مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تقرير برلماني عن إدارة الأزمة مع ليبيا يكشف اختلالات كبيرة في عمل الحكومة الفدرالية

هانس رودولف ميرتس، وزير المالية السابق، وميشلين كالمي-ري، وزيرة الخارجية، وأولي ماورر، وزير الدفاع خلال لقاء مع وسائل الإعلام حول تطوّرات الأزمة مع ليبيا، يوم 22 اكتوبر 2009. Reuters

نشر يوم الجمعة 3 ديسمبر2010 تقرير برلماني طال انتظاره حول الطريقة التي أدارت بها سويسرا أزمتها الدبلوماسية مع ليبيا التي امتدت من يوليو 2008 إلى يونيو 2010. واتسمت خلاصات التقرير بشدة بالغة تجاه عدد من كبار المسؤولين الذين أداروا هذه الأزمة، وأشار إلى العديد من الإختلالات على مستوى عمل الحكومة الفدرالية.

ويتوقف التقرير الذي أشرفت على إنجازه لجنة التصرف (المعنية بمراقبة أداء السلطة التنفيذية) التابعة لمجلس الشيوخ السويسري عند إختلاليْن كبيريْن ميّزا إدارة هذه الأزمة، يتعلق الأوّل بغياب التدفق السلس للمعلومات بين أعضاء الحكومة الفدرالية، وتجاوز بعض اعضاء الحكومة لاختصاصاتهم، وخلصت اللجنة من خلال ذلك إلى “غياب التوافق داخل الحكومة، الشرط الأساسي لنجاح عملها”.

ويقول التقرير “إن لجنة المراقبة البرلمانية تعتقد ان أعضاء الحكومة لا يجب ان يكتفوا خلال أدائهم لعملهم بما ينص عليه القانون، بل عليهم ان يلتزموا كذلك بروح التوافق الحكومي”. وتبيّن للجنة المراقبة كذلك أن “حالة من الارتياب والشك وعدم الثقة قد سادت بين أعضاء الحكومة ابتداءً من شهر أغسطس 2009”.

اختلالات رئيسية

وعن الأخطاء الكبرى التي يتوقف عندها التقرير، خصوصا توقيع هانس رودولف ميرتس للإتفاق الثنائي مع ليبيا من أجل حل الأزمة خلال زيارته إلى طرابلس في 20 أغسطس 2010، واعتذاره رسميا عن توقيف نجل الزعيم الليبي هانيبال لمدة قصيرة في جنيف في يوليو 2008، ثم مسألة التخطيط والإعداد السري الذي تم من أجل تهريب الرهينتيْن السويسريتيْن (ماكس غولدي ورشيد حمداني) إلى خارج ليبيا كمرحلة اولى من أجل إعادتهما إلى سويسرا.

ومما يؤاخذه التقرير بالنسبة للمسألة الأولى هو تفرد ميرتس، رئيس الكنفدرالية آنذاك، والذي غادر منصبه كوزير بالحكومة الفدرالية في موفى أكتوبر 2010 بالتوقيع على الاتفاق الذي أنشئت بمقتضاه هيئة تحكيم دولية للبت في الظروف التي أحاطت باعتقال هانيبال القذافي على يد شرطة جنيف. وكذلك الطابع الفردي لقراراته، واتخاذه لخطوات غير مدروسة.

وأما بالنسبة للمسالة الثانية، المتعلقة بالإعداد السري لتهريب الرهائن السويسريين إلى خارج ليبيا، فإن التقرير – وإن كان لا يرى أي داع قانوني أو سياسي للشك في قانونية العملية من أساسها، أو في إشراك وحدة القوات الخاصة (DRA 10) التابعة للجيش فيها – لأنه بحسب اللجنة فإن “أي دولة قانون يجب أن تتوفّر على الوسائل الضرورية للقيام بعمليات من هذا القبيل، أو الإستعداد للمشاركة مع بلدان أخرى في مهام من هذا النوع”، فإنها خلصت رغم ذلك ومن خلال تحقيقاتها إلى أن “وزارة الخارجية ووزارة الدفاع لم يشركا معهما في تلك الخطوة بقية أعضاء الحكومة، كما تنص عليه المراسيم المعمول بها”.

وفي ضوء ما سبق، توصي هذه اللجنة الحكومة الفدرالية بأن”يعاد النظر في رسم مهمات فرقة القوات الخاصة (DRA 10) ، كأن تقلص أدوارها في المستقبل إلى حد كبير، أو أن تتحوّل مهمتها إلى تأمين المنشآت الحساسة في البلاد، أو من أجل حفظ السلام في الخارج”.

