تونس.. تعديل وزاري ملفت وملفات عـدّة في انتظار الحسم
يُـمكن القول بأن أهمّ حدَث تَـمّ تسجيله في تونس منذ بداية السنة الجديدة 2010، هو التّـعديل الذي أدخله الرئيس بن علي على الحكومة في منتصف شهر يناير الماضي.
وبالرغم من أن هذا التّـعديل جاء جُـزئيا، خِـلافا للشائعات المكثّـفة التي سبقته، وهو ما جعل البعض يتوقّـع تعديلا آخر قد يكون أكثر شمولا، إلا أن أهَـم ما ميّـز هذا التحوير الوزاري، هو صِـبغته غير السياسية، ممّـا دعم الاعتقاد بأن الإختيارات الرئيسية للحُـكْم وأسلوب إدارته لمُـختلف الملفّات، لن يطرأ عليهما تغيير جَوهري.
دبلوماسي مميّـز
ومع ذلك، فإن المُـراقبين توقّـفوا عند تعيِـين السيد كمال مرجان (62 عاما) على رأس الدبلوماسية التونسية إلى جانب التِـحاقه بالدِّيوان السياسي للحزب الحاكم، وذلك نظرا لِـما يتمتّـع به من سُـمعة جيِّـدة على الصعيد الدولي، بعد مروره في سيرته المِـهنية بمنظمة الأمم المتحدة، حيث كان ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قبل أن يُـصبح عام 2001 المسؤول الثاني في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أما على الصعيد المحلِّـي، فهو من الذين يُـشار إليهم بنظافة اليَـد وفِـكر مُـنفتح.
أول ملف عاجل وجَـده الوزير الجديد مطرُوحا على مكتبه، هو ملفّ حقوق الإنسان والعمل على تحسين صورة تونس في هذا المجال، خاصة وأن تعيينه تزامَـن مع أعقاب الحَـملة الجديدة التي تقوم بها منظمات حقوق الإنسان وبعض المنابِـر الإعلامية الفرنسية بالخصوص.
وقد بدأ الاختِـبار داخل كواليس الاتحاد الأوروبي بالسَّـعي لإفشال مُـحاولة ربط منح تونس صفة (الشريك المتقدِّم) بالضّـغط على النظام، عساه يتراجع عن عدد من الإجراءات الماسّـة بالحريات العامة أو بقضايا فردية.
مواجهة في ستراسبورغ
وإذ تَـعتبر الدبلوماسية التونسية أنها نجحت في تعديل عنوان المُـناقشة، التي جرت داخل البرلمان الأوروبي في شهر يناير الماضي، وبدل أن يتّـخذ النقاش شكل استعراض لأوضاع الحريات في تونس، تحوّل إلى “النظر في العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي”.
لكن في المقابل، لم يتم حذْف نُـقطة التطرّق للحالة التونسية من جدوَل أعمال البرلمان الأوروبي، كما سعى لذلك بعض البرلمانيين الأوروبيين، الذين تربِـطهم علاقات جيِّـدة بالحكومة التونسية والذين أكّـدوا في مداخلاتهم على ضرورة دعْـم النظام التونسي، نظرا لِـما حقّـقه من استِـقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، إضافة إلى دوره في مُـحاربة الإرهاب.
هذا وقد ساد شعورٌ بالإرتياح الحذِر لدى الطرف التونسي الرّسمي، حيث كان البرلمانيون الأوروبيون الذين سانَـدوا النظام أكثر عددا من الذين انتقَـدوه بشدّة، خاصة بعد أن “فشلت محاولة إصدار بيان إدانة ضدّ السلطة التونسية”، حسبما تذكره الجهات الرسمية، وهو ما ينفي وقوعه الوفد التونسي المستقل والمناهض للحكومة الذي تابع الجلسة في ستراسبورغ.
