تكنوقراط يقودون خطة الانفتاح الاقتصادي الليبية
في خطوة، تدل على أن ليبيا تتّـجه إلى إجراء إصلاحات في المرحلة المقبلة، ذات طابع اقتصادي بالأساس، أدخل مؤتمر الشعب العام (البرلمان) الليبي يوم 22 يناير الجاري تعديلا واسعا على وزارة البغدادي المحمودي.
فقد أعلن عن تكليف طاقم من التكنوقراط من ذوي الكفاءة الفنية والتكوين الغربي، بمناصب في اللجنة الشعبية العامة (الحكومة).
من أبرز ملامح التعديل الذي شمِـل أكثر من نصف الوزارات، بما فيها وزارة سيادة (العدل)، تنحية الدكتور شكري غانم، المعروف بأنه أحد المدافعين بقوة عن الإصلاحات من وزارة الطاقة، بعدما كان أبعِـد من رئاسة الوزارة العام الماضي واستبدل بالبغدادي المحمودي.
ولم تُـشر الصحف الليبية، التي أوردت تشكيلة الحكومة الجديدة، إلى مغادرة غانم الوزارة أو تقسيم الوزارة إلى وزارتين، مُركّـزة على خِـصال خلفه علي العيساوي (41 عاما)، الحاصل على دكتوراه في الخصخصة، وقد كان يشغل منصب مدير عام مركز تنمية الصادرات، بعدما بدأ حياته المهنية موظفا، ثم دبلوماسيا في وزارة الخارجية إلى سنة 2005.
والمُلاحظ، أن صلاحيات وزارة الطاقة توزّعت على وزارتين، واحدة للصناعة والمعادن، والثانية للكهرباء والمياه والغاز.
وبموجب التعديل، ارتقى عبد الحفيظ الزليطني، الذي شغل سابقا عدّة مواقع وزارية، وخاصة حقيبة النفط، إلى منصب نائب رئيس اللجنة الشعبية العامة (الحكومة)، وهو منصب يتم إحداثه لأول مرة في ليبيا.
كما سُمِـي مصطفى عبد الجليل (55 عاما)، وزيرا للعدل، بدل علي الحسناوي والدكتور محمد أبو عجيلة المبروك (55 عاما)، وزيرا للمواصلات والنقل (كان وزيرا ومديرا لمشروع إنشاء 50 ألف وحدة سكنية)، بدل المهندس علي يوسف زكري، الذي عُيِّـن وزيرا للصناعة والمعادن، وحل زكري في مكان فتحي بن شتوان، الذي غادر الحكومة.
كذلك سُمي الأستاذ الجامعي والخبير التربوي الدكتور عقيل حسين عقيل (53 عاما) وزيرا للتعليم العالي (حاصل على دكتوراه في الخدمة الاجتماعية)، بدل إبراهيم الشريف، الذي عُيّـن على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية، بعدما غادرها بخيتة الشلوي.
واستُحدِثت وزارة للكهرباء والماء والغاز (ما العلاقة بينها؟)، وأسنِـدت إلى المهندس عمران أبو كراع، الذي شغل خُـطة مدير عام شركة للكهرباء سنوات طويلة، وبالإضافة لدخول الدكتور علي العيساوي النادي الحكومي الذي حل على رأس وزارة الاقتصاد والتجارة والإستثمار، دخله أيضا محمد الطاهر سيالة، الذي ارتقى إلى منصب نائب وزير الخارجية ليأخذ مكان الدبلوماسي العتيق سعيد حفيانة.
تعديلات وزارية
تتألف الحكومة الليبية الجديدة من 19 عضوا، وهو نفس عدد المقاعد في الحكومة السابقة، على رغم استحداث منصِـب نائب رئيس الوزراء، ويكمُـن السبب وراء ذلك في إلغاء وزارة السياحة، التي كان يتولاّها عمّـار اللطيف، والتي ألغِـيت مرة أولى في التسعينات، ثم أعِـيدت إلى التشكيلة الحكومية في السنوات الأخيرة.