ولا شك أن هذه الخلاصات سوف تخدم الخصوم المطالبين بحل هذه الوحدة من أنصار حزب الخضر (يسار)، واتباع حزب الشعب (يمين شعبوي). ولقد أصبح وجود هذه الوحدة محل شك خاصة بعد فشل مشروع “Atalante” الهادف إلى مكافحة القرصنة في عرض سواحل القرن الإفريقي. وقد بدأت هذه الوحدة الخاصة عملها سنة 2007 ووجدت في الأصل من اجل مساعدة المواطنين السويسرين الذين تواجههم صعوبات قاهرة في أحد البلدان الأجنبية، وتعد حاليا 30 فردا.

المزيد

المزيد

الحكومة الفدرالية، الوزير الفدرالي، رئيس الكنفدرالية

تم نشر هذا المحتوى على تسمى الحكومة الفدرالية السويسرية مجلس الحكم الفدرالي، وهي تتشكل من سبعة وزراء فدراليين (يُـطلق عليهم أيضا اسم المستشارين الفدراليين)، يتم انتخابهم من طرف غرفتي البرلمان (اللتان تشكلان مجتمعتين البرلمان الفدرالي) ويعاد تثبيتهم في مناصبهم كل أربعة أعوام. كل مستشار فدرالي يتحمل مسؤولية دائرة معينة بصفة وزير. طبقا لنظام دوري، يتقلّـد كل وزير فدرالي مهام رئيس…

طالع المزيدالحكومة الفدرالية، الوزير الفدرالي، رئيس الكنفدرالية

التوتر بين اعضاء الحكومة

يلقي التقرير الضوء كذلك على التوترات التي كانت قائمة خلال الأزمة مع ليبيا بين هانس رودولف ميرتس، رئيس الكنفدرالية سنة 2009، ووزيرة الخارجية ميشلين كالمي-ري، ويدعو إلى ضرورة توضيح الطرق التي يجب اتباعها في المستقبل بشأن التنسيق بين الكانتونات والحكومة الفدرالية في القضايا المتصلة بالعلاقات الخارجية. ويذكّر بان الوضع تعقّد أكثر عندما أقدمت صحيفة “لاتريبون دي جنيف”، الصادرة بجنيف، على نشر صور لهانيبال القذافي خلال إيقافه من طرف الشرطة، وهو عمل محظور قانونيا.

وفي هذه النقطة بالذات، ترى اللجنة أنه كان من المفيد أن “ينتقل ملف هانيبال القذافي بسرعة أكبر مما حدث من المستوى الكانتوني على المستوى الفدرالي، وانه كان من اللازم إعلام وزيرة الخارجية بقرار تدخل شرطة جنيف وإيقافها لهانيبال وزوجته قبل حدوث الإعتقال نفسه، وكان على الحكومة الفدرالية في تلك المرحلة أن تجتمع للنظر في القضية، وأن تضع أهدافا واضحة، وسبل الوصول إلى تحقيقها”.

كذلك نبّه التقرير إلى نقص التعاون بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع بشأن الإعداد المزمع لعملية خاصة من أجل تهريب الرهائن إلى خارج ليبيا، ومما ورد في التقرير بهذا الشأن: “لم تتنبه لا وزارة الخارجية ولا وزارة الدفاع إلى انه من الضروري إطلاع بعضهما البعض على مجريات الإعداد لتلك العملية”.

ورغم ما يبدو من تكتّم وسرية في عمل كل وزارة بمفردها، توصلت اللجنة البرلمانية إلى أن الحكومة الفدرالية قد فشلت في ضمان السرية الضرورية في عملها خلال الأزمة مع ليبيا، وأشارت اللجنة إلى أنها أعربت عن إنشغالها للحكومة الفدرالية خلال لقاء سابق عقد معها بسبب نشر وسائل الإعلام لمعلومات حساسة عن العملية الخاصة التي كانت ستتكفل بها وحدة القوات الخاصة (DRA 10) التابعة للجيش السويسري.

ولتجاوز ذلك في المستقبل، تدعو اللجنة الحكومة الفدرالية إلى “اتخاذ الإجراءات اللازمة، في مجال اختصاصها، من أجل ضمان السرية من طرف كبار الموظفين في الإدارة الفدرالية”. ومن أجل التأكّد من تحقق ذلك في المستقبل تدعو اللجنة البرلمانية الحكومة الفدرالية إلى “إعادة النظر في جدوى التقنيات والآلات المستخدمة من طرف الموظفين في إدارات الدولة”.