لكن ذلك لن يعنِي كسْـب المعركة نهائيا، حيث لا تزال هناك محطّـات حرِجة مرتقبة خلال الأسابيع القادمة، خاصة إذا ما تأكّـد ما أشار إليه الناشط الحقوقي خميس الشماري، عندما ذكّـر في تصريح له بأن “النية تتّـجه نحو أن تصوغ لجنة العلاقات الخارجية مشروع لائحة، في انتظار أن تقوم الحكومة التونسية بـ “خطوات ملموسة” وإيجابية، هذه الخطوات ينصح بها حتى أصدقاء النظام، الذين عبَّـروا عن ذلك خارج جلسات البرلمان ورأوا فيها (إن تم اتخاذها) عامِـلا قويا مُـساعدا لدعْـم الموقِـف الرسمي التونسي.
أول زيارة لمقرر أممي منذ.. 11 عاما
في سياق منفصِـل، لكنه يتقاطع مع نقاشات البرلمان الأوروبي، تتنزّل الزيارة التي أدّاها إلى تونس مارتن شاينن، المقرر الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلّـف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وهي الزيارة التي تُـعتبر مؤشِّـرا إيجابيا على استعداد الحكومة لمناقشة عديد الملفّـات العالِـقة في المجال الحقوقي والتعاون مع المؤسسات الدولية، وهو ما جعل الموفد الأممي يُـعرب عن امتِـنانه لما قدّمته إليه حكومة تونس من تعاوُن، ذاكِـرا بالخصوص أن السلطات التونسية تعامَـلت معه بروح من الشفافية في جوانب عدّة ومكّـنته من إجراء مناقشات مفتوحة وشاملة مع العديد من المسؤولين وأفراد المجتمع المدني.
كما تمّ السّـماح له بزيارة (مركز احتجاز بوشوشة) و(سجن المرناﭭية)، حيث تقابل مع عدد من المُـشتبه فيهم أو المحكوم عليهم بجرائم الإرهاب، غير أنه لم يُـستَـجَـب لطلبه بزيارة مصالح (أمن الدولة) بمقر وزارة الداخلية وسط العاصمة التونسية، لكن بعض الملاحظات التي كشف عنها في ختام زيارته واضطرت الصحف المحلية إلى إسْـقاطها في تغطيتها لفعالية مؤتمره الصحفي، فاجأت السلطة ورحّـبت بها الأوساط الحقوقية، نظرا لكونه قد قدّمها بدون أي غِـلاف دبلوماسي، خاصة قولـه أن “نطاق تطبيق أحكام الإرهاب قد توسّـع أكثر ممّـا ينبغي”، وملاحظته عن “التفاوُت الخطير بين ما ينُـص عليه القانون وبين ما تمّ إبلاغه به عمّـا يحصل على أرض الواقع” وتأكيده على أن السلطات اعترفت بأن “تاريخ الاحتِـجاز المدوّن (للموقوفين)، هو لاحِـق على تاريخ الاحتِـجاز الفعلي، ممّـا يؤدّي إلى تلافي القواعِـد المعنِـية بفترة الاحتِـجاز المسموح بها لدى الشرطة، ويكون مماثلاً للاحتِـجاز السرّي للشخص أو لاختِـفائه”، كذلك اعتماد “الاعترافات كأدِلّـة مقدّمة إلى المحاكم، دون إجراء تحقيقات صحيحة في ادِّعاءات التعذيب.. وعدم كفاية الضّـمانات المقدّمة ضدّ التعذيب، كالحصول على فُـحوصات طبية مستقِـلة ومحامي منذ لحظة الاعتقال”.
واللاّفت للنظر، أنه بالرّغم من خُـطورة هذه الملاحظات التي تلتقي مع ما تُـروِّجه الأوساط الحقوقية التونسية والخارجية منذ فترة، إلا أن الجِـهات الرسمية الحكومية تجنّـبت ردود الفعل وامتنعت هذه المرّة عن توجِـيه انتِـقادات علَـنية للمسؤول الأمَـمي، مِـمّـا قد يؤشِّـر عن استعدادها إلى الاستمرار في التعاون معه، وهو لا شكّ أسلوب أفضل وأكثر ذكاء من حمَـلات التّـكذيب، التي كانت تقوم بها بعض الجِـهات، دون التساؤل عن جَـدواها السياسية.
