تقسيم العراق.. توصية “غير مُلزمة” لكنها تنذر بخرائط جديدة
"كارثة على العراق وعلى المنطقة بأسرها"، هكذا كانت كلمات نوري المالكي، رئيس وزراء العراق تعليقا على قرار لجنة مجلس الشيوخ غير المُـلزم حتى اللحظة للبيت الأبيض حول تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، استنادا إلى أسس طائفية وعرقية، كيانان، سُـني وشيعي وثالث كردي.
وإذا كان من المُـمكن التساؤل: وماذا فعل المالكي نفسه في العامين الأخيرين لمنع مثل هذا الاحتمال الكارثي؟، فإن النقاش يدور الآن حول ما يجب أن يفعله العراقيون للحِـفاظ على دولتهم موحّـدة، جغرافيا وسكانيا واجتماعيا، سواء كان النظام الإداري فدراليا أم مركزيا مشدّدا أو مركزيا مَـرنا.
فهنا مربط الفرس، لأن الأمر ببساطة يتمثل في وجود فارق جوهري وكبير بين دولة موحّـدة يكون نظامها الإداري فدرالي، كشأن النماذج المعروفة في العالم المعاصر، كالنموذج السويسري والنيجيري والباكستاني والهندي والكندي والأمريكي نفسه، وهي نماذج لا يشكِّـك في وِحدتها أحد على الإطلاق، وبين دولة موحّـدة على الورق، ويشكِّـك كل من هبّ ودبّ في وحدتها، ويُـدعى اصطناعها تاريخيا ويعمل على تصحيح هذا الخلل بنفسه أو بالتعاون الخفي مع قوة الاحتلال، وتكون منقسِـمة بين أقاليم أمر واقع لكل منه نظامه الإداري الخاص وعلاقته المحدودة مع المركز، مع سعي كل طرف لكَـسر هذه العلاقة، بُـغية الانفصال وليَـكُـن ما يكون.
ففي هذه الحالة التي تبدو بعض ملامِـحها موجودة بالفعل في عراق اليوم القابع تحت الاحتلال، يصبح الوضع محملا بكُـل سوء على العراق والعراقيين وعلى الجيران القريبين والبعيدين على السَّـواء.
جوانب سوء مؤكّـدة
من جوانب السوء المؤكدة في حالة تقسيم العراق، أن خريطة الإقليم ستتغيّـر تغيُّـرا جوهريا، ليس فقط في أحجام الدّول، سكانيا وجغرافيا، وفي مواردها الطبيعية الخاصة، بل في علاقاتها البينية.
ولما كان العراقيون أو لنقل الغالبية العظمى منهم متواصلون إنسانيا واجتماعيا ومصلحيا، فإن تقسيم البلاد سيعني الفك القسري لتلك الروابط الطبيعية، بما سيترتّـب عليه في الحد الأدنى من تشكل مشاعر عدائية وهواجس وظُـنون، ستكون لها نتائجها على علاقة الكِـيانات التي سيتم اصطناعها في صورة دُويلات صغيرة، أما الحد الأقصى، متمثلا في خيار الاقتتال الأهلي والحروب البينية، فسيجد بدوره تُـربة خصبة لعقود طويلة مقبلة.
والمرجّـح، أن هذا الاقتتال الأهلي سيقود أيضا إلى تدخّـلات إقليمية، كل لنصرة فريقه، وهو ما أشار إليه بعض قادة التركمان العراقيين بأنهم قد يجدون أنفسهم معلنين كِـيانهم المستقل وداعين تركيا الأم لنُـصرتهم.
تغيُّـر الخرائط بهذه الطريقة، سيعني أيضا تغيّـرا كبيرا وحادّا في توازن القوى، فاختفاء العراق الموحّـد والكبير والقوي، سيقود حتما إلى إضافة إستراتيجية كبرى بالنسبة لإسرائيل، يقابله خصم هائل من العرب، لاسيما في المشرق.
ووِفقا لمسؤولين أمنيين واستخباريين إسرائيليين، فإن العراق المحتَـل هو فرصة كُـبرى لتقسيمه وتفكيكه وإعادة تركيبه، وتصحيح ما يرونَـه خطأً بريطانيا، حين اصطنعت في العشرينات من القرن الماضي كيانا كبيرا يجمع بين هوِيات وانتماءات دِينية وسكانية متباينة، وهم في ذلك يُـعيدون التأكيد على مقولة برنارد لويس، المؤرخ الأمريكي اليهودي الشهير، بأن العراق ليس أكثر من كِـيان مُـصطنع يجِـب تصحيحه.
نحو توريط العراق وجيرانه
لقد أوضح قرار الكونغرس أن التفكير الأمريكي في واحدة من كُـبريات المؤسسات الصّـانعة للقرار، يتّـجه نحو الخروج من الورطة العراقية بأي ثمن، حتى ولو كان ذلك أن يتورط العراقيون أنفسهم ومعهم باقي المنطقة المحيطة، في حروب أهلية ضَـروس تمتَـد سنوات وسنوات.
فالمهم أمريكيا، هو حِـفظ ماء الوجه من ناحية وإعادة تركِـيب المنطقة ورسم خرائط جديدة لها من ناحية أخرى، تضمَـن حِـماية إسرائيل والمصالح النفطية الأمريكية من ناحية ثالثة.
لا يمكن للمرء أن يكون له عـتاب على المخطِّـطين الأمريكيين الذين يعملون على ضمان مصالحهم الآنية والبعيدة معا، فتلك بديهية في العلاقات الدولية، ولكن العِـتاب – إن كان لا بد منه – يأتي أولا على العراقيين وثانيا على العرب وثالثا على الجيران الإقليميين، والذين، رغم ما بينهم من خلافات، فقد اتَّـفقوا دون أن يدروا على التّـضحية بالعراق الموحّـد والمُـتجانس والمتضامن فيما بينه، حماية لذاته وللمنطقة معا.
ولعل ردُود الفعل العراقية الأولية توضِّـح أن فكرة تقسيم العراق، وإن لم تكُـن معتَـبرة ومحبَّـبة للنفس، فهي ليست مكروهة وغير مُـحرّمة لدى البعض، والذين يرون أن التقسيم على أسُـس عِـرقية وطائفية هو الخيار الأمثل، ليس لحل مشاكل العراق كما يدّعون، وإنما تحقيقا لطموحات ذاتية لقوى سياسية بعينها.
مرحِّـبون وكارهون ورافضون
فالأكراد في العراق، كما في دول أخرى مُـجاورة، يُـراودهم منذ زمن بعيد حُـلم دولة مستقلة، وهم في العراق ولمدة 17 عاما يعيشون في ظل حكم ذاتي موسَّـع، بعيدا عن سلطان المركز في بغداد، وحين جاء الاحتلال، أقر الوضع القائم، وفى الدستور العراقي الجديد اعتراف بخصوصية الحالة الكردية، واستنادا إلى مبدأي الفدرالية والدولة الاتحادية ذات المركز المحدود الصلاحيات، يبدو الأكراد أقرب إلى تحقيق الحُـلم في إدارة الشؤون الذاتية، كخُـطوة على طريق الدولة المستقلة، ولذا، لم يكن غريبا أن يأتي الترحيب العلني الوحيد لقرار الكونغرس من قِـبل حكومة كردستان العراق.
يرافق ذلك تحفّـظٌ خَـجول من قِـبل القوة الشيعية الأكبر، أي المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة عبد العزيز الحكيم، والذي اضطر بعد مرور أسبوع على صُـدور قرار الكونغرس، إلى توضيح موقفه بأن طموحه هو في فدرالية، كما أتى بها الدستور العراقي، وليس تقسيما، كما يقول منطوق قرار الكونغرس، وهو توضيح لم يُـخف طموحا ذاتيا بأن يُـنشأ إقليم كبير في الجنوب العراقي بنفطه ومنفذه البحري على الخليج، وموارده الزراعية والمراقد الشيعية المقدسة، يسوده المجلس الأعلى ويُـهيمن على شؤونه، خالصة أو شبه خالصة، تحت دعوى أن ذلك سيُـحقق للشيعة أن لا يكونوا مرّة أخرى تحت سيطرة السُـنة.
أما الرفض العراقي الواضح، فجاء من عدّة كُـتل نيابية، وهي الائتلاف العراقي الموحّـد وجبهة التوافق العراقية والحوار الوطني والكُـتلة الصدرية والقائمة الوطنية العراقية، داعين البرلمان العراقي لإصدار قانون يمنع تقسيم العراق تحت أي ذريعة.
سبيل لرفض التقسيم
هذه التشكيلة من المواقف العراقية، تعني أن قرار الكونغرس له مؤيدوه في الداخل وله من يتطلّـعون إلى تطبيقه، لما فيه من مصلحة ذاتية وجُـزئية لهذا الطرف أو ذاك، على حساب وِحدة الوطن الجغرافية والمجتمعية.
وبالاستنتاج المنطقي، تصبح أولى خطوات مقاومة قرار الكونغرس، هي في بلورة تيار سياسي كاسح للعراقيين جميعا يرفض التقسيم ويتمسّـك بالوحدة، وهي مهمّـة، وإن كانت صعبة، فهي ليست مُـستحيلة، خاصة إذا امتزج رفض التقسيم بإعلاء قِـيمة المصالحة الوطنية الشاملة جنبا إلى جنب احتواء مظاهر التوتر الطائفي وبلورة كتلة نِـيابية كبرى من غالبية الكُـتل النيابية، يكون شعارها وِحدة العراق خطٌّ أحمر.
صعوبة هذه المُـهمة قد تقِـل بشرطين، أولهما، أن يحدث توافق عربي إقليمي واضح ولا لبس فيه على أن تقسيم العراق مرفوض جُـملة وتفصيلا، وهو توافُـق يمكن أن يحدُث دون عوائق كبرى، لاسيما وأن المواقف العربية الكُـبرى الصادرة عن مصر والسعودية وسوريا، تتمسّـك بوحدة العراق، وكذلك تركيا التي ترى في تقسيم العراق مقدّمة لتقسيم تركيا نفسها أو بعبارة أخرى، أن وحدة العراق هي مصلحة تركية إستراتيجية كبرى لا يجوز التفريط فيها.
مكاسب إيرانية مُـلتبسة
ورغم أن إيران تبدو بمثابة الفائز الأكبر ممّـا جرى في العراق بعد احتلاله، وربما تحقّـق مكاسب أكبر في الجزء الجنوبي، إذا ما استقل كدويلة شيعية، فإن هذه المكاسب تهون وتُـصبح عديمة الفائدة عند أي مقارنة بالنتائج المحتملة غير المرغوبة لخيار تقسيم العراق، سواء من ناحية مخاطِـر الاقتتال الأهلي المحتمَـل، حتى داخل الكِـيان الشيعي نفسه، ما بين الموالين لإيران والمتمسِّـكين بنزعة عروبية، أو من ناحية المخاطر الإستراتيجية المحتملة على وِحدة إيران نفسها، وأبرزها تصاعُـد نزعات استقلالية لدى أكراد إيران أنفسهم في شمال البلاد، وأخرى مماثلة لدى سُـنة إيران العرب في الجنوب والغرب، ناهيك عن أن إعادة رسم الخرائط الجيو سياسية في الإقليم بداية من العراق، سيكون بمثابة نقطة انطلاق لا يضمن أحد أن يوقفها عند حدّ معيّـن، إنها كُـرة ثلج متدحرجة غير مضمونة العواقب.
وإذا كانت المصالح البعيدة والمؤكّـدة تقول إن رفض تقسيم العراق قاسِـم مشترك أعظم بين العرب والقوى الإقليمية الكبرى المجاورة للعراق، فمن الطبيعي أن يكون هناك تحرّك سياسي ودبلوماسي جماعي ما، للتأكيد على هذا الخيار الوحيد، جنبا إلى جنب تحرّكات وآليات عملية تقُـود إلى منع التقسيم وتُـحافظ على وحدة العراق. تحركات مطلوبة بشدّة، ولكن للأسف لا بشائر لها حتى الآن.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
الرياض (رويترز) – قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي يوم الثلاثاء 2 أكتوبر، إن دول الخليج تعارض بشدة أي تقسيم للعراق.
وفي الأسبوع الماضي، أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي قرارا يدعو الحكومة المركزية الأمريكية لإنشاء مناطق اتحادية كحل لأعمال العنف الطائفية التي تخشى واشنطن من أن تتحوّل إلى حرب أهلية شاملة، إذا سحبت قواتها من الأراضي العراقية.
وأثار قرار الكونغرس احتجاجا من جانب الساسة العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي قال إن ذلك سيكون كارثة بالنسبة للعراق. ولا يتمتع بالحكم الذاتي في الوقت الراهن إلا الأكراد في شمال البلاد، وهم الوحيدون الذين أعربوا عن ترحيبهم بالقرار.
