تنافس مزدوج على عقول وقلوب الإعلاميين
ما أن انتهت فعاليات أكبر ملتقى للإعلاميين الأوروبيين والمتوسطيين في ذكرى مرور عشرة أعوام على إطلاق مسار برشلونة يوم 28 سبتمبر والذي أقامه الإتحاد الأوروبي في الأردن ..
.. حتى انطلقت يوم السبت 1 أكتوبر أعمال “المنتدى العالمي لتطوير الإعلام” الذي تقيمه في البلد نفسه مؤسسة “أنترنيوز” الأمريكية..
هذا ومن المفترض أن تنتهي أعمال هذا المنتدى يوم الإثنين 3 أكتوبر بصوغ توصيات تخص مدى تأثير الإعلام في تسريع الإصلاحات في العالم العربي.
ويجوز القول إن الأمريكيين والأوروبيين انتقلوا، بعد التنافس الإقتصادي والتسابق السياسي والتزاحم الثقافي-اللغوي على المنطقة العربية، إلى خطب ود الإعلاميين في محاولة لاستمالتهم إلى طروحاتهم الخاصة بـ”الإصلاح والتحديث” و”حوار الحضارات” و”بناء علاقات التفاهم والسلم بين الشعوب”.
وكان لافتا أن مؤتمر “يوروميد” جمع على مدى ثلاثة أيام أكثر من ثمانين إعلاميا بارزا من أكثر من ثلاثين بلدا سواء من الأعضاء في الإتحاد الأوروبي أم من الشركاء المتوسطيين، ناقشوا دور الإعلام في مسار برشلونة وصاغوا أفكارا للمستقبل كي تُرفع إلى القمة المزمع عقدها يومي 27 و28 نوفمبر المقبل في برشلونة.
أما الثاني فجمع نحو ست مئة شخصية من 104 بلدان عربية وغير عربية تمثل منظمات غير حكومية تُعنى بشؤون الإعلام وصحفيين مستقلين وشبكات تليفزيون ومحطات إذاعية، إضافة لستين شخصية إعلامية قيادية أردنية.
وقال مدير المركز الأردني للإعلام باسل الطراونة الذي ينظم المؤتمر بالإشتراك مع “أنترنيوز” إن الهدف الرئيسي من عقده هو إيجاد سبل للتعاون بين الإعلاميين والحكومات والمانحين وصناع القرار من أجل تشجيع البحث والتحليل عن مدى تأثير تطوير الإعلام في الحاكمية والمشاركة الشعبية والحد من الفقر وإيجاد حلول للمشكلات الإقتصادية والإجتماعية والسبل الكفيلة بالوصول إلى معايير أخلاقية متفق عليها.
وأوضح الطراونة في تصريحات لسويس أنفو أن “من أبرز المتحدثين في المؤتمر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإتصال والمعلومات شاشي ثارور والرئيس السابق للبنك الدولي جيمس ويلفنسون، مشيرا إلى أن المانحين سيناقشون في مؤتمر خاص يعقدوه بعد تسعة أيام من انتهاء أعمال “المنتدى العالمي لتطوير الإعلام” في عمان التوصيات التي تم التوصل لها.
أجندتان متوازيتان
لكن من الواضح أن كلا من المؤتمرين يرتبط ارتباطا وثيقا بأجندة الطرف الأمريكي أو الأوروبي المنظم، فمؤسسة “أنترنيوز” الأمريكية التي تُصنف على أنها غير حكومية حددت المحور الرئيسي للمؤتمر المنعقد حاليا بمدى تأثير الإعلام في تسريع الإصلاحات السياسية وكيفية الحد من الصراعات والتعامل مع الأزمات وإعادة الإعمار مع التركيز على تجارب بعض البلدان في هذا المجال من ضمنها العراق والسودان وأفغانستان ونيبال والكونغو.
وتتطابق هذه الإهتمامات مع عناوين السياسة الأمريكية في المنطقة خصوصا منذ خطاب الرئيس بوش الشهير في 6 نوفمبر 2003 الذي أعلن فيه أن دعم الإصلاح السياسي في البلدان الإسلامية سيكون العنوان الرئيسي لإدارته في المرحلة المقبلة، فضلا عن أن اختيار العراق وأفغانستان تحديدا كنماذج للدراسة يدل على أن المؤتمر ليس بعيدا عن شواغل السياسة الأمريكية الراهنة.
بالمقابل ركز الأوروبيون في مؤتمر “يوروميد” على إبراز ثغرات مسار برشلونة من أجل العمل على تداركها في الفترة القادمة بغية استقطاب اهتمام الرأي العام والنخب في المنطقة الجنوبية بمشروع الشراكة.
وتنطلق هذه الرؤية مثلما شرح لـ”سويس أنفو” مسؤول ملف مسار برشلونة في الإتحاد الأوروبي كريستيان ليفلر (سويدي الجنسية) من أن صورة المسار في وسائل الإعلام وبخاصة منها الجنوبية لم تكن ناصعة. وبناء على ذلك حاول مسؤولون في الإتحاد الأوروبي طيلة أيام المؤتمر إظهار حجم المساعدات المختلفة التي ضخَها الإتحاد لتعزيز التنمية في بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، بما فيها برامج لدعم الإعلام وتعزيز استقلال القضاء. إلا أن الإعلاميين الجنوبيين لم يظهروا اقتناعا بمدى التزام الأوروبيين بتقريب الفجوة بين الضفتين وشككوا في احتمال إقامة منطقة التبادل التجاري الحر المزمع إنشاؤها في سنة 2010.
