التعددية الثقافية في خدمة صورة السودان
نظمت الجالية السودانية أول أسبوع ثقافي سوداني في سويسرا، ما بين 28 أكتوبر و 4 نوفمبر 2006 اشتمل على معرض وعلى حفلات موسيقية في جنيف وزيورخ.
هذا الحدث الثقافي سعى إلى توجيه رسالة مفادها أن “أصالة السودان بإمكانها ان تساعد على تجاوز المرحلة العصيبة التي تمر بها الأمة حاليا بنجاح”، حسب تصريح وزير الثقافة السوداني السيد محمد يوسف عبد الله لسويس إنفو.
لأول مرة تعرف جنيف ومعها زيورخ تنظيم أسبوع ثقافي سوداني (من 28 اكتوبر إلى 4 نوفمبر 2006) يراد به ان يكون تعبيرا عن التعددية العرقية والثقافية والدينية في هذا البلد الذي يمر بمرحلة عصيبة منذ حوالي خمسين عاما.
اختيار جنيف ليكون انطلاقة لهذا النشاط الثقافي للجالية السودانية التي يفوق عددها في جنيف 150 شخصا وفي سويسرا عموما حوالي 700 سوداني، يرى فيه رئيس لجنة الأسبوع الثقافي ونائب رئيس الجالية السودانية في سويسرا الدكتور محمد محمود علي، أنه انعكاس “لقناعتنا كسودانيين اننا شعب سلام ومحبة ولنا كم هائل من الحضارة والثقافة، لكن الأحداث التي وقعت أخيرا في السودان غطت على كل الجوانب الجميلة ، لذلك قلنا أن غالبية الناس في هذا الجزء من العالم لا تعرف حقيقة الشعب السوداني والتنوع الثقافي والحضاري”.
ويضيف الدكتور محمد محمود “لذلك وددنا ان نبرز هذا الوجه الحقيقي للشعب السوداني بدل ما يعرفونه عن السودان على أنه بلد المجاعات والحروب والمشاكل”.
معرض يعكس التنوع الثقافي
من الفقرات الهامة في برنامج الأسبوع الثقافي السوداني في جنيف، المعرض الذي افتتحه وزير الثقافة والشباب والرياضة السوداني محمد يوسف عبد الله برفقة سفير السودان لدى المقر الأوربي لمنظمة الأمم المتحدة الدكتور إبراهيم المرغني إبراهيم وأعضاء ومسئولي الجالية السودانية. وهو المعرض الذي قال عنه الوزير في تصريح لسويس إنفو “أنه انعكاس للتنوع الثقافي والعرقي والديني والقبلي في السودان الذي به أكثر من 571 قبيلة موصولة بأواصل كثيرة توحدها “. وشدد الوزير على ” أننا من خلال هذا التنوع الثقافي نريد أن نعكس وحدة السودان “.
وعن سبب اختيار تنظيم هذا المعرض وهذا الأسبوع الثقافي في هذه الظروف بالذات يقول معالي وزير الثقافة السوداني” الأحداث التي يمر بها السودان اليوم هي أحداث عارضة، وبالتالي نقول ان هذه الأمة العظيمة قادرة على اجتياز هذه المرحلة العصيبة بنجاح” . ويرى السيد محمد يوسف عبد الله “أنه لو لا أصالة السودان كأمة وكبلد لما بقيت على حالها بسبب الحرب الكبيرة التي مر عليها أكثر من خمسين عاما”.
حضارة تعود إلى 3 آلاف عام قبل الميلاد
أترككم في ضيافة الدكتورة زينب عبد الله، الأستاذة بكلية الموسيقى والدراما في جامعة السودان ومصممة الأزياء للقيام بجولة عبر الفقرات التي استمل عليها المعرض المقام في فندق وارويك “Warwick” والانطلاقة مع ثلاث صبيات يمثلن الحقبة المروية التي تعود لـ 3000 سنة قبل الميلاد، ويجسدن الملكة أماني شخيتو الجالسة بين وصيفتيها. وترى الدكتورة زينب ” أنه من المفروض ان يشتمل المشهد على كل الطقوس الملكية والحرس والوصيفات والكاهن والملك والملكة، ولكن لم نستطع نقل كل ذلك”.
وتوقفنا صور تعكس نماذج لأزياء يمتزج فيها التقليدي والعصري، وتحمل مميزات فرعونية تقول عنها الدكتورة زينب أن بعضا منها من تصميمها. وتشرح بأن السودان يتميز ” بتباين نماذج الأزياء فيه رغم وجود الثوب السوداني والجلابية السودانية اللذان يعتبران الزي القومي السوداني”. وعن اللمسات الفرعونية في بعض الأزياء ” توضح بأن الحضارة التي نتحدث عنها هي امتداد للحضارة النوبية”.
قطع فضية وذهبية وحلي توحي من شكلها بأنها تقليدية للغاية، هي عبارة عن حلي كانت تستعمل في المناسبات الكبرى مثل الريال الفضي الذي يتداول في مناسبة الولادة والختان. أو الحلي المصنوعة من عاج الفيلة والتي كانت تشترط في كل زواج قبل ان يفرض حظر على اصطياد الفيلة. او الحجول وهي قطع فضية مثل الخلخال تقول عنها الدكتورة زينب ” أنها كانت تستعمل في أرجل السيدات للزينة من جهة وللتأثير بسبب ثقلها على مشية المرأة وإعطائها تلك المشية المتأنية مما يجعل منها المرأة المحببة”.
وقد اشتمل المعرض على أواني من الطين او من الدوم والسعف، تستخدم في مناسبات شتى مثل صينية الحناء التي تستعمل لحد اليوم في مناسبات ربط الحناء في يد العريس والعروسة او تلك الآلات الموسيقية التي يعكس بعض منها الأصول الإفريقية للسودان او مثل الربابة التي تعكس ارتباط السودان بجانبه الإسلامي العربي.
تنوع وإنصاف للمرأة
وعما إذا كان المعرض يعكس بحق التنوع الثقافي في السودان تقول السيدة أحلام عبد الجليل أبو زيد، المستشارة بوزارة الخارجية السودانية” المعرض معرض شامل للسودان وفيه مصنوعات ومنسوجات سودانية وأشغال يدوية ويمكن أن يوحي لك وكأنك في السودان لأن فيه ألوان المناطق السودانية المختلفة. وهذا التنوع يجعل المناطق تكمل بعضها البعض”.
وعما إذا كان نصيب المرأة السودانية قد أعطي حقه في البرنامج سواء من خلال المعرض او النشاطات الفنية الأخرى ترى السيدة أحلام ” أن الأشياء الجميلة هي من صنع المرأة، وأن كل ما هو موجود يوحي بالمرأة”. وأضافت ” أخاف ان يقول احد الإخوة الرجال من الموجودين أننا سيطرنا على المعرض من ناحية وجودنا لأن الجمال توصفه المرأة وتعبر عنه وتكون جزء منه. فالمنتوجات اليدوية المعروضة أغلبها نسوية ويمكن القول ان اهتمامات المرأة شكلت تقريبا 80% من المعرض”.
برنامج موسيقى حافل
الى جانب المعرض المستمر حتى يوم الخميس 2 نوفمبر، اشتمل الأسبوع الثقافي السوداني على سهرات فنية في جنيف وزيورخ ستحييها نخبة من الفنانين السودانيين المخضرمين والشباب برفقة فرقة موسيقية ذاع صيتها والتي يقول عنها رئيس لجنة تنظيم الأسبوع الثقافي الدكتور محمد محمود علي ” أنها فرقة موسيقية شعبية تعكس الحضارة الإفريقية السودانية والتي قدمت عروضا في مختلف أنحاء العالم”. وعن نخبة الفنانين عدد السيد محمد جملة من الفنانين السودانيين الذين يمثلون الطابع الفولكلوري السوداني من أمثال الفنان عبد القادر سالم والفنانة فيفيانا والفنان حمر الرايح والفنانة الواعدة عبير .
وإذا كان جمهور جنيف قد استمتع بمساهمات هؤلاء الفنانين في موفى الأسبوع الماضي، فإن جمهور زيورخ سيكون على موعد معهم يوم الجمعة 3 نوفمبر القادم على ان تختتم بهم فعاليات الأسبوع الثقافي يوم السبت 4 نوفمبر في جنيف.
السويسري الذي ساعد السودانيين على اكتشاف تاريخهم
على هامش فعاليات الأسبوع الثقافي السوداني تم مساء الثلاثاء 31 اكتوبر، تنظيم ندوة علمية تعرضت فيها الدكتورة انتصار الزين من قسم الآثار بجامعة الخرطوم الى تعداد المعالم الأثرية التي تم اكتشافها في عدة مناطق من السودان وبالأخص في منطقة كرمة والتي يعود الفضل فيها الى عالم الآثار السويسري شارل بوني.