وهكذا، احتفظ تسعة وزراء فقط بمناصبهم، وفي مقدمتهم وزيرا الخارجية عبد الرحمان شلقم، والأمن العام (الداخلية) العميد صالح المسماري (عسكري)، فيما غادرها عشرة وزراء، لكن غالبيتهم تعيّـنوا في مناصب رفيعة، مثل وزير العدل السابق علي الحسناوي، الذي سُمِـي أمينا لجهاز المراجعة المالية، ووزير الاقتصاد والتجارة والاستثمار الصافي الطيب الصافي، الذي صار أمينا لشؤون الروابط والاتحادات المهنية، أما وزير السياحة السابق، عمار اللطيف ووزير الصناعة والمعادن السابق المهندس فتحي بن شتوان ووزير الشؤون الاجتماعية المُغادر بخيتة الشلوي، فلم تُعرف المناصب التي ستُسند لهم.
لكن الشخصية اللافتة في التعديل الأخير، وهي شبيهة بشخصية شكري غانم في مسارها وتكوينها، لم تدخل الحكومة، وإنما ظلت في تخومها، إذ تم تكليف الدكتور محمود جبريل الورفلي (55 عاما)، الخبير الإستراتيجي بمنصب أمين عام مجلس التخطيط، والدكتور عبد الرحمن القمودي (52 عاما) في منصب أمين الهيئة العامة للاستثمار، والأول من بنغازي، وقد سلك مسلكا أكاديميا غربيا تـُوَج بالإحراز على دكتوراه العلوم السياسية من جامعة بيتسبورغ الأمريكية (1984)، وكان عضو هيئة تحرير مجلة “الحكم الرشيد”، الصادرة عن جامعتي شيكاغو وكولورادو الأمريكيتين بين 2002 و2006، وهو إلى ذلك، عضو جمعية “مستقبل العالم” وأمين عام جمعية “الأفق القادم” (جمعية للمستقبليين العرب)، وقد كتب عدّة مقالات عن سياسة أمريكا تُـجاه ليبيا، وسبق لجبريل أن قاد فِـرقا استشارية لإعادة تنظيم كل من الجامعة العربية ووزارة الداخلية في الإمارات وقناة “الجزيرة” الفضائية في قطر، وهذا يدلّ على أنه ربّـما كُـلِّـف بمهمة مماثلة، لكن في بلده الأصلي هذه المرة.
أما الدكتور القمودي، فهو خريج جامعة يوغون، التي حصل منها على الدكتوراه في علوم الإدارة، إضافة لماجستير إدارة أعمال من جامعة سيتي، وسبق له أن درَس في جامعات أمريكية (جامعتا أوريغون وواشنطن) وعمل مديرا تنفيذيا لجامعة سيتي تيغارد أوريغان.
وإذا كان مؤتمر الشعب العام هو الذي حسَـم أمور هذه التعيينات شكليا، فإن العقيد معمر القذافي، هو الماسك الحقيقي بالأوراق ويشعر بضرورة تطوير العلاقات مع الأمريكيين، أقله في المجالات الاستثمارية والتجارية.
ويُقابل هذه الرغبة، نزوعٌ مماثل لدى الأمريكيين لتعزيز التعاون الاستثماري والتجاري مع ليبيا، بوصفها بلدا غنيا بالثروات وتملك أطول واجهة على المتوسط، ويبدو أن لتسمية خبراء قادرين على التعاطي مع أمريكا، علاقة باعتزام القذافي استقطاب استثمارات أمريكية وأوروبية إلى بلده بأسرع وقت ممكن.
أما تسمية وزير عدل جديد، فالأرجح أن لها علاقة بالرغبة في طي ملف الممرضات البلغاريات، الذي يشكّـل حجَـر عَـثرة أمام تطوير العلاقات الليبية مع كل من أوروبا وأمريكا.
“ليست الكفاءة، إنه الولاء السياسي”
عموما، تلقت المعارضة الليبية في الخارج تلك التعديلات بشيء من التحفُّـظ، مُعتبرة أن المِـقياس في اختيار الوزراء “لم يكن الكفاءة، وإنما الولاء السياسي وعلاقات القرابة”، خصوصا في ظل استمرار تشبُّـث العقيد القذافي بالإشراف على ملف النفط.
وارتفعت أصوات أخرى من الداخل لانتقاد الرؤية التي قادت إلى إعادة توزيع الوزارات، ملاحظة أن استحداث وزارة السياحة ثم إلغاءها يدُل على اضطراب، كما أن إلغاء وزارة الطاقة للمرة الخامسة خلال السنوات العشر الماضية وإدماجها في وزارتي المعادن والغاز (مع قطاعات أخرى)، يؤكدان “ضرورة استقرار الهياكل”، كما قال مصطفى الهوني.
إلى ذلك، أبدى مُحلِّـلون ليبيون مخاوف من صعوبة تأقلُـم الوزراء الجُـدد القادمين من الخارج مع الواقع الليبي المُعقّـد والمُحبط للإصلاحيين، مع الإشارة إلى أن من باشروا تنفيذ خطّـة اقتصادية تحررية تمّ إبعادهم، مثل وزير الاقتصاد والتجارة والاستثمار السابق، الصافي الطيب الصافي، الذي لم يمهله مؤتمر الشعب (البرلمان)، حتى يستكمل برنامجه أو وزير التعليم العالي السابق إبراهيم الشريف، الذي لم يُكمل إنجاز الخُـطة التي وضعها.
أكثر من ذلك، أشار مُعلِّـقون إلى التعمـَق المتزايد للفجوة الاجتماعية في البلاد، وفي هذا السياق، اعتبر الخبير الهوني أنه لا يمكن قَـبول أن يمتلك شخص ما أكثر من عشر سيارات من مختلف الأنواع، “بينما لا تملك أسَـر أخرى سيارة واحدة، ولا يمكن أن يملك أشخاص مزارع في كل منطقة للتنَـزّه وإقامة حفلات صاخبة، بينما تصِـل البطالة في المجتمع إلى ما يزيد عن 20% بين الشباب”.
كما ألمح الهوني إلى ظاهرة القصور، التي باتت تُقام على الشوارع وفي المزارع، “بينما لا يستطيع أغلبية الشباب الراغب في الزواج الحصول على شقّـة، ممّـا أدّى إلى ارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات الليبيات”، على حد تعبيره.
والأرجح، أن هذه الفئة المتنفذة، هي التي تحُـول دون دفع البلاد في اتجاه الإصلاح السياسي والإعلامي والقضائي، كي تحافظ على امتيازاتها، ولم يَـشِ التعديل الوزاري الأخير بأي نفس، يدل على أن ليبيا مُقبِـلة على إجراءات انفتاحية، خصوصا أن البلدان الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة (التي تضغط للحصول على إصلاحات اقتصادية)، لا تضع هذا الموضوع على أجندتها.
رشيد خشانة – تونس
لا يتجاوز عدد سكان ليبيا 7 ملايين ساكن من بينهم نحو 20% من غير الليبيين.
إجمالي الناتج المحلي: نحو 50 بليون دولار سنويا.
يؤمن قطاع النفط 95% من صادرات البلد و65% من الناتج المحلي الإجمالي.
تصل البطالة بين الشباب إلى ما يزيد عن 20%، طبقا لتقديرات خبراء ليبيين إذ لا توجد إحصاءات رسمية في هذا الشأن.
صوفيا (رويترز) – قال سيف الاسلام القذافي نجل الزعيم الليبي معمر القذافي في مقابلة نشرتها احدى الصحف ان ليبيا لن تعدم الممرضات البلغاريات الخمس والطبيب الفلسطيني الذين صدر بحقهم حكم بالاعدام الشهر الماضي ووصف الاحكام بأنها غير نزيهة.
