تونس: حركة الاحتجاج الاجتماعي تدور في حلقة مفرغة
أكدت التطورات الأخيرة التوقعات التي أشارت إلى أن سنة 2008 ستكون سنة اجتماعية بامتياز، ليس فقط بالنسبة لتونس التي تحاول دون جدوى السيطرة على تصاعد الحركة الاحتجاجية في منطقة "الحوض المنجمي"، وإنما أيضا في معظم الدول العربية التي تجد نفسها اليوم أمام ساعة الحقيقة.
فمن مصر إلى المغرب، وصولا إلى تونس عبر الجزائر، وصعودا نحو اليمن والسودان، بعد انعطافة على موريتانيا، والنظر من بعيد إلى لبنان وسوريا والأردن يظل المشهد غير مطمئن بالمرة، والروائح هذه المرة غير زكية، كما يصدق على الجميع ما قاله الأمير حسن عندما سألوه عن الأردن فأجاب بما معناه “أرى انفجارا قريبا”.
تونس مثال للاستقرار الاجتماعي. لقد ترسخت هذه الصورة طيلة العشرين سنة التي مرت من حكم الرئيس بن علي، وذلك بشهادة المؤسسات المانحة وفي مقدمتها البنك الدولي. لكن ما حدث في المناطق المحاذية لمدينة قفصة (جنوب غرب) بدا وكأنه إيذان بأن هذا الاستقرار قد يصبح مهددا بشكل جدي.
وإذا كانت مسألة البطالة قد أصبحت مرضا مزمنا اعترفت به السلطة، وجعلته في مقدمة أولوياتها، إلا أن ما يجري في الحوض المنجمي منذ الأسبوع الثاني من شهر يناير 2008، يعتبره بعض المحللين الاقتصاديين مثالا للتدليل على أن المشكلة لا تتعلق فقط بالتشغيل، وإنما تتجاوز ذلك لتكشف عما يعتبرونه أزمة النمط التنموي الذي لم تختره تونس لوحدها، وإنما هو حزمة إجراءات قامت المؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة بفرضها على حكومات دول العالم الثالث، ومن بينها دول العالم العربي.
وقد استنفدت تلك السياسة أغراضها فيما يبدو، وأعطت إيجابياتها في مرحلة سابقة، وحان الوقت لحصد التداعيات السلبية والخطيرة لتلك الاختيارات.
اتحاد النقابات يخرج عن صمته
يمكن القول بأن الخيار الأمني قد فشل نهائيا في وضع حد لحالة التمرد الجماعي التي تشهدها بعض معتمديات الجنوب التونسي، وبالأخص معتمدية الرديف التي عاشت حالة وصفها الكثيرون بنوع من الانتفاضة، شارك فيها كل سكان المدينة تقريبا، مما استوجب تدخل الجيش الذي لا يزال يُرابط حول المدينة إلى حد إعداد هذا التقرير (13 يونيو 2008)، وذلك بعد أن تم اللجوء إلى استعمال الرصاص من طرف قوات الأمن ضد المتظاهرين يوم 6 يونيو مما أدى إلى مقتل أحدهم، ويعتبر ذلك من الحالات النادرة التي تمت الإستعانة فيها بالمؤسسة العسكرية خلال العشرين السنة الماضية.
ومع ذلك يشير النقابي عدنان الحاجي أحد الذين يقودون عملية التفاوض مع الجهات الرسمية منذ اندلاع الأزمة، وذلك في اتصال هاتفي مع سويس إنفو أن الشرطة والحرس لا يزالون يلاحقون شباب المدينة ويسعون لاعتقالهم، وهو ما يؤشر على أن المشكلة مرشحة لمزيد من التعقيد. ويذكر الحاجي في شهادته أن العشرات من شباب الرديف لجئوا إلى الجبل المحيط بالمدينة أو إلى الصحراء، هربا من الاعتقال. ويبدو بذلك أن أجهزة الأمن لا تريد أن تتخلى نهائيا عن الملف، خوفا من ردود فعل مجموعات صغيرة من الشبان أصبحت تتحرك بعيدا عن كل رقيب.