وقد عرض شارل بوني أمام الحضور حصيلة أكثر من اربعين عاما من التردد على تلك المناطق القاحلة بحثا عن أصول حضارة لم يكن أحد يؤمن انها سترى النور في يوم الأيام.
وقد سمح عناد هذا الرجل وإصراره على تغيير مجرى التاريخ باكتشاف ان الحضارة الفرعونية لها أصول وامتداد الى الأراضي السودانية. بل ان هناك جدلا حول أي منهما التي تستحق ان تكون أصلا للأخرى.
وقد تحولت مناسبة هذه الندوة الى حفل تكريم لهذا الرجل الذي ضحى رفاهية العيش في جنيف لكي يساعد السودانيين على اكتشاف تاريخهم وتحويل مناطق قاحلة الى مزار لكل من يرغب في تصحيح مسار التاريخ ويقف على معالم حضارية وآثرية لا تقل أهمية عما تعرفه الجارة مصر.
التظاهرة قد تصبح دورية
هذه المبادرة التي يقول احد أعضاء الجالية السودانية في جنيف السيد عثمان عمر رضوان” أن الجالية بمختلف مكوناتها وقبائلها سهرت على تنظيمها”، يصر الجميع من مسئولين رسميين وممثلي الجالية على العمل على تكرارها في المستقبل بحيث تصبح دورية .
ويرى رئيس اللجنة التنظيمية الدكتور محمد محمود علي ” أن اول الغيث قطرة ولنا نية إنشاء الله في ان تتحول الى تظاهرة سنوية وان تمتد الى باقي المدن السويسرية”. ويرى الدكتور محمد ان الجالية تعمل على أن يكون للسودان حضور قوي في احتفالات أعياد جنيف في الموسم القادم.
اما الجمهور المستهدف بهذه التظاهرة فترى السيدة أحلام المستشارة بوزارة الخارجية السودانية أنه يتمثل أولا في أبناء الجالية السودانية الذين يصطحبون أبنائهم المولودين في المهجر للاطلاع على ثقافة وحضارة بلدهم، وثانيا الأخوة العرب والمسلمين الذين لهم معرفة بالسودان ويودون الاطلاع على الجوانب الثقافية. وترى ان الجمهور المهم هو الجمهور السويسري ” الذي كان مندهشا ومعجبا بهذا التباين في الثقافة في كل منطقة من مناطق السودان ” وتقول ” هذا سمح لهم بتكوين صورة واقعية عن السودان”.
“دولة تعددية قادرة على التعايش”
اما وزير الثقافة والشباب والرياضة محمد يوسف عبد الله فيرى ان تنظيم المعرض في سويسرا يعود لكون ” سويسرا دولة متعددة الأعراق والديانات والثقافات ، ونحن أيضا دولة متعددة الأعراق والثقافات، ونريد ان نقول أنه يمكننا ان نتعايش في ضل هذه التعددية كما يتعايش السويسريون “.
كما يرى ان الرسالة الثانية من تنظيم هذا الأسبوع تكمن في ” إظهار لسويسريين بأن الأحداث التي مر بها السودان مؤخرا وشوهت سمعته، ليست هي حقيقة السودان… وفي ذلك تذكير للناس بان الظروف الصعبة التي مرت بها العديد من الأمم يمكن تجاوزها . وسويسرا مرت في مرحلة من المراحل بظروف قريبة من التي يمر بها السودان اليوم، لكن أهلها استطاعوا التعايش وفقا لأسس جديدة قائمة على أساس الاعتراف بالآخر وإعطاء كل طرف فرصة للتعبير عن نفسه وعن ثقافته وهويته بصورة مقبولة للجميع”.
والرسالة الثالثة حسب الوزير السوداني دائما” هو ان السودان كان في مرحلة من المراحل منطقة تجارية وحضارية قامت فيها مدنية. وهذا ما نريد نقله للشعب السويسري وتذكيره بأن هذه المرحلة سنعود إليها إنشاء الله باكثر قوة وعزم “.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
يبدأ التاريخ الموثق عن السودان من حوالي 50 قرناً أي خمسة آلاف سنة، وتتمثل مصادر هذا التاريخ في النقوش الفرعونية في مصر وبعض جهات السودان وفي الهياكل العظمية في المقابر الفرعونية والمصرية والتي تعود للأصل الزنجي و الحامي وفي المعدات النحاسية كالإزميل، وحبات الخرز في السودان بالإضافة إلى العاج وريش النعام في مصر مما دل على وجود تبادل تجاري بين البلدين.
