ثقافة سياحية بديلة!
لجأ أصحاب المؤسسات السياحية في تونس إلى تشجيع مواطنيهم على الاستجمام في بلدهم لإنعاش موسم صعب لعدد واسع من الحرفيين والمهن المرتبطة بالنشاط السياحي.
واللافت أن التونسيين قد استجابوا لحملات الترويج وعوضوا جزءا من النقص الناجم عن تراجع عدد السواح الاجانب.
كانت السلطات التونسية تخشى أن ينعكس ركود الموسم السياحي الحالي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومن ثم الحالة السياسية العامة في البلاد. فالسياحة توفر 8% من الدخل القومي الخام و17% من القيمة الإجمالية للصادرات.
لكن العائلات التونسية استجابت لحملات الترويج التي قامت بها السلطات السياحية وأقبلت بكثافة غير معهودة على النزل بمختلف درجاتها، لتكتشف العشرات من الفنادق التي كانت أسوارها عالية أمام أغلب التونسيين الذين ارتبطت السياحة في أذهانهم بالأجنبي. ويعود هذا الإقبال بدرجة أساسية إلى التخفيضات الملموسة في أسعار الإقامة التي اقتربت أحيانا من مستوى الأسعار التي يتمتع بها السائح الأجنبي.
وارتفع عدد الليالي التي قضاها التونسيون في النزل خلال شهر يوليو بنسب بلغت في مدينة المهدية 75% وفي سوسة 55 % و37 % في طبرقة و23 % في جربة و9,4% فقط بالنسبة لمنتجع الحمامات الذي يستقطب أعدادا كبيرة من السواح الأجانب.
واستمر هذا الإقبال خلال شهر أغسطس، مما دفع بالمسؤولين عن القطاع السياحي إلى الشروع في وضع خطة من أجل جعل التونسيين يقبلون على السياحة والترفيه طوال فصول السنة، خاصة خلال عطلتي الشتاء والربيع، وهو ما يقتضي تنشيط السياحة الصحراوية والثقافية. وتهدف هذه الخطة إلى الزيادة في حصة التونسيين من 7% حاليا إلى 15% من مجمل الليالي المقضات سنويا.
رُبّ ضارّة نافعة!
هذه الديناميكية الداخلية جعلت البعض يقول، رُبّ ضارّة نافعة رغم النقائص التي سجلت، حيث اشتكى الزبائن الجدد من تراجع مستوى الخدمات والاستقبال. وفي المقابل، تذمّر بعض أصحاب النزل من سلوك مواطنيهم الذين لم يكتسبوا بعد تقاليد الإقامة في غير بيوتهم. مع ذلك، تأثرت قطاعات واسعة مرتبطة عضويا بقدوم السائح الأجنبي، خاصة قطاعي الصناعات التقليدية والنقل.
لقد انخفضت المداخيل السياحية بنسبة 19%، حيث بلغت 613 مليون دولار خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، وانخفض عدد السواح الألمان إلى حدود النصف، حيث وصل على سبيل المثال في أبريل الماضي إلى 49.000 سائحا بعد أن كانوا 103.000 خلال نفس الشهر من العام الماضي.
ولا تتعلق المسألة فقط بالسواح الألمان الذين صدمهم الاعتداء الإرهابي على كنيس الغريبة اليهودي في جربة والذي ينتظر الرأي العام التونسي إحالة عمّ منفذه (نزار نوار) على القضاء، عسى أن يساعد ذلك على رفع الغموض الذي بقي يكتنف تلك الحادثة الفريدة من نوعها في تاريخ تونس.
فقد تراجع عدد السواح الأوروبيين أيضا بنسبة ناهزت 40% خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، كما تراجعت نسبة السواح السويسريين الذين انخفض عددهم خلال الفترة الفاصلة بين شهري يناير ويونيو من السنة الجارية، ليبلغ 34.880 سائح، في حين كان في نفس الفترة من العام الماضي 45.982 سائح ليصل مع أواخر السنة إلى حدود 115.000 سائح.
ورغم التطمينات الصادرة عن وزارة السياحة التونسية، التي تحدثت عن احتمال حصول تدارك خلال الأشهر القليلة المتبقية من هذا العام، فإن البعض اعتبر أن السياحة قطاع هش قابل للتأثر بأي إشاعة أو اهتزاز، وبالتالي، يجب ألا يكون قطاعا محوريا في الاقتصاد التونسي، وهو رأي يتطلب تغييرات جوهرية في الخيارات الاقتصادية، إضافة إلى كونه لا يحل مشاكل شرائح اجتماعية واسعة ارتبط رزقها بالقطاع السياحي.
وزاد الأوضاع تعقيدا، تزامن ركود السياحة مع جفاف متواصل منذ أربع سنوات، حيث تقلصت الموارد المائية السطحية إلى 75% من معدلها السنوي، وهو الأمر الذي أثر بشكل خطير على الحالة الاقتصادية للمزارعين وأصبح يهدد رصيد البلاد من بعض الأشجار المثمرة الأساسية مثل شجر الزيتون، كما انعكس على مستوى الأسعار التي ارتفعت بشكل يثير قلق المستهلكين من الطبقات الوسطى والفقيرة ويجعل المفاوضات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص صعبة للغاية.
وقد استغلّت بعض الأطراف، لاسيما المدافعة عن حقوق الإنسان، هذه الصعوبات للضغط على النظام من خلال المشاركة في حملة تحريض السواح من البلدان الأوروبية على مقاطعة تونس “تضامنا مع ضحايا القمع وحتى تتوقف السلطة عن انتهاك حقوق الإنسان وتستجيب للمطالب الديمقراطية”،
وأثارت هذه الحملة نقاشا محدودا على بعض مواقع الإنترنت، لكنها بقيت معزولة، حيث تصدى لها حتى من يوصفون عادة بالمعارضين الأشد راديكالية للنظام الذين طالبوا بضرورة التمييز بين معارضة الحكم والمساس بالمصالح الحيوية للتونسيين.
السواح العرب
على صعيد آخر، تقوم المؤسسات السياحية ووزارة السياحة منذ أشهر ببحث الوسائل الكفيلة لاستقطاب السواح العرب بشكل عام، والخليجيين على وجه الخصوص، حيث أظهرت الدراسات أنهم ينفقون أضعاف ما ينفقه السائح الأوروبي، خاصة الإيطالي أو الفرنسي.
وفي هذا السياق، يلاحظ العدد المتزايد لليبيين والجزائريين القادمين من أوروبا والذين أصبحوا يفضلون قضاء عطلة الصيف في تونس، وأصبحوا يشكلون عنصرا حيويا في تنشيط الموسم السياحي.
كما تبين أن البنية الأساسية للسياحة التونسية موجهة أساسا إلى المجموعات ولا تولي عناية خاصة بسياحة الأفراد، وبالتالي، لا تستجيب كثيرا لحاجيات السائح الخليجي الذي يكون غالبا مصحوبا بأسرته الكبيرة، فلا يشعر بالراحة داخل غرف الفنادق مهما اتسعت.
لهذا، وبالرغم من الحملة المكثفة التي وقعت في هذا الغرض، والجولة التي قام بها وزير السياحة التونسي بين العواصم الخليجية، فإن الاستجابة كانت محدودة، حيث لا يزال السائح الخليجي يفضل التوجه إلى مصر أو لبنان أو المغرب، بعد أن حتّمت عليه الظروف تجنب زيارة الولايات المتحدة.
صلاح الدين الجورشي – تونس
نجحت السلطات السياحية التونسية في حملة الترويج الموجهة بالدرجة الأولى للتونسيين للاستجمام في بلدهم وتعويض النقص الناجم عن تراجع عدد السواح الأجانب، ولاسيما الأوروبيين. والملفت أن التونسيين قد تفاعلوا مع هذه الحملة، مما جعل المسؤولين عن القطاع السياحي يخططون لتطوير السياحة الداخلية والعربية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.