مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تمويل الأحزاب بين غموض سائد وشفافية مأمولة

Keystone

تـُعد سويسرا من ضمن الدول الغربية القلائل التي لا تتوفر بعد على نظام لتمويل الأحزاب السياسية.

لكن الجدل حول هذا الملف الحساس انطلق مجددا في بعد أن نشرت مؤخرا صحيفة روماندية أهم مُمولي الحزب الليبرالي والمبالغ التي يتكرمون بها، وإثر الانتقادات اللاذعة التي وجهتها منظمة الشفافية الدولية لسويسرا.

ما هي الشركات التي تمول الأحزاب؟ كم تُنفق من أموال؟ وفي صناديق أية أحزاب تُودع التبرعات؟

في سويسرا، يستحيل بكل بساطة الإجابة عن مثل هذه التساؤلات. فعلى المستوى الفدرالي، لا تُلزَم الأحزاب بالرّد على أية جهة بهذا الخصوص.

القانون الوحيد المُتوفر في سويسرا – ومنذ فترة قصيرة – يقتصر على إلزام أي سياسي بالإعلان عن أرباحه في الشركات والمنظمات التي ينتمي إليها.

ولم يـُخف أبدا أيُّ حزب سياسي تـلقيه لهبات من قطاع الاقتصاد الخاص، بما أن هذا النوع من التمويل قانوني تماما في سويسرا. لكن صحيح أيضا أن جميع الأحزاب لا تعلن تلقائيا عن الأرقام المضبوطة أو أسماء الشركات المانحة لها.

مصارف وشركات كبرى تدعم الحزب الليبرالي

وفي سبق صحفي سويسري، حاولت مؤخرا يومية “فانت كاتر أور” (24 Heures)، التي تصدر بالفرنسية في لوزان، سد هذه الثغرة بنشرها في عدد 21 فبراير الماضي حسابات الحزب الليبرالي السويسري من عام 2001 إلى عام 2003، وهو حزب بورجوازي صغير ممثل بأربعة نواب في البرلمان الفدرالي.

وتكشف قائمة حسابات عام 2003 مثلا أن الحزب تلقى 100000 فرنك من “اتحاد المصارف السويسرية” (UBS)، أكبر بنوك الكنفدرالية، و40000 من “نستلي”، و20000 من مصرف “كريدي سويس”، و10000 من صناعة السجائر…، إلخ، ليصل إجمالي التبرعات إلى 265090 فرنك.

“خطر التجاوزات ضئيل”

وقد أقر رئيس الحزب الليبرالي السويسري كلود روي بدون أي انزعاج أن حزبه يتلقى أموالا من الشركات الكبرى، مشددا في المقابل في تصريحاته لصحيفة “فانت كاتر أور” على أن تلك الهبات “تقل بكثير عما تتلقاه أحزاب أخرى أكبر منّـا”.

ومنذ بضعة سنوات، كان تمويل الأحزاب في سويسرا يطرح مشاكل أقل مقارنة مع بلدان غربية أخرى.

ويوضح الخبير الدستوري تيزيانو بالميلي الذي خصص رسالة الدكتوراه للموضوع: “جرى التقليد في بلادنا أن تقوم الأحزاب بحملات انتخابية دون إنفاق ثروات طائلة. كان هذا الأمر مُمكنا دائما. وبما أن التكاليف كانت مُنخفضة، كان خطر التجاوزات ضئيلا أيضا”.

حملات أغلى .. وأغلى

وتابع الخبير في تصريحاته لسويس انفو: “في المقابل، نشهد منذ الدورتين التشريعيتين الأخيرتين، تغييرا يتمثل في القيام بحملات تزداد غلاء”.

وقد يشكل ذلك الغلاء عائقا كبيرا للسير الجيد للديمقراطية. فمن جهة، يطرح ذلك مشكل مُساواة الفرص، إذ أن الأحزاب القادرة على تجميع التبرعات بسهولة هي التي ستستطيع ممارسة أكبر تأثير على الناخب. ومن جهة أخرى، يمكن للشركات المانحة أن تمارس ضغطا لا يُستهان به على الأحزاب.

مُبادرة برلمانية

وفي بداية شهر فبراير الماضي، وجهت منظمة الشفافية الدولية (مقرها برلين) انتقادات لاذعة لهذا الفراغ القانوني السويسري.