في سنة 2750 ق.م هاجم الملك ( سنفرو ) السودانيين وحاربهم وهزمهم رغم استماتتهم في الدفاع بالقسي والنبال، وبلغ عدد أسراه 7000 من الرجال والنساء وكذلك حصل على 200.000 رأس من البقر والضأن. منذ ذلك التاريخ ارتبط التاريخ السوداني بالتاريخ المصري. ومن أشهر الحكام المصريين في السودان الملك ( يونا ) 2423 ق.م. الذي اشتهر بالعدل وحسن الإدارة بالإضافة إلى فتوحاته في السودان كما اهتم بتيسير التجارة والتبادل حتى كثر تصدير العاج ، ريش النعام ، العطور ، اللبان والخشب لصناعة السفن.
في غضون الحقبة التاريخية من 3000 ق.م وحتى 900ق.م توثقت العلاقات الاجتماعية والسياسية وحتى من النواحي الإدارية فقد كان النظام المصري هو النظام السائد في تقسيم المناطق وحامياتها وكان هناك الموظفون ومعظمهم من المصريين وقليل منهم من السودانيين، كما تركت القبائل السودانية تحت زعامة ملوك العشائر ولكن محاولاتهم للانفصال عن مصر كانت تقاوم بشدة. ولجأ المصريون إلى حمل أبناء الزعماء السودانيين إلى مصر كرهائن حيث وجدوا مكانة عالية ونشأة كأمراء المصريين بالإضافة إلى التعليم.
في القرن العاشر ق.م بدأت مصر بالاضمحلال فانتهز السودانيون الفرصة واستقلوا عنها، واصبحوا ملوك النوبة وازدادت سلطتهم تدريجياً وتولوا رعاية الإله المصري آمون ، ثم اعتبروا أنفسهم مسؤولين عن البلاد بين البحر المتوسط و أواسط السودان.
وكان من أهم ملوك السودان في عهد استقلاله الملك ( بعانخي ) الذي حكم السودان سنة 751 ق.م. وكان متأثراً بالحضارة المصرية كما كان يدين بديانة آمون. وقد سعى إلى ضم مصر إلى مملكته في السودان فأرسل حملة قوية حوالي سنة 730ق.م على إثر أنباء الفوضى التي دبت في مصر كما ورد إليه أن الملك (تافنخت) – أحد ملوك الدلتا – جهز جيشاً لطرد السودانيين فأرسل إليه (بعانخي) جيشاً قوياً حتى تحصن (تافنخت) في إحدى المدن فخرج إليه (بعانخي) من العاصمة السودانية ( نبتة ). حتى وصل إليه وحاصره بجيوشه لثلاثة أيام ، فتمكن منه فدانت البلاد من نبتة جنوبا إلى البحر المتوسط شمالاً للملك (بعانخي). كان الحكم السوداني عهد رخاء وسلام للبلدين عاش فيها ملوك السودان كالملوك والفراعنة المصريين حتى أن دفنهم كان يجري على الطريقة الفرعونية داخل أهرام ولكن هذه الأهرام أصغر حجماً من تلك الموجودة في مصر، ولا تزال بعض هذه الأهرامات موجودة حتى يومنا الحالي.
استمر الحكم السوداني في مصر مدة 80 عاماً. وانتهى على أيدي الآشوريين الذين استولوا على مصر بعد عدة معارك كان النصر فيها سجالا. عقب تلك الفترة انتقلت العاصمة إلى مروي نسبة إلى قربها من السهول والحاصلات الزراعية و الثروة الحيوانية وكانت ملتقىً تجارياً هاماً بين شرقي السودان وبقية أرجاءه. ازدهرت مروي في القرن الثالث ق.م ازدهاراً شديداً حتى أن اليونان اعتبروها من مصادر الحضارة المصرية. واتسعت مروي وكثرت مبانيها وعرفت عند أهلها الكتابة للغتهم الأصلية، إلا أن طلاسمها لم تفك حتى الآن.
ازدهرت العلاقة بين السودان واليونان في تلك الحقبة حتى حاول اليونان التغلغل في الأراضي السودانية في إطار توسعهم في الحكم، إلا أن السودانيين ردوهم على أعقابهم وحافظوا على استقلالهم السياسي.
وفي أواسط القرن السادس الميلادي تنصر ملوك النوبة عقب الحملات التبشيرية المرسلة من مصر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.