تونس: انقسام الإسلاميين حول مسألتي “العودة” و”المصالحة”
"العودة" و"المصالحة"، مفردتان تتردّدان منذ أشهر داخل أوساط اللاجئين السياسيين والمغتربين من أعضاء وأنصار حركة النهضة بالخصوص، الذين يقيمون خارج تونس منذ ما يزيد عن 20 عاما للبعض منهم.
هذا الموضوع أصبح يشكِّـل مصدر صُـداع شديد لقيادة هذه الحركة، بعد أن قرّر العشرات من الكوادر بصفة فردية تسوية أوضاعهم الشخصية والعائلية، وذلك بشدّ الرّحال إلى مطار قرطاج تونس الدولي، حيث وجدوا الأبواب مفتوحة في وجوهم، ولم يتعرضوا لا للاعتقال أو حتى للإهانة، فعلوا ذلك خلافا لتوجيهات قيادتهم التي لا تزال تشدّد على ضرورة أن تُـعطى الأولوية للتسوية السياسية الشاملة والجماعية.
عندما حصلت المواجهة الشاملة بين السلطة وحركة النهضة في بداية التسعينات من القرن الماضي، تمكّـن الكثير من الملاحقين أن يتسلّـلوا سِـرّا إلى الجزائر أو ليبيا، ومنها توزّعوا على مختلف العواصم الأوروبية بالخصوص، وبعد أن تمكّـنوا من تسوية أوضاعهم بالحصول على اللجوء السياسي، وعلى جنسيات الدول التي يقيمون فيها بدأت رِحلتهم مع انتظار العودة إلى تونس.
لم يتوقع أي واحد منهم بأن انتظارهم سيطُـول كل هذه الفترة دون أفُـق واضح، حتى الشيخ راشد الغنوشي، الذي سبق الأحداث وقرّر المغادرة مبكّـرا، وذلك بعد شهر ونصف من الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 2 أبريل 1989، وشاركت فيها حركة النهضة بكل ثِـقلها، كان يتصوّر يومها أن غيابه عن تونس قد لا يستغرِق بضعة أشهر.
كانت تلك المرحلة بمثابة مرحلة الحِـسابات الخاطئة بالجملة، إذ لم تُـضيِّـع الحركة فقط فُـرصة الاستفادة من الانتخابات، وإنما ضاعت كل رِهاناتها الداخلية والخارجية وتحوّلت في فترة وجيزة إلى بقايا تنظيم مهاجر موزع على عشرات البلدان في العالم.
وتحملت القيادة يومها مسؤوليتها ووعدت قواعدها بالعمل على تغيير موازين القوى من جديد، لكن استمرت السنوات تِـباعا دُون أن يتحقّـق الوعد أو يقترب موعد العودة.
هنا بدأ التململ وأخذت تتوالى التساؤلات، ثم الانتقادات الداخلية غير العلنية ثم أخذت الخلافات تتجذر شيئا فشيئا ويتّـسع نِـطاقها وتخرج شيئا فشيئا للعلن.
وفي الأثناء، بدأ البعض ينسحِـب بصمت أو يختار الابتعاد، دون القَـطع نهائيا مع قيادة المهجر. في هذه الأجواء الداخلية الصعبة ورغم محاولات الإنعاش الفاشلة، بدأ البعض يفكِّـر في فصل مساره الشخصي والأسَـري عن مسار الحركة والقيادة الحالية.
وبما أن السلطة كانت ولا تزال تُـراقب بدقّـة حالة العجْـز التي آلت إليه أكبر حركة معارضة شهدتها تونس خلال السبعينات والثمانينات، فقد شجّـعت هذا التوجه لدى هؤلاء العناصر، وذلك بتسهيل عودتهم ضِـمن مبدإ الفصل التام بين الملف الإنساني والملف السياسي.
ولم يصدّق الذين بادروا بهذه الخطوة من الكوادر النهضوية أعيُـنهم عندما وطئت أقدامهم أرض تونس، فتمّ الترحيب بهم من قِـبل رجال الأمن وسُـئِـلوا في مقر وزارة الداخلية بكل لُـطف عن مسائل قديمة، ثم سلّـمت لهم جوازاتهم وأشعروا بأن ملفهم قد أغلِـق نهائيا.