دروس مستخلصة

أما بشأن طلب وساطة بعض الأطراف الخارجية سواء كانت هذه الأطراف دولا أم أفرادا، فإن التقرير يذكر عدة جهات حاولت تذليل الأزمة نظرا للعلاقة الوطيدة لتلك الافراد بدوائر الحكم العليا في ليبيا، ويذكر في هذا الإطار رئيس الوزراء التركي طيب أوردغان، ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني، ورؤساء بعض البلدان الإفريقية الصديقة لليبيا، او كذلك بعض الأشخاص النافذين مثل أحمد بن بله، الرئيس الجزائري الأسبق.

من جهة أخرى، توقف التقرير البرلماني بشكل أساسي عند رجل أعمال تونسي ( لم يذكر إسمه في التقرير) مقيم في كانتون تيتشينو (جنوب البلاد) إستعان به هانس رودولف ميرتس من اجل تيسير التواصل مع النظام الليبي. وفي هذه النقطة بالذات، استنتجت اللجنة أن رئيس الكنفدرالية آنذاك لم يعلم الحكومة بوساطة هذا الرجل، ولم تتاكد أي جهة أمنية أو غير أمنية في سويسرا من أهلية هذا الرجل للقيام بالدور المطلوب منه. وقد اختارت اللجنة لاسباب تتعلق بأمن الدولة عدم تضمين التقرير المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع.

لا يتوقف التقرير البرلماني عند الإشارة إلى الإختلالات التي اعترت عمل الحكومة الفدرالية بشان الأزمة مع ليبيا، بل يشدد كذلك على وعي اللجنة بالظروف الصعبة التي أحاطت بعمل أعضاء الحكومة، خاصة “قيام بعض الاطراف بتوظيف هذه الأزمة وتطوراتها المتلاحقة لأغراض سياسية داخلية، وقيام وسائل الإعلام بنشر معلومات سرية تضرّ بالجهود المبذولة”.

ورغم كل هذه الإنتقادات، يختم التقرير بالتأكيد على ان الغرض الأساسي منه هو إستخلاص الدروس للمستقبل، وينوه بالجهود الكبيرة التي بذلها كل من هانس رودولف ميرتس، وميشلين كالمي-ري، اللذين بحسب التقرير نفسه: “لم يكن غرضهما سوى السماح للرهينتيْن السويسريتيْن بالعودة سالميْن إلى بلدهما”. وهو ما قد يعني أن هذا التقرير لن يؤدي إلى تداعيات سياسية دراماتيكية في الوقت الحاضر على الاقل.

بعد مرور عامين على إيقاف هانيبال القذافي وزوجته في جنيف، لا زالت عملية تطبيع العلاقات بين البلدين متعثِّـرة ولم تُـحسَـم بعدُ كل القضايا العالقة.

بعد اتفاق 13 يونيو 2010، الذي وقعت عليه وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري في طرابلس مع نظيرها الليبي وعودة ماكس غولدي إلى سويسرا، بدأ البلدان في تطبيق بنود الاتفاق، ولكن بكثير من البـطء.

في مرحلة أولى،ٍ جدّد الطرفان اختيار القاضية البريطانية إليزابيت ويلمشروست (نائبة عن سويسرا) والقاضي الهندي سرينيفازا باماراجو راو (ممثلا لليبيا) لعضوية هيئة التحكيم، لكن القاضيين لم يتفقا في الموعد المحدد (أي بعد مرور 30 يوما على تاريخ 13 يونيو)، بشأن اختيار قاضٍ ثالث لرئاسة الهيئة.

تتجه الأنظار الآن إلى السيد هيساشي اووادا (من اليابان)، رئيس محكمة العدل الدولية في لاهاي، ليختار قاضيا يترأس هيئة التحكيم، لكن الإتفاق المبرم بين ليبيا وسويسرا، لا يضبط أجلا محددا للقيام بهذه العملية.

على المستوى الاقتصادي، استمر تراجع الصادرات السويسرية إلى ليبيا على مدى الأشهر الماضية، حيث تقلصت في شهر مايو الماضي بنسبة 83،3% (مقارنة بنفس الفترة من عام 2009)، لتستقر عند حدود مليوني فرنك. في المقابل، تراجعت الواردات السويسرية من ليبيا (النفط الخام أساسا) بنسبة 99،6% (مقارنة بنفس الفترة من عام 2009).

ومنذ بداية عام 2010، بلغ متوسط انخفاض الصادرات السويسرية إلى ليبيا 59،6% فيما ارتفع متوسط الواردات بنسبة 34،8% (مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي).

تشير آخر معطيات وزارة الخارجية إلى أن الحضور السويسري في ليبيا لا زال ضعيفا جدا. فبالإضافة إلى 32 شخصا من الحاملين لجنسيات مزدوجة، لا يزيد عدد السويسريين المقيمين حاليا في ليبيا عن 5، يعمل اثنان منهم في السفارة السويسرية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية