تونس: ماذا بعد العفو الرئاسي ؟
هل يمكن القول بأن تونس تتهيأ للانتقال إلى حالة سياسية تتميز بالانفراج والانفتاح ؟
فالذكرى الخمسون لعيد الجمهورية تميزت بالعفو الذي أصدره الرئيس بن علي وشمل المحامي محمد عبو، المعتقل منذ أكثر من سنتين، إلى جانب 22 من سجناء حركة النهضة. وقد أضفى هذا القرار على المناخ العام مسحة من التفاؤل الممزوج بالحذر.
وهو ما جعل البعض يفترضون أن الحالة السياسية مرشحة لمزيد من التبلور والوضوح في هذا الاتجاه مع اقتراب الذكرى العشرين لاستلام الرئيس بن علي السلطة في شهر نوفمبر المقبل. بناء عليه، فإن السؤال المطروح حاليا في تونس هو: ماذا بعد هذا العفو الرئاسي ؟.
لقد صمدت السلطة طيلة السنتين في وجه الضغوط التي مارستها منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية من أجل إطلاق سراح سجين الرأي محمد عبو. لقد كان الحكم الذي صدر في شأنه قاسيا (ثلاث سنوات ونصف)، كما كانت ظروف إقامته في السجن محل انتقاد الأوساط الحقوقية بعد سلسلة من الإضرابات عن الطعام التي شنها، وساندته في بعضها زوجته التي تغير نمط حياتها ونظرتها لدورها في المجتمع بعد التجربة المريرة التي مرت بها مع أسرتها الصغيرة. وهي تجربة عاشتها ولا تزال نساء بعض المساجين السياسيين.
قضية عبدو التي اتخذت منها المنظمات الحقوقية “نموذجا” في مجال انتهاك حرية الرأي والتعبير عبر الأنترنات، جعلت ساركوزي يتطرق إليها بشكل دبلوماسي خلال محادثاته مع الرئيس بن علي، وقد تلقى الأليزي وعدا جديا بإطلاق سراحه، وهو ما تم فعلا. وبذلك أغلق ملف ألحق ضررا فادحا بصورة تونس، حسب اعتقاد الكثيرين.
ملف سيطوى قريبا؟
أما بالنسبة لمساجين حركة النهضة، فلا تزال السلطة متمسكة بأسلوب قطرة قطرة في معالجة هذا الملف الذي دخل سنته السابعة عشر. فهل يمكن القول بأن المجموعة التي أطلق سراحها (21 شخصا) هي الدفعة قبل الأخيرة التي يتوقع الإفراج عنها قبل السابع من نوفمبر المقبل أم أن مسلسل الإفراج قد يستمر إلى سنة 2009 كما يتوقع بعض المتشائمين جدا ؟.
إن الاحتمال الأول هو الأقرب إلى المنطق. فهذا الملف قد طال أكثر من اللزوم حسب اعتقاد الجميع بمن في ذلك الأشد خصومة للإسلاميين. يضاف إلى ذلك أن من تم الإفراج عنهم من القياديين تراوحت أحكامهم بين 30 عام والمؤبد. وبالتالي فانه لا توجد فوارق جوهرية بينهم وبين الذين لا يزالون يخوضون الإضراب عن الطعام تلو الإضراب من أجل إخراجهم من “الجحيم الذي يعيشون فيه منذ مطلع التسعينات” حسب تعبير بعضهم.
إذا ما تم إطلاق سراح بقية كوادر حركة النهضة خلال الأشهر الثلاث المقبلة فإنه سيطوى بذلك ملف تعتبره منظمات حقوق الإنسان وقطاع عريض من التونسيين من أكثر الملفات المؤلمة في تاريخ الاعتقال السياسي في تونس باستثناء أنصار الزعيم صالح بن يوسف الذين نكل بهم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بطريق تشبه قليلا ما تعرض له معتقلوا سجن (تازمامرت) الشهير في المغرب خلال حكم الملك الحسن الثاني.
مع طي صفحة هذا الصنف من المساجين، ستبقى السجون التونسية مليئة بالسجناء الجدد المتهمين بالانتماء إلى التيار السلفي، والذين يشكلون حالة غير مفهومة لدى الرأي العام، بما في ذلك الأوساط الحقوقية التي يتهمها البعض بالتقصير في الدفاع عنهم. صحيح أن أحداث مدينة سليمان في موفى العام الماضي قد ولدت رجة لا تزال تفاعلاتها وآثارها مستمرة، غير أن الكثير من المعتقلين الحاليين قد وجهت لهم تهم غير واضحة ولا علاقة لها بتلك الأحداث، إضافة إلى كونها تفتقر – حسب ما يؤكده محاموهم – إلى سند قانوني أو أدلة قطعية.
جدل داخلي
أما بالنسبة لحركة النهضة، التي نجحت السلطة في تغييبها عن الفضاء السياسي طيلة المرحلة الماضية وإن لم تتمكن من شطبها نهائيا، فإن جدلا يدور داخل أوساطها حول الموقف من المستقبل بعد أن اقتربت محنة المساجين من نهايتها.
ما هي الخطوات التي على الحركة أن تتخذها لترميم أوضاعها؟ البعض يدعو إلى وقفة تأمل لتقييم التجربة وهضم المتغيرات التي حصلت خلال العشرين سنة الماضية. وفي مقابل ذلك هناك من يعتقد بأن التقييم قد تم، وأن الحركة حققت مكاسب يجب أن تحافظ عليها، وأن الوقت قد حان لاستثمارها. وبالتالي، بعد إطلاق سراح المساجين، ومحاولة تسوية ملف المغتربين الذين يعدون بالمئات، على القيادة أن تفكر في الاستحقاقات السياسية القادمة.
وإذا كان البيان الصادر عن المؤتمر الأخير للحركة الذي انعقد خارج البلاد قد حمل السلطة مسؤولية كاملة، ورسم صورة قاتمة للأوضاع العام بالبلاد، إلا أنه أبقى المجال مفتوحا أمام احتمال تطبيع العلاقة مع النظام. وجاء ذلك نزولا عند رغبة وضغط تيار واسع داخل الحركة وحولها لا يكتفي بالدعوة إلى هدنة سياسية مع السلطة، تتمكن خلالها الحركة من استنشاق أنفاسها، وإنما يذهب هذا التيار إلى أكثر من ذلك فيبشر باحتمال تحقيق مصالحة معها.
لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق ينقسم إلى قسمين: هل تتوفر حاليا شروط المصالحة ؟ وهل السلطة تفكر أصلا في إقامة مصالحة مع الإسلاميين أو مع غيرهم من قوى المعارضة؟.
قرارات غير مُكلفة
العارفون بالحالة التونسية يجمعون على القول بأن نظام الرئيس بن علي لا يزال بعد عشرين عاما من الحكم قادرا على إعادة بناء التفاف واسع حوله، إذا تخلص من حالة الانكماش والخوف غير المبررة.
فبالرغم من أن السنوات الثمانية الأخيرة قد كشفت عن اتساع المسافة بينه وبين قطاعات واسعة من النخبة، كما أصبحت السلطة عرضة لانتقاد غير مسبوق من قبل أوساط شعبية عريضة لأسباب اقتصادية واجتماعية وأخرى لها صلة بالأحاديث الرائجة حول وجود مراكز قوى تسيء استغلال النفوذ، إلا أن النظام السياسي- لا يزال – خلافا لبعض التقديرات – يتمتع بقوة وقاعدة اجتماعية عريضة، كما يبقى الطرف الوحيد الذي لا يزال يحتكر المبادرة السياسية والاقتصادية. وهو قادر على ضمان الاستمرارية والبقاء ما دام الرئيس بن علي ماسكا بدواليب السلطة باعتباره قلب النظام السياسي القائم ومحركه. ويتأكد ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار الضعف الذي تعاني منه أحزاب المعارضة، وعدم قدرتها على تأمين التداول السلمي على الحكم في هذه المرحلة.
من هذه الزاوية، يرى عدد من المراقبين أنه لو اتخذ الرئيس بن علي عددا من القرارات التي لن تكلف النظام كثيرا، لأحدث حالة ارتياح وتجاوب واسع من أغلبية مكونات الطبقة السياسية. ومن تلك القرارات (التي بعضها محتمل وبعضها مرغوب فيه) مثلا: إطلاق سراح بقية المساجين السياسيين، والسماح بعودة عدد كبير من المغتربين، وتمكين الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من استئناف نشاطها، والاعتراف ببعض الأحزاب السياسية والجمعيات الناشطة في الساحة مثل حزب العمال الشيوعي التونسي، ورابطة الأدباء الأحرار. كما يمكن توقع تقليص حجم الممنوعات والممنوعين من الظهور في القنوات الإذاعية والتلفزيونية التابعة للقطاعين العام والخاص، والرفع من سقف حرية التعبير والمبادرة لدى المؤسسات الصحفية.
إنها جملة من القرارات السياسية التي لن تغير من طبيعة السلطة، ولن تحدث انقلابا في موازين القوى، لكن بالتأكيد سيتفاعل معها إيجابيا عموم الرأي العام الديمقراطي، وستتحدث عنها وسائل الإعلام العربية والعالمية باعتبارها “مؤشرات عن حالة انفراج سياسي” بعد مرحلة من الكبت والتشدد.
كما أنها ستثير أيضا ارتياحا لدى أصدقاء النظام التونسي، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي نجح خلال زيارته الأخيرة لتونس في تمرير رسالة كان مضمونها فيما يبدو يدور حول الفكرة التالية “رغبة قوية في دعم النظام التونسي وكل ما يرجوه أن تتم مساعدته من خلال إزالة حالة الاحتقان السياسي، أو على الأقل التخفيف منها بشكل ملموس ومشجع”.
وإذا ما صدقنا مصادر فرنسية قريبة من الرئيس ساركوزي، فإن الرئيس التونسي قدم وعودا في هذا المجال لصديقه الذي سيعتمد عليه كثيرا في المرحلة القادمة سواء على صعيد دفع العلاقات الثنائية أو على الصعيدين الإقليمي والدولي.
صلاح الدين الجورشي – تونس
تونس (رويترز) – أفرجت السلطات التونسية عن محمد عبو المحامي التونسي المعارض المسجون منذ مارس اذار 2005 يوم الثلاثاء 24 يوليو 2007 قبل نحو عام على انتهاء عقوبته في اطار عفو رئاسي احتفالا بالذكرى الخمسين لاعلان الجمهورية.
وقال محمد عبو لرويترز فور وصوله الى بيته بمنطقة الوردية حيث وجد في استقباله عشرات من النشطاء الحقوقيين “تعرضت لمظلمة والحمد لله انه وقع حد لهذه المظلمة بعد اكثر من عامين”.
واضاف “على النظام ان يعرف ان نشطاء حقوق الانسان في تونس ليسوا دعاة عنف بل دعاة اصلاح.. والاصلاح لايتحقق الا متى اعترفت السلطات باخطائها ورفعت المظلمة عن اخرين مثلي”.
وكان عبو وهو محام معارض للنظام التونسي قد اعتقل بتهمة تحريض المواطنين على خرق القانون ونشر معلومات زائفة لتكدير النظام والامن العام واستخدام العنف ضد محامية.
ولكن معارضين قالوا ان عبو سجن بسبب مواقفه بعد ان نشر مقالات على الانترنت انتقد فيها بشدة النظام التونسي قبل قمة للمعلوماتية عام 2005.
واثار الحكم بسجنه لثلاث سنوات ونصف السنة جدلا واسعا في الاوساط الحقوقية وطالبت عواصم غربية تونس باطلاق سراحه.
وقال بيان حكومي في وقت سابق يوم الثلاثاء إن الرئيس زين العابدين بن علي قرر العفو عن عدة مساجين دون ان تذكر عددهم او الجرائم التي سجنوا من اجلها.
وتطالب المعارضة السلطات التونسية باطلاق سراح نحو 300 “سجين رأي” بينما تنفي الحكومة وجود اي سجين سياسي في سجونها.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 يوليو 2007)
تونس (رويترز) – قال نشطاء في مجال حقوق الانسان إن تونس أطلقت سراح عشرين سجينا اسلاميا في اطار عفو في الذكرى الخمسين لانشاء الجمهورية التونسية.
وأضافوا أن بين هؤلاء علي زواقي وأحمد الابيض ورضا سعيدي وهم زعماء سابقون لحزب النهضة الاسلامي.
وقضى الثلاثة نحو 17 عاما في السجن.
وقال علي العريض وهو من مؤيدي النهضة ويتحدث بالنيابة عن الجماعة في اتصال هاتفي ان الحركة تأمل أن تتبع هذا العفو خطوات أخرى.
وأنشئت الجمهورية التونسية في عام 1957 عقب الاستقلال عن فرنسا عام 1956.
وتقول جماعات حقوق الانسان إن نحو 270 شخصا مازالوا في السجن بسبب ارائهم الدينية أو السياسية. وغالبيتهم أعضاء في حزب النهضة.
وتصر الحكومة التي تقول انها ملتزمة بالديمقراطية واحترام حقق الانسان على أنها لا تحتجز سجناء سياسيين وأنه لا يوجد شخص معتقل بسبب تعبيره عن رأيه.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 يوليو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.