تمكين المرأة الخليجية بين الوعي والقيود
أخيرا، نجحت المرأة الكويتية في تحقيق اختراق لافت للنظر تجسد في السماح لها بحق الإنتخاب وفي تعيين أول سيدة في منصب وزاري.
هذا الإنجاز الكويتي طرح مجددا مسألة تمكين المراة في المجتمعات الخليجية التي تتجاذبها توجهات وآراء متناقضة أحيانا.
أخيرا، وبعد كفاح دام أربعة عقود، وعقبات اجتماعية وسياسية جمة، حققت المرأة الكويتية اختراقا لافتا للنظر.
فقد مرّ فى البرلمان الكويتى، وإن بصعوبة شديدة، قانون يسمح لها بحق الانتخاب، وعُيّـنت أول سيدة في منصب وزاري مهم، وبقي على المراقبين أن ينتظروا جولة أخرى من الشد والجذب بين المناصرين لحقوق المرأة، والمؤيدين لرؤيتها مواطنا كامل الأهلية، له ما للرجال وعليه ما عليهم من مسؤوليات وأعباء تصب في خدمة الوطن وتنمية ورقي المجتمع ككل، وبين هؤلاء الذين يُـصرّون على أن لا مكان للمرأة سوى المنزل، حيث الإنجاب وتربية النشء وتأدية متطلبات الرجل.
مفارقة كويتية
ما جرى في الكويت، التي انطلقت فيها أول جمعية نسائية عام 1963 باسم “النهضة الأسرية”، يلخّـص إلى حدّ كبير صراعا سياسيا وأيديولوجيا تستخدم فيه التأويلات الدينية إلى أقصى حد ممكن، وبات شائعا في الكثير من البلدان العربية الخليجية، وإن اختلفت مسارات التعامل وحدّة ردود أفعال التيارات المحافظة بين بلد وآخر.
لكن يبقى للكويت أنها كانت من أوائل الدول الخليجية التي احتكّ مجتمعها مع الخارج، وعرفت تعليم البنات مبكّـرا جدا، وكذلك إفساح المجال أمامهن للعمل والتحرك اجتماعيا وثقافيا وفنيا، في الوقت نفسه، التضييق عليهن في الحقوق السياسية.
فيما مثّـل مفارقة كبرى حين المقارنة مثلا مع دول كقطر وعُـمان عرفت تعليم البنات في وقت لاحق، ولكنها وفّـرت تلك الحقوق للمرأة قبل ثلاث أو أربع سنوات مضت وبدرجة أقل من الضجّـة والممانعة الداخلية، حين ضمّـنتها دستور جديد أو قانون يُـبيح للمرأة حق الانخراط في انتخابات بلدية، والتصويت في انتخابات البرلمان.
هذه الفوارق تتّـضح أيضا مع خصوصية وضع المرأة السعودية، التي تبدو الأكثر تخلّـفا نسبيا نظرا لقوة الطرح المُحافظ المتشدد فيها، والذي يسود في العُرف والقانون والمؤسسات معا، وهو ما يجتهد للخروج منه ما يشبه التحالف الضمني بين رائدات في العمل النسوي، ورجال دين وبعض أُمراء من الأسرة السعودية، وكتاب وصحفيين يعتقدون أن قوة العُـرف والتقاليد الاجتماعية التي تحدّ من دور المرأة وحصولها على حقوقها لا أساس لها في الشرع، وأن الوقت حان لتغييره، ولتوفير مساحة مشروعة من مشاركة المرأة في التنمية وصُـنع القرار وترقية المجتمع ككل.
تمكين المرأة خليجيا
ما يجري في المجتمعات العربية الخليجية، يُـمكن النظر إليه كخطوات في عملية تمكين المرأة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وهو تمكين يصُـب في الخروج من كافة المظالم وأشكال التمييز السلبي التي أحاطت بالمرأة العربية، وضمنها الخليجية على مدار عقود عديدة مضت ويستهدف إطلاق الطاقات الكامنة لدى المرأة لخدمة نفسها ومجتمعها معا، وتشكيل شخصيتها المستقلة بعيدا عن سطوة وهيمنة الرجل.
