“توجه جديد وخطير”
هذا هو العنوان الذي اختارته منظمة العفو الدولية لتقريرها السنوي لعام 2005 الذي جرد حصيلة قاتمة لأوضاع حقوق الإنسان في أكثر من 150 بلدا وإقليما.
المنظمة حملت واشنطن أكبر جزء من المسؤولية عن تدهور حقوق الإنسان حول العالم. أما سجل معظم الدول العربية وحتى سويسرا –الدولة المتقدمة- فلم يخل من استنتاجات مخيبة للآمال.
“بعد مرور أربعة أعوام على هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد نيويورك وواشنطن، تدهورت أوضاع حقوق الإنسان حول العالم، والولايات المتحدة هي المسؤولة الأولى عن ذلك”. هذا ما أكدته منظمة العفو الدولية لدى تقديمها لتقريرها السنوي لعام 2005 يوم الأربعاء 25 مايو الجاري في لندن.
وصرحت الأمينة العامة للمنظمة إيرين خان أن “ثمة حكومات تنكص عن وعودها بشأن حقوق الإنسان”، منوهة إلى أن هنالك “توجه جديد تتبلور معالمه الآن، وتُستخدم فيه شعارات الحرية والعدالة لمواصلة انتهاج السياسات التي تبث الشعور بالخوف وانعدام الأمن، بما في ذلك المحاولات لإعادة تعريف التعذيب وتسويغه دونما اكتراث بمعايير حقوق الإنسان”.
فجوة أمريكية بين الأقوال والأفعال
ولم تتردد السيدة خان في استهلال التقرير بإلقاء اللوم الصريح والواضح على الإدارة الأمريكية باعتبارها الطرف الذي بذل أقصى الجهود لإضعاف قوة الحظر المطلق للتعذيب. وبعد الإشارة إلى الصور المروعة التي التقطت للأسرى العراقيين لدى السلطات الأمريكية في سجن أبو غريب والتي أدانها العالم بأسره، وإلى الأدلة على تعرض السجناء في أفغانستان وقاعدة غوانتانامو بكوبا لنفس الممارسات من قبل الأمريكيين، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية “لم تدع الإدارة الأمريكية ولم يدع الكونغرس الأمريكي على إجراء تحقيق واف ومستقل في هذه القضية”.
ولدى التذكير بأن الحكومة الأمريكية “بذلت جهودا جبارة لوضع القيود على تطبيق اتفاقيات جنيف، و”لإعادة تعريف” التعذيب، شبهت السيدة خان معتقل خليج غوانتانامو بـ”سجن السخرة السوفييتي القديم، إذ أنه يرسخ ممارسة الاحتجاز التعسفي ودون أجل مسمى، منتهكا بذلك القانون الدولي”.
وفي تعبير عن امتعاض المنظمة الشديد من أساليب الإدارة الأمريكية التي قالت عنها إنها “تشدق مرارا بشعارات العدالة والحرية”، أضافت السيدة خان في مقدمة التقرير أن هنالك “فجوة هائلة بين الأقوال والواقع”. واستطردت قائلة “باعتبار الولايات المتحدة القوة الكبرى التي لا منافس لها، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، فإنها هي التي تحدد “نغمة” سلوك الحكومات على امتداد العالم كله. وعندما تسخر أقوى دولة في العالم من سيادة القانون وحقوق الإنسان، فإنها تأذن للآخرين بارتكاب الانتهاكات بجرأة وبمنجاة من العقاب”.
“عجز أممي”
وبصورة عامة، أدانت المنظمة ما وصفته بـ”تقاعس الحكومات عن التصدي لإخفاقها في مواجهة الإرهاب” وتحديها المكشوف للقانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان باسم الأمن الداخلي ومحاربة “الإرهاب”.
كما نددت المنظمة بانتهاك حقوق النساء والأطفال التي سجلت خلال عام 2004 في مختلف بقاع العالم، مؤكدة أن “قدرة الدول على حماية الحقوق الإنسانية تمر بأزمة” بسبب “الجماعات المسلحة” التي تقرر “حق الحياة والموت” في بعض المناطق. وفي هذا السياق، هاجمت الأمينة العامة في مقدمة التقرير الأمم المتحدة التي “تبدو اليوم عاجزة وعازفة عن محاسبة الدول الأعضاء فيها”.
