تفعيل للمبادرة العربية أم تمهيد للتطبيع؟
من أبرز نتائج اجتماع لجنة المتابعة العربية، الذي عقد في القاهرة يوم 19 أبريل الجاري، تكليف كل من مصر والأردن وفلسطين متابعة الاتصالات مع إسرائيل لتسهيل بدء المفاوضات العربية الإسرائيلية، استنادا إلى بنود مبادرة السلام العربية.
وفي شرح الاتصال، ومعناه أن الأمر هو محاولة لحث إسرائيل على أن تقبل المبادرة العربية كأساس للتفاوض
من أبرز نتائج اجتماع لجنة المتابعة العربية، الذي عقد في القاهرة يوم 19 أبريل الجاري، تكليف كل من مصر والأردن وفلسطين متابعة الاتصالات مع إسرائيل لتسهيل بدء المفاوضات العربية الإسرائيلية، استنادا إلى بنود مبادرة السلام العربية.
وفي شرح الاتصال، ومعناه أن الأمر هو محاولة لحث إسرائيل على أن تقبل المبادرة العربية كأساس للتفاوض، وهو أقل كثيرا من معنى التفاوض الذي أكّـد المصريون على أنه مُـهمة الدول المعنية، التي لها أراضٍ مُـحتلة تطالب بها، لأن التفاوض ببساطة، يعني عملية التوصّـل إلى اتفاقات ذات التزامات متبادلة، لا يقدر عليها إلا أصحابها.
تحركات في اتجاهات عدة
مهمة الاتصال على هذا النحو مربوطة بأمر آخر، وهو احتمال تشكيل وفد عربي من عدة دول يمكن له التفاوض مع إسرائيل لاحقا، إذا ما قامت بعدّة خطوات، منها وقف بناء الجدار العازل ورفع الحصار عن الفلسطينيين وعودة الأوضاع إلى ما قبل انتفاضة القدس 28 سبتمبر 2002.
وِفقا لهذا التصوّر، فهناك مُـستويات للتحرك العربي، منه في اتجاه المنظمات الدولية المعنية والقوى الكبرى، ومنه في اتجاه إسرائيل ذاتها، جزء منه غير مشروط، والآخر مشروط، ووراء ذلك كله هدف أساسي، وهو أن يُـعقد مؤتمر دولي يؤسّـس لبدء التفاوض في مدى زمني محدود من أجل إنهاء الصراع بالمعنى التاريخي وتأسيس علاقات طبيعية بين العرب وإسرائيل لاحقا.
الاتصال المحتوم
قبل الوصول إلى هذه المحطة التاريخية، يبدو أن الاتصالات بين أطراف عربية وإسرائيل ستكون أمرا محتوما، وما دام سيكون جزءً من التمهيد للتفاوض أو تفاوض في حد ذاته، فهل يُـمكن أن يوصف بأنه تطبيع أو تعويم للحكومة الإسرائيلية ورئيسها اولمرت في مواجهة الضغوط، التي تلاحقه من جِـهات عدة في الداخل؟ هنا، يمكن تأجيل الإجابة إلى نهاية هذا التحليل، وبعد المرور على ما يُـطرح إسرائيليا في هذا الصدد.
ليس هناك شك في أن إسرائيل تطرح أهدافا تختلف عن الأهداف العربية، فهي ليست في وارد تقديم التنازلات للعالم العربي ولا أن تقبل المبادرة العربية كما هي وترفض حقّ العودة، ولها موقف متصلِّـب من القُـدس والحدود والمستوطنات.
ومن حيث الأولويات، فالتطبيع مع العرب أو بدء الاتصالات معه، لاسيما مع العربية السعودية، هو هدف في حد ذاته، وحبّـذا إن تحقق دون الدّخول في متاهات التفاوض مع الفلسطينيين أو السوريين.