ونظرا لأن تلك المظالم كانت وما زالت تصُـب لصالح فئات بعينها من الرجال وتحميها ترسانة من القيم والتفسيرات والتأويلات للدّين ليست بالضرورة محل إجماع، فمن الطبيعى أن تثير ردود فعل تتّـسم بالشراسة والتشبث بالقديم المعروف، مثل ما رأيناه عند مناقشة قانون حق التصويت للمرأة في البرلمان الكويتي، وما نشاهده بشأن الخروج من خيمة التقاليد بالنسبة للمرأة في السعودية.
الأكثر من ذلك، فإن تلك المعركة، وكما نجد في الحالتين الكويتية والسعودية، تختلط فيها المواقف السياسية مع التفسيرات الدينية مع الموقف من الغرب وثقافته، على نحو عجيب، حيث تنتج تلك الخلطة موقفا يرى أن المدافعين عن تمكين المرأة العربية جزء من مؤامرة كونية تستهدف المجتمعات الإسلامية، حيث يريدون ـ أي المدافعين ـ تغريب المرأة وإخراجها من دينها وإفسادها، ومن ثم هدم الدين والشرع والمجتمع في آن واحد.
فيما يجتهد المدافعون ـ كما رأينا في بعض الأوراق التي قدمت في الحوار الوطني السعودي الثالث الذي خصص عن وضع المرأة في المملكة ـ بالتأكيد على أن تمكين المرأة ورفع الظلم عنها هو جوهر ما أمر به الإسلام، وأن المطلوب لا يزيد عن الخروج عن تقاليد اجتماعية بالية فرضت سطوة الرجل وقهرت المرأة وأضاعت حقوقها، وتم إلباسها مسحة من الدين، والدّين منها بريء.
فالشرع لا يُـقر مثلا تزويج المرأة غصبا، ولا أخذ مالها دون رضاها، ولا فرض الوصاية عليها في كل كبيرة وصغيرة، ولا يمنعها من التعلم، أو ممارسة عمل اقتصادي بمالها. كما أنه لا يمنعها من قيادة السيارة، فلا آية في القرآن الكريم أو حديث نبوي شريف يُـقر ذلك، ولكن من أمر بهذا المنع هو رجل دين ـ وهو الشيخ عبد العزيز بن باز عام 1991 ـ اجتهد وفق مبدأ سد الذرائع وفي لحظة زمنية بعينها كانت مشحونة بالتوتر واللا يقين نتيجة الغزو العراقي للكويت، وهي لحظة ذهبت إلى غير رجعة، وانتهت معها مبرراتها تماما، وصار الحال غير الحال، ومن ثم أصبح هناك مبرر أكبر لاجتهاد جديد يراعي التطور الجاري في المجتمع والقيم الإسلامية الحقيقية معا.
المحددات الثلاثة
الحوار عن تمكين المرأة خليجيا وأيضا عربيا، وما يتبعه من جهود تقوم بها الحكومات ومنظمات المجتمع المدني العربية، يختلف من حالة إلى أخرى، ولكنه يعكس بدوره حجم التغيّـر الاجتماعي والسياسي الذي يصيب كل حالة على حدة، فى وقت يفرض فيه مبدأ الإصلاح الشامل نفسه على الجميع، مدعوما بمطالب داخلية ذات عمق وقوة واستعداد للتضحية، وبيئة دولية تفرض الإصلاح كمعيار لحُـسن سير الأمم والمجتمعات.
ومن بين حجم التغير المتباين في الحالات الخليجية، يُـلفت النظر ثلاثة محددات تلعب دورا مُـهمّـا في تسهيل وتعزيز أو في تعويق وتعطيل عملية التمكين.
يرتبط المحدد الأول بموقف القيادة السياسية ومدى إيمانها بعملية التمكين، ومن ثم توفير الموارد المناسبة لتغيير وضع المرأة من حال إلى آخر، ويدخل في دور القيادة السياسية هذه الأدوار والأنشطة التي تقوم بها زوجات القادة العرب كرئيسات لمجالس وطنية أو جمعيات نسوية ومنظمات عربية إقليمية تُـعنى بمواجهة العقبات الثقافية والاجتماعية، وتشحذ همم مؤسسات الدولة لمعالجة المظالم التي تتعرض لها المرأة، وشهدت السنوات القليلة الماضية على تزايد مثل هذا الدور على الصعيدين الرمزى والفعلي.
