعدة.
نحن نعيش حالة عدم استقرار عامة في المنطقة. لكن ما حدث في شرم الشيخ يشير إلى تطورها بشكل نوعي من خلال عمليات كبيرة جدا لا تؤثر فقط على أمن الدول وإنما على اقتصادياتها.
سويس انفو :هل يمكن القول إن تدمير اقتصاد هذه الدول هو الهدف الرئيسي؟
د.محمد عبد السلام: في حالة القاعدة أو التنظيمات المرتبطة بها فكريا أو تنظيميا أو حتى التنظيمات الداخلية، الأهداف مختلطة جدا ما بين هز الاستقرار والتأثير على أو تدمير اقتصادات الدول، وأحيانا ميول انتقامية وأحيانا القتل لمجرد القتل العشوائي باعتبار أن الآخرين “مرتدين أو كافرين أو حلفاء لليهود والصهاينة” كما يقولون. وبالتالي لدينا موجة جنونية من العنف لا تستهدف مجالا واحدا، وإنما تستهدف حسب اعتقادي كل شيء، وإحداث فوضى عامة في المنطقة.
سويس انفو: هل تعتقدون أنه هنالك إمكانية لمواجهة هذه الموجة الجنونية؟
د. محمد عبد السلام: في المدى القصير، يبدو أن الإرهاب يتصاعد بشكل غير مفهوم، رغم كل هذه الجهود ورغم كل هذه الحروب التي تشنها دول كبرى في العالم وتقوم بها أجهزة الأمن الإقليمية كلها. فلا يبدو أن المسألة قابلة للاحتواء في المدى القصير، لكن التصاعد يحمل دائما جانبين. ربما تكون العمليات الأخيرة بالنسبة لتلك التنظيمات التي تظهر مرة واحدة، ربما تكون بهذا المنطق ضربات يائسة، ضربات نهائية كل يفرغ ما في جعبته في ظل الضغط الأمني.
أما الاحتمال الثاني فيتمثل في التالي: ربما تكون المسألة أكبر مما كان يتصوره الجميع، وأن الإرهاب أكبر بكثير مما كانت أجهزة الأمن وأجهزة التقدير المختلفة تتصوره، وبالتالي لدينا موجة عنيفة. وستتضح المسألة أكثر في الفترة القادمة.
إصلاح بخات – سويس انفو (الحوار أجري في الساعة 11 بالتوقيت العالمي الموحد)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.