وقال عبد الرحمن العطية في بيان أذاعته وكالة الأنباء السعودية “إننا في مجلس التعاون الخليجي نرفض أي توجّهات تحمل نزعة انفصالية ونتمسّك دوما بوحدة العراق أرضا وشعبا، ونحرص في الوقت ذاته على عدم القبول بأية تعاملات، أيا كان نوعها مع مؤيِّدي مشروع التفتيت”.
ويضم المجلس الكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات وعمان.
وأضاف العطية أن “المنطق يقتضي التمسك بالموقف الذي يؤدّي إلى تقوية العراق ويُـعيده إلى محيطه العربي، كعنصر فاعل وإيجابي”.
وفي وقت سابق من هذا العام، وصف العاهل السعودي الملك عبد الله الوجود الأمريكي في العراق بأنه “احتلال غير شرعي”، وأصرّت الدول العربية على الدوام على واشنطن أن يبقى العراق بلدا واحدا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 أكتوبر 2007)
كامبردج (ماساتشوستس) (رويترز) – قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري يوم الاثنين 1 أكتوبر، إن اقتراح مجلس الشيوخ الأمريكي إقامة نظام فدرالي في العراق، سيكون مصيره الفشل بسبب صعوبة إقامة مناطق على أسس طائفية وعرقية.
وقال زيباري ردّا على سؤال بعد أن ألقى كلمة في جامعة هارفارد “إذا قُـسِّمت البلاد على أسُس طائفية وعرقية، فإنه توجد بعض المناطق المختلطة فكيف تقسمها”، وأضاف قوله “في كثير من المُـدن، وفي العاصمة نفسها، سيكون ذلك صعبا، ولذلك، فإننا نعتقد أن هذا القرار يجب تركُـه للشعب العراقي ليحسِـمه وليتّـفقوا على أفضل حل لهم”.
وأثار قرار مجلس الشيوخ غير الملزم في الأسبوع الماضي، الذي يدعو إلى حكومة فدرالية وإقامة مناطق فدرالية، عاصفة من الاحتجاج من سياسيين عراقيين، بينهم رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي قال إنه سيكون كارثة على العراق.
وقال زيباري، إن القرار حُـسن النية، لكنه لم يدرك التعقيد العراقي للمدن والمناطق العراقية، وأضاف قوله “افتراضهم أنه ما دامت هذه الطوائف الثلاث عاجِـزة عن أن تعيش معا وأن تتعايش، فمن الأفضل وضع كل منهم في منطقة خاصة بة، لكن ليس هذا حلا وليس هناك حل سري لذلك”.
وقال زيباري “هذا يجب أن يدرسه العراقيون. وقد يحتاجون إلى اكثر من ثلاث مناطق إلى أربع مناطق أو خمسة، وهذا أمر يحسمه البرلماني العراقي أو المشرع العراقي والزعماء العراقيون”.
ولم يرحِّـب بقرار مجلس الشيوخ الأمريكي علنا، سوى الأكراد الذين يتمتعون بالفعل بالحكم الذاتي في شمال البلاد.
ويصف الدستور العراقي الدولة بأنها جمهورية برلمانية ديمقراطية وفدرالية، ولكنه لم يحدّد درجة أو طبيعة الفدرالية التي يسعى إليها بعض الشيعة والأكراد في أجزاء من البلاد.
ويعارض السُـنة الفدرالية بشدّة ويخشون أن تؤدّي إلى تقسيم البلاد، مما يترك ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، الذي يتركز بصفة أساسية في الجنوب والشمال، في أيدي الشيعة والأكراد.
ولم توافِـق الكتل السُـنية في البرلمان على الدستور، إلا بعد الاتفاق مع الشيعة والأكراد على تعديل بعض مواده.
وفي واشنطن، قال جو بايدن الذي وضع قرار الكونغرس، وهو ديمقراطي من ديلاوير، أن القرار أسيء تقديمه، وأضاف أن القرار لا يسعى إلى تقسيم العراق، بل إلى نقل السلطات إلى حكومات المناطق مع وجود حكومة مركزية محدودة، مسؤولة عن حماية الحدود العراقية وتوزيع الثروة النفطية.
وقال “إدارة بوش تُـتابع سياسة معيبة على نحو مُـميت في محاولتها لإقامة حكومة مركزية قوية في العراق. والغرض من هذا التعديل، هو إنهاء إراقة الدّماء والمعاناة من خلال تعزيز تقاسم السلطة”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 أكتوبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.