لكن يبقى أن توحُّـد واقتناع القيادة السياسية بعملية تمكين المرأة، يمثل مُحفّـزا مهما وشرطا لازما. والحالة السعودية هنا توفر بعض الشرح. فالحوار الجاري في المجتمع السعودي منذ فترة حول قيادة المرأة للسيارة، يكشف بالفعل عن رؤيتين بين الأمراء النافذين في الأسرة الحاكمة.
الأولى معاصرة ترى أن قيادة المرأة للسيارة ليس أمرا مستهجنا اجتماعيا ولا يوجد أي قيد شرعى يحول دونه، وأن ضرورات تطور الحياة تفرض السماح به. أما الثانية، فترى أن الموضوع برمّـته لا يمثل أولوية للمجتمع السعودي، وأن الحوار حوله يكشف عن انقسام مجتمعي قد يفيد المتربّـصين بالمملكة، وأن هناك فتوى دينية وقوانين تحرِّم هذا الفعل، وليس هناك أي تراجع عنهما، أو بمعنى آخر، أن يبقى الأمر على ما هو عليه.
ومثل هذا الانقسام داخل أركان النخبة الحاكمة، من شأنه أن يجعل التحول المرغوب مستحيلا قبل أن يحسم داخليا أولا، وتلك بدورها مرهونة بتوازنات قوى مؤسسية وفكرية. ولذلك، تظل القاعدة العامة أن خلاف القيادة الحاكمة حول مدى تمكين المرأة يحول دون التحرك فيه بيُـسر، خاصة وأن طبيعة الحكم في المجتمعات الخليجية يجعلها لا تستطيع التحرك دون توجيهات تلك القيادة.
الثقافة الشعبية بين الحجر والحرية
يتعلق المحدد الثاني بطبيعة الثقافة الشعبية الشائعة، وهل هي ثقافة مشارَكة وحريّـات، أم ثقافة حجر ومنع وتقييد؟ وتلك بدورها نتاج عمليات تنشئة وتعليم وتراكمات تاريخية طويلة سابقة. والمؤكد هنا أن تطور التعليم واتساعه لعب دورا في فرض عمل الإناث في المجتمعات الخليجية، ومن ثم فرض علاقات اجتماعية جديدة بين الرجل والمرأة على الصعيدين، الفردي والعام.
كذلك، فإن تطور الحركة النسوية النشطة ورؤيتها للأولويات المجتمعية يحدد مستوى الطموح الذي تتطلع إليه المرأة في لحظة تاريخية بعينها، مع الأخذ في الاعتبار أن الحركة النسوية في كل المجتمعات العربية غير بعيدة الصّلة عن الوضع الطبقي للناشطات النسويات أنفسهن، وعن الهموم الاجتماعية السائدة في كل مجتمع.
فاللواتى تعلمن في الخارج مثلا أو عشن لسبب أو لآخر بعيدا عن قيود المجتمعات الخليجية المحافظة، وطرقـن الحياة الحديثة، يطمحن إلى تعزيز المكانة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمرأة في مجتمعاتهن الأم، في حين أن اللواتى تعشن هموم المجتمع المقيّـد، يطمحن إلى التخلص من تدني المكانة الاجتماعية، ومن وصاية لا نهائية للرجل، وهو ما يكشفه استطلاع (إذا ثبتت دقّـته العلمية يقدِّم الكثير من الدلالات) شمل 1014 امرأة سعودية من سبع مدن ومن مختلف المستويات التعليمية، رفضت 88.6% منهن قيادة السيارة، واعتبرنه غير ذي أولوية، قياسا لمشكلات العمل وتأخّـر سن الزواج والطلاق.
المحدد الثالث، يرتبط بمدى حركية وطبيعة الحركة النسوية في المجتمع. وهنا، لابد من ملاحظة أنه لا توجد حركة نسوية واحدة في المجتمعات العربية. فكما تتحرّك بعض الناشطات العربيات استجابة لأفكار ليبرالية وحداثية وغربية أيضا، تتحرّك البعض الأخريات استجابة لأفكار دينية، بعضها يتّـسم بالتقليدية الشديدة، والآخر يسعى إلى تقديم رؤية نقدية للتراث الشائع عن المرأة، فضلا عن اجتهادات عصرية لوضع المرأة العربية المسلمة، استنادا إلى ما ورد في الشرع ومُـراعاة للتطور الإنساني ككل.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.