ولم تسلم لجنة حقوق الإنسان الأممية من الانتقاد حيث وصفتها السيدة خان بـ”ساحة للمقايضات والمساومات الدقيقة في حقوق الإنسان”. ولم تغفل الإشارة إلى أن اللجنة قررت العام الماضي عدم النظر في الملف العراقي وأنها فشلت في التوصل إلى اتفاق حول تنفيذ تحرك في الشيشان والنيبال وزمبابوي، فضلا عن أنها التزمت الصمت إزاء ما يحدث في قاعدة غوانتانامو.
“انتهاكات خطيرة” في العالم العربي
ولدى جرد حصيلة أوضاع حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2004، استنتجت منظمة العفو الدولية أن المنطقة شهدت “استمرار ارتكاب انتهاكات خطيرة ومتعددة لحقوق الإنسان، بما في ذلك قتل مئات المدنيين في الصراعات المسلحة وأحداث العنف السياسي في شتى أرجاء المنطقة”.
وشدد التقرير على أن معظم مرتكبي ذلك العنف السياسي أفلتوا من العقاب وأن “الحرب العالمية على الإرهاب” مازالت تُستخدم ذريعة لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان. وأوضحت منظمة العفو الدولية أن عشرات الأشخاص اعتقلوا في مختلف بلدان المنطقة للاشتباه في ضلوعهم في أعمال “إرهابية” أو علاقتهم بجماعات المعارضة المسلحة.
ونقل التقرير أنباء عن “إجراء محاكمات جائرة لعشرات المشتبه فيهم ممن وجهت إليهم تهم تتعلق “بالإرهاب” في المغرب والسعودية وتونس واليمن”. كما أكد أن التعذيب ظل من “بواعث القلق في الجزائر وليبيا وتونس، في إطار استخدام “الحرب على الإرهاب” لتبرير الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجائرة”.
العراق والسودان..والأراضي المحتلة
ومن الدول العربية التي تحمل المدنيون فيها عبء أثقل من جراء الحرب والصراعات المسلحة العراق والسودان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
ففي العراق، أكد تقرير منظمة العفو الدولية أن “القوات التي تقودها الولايات المتحدة ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من بينها القتل دون وجه حق، والاعتقال التعسفي، كما ظهرت أدلة على وقوع التعذيب والمعاملة السيئة”. وأوضح التقرير أن الجماعات المسلحة العراقية أقدمت أيضا على انتهاكات خطيرة من استهداف آلاف المدنيين واحتجاز الرهائن وقتل بعضهم.
وفي السودان، استنتجت المنظمة أن القوات الحكومية والميلشيات المتحالفة معها في إقليم دارفور غربي البلاد “واصلت قتل الآلاف وتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص المقيمين في المناطق الريفية، وخصوصا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2004”.
وشدد التقرير السنوي للمنظمة على أن التعذيب “تفشى على نطاق واسع، خصوصا في دارفور”. كما أوضح أن “آلاف النساء تعرضن للاغتصاب وارتكبت هذه الجريمة علنا في بعض الأحيان، وأخذ الجنود أو أفراد ميليشيات الجنجويد كثيرات منهن بعرض الاسترقاق الجنسي”.
ومن المآسي التي شهدها السودان خلال عام 2004 مشكلة اللاجئين والنازحين في دارفور الذين بلغ عددهم بحلول ديسمبر الماضي 1,8 مليون شخص داخل دارفور بينما وصل عدد النازحين في تشاد المجاورة إلى 200 ألف شخص.
أما في إسرائيل والأراضي المحتلة، أفاد التقرير أن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 700 فلسطيني من ضمنهم حوالي 150 طفلا. وأكد أن معظم الضحايا قتلوا “دون وجه حق نتيجة إطلاق النار دون مبالاة، والقصف الجوي والمدفعي في مناطق مدنية آهلة بالسكان، وفي حوادث إعدام خارج نطاق القضاء، ونتيجة الإفراط في استخدام القوة”. وفي الجانب الفلسطيني، أورد التقرير أن “جماعات فلسطينية مسلحة قتلت 109 إسرائيليا من بينهم 67 مدنيا بما في ذلك 8 أطفال في عمليات تفجير انتحارية وحوادث إطلاق للنار وهجمات بقذائف الهاون”.
ولدى وصفها لممارسات الجيش الإسرائيلي من قتل وحصار وهدم للبيوت وجرف الأراضي الزراعية وتدمير البنية التحتية في الأراضي المحتلة، لم تتردد منظمة العفو الدولية في وصف بعض الانتهاكات الإسرائيلية بـ”جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب”.