هذا المُـنعرج الذي حدث في تاريخ العلاقة بين السلطة وحركة النهضة أزعج قيادتها وجعلها تشعر بأنها مهدّدة في رصيدها السياسي والنِّـضالي والأدبي، وبناءً عليه، حاولت أن تضع له حدّا بمختلف الوسائل، لكنها – فيما يبدو – قد فشِـلت مع الكثيرين.
فعدد الذين أعدّوا حقائبهم هم في ازدياد، حسبما تؤكد بعض المصادر وطبقا لما تثبته قائمة الذين دخلوا تباعا إلى تونس. والكثير منهم ليسوا شخصيات نكِـرة في الحركة، وإنما لهم رصيدهم ومكانتهم ويصعب الطعن بسهولة في نزاهتهم.
دعوة لمراجعة جوهرية
إن القيادة الحالية لحركة النهضة بالخارج مُـحقّـة عندما تعتبِـر بأن العملية تسحب منها ورقة هامة في مواصلة إدارة المعركة مع السلطة.
فخطّـتها مرتكزة على الاستمرار في الضغط السياسي واستغلال ما يصلها من معلومات عن سوء الأوضاع في البلاد، لكي تُـجبر النظام على مفاوضتها، وبذلك تتمكّـن من تحقيق بعض المطالب السياسية، وفي مقدِّمتها إطلاق سَـراح من تبقّـى من المساجين وعودة المُـغتربين، فتؤكِّـد بذلك شرعيتها القيادية.
لكن المشكلة، أن هذه الإستراتيجية التي تبنّـتها القيادة الحالية منذ بداية المواجهة لم تؤدِّ إلى أي نتيجة. فأوراق الضّـغط التي لديها ضعيفة وغير مؤثِّـرة، كما أن النظام لم يبلغ حالة الضّـعف التي تصوّرتها بعض المقالات والبيانات أو الأخبار غير الدّقيقة، وأن شروط التّـغيير السِّـلمي أو العنيف مفقودة، وبالتالي، لا يشعر النظام بأي حاجة لفتح قنوات حِـوار مع هذه القيادة أو مع غيرها، ولهذا تعالت أصوات نوعية من داخل الحركة وعلى هامشها، تتّـهم القيادة بالعجز وتدعوها إلى الاعتراف بفشل إستراتيجيتها التي اتّـبعتها منذ قُـرابة العشرين عاما.
في هذا السياق، يجري الحديث حاليا داخل أوساط النهضويين عن نصّ جماعي، هو بصدد الإنجاز فيما يبدو، وستوقّـع عليه شخصيات وازِنة داخل مـُحيطها التنظيمي، يتحدّث أصحابه بلُـغة غير مسبوقة ويطالبون بوقفة تأمُّـل والقيام بمراجعة جوهرية لخارطة الطريق، التي اعتمدتها الحركة منذ اندلاع المواجهة مع النظام قبل 17 عاما ونيف.
إن النص فيما يبدو مُـحاولة لرفع السِّـتار عن طريقٍ يبدو للكثيرين مسدودا ودعوة أساسية إلى تغيير طبيعة العلاقة مع السلطة في اتِّـجاه إنهاء حالة المواجهة معها.
بحثا عن “مصالحة ممكنة”
حتى بعض الذين غادروا الأروقة الداخلية للحركة منذ فترة طويلة، يُـريدون أن يساهموا من خلال مواقعهم الرّاهنة وتجاربهم السابقة، في تعميق هذا النقاش عسى أن يؤدّي ذلك إلى فتح باب أو حتى كوة صغيرة نحو ما يسميه هؤلاء بـ “المصالحة”، وهي بالمناسبة كلمة لا ترفضها القيادة الحالية للحركة، ولكن المخالفين لها يتّـهمونها بأنها لا تعمل جدِّيا على تحقيق ذلك.
القيادة تتحدّث عن مصالحة مشروطة في مرحلة لم تقدر فيها على فرض أي مطلب من مطالبها أو حتى أن تقنع النظام بأن من مصلحته أن يتحاور معها.
يعتبر فاضل البلدي (رئيس مجلس الشورى السابق لحركة النهضة) في تصريح خاص لسويس إنفو أن المعركة بين النظام والحركة “قد استنفدت أغراضها”، مشيرا إلى أن البلاد تتهيَّـأ إلى انتخابات رئاسية وتشريعية قادمة، ويعتقد بأن المطلوب حاليا هو “تهيئة الظروف الموضوعية المُـلائِـمة لهذه المناسبة”، وهو يفترض بأن الفترة المتبقِـية التي تُـقدَّر بسَـنة، تُـعتبر كافية لعقد “مصالحة ممكنة”.