ففي تقريرها السنوي، ركزت المنظمة غير الحكومية – النشيطة في مجال محاربة الفساد- على نظام تمويل الأحزاب السويسرية الذي وصفته بـ”أكثر الأنظمة غموضا في أوروبا”.

يذكر أن البرلمان السويسري سينكب قريبا على بحث هذا الملف، إذ أعلن الحزب الاشتراكي أنه سيطرح مبادرة برلمانية تطالب بتقنين تمويل الأحزاب.

وعن هذا التحرك، قالت المتحدثة باسم الحزب الاشتراكي كلودين غودا في تصريح لسويس انفو: “إن مبادرتنا تطالب بأن تمول الدولة جزئيا على الأقل الأحزاب في مجالات المنفعة العامة، مثل الأبحاث وترجمة الوثائق أو التكوين. لكن شرط أن تقيم الأحزاب الدليل على تحليها بشفافية تامة بخصوص مداخليها”.

“شفافية طوباوية”

بالنسبة للخبير الدستوري تيزيانو بالميلي، تُعد الشفافية بالتأكيد جانبا جوهريا للديمقراطية، لكنها تظل هدفا يصعب بلوغه، كما تُظهر تجارب العديد من الدول.

ويقول الخبير بالميلي في هذا الصدد: “لقد وقعت تجاوزات رغم توفر قوانين مفصلة جدا حول الشفافية. وحدث ذلك في ألمانيا في قضية الخزانات السوداء لهيلموت كول (المستشار السابق). أعتقد أن تصور بلوغ الشفافية هو أمر طوباوي”.

وربما تكون محاولات الوصول إلى الشفافية بواسطة تمويل الدولة أكثر طوباوية. ففي السبعينات، اعتمدت دول عديدة ذلك النظام سعيا إلى إيجاد تسوية لمشكل تمويل الأحزاب، لكن تبث أن تلك المحاولات أدت إلى نتائج عكسية.

والحل؟

ويضيف الخبير بالميلي “هذا بدأ بمبالغ متواضعة نوعا ما، ثم انفجر التمويل العمومي، مما أدى إلى ارتفاع التمويل السري بما أن مبدأ المساواة يقتضي أن يكون تمويل الدولة موحدا تقريبا بالنسبة للجميع”.

وحسب الخبير الدستوري، قد يكون التدخل على مستوى النفقات أكثر فعالية، إذ ربما يسمح هذا النظام على الأقل بضمان تكافئ الحظوظ.

ويقول في توضيحه لمزايا هذا المقترح: “يمكن بسهولة التحقق من احترام الحدود التي تفرض بشكل موحد (على كافة الأحزاب)، إذ سيمكن للجميع رؤية الإعلانات في الصحف أو على الملصقات. ومن الصعب الغش في هذه النفقات. وقد يسمح هذا الحل بتسوية المشكل من جذوره: فعندما يعلم المرشح أنه لن يتمكن من إنفاق قدر مبالغ فيه من المال، فليس من مصلحته الحصول عليه أصلا”.

سويس انفو

بعض الأرقام المتوفرة عن الأحزاب السويسرية:
الحزب الليبرالي: تبلغ ميزانيته السنوية 3 مليون فرنك (تغطى 65% منها بهبات من الشركات).
الحزب الديمقراطي المسيحي: 2 مليون (50% من الشركات).
حزب الشعب السويسري: 2 مليون (35% من الشركات).
الحزب الاشتراكي: 2,5% مليون (تغطى 75% من مشاركات الأعضاء ومن شركة مانحة واحدة).
الحزب الاشتراكي هو الحزب السويسري الوحيد المشارك في الحكومة الذي يكشف عن اسم الشركة المانحة له.

في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، تُُلزم الأحزاب السياسية بالإعلان عن أسماء مانحيها.
في إيطاليا، يصبح الإعلان إجباريا بالنسبة لمبالغ تفوق 50000 يورو، بينما يجب الإعلان عن اية هبة في كل من فرنسيا وألمانيا مهما كان قدرها.
في فرنسيا، تم تحديد مبلغ 4600 كسقف للهبات.
تستفيد الأحزاب في الدول الثلاث من تمويل عمومي.
في ألمانيا، خلافا لفرنسيا وإيطاليا، لا يوجد حد للحملات الانتخابية. في إيطاليا مثلا، لا يمكن لأي مرشح أن ينفق أكثر من 52000 يورو.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية