“توجيه الاتهام للرئيس السوداني، خطوة جريئة لكنها خطيرة”
يعتبر أندرو كلافام، الخبير في القانون الدولي والمقيم بجنيف، أن توجيه تهم ممارسة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب في دارفور للرئيس السوداني، قرار جريء، لكنه لا يخلو من مخاطر.
سويس إنفو سعت إلى استجلاء خفايا موقف هذا الخبير الذي يعمل أستاذا محاضرا بالمعهد العالي للعلاقات الدولية ودراسات التنمية بجنيف، من الخطوة التي أقدم عليها مورينو-أوكامبو، المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية.
وكان مورينو أوكامبو، قد طالب يوم الاثنين 14 يوليو الجاري، المحكمة الجنائية الدولية بإصدار قرارا لإلقاء القبض على الرئيس السوداني متهما إياه بقيادة حملة إبادة جماعية، أدت إلى قتل 35.000 شخص وأجبرت 2.5 مليون سوداني على النزوح عن قراهم في إقليم دارفور، غرب السودان.
وأمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية ثلاثة أشهر، للتأكد من وجود أدلة كافية، لقبول الدعوى المرفوعة ضد عمر حسن البشير، أو رفضها.
ويوم الأربعاء 16 يوليو، أدان البرلمان السوداني الاتهامات الموجة ضد رئيس البلاد، وأشار في بيان له أن تلك الخطوة تهدد اتفاقيات السلام الهشة المبرمة في دارفور. وخارجيا، انتقدت الصين، العضو بمجلس الأمن الدولي، والمستثمر الأساسي في قطاع النفط بالسودان، والمزوّد الرئيسي له بالسلاح، الخطوة التي أقدم عليها المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية.
في المقابل، طالبت بعض الدول الغربية بضرورة احترام قرارات المحكمة الدولية. وقامت الأمم المتحدة ابتداء من يوم الثلاثاء 15 يوليو بتشديد الإجراءات الأمنية حول بعثاتها في السودان، وطالبت موظّفيها غير الأساسيين، بالتزام بيوتهم، في وقت كانت حشود غفيرة من السودانيين تجوب شوارع الخرطوم للتعبير عن دعمها للرئيس البشير. وتقول الوكالات الدولية العاملة في السودان إنها تراقب الوضع عن كثب، مؤكدة أنها ستواصل عملها في الإقليم حتى إشعار آخر.
وفي ما يلي نص الحوار:
سويس إنفو: هذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها الإدعاء العام بمحكمة دولية اتهامات ضد رئيس دولة، مباشر لمسؤوليته. ما هو رأيك في هذه السابقة؟
أندرو كلافام: إنها خطوة جريئة وشجاعة بلا شك، لكنها لا تخلو من مخاطر كذلك. فكون الرئيس البشير لا يزال مباشرا للسلطة، لا يمنحه أي نوع من الحصانة. وطبقا للمادة 27 من القانون الأساسي للمحكمة الجنائية، يمكن محاكمة رؤساء الدول، ولكن توجيه الاتهام للرئيس البشير يعني أن حكومة السودان، والدولة بأسرها تتحمّل المسؤولية. وما يزيد في خطورة الوضع هو أن التهم تتعلق بجرائم إبادة جماعية.
لم اطلع على الأدلة التي اعتمد عليها الإدعاء، وبالتالي لا أستطيع تبرير الاتهام من عدمه، لكن إثبات تهمة الإبادة الجماعية بالوقائع، والتحقق من وجود عزم حقيقي على تدمير مجموعة بشرية بأكملها، أو حتى جزئيا، مسألة صعبة جدا.
لقد أثارت هذه القضية نوعا من القلق لدى بعض المعنيين بالقانون الدولي، فتوجيه تهمة الإبادة الجماعية، يلفت أنظار الجميع لكنه يحبط آمال الضحايا، وقد يؤدي إلى اجهاض القضية من الأساس، إذا تأكد للمحكمة أنه ليس هناك أدلة كافية لإثبات تهمة الإبادة الجماعية. إنه من الصعب الحكم على ذلك. وهذه إستراتيجية عالية المخاطر.
سويس إنفو: لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكّرة اعتقال، هل هناك حظوظ في الواقع لإمكانية اعتقاله وعرضه أمام القضاء؟
أندرو كلافام: في الظروف الحالية، من الصعب حدوث ذلك، إلا إذا ما قرر السفر إلى الخارج، أو حصلت تحوّلات في السودان. الغرض من الاتهام، هو وضع الأمور في نصابها، وليس تحقيق نتائج سريعة بتقديم الرئيس للعدالة.