أكثر من ذلك اتسمت المداخلات بعتاب شديد للإتحاد الأوروبي على اندفاعه إلى تطوير التعاون مع بلدان أوروبا الشرقية والوسطى التي انضمت للإتحاد أخيرا وتخصيص اعتمادات ضخمة لها على حساب الشراكة مع بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط.
ومن هذه الزاوية يمكن فهم تركيز الأوروبيين على الأبعاد الثقافية والإعلامية باعتبار أنها يمكن أن تغطي على التقصير الإقتصادي، إذ خُصَص حيز كبير من أعمال مؤتمر “يوروميد” لمشروع التراث الأوروبي المتوسطي الذي يوجد مقره في نابولي (إيطاليا) والذي منح جوائز لمشاريع عدة في بلدان الضفة الجنوبية.
وطُرحت في ذلك السياق أسئلة في جلسات المؤتمر من قبيل “هل أن التقدم في التعاون الثقافي ممكن مع وجود خلافات سياسية مسيطرة؟” أو “هل يلعب الإتصال بين الثقافات دورا في التخفيف من الصراعات والوصول إلى تصالح سياسي؟”، وصولا إلى السؤال الجوهري عن الإعلام وهو التالي: “هل يستطيع الصحفيون فصل أنفسهم عن السياسة عندما تكون دولهم طرفا في الصراع؟”.
وكان من الطبيعي أن تتعدد الأجوبة على تلك الأسئلة، فهناك من شدد على أن الصحفي هو ناقل خبر في الدرجة الأولى بغض الطرف عمن سيستفيد من أخباره، فيما اعتبر آخرون أنه مشارك في صنع القرار السياسي إن مداورة أو مجاهرة، ورأى فريق ثالث أن قوة الإعلامي تكمن في بقائه سلطة رابعة لا يستطيع أي طرف توظيفها مشددين على أن الإعلام ينبغي أن يكون صوت المجتمع المدني وليس بوقا للسلطات.
ومن ضمن هذا الطرح أثيرت قضايا التدريب المهني وملكية وسائل الإعلام والشفافية والرقابة لتقود إلى سؤال محوري مفاده: “ماذا يجب على صناع القرار أن يفعلوا لمساعدة الصحفيين على لعب دور أكثر إيجابية لجعل وسائل الإعلام أكثر استقلالية ومهنية؟”. واستطرادا طُرحت أسئلة أخرى من نوع “هل أن الوسائط السمعية البصرية الحديثة تحد من ملكات التحليل والتفكير؟” و”هل أن الإنترنت ووسائل الإتصال الحديثة تزيد من فرص التفاهم بين الشعوب أم تقلل منها؟”…
انتقادات لاذعة ولقاء ثالث
إلا أن صحفيي الجنوب المشاركين في المؤتمر لم يتقيدوا بالأسئلة المعدة سلفا ووجهوا انتقادات قاسية للجانب الأوروبي على تقاعسه في الإلتزام بالدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان وفي مقدمها حرية الإعلام التي قالوا إنها كثيرا ما تتعرض لامتحانات صعبة وتضييقات مختلفة في بلدان الضفة الجنوبية، معتبرين أن الأوروبيين يقدمون المصالح الإقتصادية على الذود عن المبادئ الكونية ومن ضمنها إبعاد الإعلام عن التأثير الحكومي.
وقد تحولت بعض الجلسات إلى حوار طرشان بسبب تمسك كل طرف برؤيته، وإن ظهرت أحيانا أفكار توفيقية مثل فكرة إصدار ملاحق مشتركة بين صحف من شمال المتوسط وأخرى من جنوبه أو إنتاج برامج إذاعية وتليفزيونية مشتركة، وبخاصة في الحقل الثقافي. لكن تلك الأفكار بقيت معلقة بوجود نوايا طيبة لتجسيدها على رغم إقدام الصحفية ليلى تفسنغولو من جريدة “جمهوريت” التركية وجورج كريستوفوريديس من جريدة “بروتو ثيما” اليونانية على عرض تجربتهما الفريدة في “الإختراق الإعلامي” بين بلدين متصارعين من خلال تبادل نشر المقالات في صحيفتيهما على رغم الأجواء المناهضة هنا وهناك.
وأتى الإحجام عن إصدار بيان ختامي للمؤتمر دليلا على أن الفجوة بين الإعلاميين في الضفتين لم يتم تجسيرها بعد، وتم الإتفاق على لقاء ثان أواسط شهر أكتوبر المقبل في مدينة مرسيليا، التي اعتُبرت متوسطية بامتياز، لمزيد طبخ الأفكار استعدادا للقاء الثالث الذي يُعقد في برشلونة نفسها عشية انطلاق أعمال القمة بغية صوغ أفكار واقتراحات عملية في مجال تعزيز دور الإعلام في الشراكة بين الضفتين مستقبلا.
رشيد خشانة – عمان
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.