السعودية والغزل الإسرائيلي
وما الغزل السياسي، الذي قال عنه أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي لفني، قبل عقد قمة الرياض ودعوة الأخيرة لعقد قمة عربية يحضرها أولمرت نفسه أو في صورة اجتماع عشري يضم الرباعية الدولية وخمسة دول عربية، بينها السعودية وإسرائيل، إلا تعبير صارخ عن رغبة قوية في تغيير المعادلات المحيطة بإسرائيل، دون تقديم أي تنازلات أو حتى تعهّـدات بشأن السلام ومتطلّـباته.
يلحق بما سبق، افتراض أن السعودية يمكن أن تقدم على خطوة كهذه، دون أي مقابل أو أن الملك عبد الله يمكنه أن يتجاوز كل الخطوط الحمراء في داخل المملكة وبين أمَـرائها ومواطنيها، فقط من أجل عيون إسرائيل واولمرت شخصيا.
ربما هنا يقال أن ثمة ضغوط أمريكية كثيفة على السعودية لكي تقوم بمثل هذه الخطوات المجنونة أو أن الملك عبد ال،له بما لديه من رغبة في إشاعة السلام والاستقرار وإعادة الحقوق الفلسطينية، يمكنه أن يقوم بخطوات صادِمة وحسب.
هذه كلها أمنيات أبسط ما تُـوصف بأنها شيطانية، فهي لا تتجانس مع الفكر المؤسسي السعودي، فضلا عن أن الوضع السعودي الآن هو أفضل بكثير مما كان عليه قبل عدة سنوات، ولا مجال لضغوط أمريكية على الرياض في وقت يحتاج فيه الرئيس بوش كل أصناف الدعم والمساندة السعودية في العراق وغيرها، ناهيك عن إدراك القادة السعوديين أن علاقاتهم، إن بدأت مع إسرائيل، فهي في حد ذاتها جائزة كبرى، وهو ما يستدعي أن يكون له ثمن كبير.
وإن فعل السعوديون غير ذلك، فسيكون هناك خطب كبير تضحّـي من أجله المملكة بسُـمعتها ووزنها الديني والمعنوي، وهو خطب غير موجود بعد، على الأقل في هذه الظروف الراهنة.
احتمالان للمهمة المصرية الأردنية
عودة إلى المهمة المصرية الأردنية، وهى الاتصال بإسرائيل، وإن تم دمجها مع ما تطرحه المصادر الإسرائيلية والأمريكية، فيمكن أن يحتمل أمرين، الأول، أنه جزء من تخطيط عربي أمريكي غير معلن أو مجرد تفاهم بهدف تغيير المعادلات القائمة في المنطقة عبر تغيير محسوب في العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية، يمكن استثماره في الهروب الأمريكي المشرف من العراق لاحقا.
الثاني، أنه خطوة عربية بالدرجة الأولى من ضمن خطوات محسوبة عربيا وإقليما ودوليا، بهدف تنشيط عملية السلام بالفعل، مع قدر من التنسيق مع الولايات المتحدة بصفتها عنصر أساسي لا يمكن تخطّـيه في أي أمر يتعلق بالتسوية والمفاوضات وخلافه.
والفارق بين الأمرين كبير، فالأول، يعني أن ما يقدِم عليه العرب هو مجرد أدوار مصنوعة في واشنطن، والثاني، يعني أن العرب يمارسون دورا إراديا واعيا بما له وما عليه، وتدفعهم في ذلك مصالح حقيقية.
وما ستقوم به مصر والأردن، له مبرراته. فهما الوحيدان اللذان يمكنهما التواصل المستمر مع تل أبيب، دون اعتبار ذلك تراجعا في الموقف العربي العام أو تنازلا ما، وهما معنيان بالسلام الشامل، لأنه الوحيد الذي يحمي تعاقداتهما السابقة مع إسرائيل ويمنع عنهما صنوفا شتّـى من الحرج والضغط السياسي والمعنوي من هذا الطرف العربي أو ذاك، وهما الوحيدان أيضا، إن اتصلا بتل أبيب، فلا اتهام لهما بأنهما يطبعان بالمعنى الدارج لدى رافضي مبدإ التسوية أصلا.
