الإذاعة وفرص تحقيق السلام في مناطق النزاع
تنسق مؤسسة إيرونديل (الخطاف) السويسرية منذ أكثر من 10 سنوات سلسلة من المشاريع الإعلامية في عدد من بؤر التوتر في العالم، وخاصة في إفريقيا، اقتناعا منها بأهمية تقديم المعلومات الصحيحة والحرة والمستقلة.
وبالتعاون مع الأمم المتحدة، تسعى المؤسسة إلى تفعيل دور الإذاعة في تعزيز السلام والديمقراطية، لتعمل كوسيلة لمكافحة العنف والفقر.
من الكونغو، حيث نجحت إذاعة أوكابي منذ عام 2002 في أن تتحول إلى أكبر إذاعات الأمم المتحدة المحلية، إلى محطة إذاعية مشابهة في السودان، ثم نحو سيراليون حيث تدرس المؤسسة سبل إنشاء مشروع تعاوني آخر مع الأمم المتحدة، بعد اختتام تجربة توصف بالناجحة في إقليم كوسوفو، هذه هي النتائج التي حققتها مؤسسة هيرنوديل منذ انطلاقها عام 2002.
سويس انفو حاورت رئيس المؤسسة، جون ماري إيتر، حول دور الإذاعة والإعلام في تعزيز السلام والديمقراطية، وعملها كوسيلة لمعارضة العنف والفقر.
سويس إنفو : كيف بدأ هذا المشروع؟
جون ماري إيتر: كنت في عام 1994 الأمين العام للقسم السويسري في منظمة “مراسلون بلا حدود”. وعملت في إذاعة أغاتاشيا في منطقة البحيرات الكبرى في إفريقيا. وبعد إطلاق النار على الطائرة التي كانت تقل الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا وإسقاطها (الحادث الذي أطلق شرارة حرب الإبادة الجماعية في رواندا – المحرر) فهـمنا علي الفور أن شيئا مأساويا كان على وشك الحدوث.
لذا، قررنا أن نعبر عن تضامننا بالوسائل المتاحة؛ أي الصحافة. وبمساعدة من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، أنشأنا في مارس 1995 مؤسسة هيرونديل، ثم أطلقنا اسم “أغاتاشيا” على الإذاعة، التي حصلنا عليها من منظمة “مراسلون بلا حدود” بعدما تركت العمل بها، ويعني اسم هذه الإذاعة باللغة المحلية المنتشرة هناك طائر السنونو.
ومنذ البداية، ركزنا علي المعلومات التي يحتاجها السكان، وفي الوقت نفسه طورنا قدراتنا التقنية. كنا ندرك قبل كل شيء، أن الناس يحتاجون إلي نوعية جيدة من المعلومات، وخاصة في مناطق الأزمات.
سويس إنفو: ما هي القيم التي يقوم عليها عمل هيرونديل؟
جون ماري إيتر: المهنية البحتة والقيم الأخلاقية. فأنا أؤمن بعالمية المعايير المهنية للصحافة وضرورة الالتزام بالدقة. القيم الأخلاقية هي أيضا بالغة الأهمية؛ لاحترام كرامة الإنسان والصدق والشفافية في الإدارة، فالشيء الأساسي هو استقلاليتنا عن كل المؤثرات السياسية والاقتصادية. وفي عام 2001، اعتمدنا ميثاقا يحدد قيما نتمسك بها مثل الاستقلالية والمهنية والنزاهة والانفتاح.
سويس إنفو : ما هو التأثير الذي يمكن أن تقوم به وسيلة إعلام مستقلة في بلد لا يعرف حرية المعلومات؟
جون ماري إيتر: إنه تأثير هائل؛ فدولة القانون لا تقوم فقط علي الأركان المتعارف عليها (السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية)، بل أيضا علي وسائل إعلام مستقلة تتم إدارتها بشكل جيد. للأسف، هذا الجانب مهمل جدا في الحديث عن أسلوب الحكم الجيد. فهو كمثل من يصنع كرسيا بثلاثة أرجل بدلا من أربعة، ثم يتساءل لماذا يقف هذا الكرسي غير مستقر؟
هناك شيء واحد أنا متأكد منه، وهو أنه من المستحيل على أي بلد أن ينمو بشكل صحي، بدون إعلام مستقل.