سويس إنفو: ما تأثير هذا الاتهام على مساعي السلام، وعلى تقديم المساعدات في إقليم دارفور؟
أندرو كلافام: يشير بعض المحللين إلى أن اتهام الرئيس اليوغسلافي السابق، سلوبودان ميليسوفيتش، ورئيس ليبيريا السابق جورج تايلر، بارتكاب جرائم دولية، وعرضهما على المحكمة الجنائية، قد ساعد على نزع الشرعية عنهما.
لكن هناك قلق حقيقي من أن يؤدي توجيه لائحة الإتهام في زيادة المخاطر المحدقة بعمليات الإغاثة، ويبدو أن المدعي العام على وعي مسبق بذلك. لا أعرف بالضبط ما على المجتمع الدولي القيام به لحماية الموظّفين الدوليين، حتى لا يشعروا بأنهم وقعوا في كماشة هذه العملية القضائية، وأن تتخذ بسرعة الضمانات الكفيلة بحمايتهم وسلامتهم.
وهذه المشكلة تحصل في كل وقت تتم فيه عملية مساءلة أو محاسبة بالتزامن مع نزاعات مسلحة وعمليات إغاثة لا تزال جارية.
سويس إنفو: البعض ينتقد المحكمة الجنائية الدولية ويشبهها ب”الأسد الذي يفتقد إلى مخالب”، وأنها لم تحقق أي تقدم في القضايا المتعلقة بأوغندا، والكونغو الديمقراطية، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ولا يتوقعون أن تحقق نجاحا يذكر في السودان، ما رأيك؟
أندرو كلافام: هناك اختلاف كبير بين الخطوة التي أقدمت عليها المحكمة في السودان والملفات المتعلقة بدول أخرى. بالنسبة للوضع في السودان، وفي إقليم دارفور تحديدا، مجلس الأمن الدولي هو الذي طلب من المحكمة النظر فيه، وهذا المعطى من شانه أن يزيد في توقعات المجتمع الدولي بتعاون الأطراف المعنية مع المحكمة بغض النظر عن طبيعة القرار الذي ستتخذه.
في هذه الحالة، الإلزام قوي، والحجة بالغة. هل سيشرع مجلس الأمن الدولي في إصدار قرارات ملزمة تطالب الدول بالتعاون، من أجل إعتقال الرئيس السوداني، عندئذ ستكون جميع الدول ملزمة بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.
سويس إنفو- سيمون برادلي – جنيف
ظلت الأوضاع في إقليم دارفور، ومنذ اندلاع الأزمة هناك، سيئة، واستمرت محادثات السلام بين الأطراف المتنازعة تراوح مكانها، ويرابط في الإقليم 9.000 جندي فقط من القوات الإفريقية والأممية التي تبلغ في الأصل 26.000 عنصرا، ويعتمد ثلثا سكان الإقليم في معاشهم بالكامل على المساعدات الدولية.
وهذا النزاع الذي أودى بحياة ما يناهز عن 200.000 شخص، وأدّى إلى نزوح 2.5 مليون نسمة داخل السودان، و400.000 شخص في تشاد المجاورة، أصبح الآن أكثر تعقيدا، ويبدو انه على أبواب دخول مرحلة جديدة.
في يونيو الماضي، حذّرت الأمم المتحدة من أن الأوضاع في إقليم دارفور مرشّحة للتدهور بسرعة. وأشار منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إلى ما أسماه “إعصار المخاطر القادمة” والمتمثلة في زيادة حدّة العنف، والاكتظاظ الشديد في المخيمات، وضعف موسم الحصاد.
في فبراير 2007، وجّهت المحكمة الجنائية الدولية تهم جرائم حرب في دارفور إلى مسؤولين سودانيين، لكن السودان، لا يعترف بالولاية القضائية لهذه المحكمة، ويرفض تسليم المتهميْن.
يتهم لويس مورينو- أوكامبيو، الذي يشغل منصب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني عمر البشير بإرتكاب جرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
ولدعم هذه الإتهامات المثيرة للجدل، يقول المدّعي العام أن لديه من الأدلة ما يكفي لإثبات أن البشير هو العقل المدبّر وهو الذي أعطى الأمر بتنفيذ خطة تهدف إلى تدمير ثلاث قبائل بدارفور هي: قبيلة الفور، ومساليت، وزغاوة، “بسبب انتمائها العرقي”.
ويقوم دليله على ان البشير يسيطر على الحكومة، وعلى القوات شبه الحكومية في دارفور، وبالنسبة له الهجمات التي استهدفت تلك القبائل، وقراها، ما كان يمكن أن تستمر طيلة هذه السنوات كلها لو لا أن هناك اوامر صريحة بذلك من الرئيس البشير.
وتأسست المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها في لاهاي، سنة 2002، كأول محكمة دولية دائمة للنظر في جرائم الحرب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.