ومع ذلك فإن، هذا الاتصال المنتظر لن يخلو من صِـعاب، خاصة إن وجَـدا لدى إسرائيل، وهو المتوقع، ردودا باردة ولا مبالاة بمستقبل المنطقة وسلامها.
تطبيع أم ماذا؟
هذا الفهم العام يقودنا إلى الإجابة عن السؤال سابق الذكر، هل سيكون هذا الاتصال المصري الأردني تطبيعا مجانيا، ثم ماذا عن نجاح ممكن بالمقاييس العربية المعلّـنة قد يتلوه اجتماع لوفد عربي مع إسرائيل يمهِّـد لمفاوضات حل نهائي وتاريخي؟
الواضح هنا في ضوء الملابسات المتداخلة المشار إليها، أن المسألة تخضع لتقييمات متباينة، بعضها مُـسبق ومكرر. فالذين يرون أن مجرد الاتصال بإسرائيل هو تطبيع وتنازل للعدو التاريخي، أيا كانت نتائج هذه الاتصالات والهدف منها وطبيعتها المحصورة في الإعداد للتفاوض، وتعبئة ضغوط دولية وسياسية للبدء في مفاوضات جادة لحل نهائي.
وبدون إنكار، أن الاتصال في حد ذاته، لاسيما إن شمل عدة أطراف عربية لا علاقة لها بإسرائيل، سوف يمثل نُـقلة نوعية في البيئة السياسية الإقليمية، فإن مفهوم التطبيع أو إقامة علاقة طبيعية بين بلدين، ما هي أكبر من مجرد اتصالات سياسية محصورة في نطاق معيّـن ولا تجر معها إلتزامات تعاقُـدية أو يترتّـب عليها مواقف مُـعينة أو اعتراف قانوني ما.
وحالة مصر، وهي الأقدم في الاتصال بإسرائيل والأقدم أيضا في توقيع معاهدة معها، لاا زالت بعيدة تماما عن معنى التطبيع والعلاقات العادية بين بلدين جارين.
تضخيم مصطنع
فحتى المستوى الرسمي، الذي يشهد تفاعلات عديدة، فإنه لا يستطيع أن يحجب حقيقة أن إسرائيل في الذهن الشعبي الجماعي المصري، لا زالت هي العدو ومصدر التّـهديد الاستراتيجي، وهي المغتصب لحقوق الفلسطينيين والحاجز لتفاعلات طبيعية بين المشرق العربي والمغرب العربي، كما كان الحال في سنوات التاريخ السابقة لقيام دولة إسرائيل، والذين يُـدركون حقيقة حالة “التطبيع” غير الموجودة بين مصر وإسرائيل بعد مرور 28 عاما على توقيع المعاهدة، يُـدركون أن هناك تضخيما مُـصطنعا فيما يُـقال أن مجرّد الاتصالات بين وفد عربي مع إسرائيل، بعد قيام الأخيرة بمواقف مُـعينة من شأنها تحسين الوضع الفلسطيني بوجه عام مع قبولها المبادرة العربية جملة وتفصيلا، هو بدء تطبيع شامل عربي إسرائيلي.
فالأمور ليست بهذه البساطة، وقناعات الشعوب وميولها النفسية لا تتغير بمجرد حدث عابر مصمّـم أساسا لكي يبني عملية ستكون صعبة وطويلة ومعقدة في كل المقاييس، وستخضع لكثير من التقلبات، بعضها إيجابي وأغلبها، ربّـما يكون محبطا.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
القاهرة 18 أبريل (رويترز) – طلب وزراء الخارجية العرب من مصر والأردن يوم الأربعاء 19 أبريل، الاتصال بالإسرائيليين ومحاولة إقناعهم بقبول مبادرة السلام العربية التي تعرض على إسرائيل تطبيع العلاقات مقابل الأرض ودولة فلسطينية.