ملاحظات إيجابية عن دول عربية
ورغم انتقاد تقرير منظمة العفو الدولية لمعظم الدول العربية في مجال الاعتقال والتعذيب والعنف والتمييز ضد المرأة وتقييد حرية التعبير والاجتماع، إلا أنه تضمن ملاحظات إيجابية عن بعض الدول على مستوى الجهود الرامية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان وتصحيح أخطاء الماضي والارتقاء بحقوق المرأة والأسرة.
وذكر التقرير بهذا الشأن فتح طرابلس أبواب ليبيا لمراقبي حقوق الإنسان وخاصة منظمة العفو الدولية التي تمكنت في فبراير الماضي من زيارة البلاد لأول مرة منذ 15 عاما لمعاينة أوضاع سجناء الرأي والسجناء السياسيين. وأشار التقرير أيضا إلى إعلان السلطات الليبية عن مبادرات للإصلاح تشمل إمكان “إلغاء محكمة الشعب والحد من نطاق تطبيق عقوبة الإعدام”. في المقابل، أكد التقرير أنه “لم يتحقق تقدم يذكر لإظهار الحقيقة حول كيفية وفاة عدد من السجناء أثناء احتجازهم في السنوات السابقة”. كما ذكر أن إصدار أحكام بالإعدام استمر “رغم ما صرح به العقيد معمر القذافي عن معارضته لعقوبة الإعدام، وهو ما أكده ثانية لمنظمة العفو الدولية في فبراير” الماضي.
وكان المغرب من بين الدول التي حظيت بإشارة إيجابية رغم قائمة الانتقادات الطويلة في العديد من المجالات، إذ رحب التقرير باعتماد قانون “مدونة الأسرة” الجديدة الذي قال عنه إنه “يحسن بشكل كبير الإطار القانوني لحقوق المرأة”. كما حرص التقرير على الإشارة إلى عمل “هيئة الإنصاف والمصالحة” التي قرر العاهل المغربي الملك محمد السادس إنشاءها في 7 يناير الماضي بهدف إغلاق ملف انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال ما يعرف بـ”سنوات الرصاص” أي بين عقد الخمسينات والتسعينات في المملكة.
وفي مجال حصول المرأة العربية على حقوق سياسية أكبر، ذكر التقرير تولي الشيخة لبنى القاسمي من العائلة الحاكمة في إمارة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة منصب وزيرة الاقتصاد والتخطيط، وهي أول سيدة تتولى الوزارة في البلاد. كما أشار إلى ترأس أول سيدة في البحرين وزارة الصحة إذ أصبحت السيدة ندى عباس حفاظ أول وزيرة في هذا البلد الخليجي. ولم يغفل التقرير التنويه أيضا إلى المطالب المتزايدة بإجراء إصلاحات في الكويت خاصة فيما يخص منح المرأة الحق في التصويت.
نفس الانتقادات تقريبا لسويسرا
أما الانتقادات التي وجهتها منظمة العفو الدولية لسويسرا فلم تختلف كثيرا عن تلك التي تضمنها التقرير السابق، إذ ركز مجددا على سوء معاملة الشرطة للمعتقلين واللاجئين وعنصريتهم إزاء السود على وجه التحديد، وسياسة الكنفدرالية في مجال اللجوء التي “كثيرا ما تفتقر إلى الشمول” حسب تعبير المنظمة.
وورد في التقرير أن “تعديل قانون اللجوء أدى إلى منع كثير من الرعايا الأجانب من ممارسة حقهم في طلب اللجوء على نحو فعال”، مذكرا أن “الحكومة قدمت مقترحات لإجراء تعديلات أخرى على القانون من شأنها أن تقيد بشدة الوصول إلى عملية البت في طلبات اللجوء وتنطوي على احتمال انتهاك “اتفاقية اللاجئين”.
ولم يغفل التقرير الإشارة إلى “الادعاءات عن إفراط الشرطة في استخدام القوة دون مبرر في سياق بعض المظاهرات، واستخدامها معدات ترمي إلى شل حركة الأشخاص أو تعجيزهم بصورة مؤقتة في غير محلها”.
وأخيرا، أكد التقرير أن النساء مازلن يتعرضن للتعنيف إذ أوضح أن العنف ضد المرأة “برح يمثل مشكلة كبيرة” في سويسرا و”ظل متفشيا في محيط الأسرة”. غير أن المنظمة أشارت إلى أن تعديل قانون العقوبات السويسري سمح في المقابل للسلطات “بملاحقة مرتكبي جرائم العنف العائلي بما في ذلك الاغتصاب، دون الحاجة إلى شكوى رسمية من الضحية”.
إصلاح بخات – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.