الشيخ أحمد التوني: “الموسيقى الروحية فن للطرب وجسر للتواصل”
ليس من الصدفة أن ينشد الشيخ أحمد التوني بمهرجان فريبورغ الدولي للموسيقى الروحية الذي احتضنته المدينة السويسرية في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي، فهذا المهرجان تميّز خلال دوراته الأربع الأخيرة بالانفتاح على المدارس الموسيقية المختلفة، وعلى بقية الديانات والثقافات.
دعوة الشيخ التوني، المنشد الصوفي المعروف وفرقته للمشاركة في هذه التظاهرة الثقافية الدولية، اعتراف بحسن الأداء، وإقرار بقدرة الإنشاد الصوفي على مد جسور التواصل مع جمهور يولي لهذه التعابير الثقافية اهتماما ويظهر شغفا متزايدا بها.
ويقول السيد فليب ترانشّون، المسؤول الإعلامي بمهرجان فريبورغ الدولي للموسيقى الروحية في حديث إلى سويس إنفو: “أردنا خلال دورة 2008 تقديم عروض متنوعة ونماذج مختلفة من التراث الموسيقى للمنطقة المشرفة على حوض البحر الأبيض المتوسط، و ليس بإمكان أي مثقف يحترم نفسه أن يتحاشى أو يتغافل الثقافة التي يمثلها التراث المصري، والتراث الشرقي بصفة عامة”.
وأما اختيار الموسيقى، مساحة لفعاليات هذا المهرجان، فلكون “الموسيقى إحدى التعابير الجوّانية ذات البعد الكوني لا يكون المستمع في حاجة إلى اللغة أو الكلمات لاستيعاب الإيقاع والإيحاء”.
وهذا ما سمح في النهاية لإدارة المهرجان باستدعاء فرق موسيقية من جنوب إسبانيا، وأخرى من منطقة البلقان، وثالثة من بلدان في شمال القوقاز.
منشد مصري يطرب جمهور سويسري
قبل أن ينطلق العرض الإنشادي لفرقة الشيخ أحمد التوني، غصت الساحة المجاورة لكدترائية ثانوية القديس ميشال (Saint-Michel)، بجمهور غفير، وعندما فتحت القاعة، تدافع الجمع في مشهد غير مألوف في هذه البلاد.
وعندما طلبنا تفسيرا لهذا الإقبال من السيدة مُنى فيدال، وكيلة شركة Zaman Arts”” الفرنسية للإنتاج الفني، والتي لعبت دور الوسيط في استقدام فرقة الإنشاد المصرية أجابت: ”الجمهور الغربي يهتم كثيرا بالأدبيات الصوفية، والذين يأتون لحفل مثل هذا الحفل، لديهم فكرة مسبقة عن طبيعة العرض، وجه التشويق يظل إذن في اكتشاف المنشد أحمد التوني، واللون المصري الصعيدي”.
وتقول سيدة مقيمة بمدينة فريبورغ طلبنا رأيها بعد انتهاء الحفل، وقد علت وجهها مسحة من التأثر وزيّنت نبرة كلامها مشاعر الإعجاب: “حضرت هذا الحفل الإنشادي، وقبل أن آتي سمعت أن منشدا عربيا سيغني هذه الليلة، وتخيّلت أنه من نوع الدراويش، لكن المفاجأة كانت كبيرة. لقد كان الأداء أجمل بكثير مما توقعت”.
المزيد
“سـُلطان المُنـشدين”
وتواصل هذه السيدة شارحة أسباب تأثرها البالغ بالإنشاد الصوفي الإسلامي: “لقد انجذبت أكثر فأكثر إلى القطعة الأخيرة من إنشاده: شيخ مسلم يغني بكنيسة، ويتغنى بالقساوسة والرهبان، ويدعو للتعايش والحوار، في زمن تتصاعد صراعاته الدينية والعرقية”.
وتقول سيدة أخرى جاءت من إقليم بروتاني الفرنسي لحضور الحفل: “عندما أقارن دعوة الشيخ التوني للتواصل والتلاقي، والتعارف بين الحضارات، وبين ما تردده وسائل إعلامنا كل يوم من أخبار الحروب والقتل، أصاب بصدمة”.
وتضيف هذه السيدة التي تجاوزت الستين: “لما أنشد الشيخ المطرب داعيا إلى التآخي الإنساني، وإلى التعايش، رأيت الجمهور يتفاعل، وكان التأثر الشديد بادي على الوجوه”.
تأثر وتجاوب لا يبدو أنه فاجأ الشيخ أحمد التوني، فبالنسبة إليه: “الإنشاد يخلق حالة متطابقة من الانفعال والتأثر النفسي لدى الجميع، كل يعبّر عنه بلغته وبأسلوبه، وبحسب ما منحه الله من إيمان ويقين”.
ويذهب شيخ المنشدين إلى أبعد من ذلك، فيؤكد “أن الذين يطربون لإنشاده من غير المسلمين أكثر من المسلمين أنفسهم، لان رسالة التصوف تخترق جدران الثقافات والأعراق، والأديان”.
الموسيقى جسر للعبور ووسيلة لتقريب المعنى
لمهرجان الموسيقى الروحية بفريبورغ علاقات تواصل وتعاون مع مهرجانات أخرى مشابهة كمهرجان فاس بالمملكة المغربية أو مهرجان الحمامات بالجمهورية التونسية، ويأمل فليب ترانشون: “أن يتواصل هذا التعاون، ويتعزز عبر وضع برامج مشتركة، وتبادل التجارب والخبرات”.