وقضت محكمة ليبية باعدام الممرضات الخمس والطبيب بعدما أدانتهم بتعمد اصابة مئات الاطفال بفيروس (اتش اي في) المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) في قضية بدأت قبل نحو ثمانية أعوام وأثارت قلقا دوليا واسعا بشأن نزاهتها.
وقال سيف الاسلام في مقابلة مع صحيفة (24 تشازا) البلغارية اليومية انه سيتم قريبا التوصل الى حل لانقاذ حياة الافراد الستة وارضاء أسر الاطفال المصابين غير أنه لم يدل بمزيد من التفاصيل.
وقال سيف الاسلام وهو أكثر مبعوثي والده نفوذا “لن يكون هناك اي اعدام.. آمل في التوصل الى نهاية سعيدة قريبا.. والدي يعارض الاعدام أيضا.”
وقال نجل الزعيم الليبي “سارت القضية في الاتجاه الخطأ منذ بدايتها. هناك كثير من التلاعب في الملفات الاصلية.. أخطاء كثيرة… ذلك هو السبب في أنه ينبغي لنا أن نسعى الى تسوية.” وأضاف أن طرابلس ناقشت بالفعل خطة مع ألمانيا وفرنسا.
ويدير سيف الاسلام مؤسسة خيرية ذات نفوذ واسع لعبت دورا بارزا في التفاوض مع بلدان غربية بشأن دفع تعويضات عن تفجيرات تورطت فيها ليبيا.
ويقول خبراء ان الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني قد يفلتون من تنفيذ حكم الاعدام رميا بالرصاص عبر هيئة تقودها الحكومة لها القول الفصل في تحديد مصيرهم.
وقال هايم تشاوشيف نائب وزير الخارجية البلغاري ان تصريحات سيف الاسلام قد تكون علامة على حدوث تقدم في المفاوضات.
وقال لرويترز “أميل الى ملاحظة اشارة ايجابية في تلك التأكيدات.”
وتقول صوفيا وحلفاؤها ان أدلة علمية قاطعة تدعم مزاعم الممرضات الخمس والطبيب بأنهم أبرياء.
غير أن طرابلس لا تزال على تحديها للضغوط الدولية وتقول انه لا ينبغي للاخرين التدخل في شؤون القضاء لديها.
وفي واشنطن جدد شون مكورماك المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية دعوة الولايات المتحدة للافراج عن الممرضات الخمس والطبيب الفلسطيني.
وأدلى خبراء في مجال مرض الايدز بشهادة قالوا فيها ان فيروس (اتش اي في) بدأ الانتشار قبل فترة طويلة من قدوم الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني الى ليبيا.
وجدد سيف الاسلام التأكيد على أنه رغم أن انتشار فيروس (اتش اي في) كان نتيجة اهمال وليس مؤامرة الا أنه ينبغي لبلغاريا وليبيا والاتحاد الاوروبي أن يلبوا مطالب أسر الاطفال المصابين وأن يساعدوا في تقديم العلاج الطبي للاطفال.
وقال “اننا نتحدث عن ضمان تعويض جدي للاسر… ينبغي للحكومة البلغارية والاتحاد الاوروبي ادراك مطالبنا.”
وتطالب الاسر بلغاريا بدفع تعويض قدره عشرة ملايين يورو (13 مليون دولار) لكل طفل مصاب مقابل العفو عن الممرضات.
وشكلت بلغاريا وهي عضو بالاتحاد الاوروبي منذ الاول من يناير كانون الثاني الجاري وحلفاؤها في الاتحاد الى جانب واشنطن صندوقا دوليا لتقديم العلاج والدواء وغيرها من المساعدات للاطفال وأسرهم.
وقال تشاوشيف ان الصندوق الدولي عرض بالفعل قدرا من الدعم المالي على الاسر رفض تسميته بالتعويضات لان ذلك سيعد اقرارا بالذنب وانه يجري حاليا التفاوض للتوصل الى اتفاق بمساعدة مؤسسة القذافي.
ورفض التطرق الى حجم الدعم الذي سيمنح لكل طفل غير أنه قال “انه لن يكون بالملايين”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 يناير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.