وعند تذكيره بأن الحركة عبّـرت عن رغبتها في المصالحة ولكن دون جدوى، أجاب “نعم، يقولون بأنهم سَـعوا إلى ذلك وعبَّـروا عن رغبتهم، لكن هذه الرّغبة لا تنسجِـم تماما مع ما يُـعلنه زعيم الحركة”، في إشارة إلى الشيخ راشد الغنوشي اللاجئ منذ عام 1991 في لندن، ويؤكد على أن هناك من الإسلاميين مَـن لا يريدون تحقيق المصالحة، عندما يفترضون الرّبط بين ذلك وبين الاعتراف بحركة النهضة.
البلدي كتب مؤخَّـرا عددا من النُّصوص، دافع فيها عن وجهة نظره، لكن بقدر ما لقِـيت مقالاته ارتياحا وتجاوُبا من قِـبل بعض النهضويين، فإنها أثارت في المقابل غضب الغنوشي، الذي ردّ عليه في بداية شهر يونيو الماضي في سياق هُـجوم عنيف على السلطة، قاطعا بذلك أي احتمال للتقارب معها.
لقد طلب منه ومِـن غيره بوضوح، عدَم التدخل في شؤون الحركة، قائلا “ليس لمَـن لم يصلاه في تلك المسالخ جحيم الهولوكوست “النوفمبري”، إذ احتمى منه بهِـجرة أو انسحاب… ليس له أن يقوم في ضحايا الهولوكوست واعِـظا، يعظهم في المصالحة والصفح ونسيان جراحاتهم العميقة”، وأضاف “ليس من العدل أن يُـفتي معافى في موطنه أو في مهجره لمُـبتلى”.
تعديل هنا.. وتصلب هناك
في هذه الأجواء، يجِـب أن يتساءل المرء عن موقف السلطة ومدى استعدادها لتسهيل عودة المئات من المغتربين إلى تونس أو إطلاق سراح المعتقلين منذ أزيد من 17 عاما وقبول فكرة “المصالحة”؟
فالمعترضون على فِـكرة المصالحة من داخل النهضة ومن خارجها – بمن في ذلك من ينشطون في صفوف بعض أحزاب المعارضة – يعتبرون أن فِـكرة “المصالحة” غير واردة في السياق السياسي الرّاهن، ويركِّـزون انتقاداتهم على السلطة ويستعرضون عشرات الأمثلة للتّـدليل على تصلّـب النظام واعتماده أسلوب العصا الغليظة ضدّ الجميع، وبالخصوص ضدّ الإسلاميين.
يتّـفق الجميع، بمَـن في ذلك مَـن يدافعون على المصالحة، حول القول بأن السلطة لا تزال تُـبدي الوجه المتصلّب، الذي يبدو رافضا لتغيير أسلوبها في التعامل مع مُـجمل معارضيها، لكن ذلك يجب أن لا يُـخفي القول بأن هذه السلطة عدلت في سياستها تُـجاه الإسلاميين، مقارنة بما كان يحدُث في التسعينات من القرن الماضي، إذ لم يبق من معتقلي حركة النهضة سوى عدد قليل (أقل من 30 حسب أغلب المصادر)، كما أن العشرات من المغتربين عادوا إلى تونس وسُـوِّيت أوضاعهم بشكل لافِـت للنظر، رغم الأحكام الثقيلة التي كانوا يجرُّونها وراءهم، كما أنه سمح للكثيرين باستئناف حياتهم العائلية والمِـهنية بشكل شِـبه عادي.
يُضاف إلى ذلك أن مَـن يُـلقي نظرة موضوعية على المجتمع التونسي حاليا، يرى بكل وضوح اختلاف المشهد الدّيني بدرجة واسعة جدا عمّـا كان عليه الأمر قبل سنة 2000.
في مقابل ذلك، لا تزال المُـضايقات مسلّـطة على العديد من كوادِر الحركة ممّـن أطلِـق سراحهم، مثل السيدين علي العريض وعبد الكريم الهاروني، اللذان يواجهان حِـصارا شديدا في الأيام الأخيرة، كما أن المساجين لا يزالون يُـواجهون ظروفا صعبة، ممّـا دفع بالبعض منهم إلى شنّ إضرابات عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحهم.