توجد منظمات غير حكومية تعمل في ظروف ليست سهلة نسبيا، باعتراف الجميع، ولكنها تبقى مقبولة إلى حد ما. المشكلة تنشأ عندما تتدهور الحالة الأمنية وترحل تلك المنظمات، وعندما يبدأ كل شخص في تحزيم أمتعته، يكون هذا هو الوقت الذي نحاول التدخل فيه، لنكون حاضرين في هذا الموقف، لأن هناك من هو في أمس الحاجة إلينا.
سويس إنفو: إيرونديل أعطت صوتا لشريحة كبيرة من الأفراد والمنظمات والأحزاب السياسية، هل تعرضت موضوعيتكم للتحدي؟
جون ماري إيتر : نادرا، لكن ذلك حدث، كما في حالة الرئيس الليبيري تشارلز تايلور، وحكومات أخرى. وفي مثل هذه الحالات يتمثل جوابنا في مطالبتهم بإخبارنا “أين ومتي” فقدنا حيادنا. وفي أغلب الأحوال لا نسمع ردا على مطالبنا تلك.
بعض زملائنا دفعوا ثمنا باهظا (السجن والضرب) لتمسكهم بصرامة المعايير المهنية للعمل. يجب أن أقول إن الصحفيين المحليين العاملين معنا من ذوي العزيمة القوية، وقد حاربوا النظام لفترة طويلة، قبل زمن من وصول هيرونديل إلي بلادهم.
سويس انفو: شهدت الكونغو أول انتخابات حرة منذ 40 عاما، ومؤسسة إيرونديل حاضرة في هذا البلد منذ 2002، فهل هذه الانتخابات لحظة تاريخية لكم؟
جون ماري إيتر: بالنظر إلى المسؤولية الاجتماعية وعدد الناخبين الكبير (55 مليونا) فإنها بالتأكيد لحظة تاريخية لمؤسستنا.
فإذاعة اوكابي (انطلقت أولا في زائير آنذاك)، كان لها أثر كبير في التنمية الاجتماعية في البلاد خلال 4 سنوات خلت. واسمع من كثير من سكان الكونغو بأن أوكابي أصبحت منتداهم ووجبة البيتزا المفضلة لديهم، فأوكابي هي الدليل الحي على الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه تقارير إعلامية مستقلة لأي بلد كان.
سويس إنفو : ما هي التحديات التي تواجهها في المستقبل؟
جون ماري إيتر: التحدي الأكبر هو الإبقاء على الاستعدادات والتركيبات التي حددناها لفترة طويلة الأمد، فالذين يقدمون التمويل ملتزمون علي المدي القصير؛ لأنهم لا يمتلكون رؤية بعيدة المدى. لكن ننشط في البلدان التي تمر بأزمات، حيث عدم استقرار النسيج الاجتماعي والأوضاع العامة، إذ تستغرق عملية التحول وقتا طويلا.
أحيانا يتصرف المانحون مثل المستثمرين وأحيانا مثل الساسة. أعتقد أن هناك عدم إدراك للأهمية الجوهرية لدعم وسائل الإعلام في برامج التنمية، وهذا تحد كبير.
ونحن ننمو أيضا، وهذا ليس سهلا، ولا يزعجني أن نقوى ونكبر، فمن طبيعة عملنا أن نضع الصخور في طريق أولئك الذين يستفيدون من الأنظمة المرتشية.
ظهرت مؤسسة إيرونديل عام 1995 في منطقة البحيرات الكبرى في إفريقيا. وتقوم بالتعاون مع الأمم المتحدة في إنشاء المحطات الإذاعية في مناطق الصراعات في القارة السمراء لدعم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتوعية الرأي العام.
تتواجد إذعاتها في جنوب السودان وليبيريا وسيراليون، وكانت لها واحدة في إقليم كوسوفو.
أنشأت في الكونغو أكبر محطة إذاعية تمولها الأمم المتحدة وتواصل عملها حتى اليوم.
ترعى أيضا وكالة أنباء في تانزانيا تحت اسم “أروشا” التي تابعت عمل محكمة جرائم الحرب في رواندا.
تدعم هيئة الإذاعة والتلفزيون في إقليم تيمور الشرقية.
وصلت ميزانية مؤسسة إيرونديل في عام 2005 إلى 8 ملايين فرنك.
تمول سويسرا 15% منها، والباقي من عشرات البلدان الأخرى.
يعمل في المؤسسة حوالي 150 شخصا.
يصل عدد مستميعها إلى 20 مليون نسمة.
(نقله إلى العربية وعالجه: تامر أبوالعينين)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.