ورغم أن مهرجان فريبورغ ليس مخصصا بالكامل للموسيقى الإتنوغرافية، إلا أن أحد أهدافه الرئيسية التعريف بالموسيقى التقليدية والموسيقى الروحية. ويحرص القائمون عليه على أن تكون العينات التي يقدمونها ممثلة فعلا لثقافاتها.
وتقول السيدة منية فيدال: “نفضّل أن نشتغل مع فنانين متجذّرين في ثقافاتهم، ويعكسون تراثهم الروحي الأصيل”. غير أن أصالة المضمون لا تمنع تطوّر الأشكال، “ففي الأصل، تقول مخاطبتنا، الشيخ التوني ينشد بالسبحة والكأس فقط، لكنه شعر مع الزمن، بأن هناك حاجة لإدماج الموسيقى في أدائه، وإن اكتفت الموسيقى بمرافقة الإنشاد، من دون أن تفرض إيقاعها عليه”.
ويعتبر المنشد الذي يلقب بـ”ساقي الأرواح” أن “الموسيقى تجلب الجمهور، وتقرب المعنى، وتطرب النفس، وترقق المشاعر”. وبمساعدة الموسيقى يسود سهرات الإنشاد الصوفي نوع من الصفاء والحب، والإبداع والتشويق”.
ويقول عطا محمد علي عصري، عازف الكمان، وأحد أعضاء فرقة الإنشاد المرافقة للشيخ أحمد التوني: ”نريد من خلال العمل مع الشيخ، ومن خلال الإنشاد والموسيقى الروحية إيصال رسالة التصوّف الإسلامي إلى العالم كله”.
ولا يساوره شك في “أن الإنشاد الصوفي فاتحة خير على العرب وعلى المسلمين، وخير رد على ما تروّجه الأمم الأخرى عن العرب وثقافتهم”.
تأسس المهرجان الدولي للموسيقى الروحية بفريبورغ سنة 1986، وقد انتظمت دورته الثانية عشر هذه السنة بين 5 و13 يوليو الجاري.
ينظم هذا المهرجان مرة كل سنتيْن.
سنة 2006، بلغ عدد الجمهور الذي حضر عروض المهرجان حوالي 4000 شخص، أما سنة 2008، فقد زاد ذلك الحضور بنسبة 15% ليصل إلى 5200 شخص.
شهدت دورة 2008 تقديم 14 عرضا موسيقيا.
بثت أزيد من 80 محطة إذاعية العروض التي تقدم في المهرجان بشكل مباشر أو مسجلة.
الشيخ أحمد التوني، أصيل منطقة هواثك بمحافظة أسيوط، بأعالي الصعيد. وهو من كبار المنشدين للأذكار الصوفية في هذا العصر، يحلو للبعض مناداته “بسلطان المنشدين” أو “ساقي الروح”.
في الليالي الطويلة التي تزيّن سمائها النجوم والكواكب المضيئة، وفي القرى الصعيدية الفقيرة التي يلتحم فيها الغبار المتطاير بضياء الفوانيس، يرتفع صوت المنشد الصوفي، فينخرط الجميع في الحضرة، يرددون إسم الله، عبر طقوس تلهب النفس، وتصعد بالأرواح في “مدارج السالكين”.
ويحيي هذه السهرات المنشدون الصوفية، وعميدهم في هذا الزمان الشيخ التوني الذي يبدو وهو على الركح كالكوميدي. في يمناه مسبحة وفي يسراه كأس. يتمايل جسده النحيف، فيرسم للدف طريقا، ويومئ للعازف، فينساب الطرب، وتلتحم الموسيقى بالكلمات التي تروي تاريخ الانبياء، وفضائلهم. ويتموّج صوت المنشد، فيصعد مرة وينزل اخرى.
وتميل الاناشيد الصوفية للتغني بالحب الإلاهي الطاهر، وإلى الشكوى من حرقة الفرقة والإبتعاد عن الذات الكلية، كل ذلك في إيقاع جميل يتردد بين الإبتهالات والتواشيح الدينية.
رحلة الشيخ التوني مع هذا النوع من الإنشاد بدأت منذ أن كان طفلا صغيرا في الكتّاب، إذ كان يختلف من حين لآخر إلى سهرات الصوفية فيحفظ كلماتهم، ويقلد أدائهم، وكان معجبا بالعديد من المبدعين في هذا الفن من أمثال الشيخ أحمد حسّونة والشيخ الشبيطي والشيخ مرزوق، والشيخ القبيصي، إلى أن آلت إليه الريادة في هذا الفن.
تشير “الموسيقى الروحية” إلى نوع من الطرب له علاقة بالإبتهالات أو المناجاة أو الممارسات الدينية. وهو عادة ما يكون مصاحبا بإنشاد.
يسعى مهرجان فريبورغ إلى تشجيع انتاج الموسيقى الروحية، وأنواع أخرى من الموسيقى التراثية والشعبية.
ومنذ أربعة سنوات زخر برنامج دورات هذا المهرجان بتقديم عروض موسيقية من كل العصور، ومن مختلف الثقافات.
ومنذ 1998، شمل برنامج هذا المهرجان مساهمات من الهند ومن الشرق الأوسط والشرق الأدنى، ومن منطقة البلقان وحوض البحر الأبيض المتوسط. وشهدت هذه السنة مشاركة فرقتين من مصر ومن بلاد الشام في فعاليات المهرجان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.