وفي سياق متصل، هناك من تسلّـم جوازات سفر أبنائه من السفارة التونسية في العاصمة السويسرية ليكتشف بأن الموافقة عليها تمّـت منذ أكثر من عشرة أشهر، في حين أن الموظفين بالقنصلية كانوا يسوّفون الأسرة طيلة الفترة الماضية؟ وهناك من دافع باستِـماتة عن مبدإ المصالحة وتحدّث عن إيجابيات كثيرة، لكنه اصطدم بنوع من الشروط التي بدت له تعجيزية، مثل الإعلامي مرسل الكسيبي، المقيم كلاجئ سياسي في ألمانيا منذ فترة طويلة.
كما أن الأجهزة الأمنية والسياسية تعلَـم بأن الدكتور عبد المجيد النجّـار، الذي يحظى بقيمة معنوية عالية في الأوساط القريبة من حركة النهضة، ينتظر الضوء الأخضر ليحصُـل على جواز سفر ويعود إلى تونس دون مشاكل، وقد تقدم في هذا السياق بطلب إلى سفارة تونس بباريس ولم يتحصل على أي ردّ.
وجهتا نظر تتدافعان
كيف يمكِـن تفسير هذه السياسة التي تبدو مزدوجة؟ يؤكِّـد السيد برهان بسيس من جهته، أنه لا يعتقد بأن مسألة العودة “تشكِّـل مِـحورا للنقاش يمَـس جوهر المسألة السياسية في تونس”، وأنه “لا يختلف اثنان في أن مِـن حقّ التونسيين المقيمين خارج البلاد لأسباب شتى من العودة إلى بلادهم متى شاءوا”، والمشكلة من وجهة نظره تكمُـن في أن “من يمسكون بالجهاز التنظيمي في الخارج لحركة النهضة، غير المُـعترف بها، يعملون على تحويل هذه القضية إلى مِـلف سياسي وجزء من مقايضة، ولو على حساب مصالح الأشخاص وحقوقهم الطبيعية”، وأضاف بسيس لسويس إنفو بأنه “قد تمّ في أعلى مستوى التّـأكيد على أن باب العودة سيبقى مفتوحا أمام كل التونسيين بمُـختلف انتماءاتهم”.
ويذكّر الإعلامي القريب من الدوائر الرسمية بأنه “قد تمّـت تسوية عديد الملفات وتمكّـن أصحابها من العودة، بعيدا عن منطق المقايضة أو الابتزاز، خلافا لما تدّعيه الأطراف المزايدة، والتي تحرِص على تحويل القضية من بُـعدها الإنساني كحق لا نقاش فيه، إلى قضية سياسية تذوب في خضمِّـها شعارات المزايدة، التي أكّـدت فشلها محطة تِـلو الأخرى”، على حد قوله.
هناك من يعتقِـد بأنه، توجد داخل الأجهزة الأمنية والسياسية وجهتا نظر حول معالجة هذا الموضوع، جهة تدفع إلى تفكيك ألغامِـه تدريجيا ويكون البدء بفصل الإنساني عن السياسي، في حين، يعتقد أصحاب وجهة النظر الثانية بأن استمرار تشديد القبضة هو الطريق الأنجع لجعل الجِـسم العام للإسلاميين مجمَّـدا وعاجزا.
ويبدو أن الطّـرف الأول قد حقّـق بعض الخطوات وأن ما يجري من تعسّـف، فإنه مسلَّـط بدرجة أساسية على كل من ينوي إعادة إحياء التنظيم ويدافع عن الجسم السياسي لحركة النهضة المحظورة وعن حقِّـها في الوجود والنشاط.
لكن المؤكّـد، أن تفكيرا جديدا بدأ يطرأ على مواقف الكثيرين من كوادِر هذه الحركة ورُموزها الفكرية أو السياسية، ويكفي التوقف في الختام عند رأي عبد المجيد النجار، الذي عبّـر عنه في نصّ نشره قبل أشهر قليلة، دون أن يلقى الصّـدى الذي توقعه صاحبه، بل ربما مثَّـل هذا النص نقطة تحوُّل في رأي الكثيرين، وذلك عندما تساءل “هل تكون الفرصة اليوم مُـواتية لأن نجاهد جميعا من أجل الوئام (كأنه يشير إلى صيغة الوئام المدني الذي أقدم عليه الرئيس بوتفليقة في الجزائر)، ونتحمّل المشاقّ من أجل الحوار في مسيرته الطويلة التي يتحقّـق فيها شيئا فشيئا رفع الظُّـلم والتّهميش والإقصاء واللّـون الواحد والفكر الواحد”؟.