ولعله من الحالات النادرة التي تخرج فيها قيادة الإتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الوحيدة في البلاد) عن صمتها، حرصا منها على التحالف الاستراتيجي الذي يربطها بنظام الحكم. ولهذا كان لافتا البيان الأخير الصادر عنها والخاص بأحداث الرديف، حيث طالبت السلطة بـ “ضمان حرية الرأي والتعبير وأشكال الاحتجاج السلمي”، مع التأكيد على أن “سبل تجاوز التوترات الاجتماعية ليست في الحلول الأمنية بل في توسيع دائرة الحوار وتشريك الجميع في الشأن المجتمعي”. وهو بيان لم يُرض السلطة فيما يبدو، ولعل ذلك يفسر عدم نشره بعد صدوره يوم 7 جوان الجاري من قبل عديد الصحف خلافا لما جرت العادة.
قطيعة.. وحوار متوقف
من جهة أخرى، بدا واضحا أن القطيعة ترسخت بين الأهالي وممثلي السلطة المحلية سواء أكانوا سياسيين من التجمع الدستوري الحاكم، أو إداريين أو أمنيين. الأهالي يطالبون بأطراف محاورة ذات مصداقية، وتملك صلاحيات اتخاذ القرار. ويقول السكان إنهم يريدون حلولا جذرية وملموسة وليس وعودا أو حلولا يعتبرونها ترقيعية.
لقد أدت أزمة الثقة إلى إحداث فراغ وتقطع في التواصل بين الغاضبين والحكومة المركزية، وبالتالي عدم النجاح في تأسيس عملية تفاوضية مستمرة يمكنها أن تؤدي إلى ابتكار حلول، وهو ما يعني أن الأزمة أصبح لها بعد سياسي، رغم أنها كانت في الأصل مجرد مشكلة اقتصادية اجتماعية. وبما أنه لابد من حوار مع الناس، فمن الضروري التذكير بأن الحوار يستوجب شروطا، ومن بينها إعادة بناء الثقة، وتوفر الإرادة السياسية، والاعتراف بمن يمثل الأهالي.
ومع ذلك يقول السيد عدنان الحاجي بأنه ورفاقه لم يقدموا مطالب تعجيزية، وتوصلوا مع الطرف المقابل إلى الفصل بين ما هو حلول بعيدة المدى تتعلق بتنمية الجهة حتى تلتحق ببقية الجهات النامية في تونس، وبين الحلول العاجلة. وهي حلول ذات طابع مهني، مثل تنظيم التشغيل في حظائر البلديات، أو في شركات المناولة المتعاونة مع شركة فسفاط قفصة (المشغل الرئيسي والوحيد تقريبا بالمنطقة)، التي يتهمون إدارتها السابقة بالإهمال والمحسوبية رغم أنها تمر بأفضل مراحلها المالية بسبب مداخيلها التي زادت بشكل ملحوظ.
ملاحظات وتساؤلات
هناك خمس ملاحظات تفرض نفسها على الأقل بالنسبة للحالة التونسية، وبالأخص فيما يتعلق بالحركة الاحتجاجية بمدينة الرديف وما جاورها، وقد يتقاطع بعضها مع ما يجري في دول عربية أخرى:
أولا: فشل هذه الحركة في تحقيق امتداد جغرافي لها خارج حدود الحوض المنجمي، وخلافا لبعض التحاليل أو التوقعات، بقيت هذه الحركة محصورة داخل إطارها المحلي، وغارقة في الخصوصيات الدقيقة لمنطقتها. ومن هذه الزاوية لا يمكن اعتبارها مؤشرا على انفجار اجتماعي أكثر اتساعا.
ثانيا: رغم صدور بيانات عن أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية، إلا أن هذه الحركة الاحتجاجية بقيت تفتقر لسند قوي وفاعل من قبل المجتمع المدني التونسي، الذي لا يزال غير قادر على تحقيق تفاعل إيجابي ومتواصل مع هذه الأحداث ومع فاعليها الرئيسيين. وهو ما جعل الحركة الاحتجاجية رغم استمرارها لمدة تتجاوز الخمسة أشهر لا تزال بدون حاضنة مدنية تساعدها على تحقيق مطالب متواضعة. ولعل أخطر ما تواجهه هذه الحركة حسب شهادات أشخاص قريبين من الأحداث، هو وجود بعض الشبان الذين لا يزالون خارج السيطرة، يقومون من حين لآخر بأعمال غير محسوبة ذات منحى مغامراتي، مما ينجر عنه ردود فعل أمنية غير موزونة وتعطي باستمرار نتائج عكسية. وقد أثر ذلك بشكل سلبي على العملية التفاوضية التي بقيت معرضة للتقطع باستمرار.
أما الملاحظة الثالثة فتخص الجهات الرسمية التي تبدي ترددا في الاستجابة لمطالب يتفق جميع المراقبين حول كونها مطالب محلية تتعلق بتشغيل عدد من العاطلين، وهي مطالب ممكنة سقفها منخفض، ويمكن بقرار رئاسي تنفيذها في أقرب الآجال، مثل إنشاء شركة مناولة، وذلك بهدف امتصاص أكثر ما يمكن من عدد العاطلين، وذلك في انتظار وضع خطة فعلية تخرج المنطقة من حالة البؤس التي هي عليها.
رابعا: سؤال يثير الحيرة ويتعلق بأسباب تهرب القطاع الخاص من القيام بدور فعال في فترات الاحتقان الاجتماعي. البعض يتهمون القطاع الخاص بأنه يريد الحصول على أقصى الامتيازات، دون أن يساهم في المقابل في سد الثغرات التي يخلفها انسحاب الدولة من مجالات حيوية مثل الخدمات الاجتماعية والتشغيل. وهذه الملاحظة لا تتعلق بالحالة التونسية، بل قد تبدو أكثر تراجيدية في دول عربية عديدة مثل اليمن أو مصر. فالقطاع الخاص يستفيد من الدولة ثم يتركها بمفردها تواجه الأعاصير الاجتماعية بوسائلها غير الناجعة، وفي مقدمتها إنزال الأمن والجيش في وجه الجماهير الجائعة. وقد كانت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل واضحة في بيانها عندما أشارت إلى المناطق الداخلية التي “ظلت محرومة من الاستثمارات المشغلة سواء الأجنبية منها أو المحلية رغم الحوافز والتشجيعات المتعددة، وهو ما يجعل النهوض بالمشاريع في تلك الجهات المعنية مسؤولية الدولة”.
خامسا: ملاحظة هامة أشار إليها السيد عدنان في حديثه مع سويس إنفو عندما طالب وبإلحاح “وضع حد للملاحقات الأمنية لشبان الجهة”. وذكّـر بأن مدينة الرديف لا تبعد كثيرا عن الحدود التونسية الجزائرية، مشيرا إلى أن الجميع يعلمون ما يجري وراء هذه الحدود من نشاط متزايد لتنظيم القاعدة. وكأنه بذلك يشير إلى عدم حشر هذا الشباب العاطل، والفاقد لأفق واضح، والباحث عن شغل في منطقة ثرية في الزاوية وتركه أمام أحد خيارين أحلاهما مُـرّ: إما الاختناق أو أن يتحول لقمة سائغة لجماعات تبحث عن ضحايا.
امتحان صعب
كثير من الحكومات العربية مرشحة لكي تواجه امتحانا صعبا خلال الأشهر القادمة. فالمناخ الاقتصادي العالمي يسير نحو الأسوإ، وستجد هذه الحكومات نفسها يوما بعد يوم تواجه مصيرها بمفردها رغم أنها التزمت من جهتها بتنفيذ كل الشروط التي وضعتها الجهات المانحة. وهو ما يجعل هامش الحركة عندها محدودا، وسيزداد ضيقا أمام التهاب أسعار النفط والمواد الأولية بما في ذلك المواد الغذائية.
فما عسى هذه الحكومات أن تفعله تجاه مجتمعاتها المهددة بمزيد من الفقر وتدهور قدراتها الشرائية؟ خاصة وأن هذه الحكومات لم تتعود على تشريك مجتمعاتنا المادية في طبخ القرارات واختيار السياسات، لأنها لو فعلت ذلك من قبل لوجدتها إلى جانبها خلال الفترات الصعبة، لأن الغرب (والشمال عموما) لن يعترف في نهاية الأمر إلا بشيء واحد.. وهو مصالحه ولا شيء غير مصالحه!.