وترتبط كل من مصر والأردن من قبل بعلاقات مع إسرائيل، وكانت الحكومة الإسرائيلية تأمل في أن يضم العرب دولا أخرى إلى مجموعة العمل التابعة للجامعة العربية، التي تشكلت من مصر والأردن، لترويج مبادرة السلام العربية لدى إسرائيل، لكن الجامعة العربية عيّـنت مصر والأردن فقط في مجموعة العمل التي كُـلّـفت بالاتصال بالإسرائيليين، وضمت مجموعة عمل ثانية، كُـلِّـفت بالاتصال بجهات أخرى، ثمانية وزراء خارجية عرب والأمين العام للجامعة عمرو موسى.
وقال موسى في مؤتمر صحفي، بعد اجتماع وزاري خاص حول مبادرة السلام العربية، “ليس هناك تطبيعا مجانيا للعلاقات”.
وسُـئل عن موعد بدء الاتصالات فقال، “ممكن غدا أو خلال أسبوع، الأمر متروك لمصر والأردن”.
وقالت متحدثة باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت ان اسرائيل ستستقبل مجموعة العمل العربية.
وقالت المتحدثة ميري ايسين، “سنكون سعداء ونحن نستمع إلى المبادرة العربية… لن نملي على أي أحد ما يريد أن يقول لنا وسنعبِّـر عن مواقفنا وسنكون سعداء بأن نفعل ذلك للمندوبين”.
وتعرض مبادرة السلام العربية، التي أعيد إطلاقها في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض الشهر الماضي على إسرائيل علاقات مع الدول العربية، مقابل عودة الأرض، التي احتلت في حرب الشرق الأوسط عام 1967 وتسوية لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
وقالت الجامعة العربية، إن التفويض الممنوح لمصر والأردن سيكون بدء جهود لوضع مبادرة السلام العربية في حيِّـز التنفيذ وتسهيل بدء المفاوضات.
وقال مصدر حكومي إسرائيلي إن الأمر “مهم لأن الجامعة العربية ستوفد دولتين عربيتين للتفاوض مع إسرائيل”، وأضاف “لكن هذا طريق طويل وقد اتخذوا خطوة صغيرة في بدايته”.
وقال موسى، إن الجامعة العربية مستعدّة لتشكيل فريق عمل موسّـع من دول عربية للاتصال بالحكومة الإسرائيلية.
وفي مقابل ذلك، طلبت الدول العربية، كما جاء في بيان صدر عقب الاجتماع، “قيام إسرائيل بوقف ممارساتها في الأراضي (الفلسطينية) المحتلة وعلى رأسها رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ووقف بناء المستوطنات و(وقف) بناء الحائط و(وقف) إجراء الحفريات (قرب المسجد الأقصى) في القدس، وكذلك العودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه في 28 سبتمبر أيلول 2000 (قبل انتفاضة الأقصى)”.
لكن وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، الذي رأس الاجتماع قال في مؤتمر صحفي “لا”، حين سُـئل عمّـا إذا كان ممكنا أن تكون السعودية ضِـمن فريق العمل العربي الموسّـع المستعد للاتصال بإسرائيل.
وقال موسى إن وزير خارجية عربي أخر قال حين سئل عما إذا كان مستعدا للاتصال بإسرائيل: “في المشمش.”
ونفت مصر والجامعة العربية تكهّـنات بأن مجموعة العمل ستتفاوض مع إسرائيل على تفاصيل مبادرة السلام، وقالتا إن هذا متروك للحكومات العربية التي لها مطالب في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وهي سوريا ولبنان والسلطة الفلسطينية.
وقال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط للصحفيين بعد اجتماع وزراء الخارجية “”إننا لن نتفاوض مع إسرائيل… التفاوض مع إسرائيل تقوم به أطراف لها مشاكل مع إسرائيل”.
وتغيّـرت مواقف إسرائيل والولايات المتحدة في العلن، لكن محللين يقولون إنه من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل مستعدة للمرونة في شأن قضايا الوضع النهائي، مثل حدود الدولة الفلسطينية وقضية اللاجئين الفلسطينيين.
والدول التي تتكوّن منها مجموعة العمل الثانية، هي مصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وقطر والسعودية وسوريا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 أبريل 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.