وكان جوابه “يقيني أنّ الفرصة مواتية لكلّ ذلك، وعلى الأطراف أن تتحمـّل المسؤولية في هذا المسار، كلٌّ على قَـدْر ما بِـيده من أوراق تكون بها البداية”، وأضاف “أما استصحاب مسلك الماضي الذي كان في عمومه قائما على المغالبة المتبادلة، فما أحسب أنه سينتهي إلى نتيجة، سوى البوار وذهاب الريح وضياع الأوقات سدى، وفوات المصلحة الوطنية في جميع المجالات”..
صلاح الدين الجورشي – تونس
في عام 1969، حصل اللقاء بين المجموعة الأولى من الإسلاميين التونسيين، التي أسست فيما بعد “الجماعة الإسلامية”، التي ظلت في كنف السرية، ثم أعلنت عن نفسها يوم 6 يونيو 1981 تحت لافتة “حركة الاتجاه الإسلامي”.
السلطات التونسية رفضت قبول الملف الذي تقدّمت به الحركة للحصول على الاعتراف القانوني واعتقلت في يوليو 1981 العشرات من القياديين والأعضاء، وأصدر القضاء بحقهم أحكاما بالسجن، تراوحت ما بين بضعة أشهر وعشر سنوات.
في الأشهر التي سبقت إزاحة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة في خريف 1987، شهدت تونس مواجهات في الشوارع بين أنصار حركة الاتجاه الإسلامي وقوات الأمن، بالتزامن مع حملة اعتقالات واسعة، شملت الآلاف من أنصار الحركة وأعضائها في مختلف مناطق البلاد.
في 7 نوفمبر 1987، استلم الوزير الأول ووزير الداخلية آنذاك زين العابدين بن علي السلطة واتّـخذ في الأشهر الأولى من عهده العديد من القرارات الرامية إلى نزع فتيل التوتر في البلاد وإعادة الهدوء والاستقرار.
شهدت الفترة الممتدة من نوفمبر 1987 إلى أبريل 1989، سلسلة من الإجراءات الانفراجية، شملت إطلاق سراح جميع مساجين الحركة والاعتراف باتحاد طلابي قريب منها والترخيص لها بإصدار جريدة أسبوعية. في الوقت نفسه، غيّـرت الحركة تسميتها من الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة وتقدّمت بطلب جديد للسماح لها بالنشاط القانوني، ثم شاركت عبر قوائم مستقلة في الانتخابات البرلمانية يوم 2 أبريل 1989.
أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات حصول القوائم المستقلة على أكثر من 17% من الأصوات، وهو ما مثل منعرجا في العلاقة مع السلطة، التي غيّـرت منذ ذلك الحين أسلوب تعاملها ما أدّى إلى دخول الطرفين فيما يُـشبه الحرب المفتوحة، أسفرت ابتداء من نوفمبر 1990 عن اعتقال الآلاف من الأشخاص وصدور أحكام ثقيلة على عدد كبير من القياديين والأعضاء والمتعاطفين مع حركة النهضة.
بعد محاكمات صيف 1992، طغت الجوانب الحقوقية والإعلامية والإنسانية على ملف الإسلاميين في تونس، وخاصة من جانب الذين تمكّـنوا من مغادرة البلاد والحصول على حق اللجوء السياسي في العديد من البلدان الأوروبية والغربية.
في موفى التسعينات، بدأت السلطات في انتهاج سياسة تعمل على تفكيك هذا الملف بطريقة تدريجية، حيث تم إطلاق العشرات من المساجين وفتح الباب شيئا فشيئا بوجه عودة عدد من اللاجئين وأفراد عائلاتهم.
في الوقت الحاضر، لا يزيد عدد مساجين حركة النهضة عن 25 شخصا، أما عدد اللاجئين فيُـقدّر ببضع مئات، يوجد معظمهم في القارة الأوروبية وتشير العديد من تقارير المنظمات الحقوقية التونسية والدولية إلى استمرار معاناة المساجين السابقين بسبب العقبات الإدارية والتضييقات الأمنية التي يُواجهونها في مناطق إقامتهم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.