صلاح الدين الجورشي – تونس
تونس – جاء في توضيح صادر يوم الجمعة (6 يونيو 2008) عن مصدر رسمي في تونس حول أحداث شغب سجلت بمنطقة الرديف من ولاية قفصة ما يلي:
“سجلت في الايام الاخيرة أحداث شغب من قبل بعض الافراد في منطقة الرديف بولاية قفصة كانت محل متابعة من قبل السلطات الامنية للتصدى لكل التجاوزات المحتملة.
وفي غضون هذا اليوم بلغ إلى علم هذه السلطات أن عناصر بصدد صنع زجاجات حارقة لاستعمالها في أعمال تخريبية مما استوجب تدخل أعوان الأمن الذين تعرضوا إلى الرمي بعدد من هذه الزجاجات الحارقة.
ورغم انذار المشاغبين من قبل رجال الامن طبقا للقانون فان هذه العناصر المشاغبة تمادت في اعمالها مما استوجب تدخل قوات الامن.
ونجم عن الحادثة وفاة أحد المشاغبين وجرح 3 اعوان أمن وخمسة من المشاغبين.
هذا وقد أذن وكيل الجمهورية بقفصة بفتح تحقيق في الموضوع للوقوف على مختلف ملابسات الحادثة وتحديد المسوءوليات”.
(المصدر: وكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات) بتاريخ 6 يونيو 2008)
بروكسل (رويترز) – قال المعارض السياسي التونسي نجيب الشابي يوم الثلاثاء 10 يونيو 2008 إن على تونس أن تسارع لاتخاذ خطوات كي تجعل نظامها السياسي منفتحا اذا ما أرادت تجنب انتشار الاضطرابات الاجتماعية.
واندلعت مظاهرات الشبان بسبب البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة في الشهرين الماضيين في جنوب غرب البلاد التي تشهد استقرارا على الدوام. وستجرى انتخابات رئاسية في تونس في العام المقبل.
وقال الشابي لرويترز: “اذا لم يكن هناك اصلاح للنظام السياسي فستكون البلاد معرضة للمخاطر”، في اشارة لاعمال الشغب. وأضاف “انه انفجار اجتماعي يهدد بالانتشار الى مناطق أخرى”. والشابي هو الامين العام السابق للحزب التقدمي الديمقراطي وهو السياسي الوحيد الذي أعلن نيته الترشح للرئاسة. ولكن هناك مشروع قانون سيمنعه من خوض الانتخابات.
ووصل الرئيس زين العابدين بن علي الى السلطة في عام 1987 وفاز في انتخابات عام 2004 بنسبة أصوات بلغت 94.4 في المئة أمام ثلاثة مترشحين. وتعرض بن علي لضغوط محلية وخارجية من أجل مزيد من الانفتاح السياسي في البلاد التي يبلغ تعداد سكانها عشرة ملايين.
ودعا الشابي لحوار بين السلطات والمجتمع المدني ولمزيد من التنوع للقوى السياسية الممثلة في البرلمان ولفتح وسائل الاعلام التونسية. وقال الشابي بعد اجتماعه مع رئيس البرلمان الاوروبي هانز جيرت بوتيرينج في بروكسل “ان اصلاح النظام السياسي الخاص بالانتخابات مهم بالنسبة لتونس”. وأضاف “من دون تحرير الحياة السياسية ومن دون اصلاح الاطار القانوني فان تونس ستظل في حالة أزمة”، وتابع أن تونس “ستتخلف” اذا لم تجر الاصلاحات.
وأعلن بن علي عن تعديلات دستورية في مارس اذار من أجل السماح لمزيد من المرشحين بخوض انتخابات 2009 ولكن التعديلات ستحول دون ترشح الشابي لانها تقصر امكانية خوض الانتخابات على زعماء الاحزاب الذين يشغلون مواقعهم منذ عامين على الاقل.
وقال الشابي (60 عاما) وهو محام “هذا قانون يحبس البلاد ويبعد حرية المنافسة”. وكان الشابي قد منع من الترشح في انتخابات عام 2004 لان حزبه لم يكن يحتل أي مقعد في البرلمان. وأضاف الشابي “حتى اذا لم نستطع جعل النظام ينفتح فان ما سنفعله لحين الانتخابات سيقوي المعسكر الديمقراطي وسيجعل النظام ينفتح قريبا”. ولم يعلن بن علي بعد ترشحه للانتخابات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 يونيو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.