“لا خضوع ولا تهاون”
المفاجأة التي تلقّـتها الأوساط الحقوقية والسياسية داخل تونس وخارجها، رغم كل ما قيل داخل البرلمان الأوروبي وعلى هامشه، هو الحُـكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف يوم 30 يناير الماضي على الصحفي توفيق بن بريك، فبدل أن يطلق سراحه، كما طالب بذلك الكثيرون، تمّ إقْـرار الحُـكم الابتدائي، ممّـا يعني أنه سيقضي العقوبة كامِـلة، إلا إذا صدر عفْـو رِئاسي.
ولعلّ الرسالة التي أراد النظام أن يوجِّـهها مرة أخرى لمعارضيه كونه “لا يخضع للضّـغوط” وأنه “لن يتَـهاوَن مع مَـن قام بثلب الرئيس بن علي”، حسبما أكّـدته بعض المصادر المطّـلعة. وقد تعاملت السلطة أيضا بنفس الطريقة مع الصحفي زهير مخلوف، الذي لا يزال موقوفا، رغم انتهاء مدّة عقوبته. وما تخشاه بعض الأوساط الحقوقية والسياسية، هو احتمال رفع قضية ضدّ الصحفية والناشطة السيدة سهام بن سدرين، المقيمة خارج البلاد، وذلك بتُـهمة مُـخالفتها للقانون المنظّـم لإنشاء الإذاعات الخاصة، وهو احتمال، إن تمّ تنفيذه، فإنه سيزيد من تعقيد المشهَـد ويُـغذّي الحملة الخارجية الموجّـهة ضد النظام التونسي.
ملف المغتربين
في ملف آخر له علاقة وثيقة بالحالة السياسية، عاد إلى تونس السيد محمد النوري بعد غياب دام حوالي عشرين عاما. لقد تمّ تمكينه من جواز سفر، رغم موقعه المعروف في أوساط حركة النهضة، وكذلك “دون قيْـد أو شرط، أي دون تنازُل عن آرائي وقناعاتي”، حسبَـما أكّـده لـ swissinfo.ch، وهو ما أضفى على عودته طابَـعا خاصا.
وأضاف السيد النوري أن “ظروف عوْدته كانت إيجابية وتمّ التعامل معي باحترام، حيث لم أتعرّض إلى أية ضغوط، قبل وأثناء العودة، وأرجو أن يحصُـل مع غيْـري ما حصل معي، كما أدعو بالمناسبة السلطة وكافة الأطراف لوضع حدِّ لهذا الملف الذي طال أكثر من اللّـزوم، أعني ملف المُـغتربين المُـتواجدين في الخارج”. وفي ردِّه عن سؤال حول ما إذا كان هذا الإجراء خاص به أَمْ أن له دلالة سياسية، اعتبر أن له “دلالاته السياسية، وأرجو أن يكون ترجمة لإرادة حقيقية في تسوية هذا الملف، أي ملف المُـغتربين والإسلاميين تحديدا، وكل ما يرتبِـط به من قضايا، وأنا آمل أن تُقدم السلطة في الأشهر القليلة القادمة على طيِّ هذا الملف نهائيا وتمكين جميع المُـغتربين من عودةٍ كريمةٍ ومحترمة، من أجل التفرّغ للملفّـات الكُـبرى التي تنتظر البلاد في ظلّ الأوضاع الإقليمية والدولية الصّـعبة، والتي تحتاج إلى تضافُـر جهود الجميع لمواجهتها”.
وبقطع النظر عن الجدل الذي فجّـرته هذه العودة داخل صفوف حركة النهضة، حيث يتواصل الخلاف حادّا حول كيفية التعامل مع اختيار الكثيرين صيغة الحلّ الفردي، فإن البعض يتوقّـع بأن آخرين مِـن بين المُـغتربين، سيعودون قريبا إلى تونس وقد يكون من بينهم د. عبد المجيد النجّـار، الذي يتمتّـع بمكانة خاصة في صفوف أنصار حركة النهضة والذي سبق له أن عبّـر عن رغبته في الحصول على جواز سفر، بل هناك مَـن يذهب به التفاؤُل إلى حدِّ القول بأن ملف المُـغتربين “قد يُـطوى نهائيا خلال الأشهر القليلة القادمة”.
فالسلطة قد تكون اختارت بأن تسحَـب هذه الورقة من أيْـدي خُـصومها، دون أن تقدِّم لهم تنازلا سياسيا ملموسا، لكن ذلك إن حصل، فإنه قد يفتح المجال أمام عديد المُـبادرات الفردية أو الجماعية في اتِّـجاه محاولة تحقيق إدماج جُـزئي وتدريجي للإسلاميين، بعد حِـرمانٍ دام عشريتين كاملتين.
الحملة تراجعت.. ومشكلة مُـزمنة
كذلك من المؤشرات التي ظهرت خلال الشهر الأول من السنة الجديدة الخطوة التي خطتها صحيفة ( الصباح ) عندما قررت استكتاب عدد متزايد من الكتاب المستقلين، وهو ما أنعش قليلا مقال الرأي الذي كاد أن يختفي من أغلب الصحف المحلية منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي. كما أعاد الرئيس بن علي في خطاب له التأكيد على “تمكين الصحافيين من الوصول إلى مصادر الخبر”.
وإذ تراجعت كثيرا الحملة الإعلامية التي استهدفت عددا من النشطاء، وجهت القيادة الشرعية لنقابة الصحافيين انتقادا للحكومة التي تواصل تعاملها مع القيادة المنبثقة عن المؤتمر الأخير، مؤكدة بذلك أن هذا الملف لا يزال مطروحا بحدة.
أما بالنسبة لموضوع الرّابطة، الذي يُـعتبر بمثابة الملف الرئيسي الذي قد يشكِّـل المدخل الفِـعلي لتنشيط الحياة السياسية وإدخال تغيير فعلي على المشهد السياسي، فإن الأطراف المعنِـية لا تزال تبحث عن الصِّـيغة التي من شأنها أن تُـحقِّـق الوِفاق وتفتح المجال نحو عقد المؤتمر. وإذا كان البعض قد اعتبر الوساطة الجارية حاليا بمثابة “الفرصة الأخيرة” قبل أن تلجأ السلطة إلى “المعالجة الاستثنائية”، إلا أن هناك قناعة لدى الكثيرين بأن مثل تلك المعالجة لن تزيد الطِّـين إلا بلّـة ولن تشكِّـل حلاّ فِـعليا لهذه المشكلة المُـزمنة.
هكذا يبدو المشهد التونسي في مطلّـع سنة 2010، التي قد تحمِـل في طيّـاتِـها تحريكا لبعض الملفات المعقّـدة، من أهمّـها تسوية ملف الرابطة وفتح المجال لعقد مؤتمر وِفاقي بين أعضاء نقابة الصحفيين وإنهاء مشكلة المُـغتربين وتعديل أساليب التعامل مع المُـحالين في قضايا متّـصلة بتُـهمة “الإرهاب”، إلى جانب مُـعالجة عدد من القضايا الفردية، مثل إطلاق سراح الصادق شورو الرئيس السابق لحركة النهضة المحظورة والعفو على توفيق بن بريك، قبل استكماله مدّة الستة أشهر ومراعاة لوضعه الصحي، وأخيرا إنهاء مُـعاناة الصحفي زهير مخلوف.
صلاح الدين الجورشي – تونس – swissinfo.ch
تونس (رويترز) – قالت وكالة الانباء التونسية الحكومية يوم الاثنين 18 يناير 2010 ان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عين عبد الوهاب عبد الله وزير الخارجية السابق مستشارا لديه بعد أربعة أيام من خروجه من الحكومة اثر تعديل وزاري.
وقالت وكالة تونس افريقيا للانباء في بيان مقتضب “قرر الرئيس زين العابدين بن علي تعيين عبد الوهاب عبد الله مستشارا لدى رئيس الجمهورية مكلفا بالشؤون السياسية.”
ويحظى عبد الله بثقة واسعة من الرئيس وينظر اليه على انه أحد اللاعبين المؤثرين في المشهد السياسي والاعلامي في البلاد.
وعبد الوهاب عبد الله عين وزيرا للخارجية عام 2005 لكنه ترك منصبه يوم 14 يناير الماضي لكمال مرجان ضمن تعديل حكومي أدخله الرئيس بن علي وشمل عدة وزارات من بينها الدفاع والعدل والمالية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 يناير 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.