المتنبي يظهر ثانية .. في زيورخ!
للعام الثاني على التوالي ينجح المركز الثقافي العربي السويسري (غاليري الارض) في جمع عدد من أبرز الشعراء العرب والسويسريين والاوروبيين في تظاهرة ثقافية يراد من خلالها تحويل القصيدة العربية إلى معبر لحوار حضاري مع الآخر في سويسرا.
عندما قدم علي الشلاه من عمّان إلى سويسرا منتصف التسعينات، لم يكن من السهل عليه تصور قيام عمل ثقافي عربي في عاصمة المال والاعمال في البلد وسط جالية قليلة العدد وفي ظل جهل واسع بكل ما يتعلق بالثقافة والحضارة في ما يسمى بالعالم العربي.
لكن الشاعر العراقي المتعود على خوض مغامرات تنشيط الأندية ونشر المجلات وتسيير التظاهرات اكتشف شيئا فشيئا أن البيئة السويسرية والوسط الثقافي في زيوريخ بشكل خاص لا يعادي بالضرورة الدعوة إلى التعارف والتلاقح الفكري والحضاري بين الثقافة الجرمانية عموما ونظيرتها العربية.
مركز ثقافي ومهرجان شعري
نقطة الانطلاق الحقيقية تمثلت في إنشاء المركز الثقافي العربي السويسري في بداية عام ثمانية وتسعين، ومنه بدأت الندوات الفكرية واللقاءات مع المبدعين والقراءات الشعرية والعروض المسرحية ومعارض الرسم والنحت في تشكيل نواة من المهتمين السويسريين والغربيين الذين يرتبطون بعلاقة ما بالعالم العربي ومبدعيه وثقافته.
وعلى الرغم من السحنة العراقية البادية على ملامح المركز ومنشطيه إلا أن مديره يشدد على التزامه بكل “أساسيات الثقافة العربية وثوابتها دون تفريق بين قطر عربي وآخر” وينفي اية أهداف سياسية أو اقتصادية للمركز الثقافي الذي تمكن في ظرف وجيز من نسج علاقات وثيقة مع مؤسسات سويسرية مشهورة متخصصة في الترويج للثقافة ودعم المبدعين مثل بروهلفتسيا والدوائر المهتمة بالمسائل الثقافية في شركة ميغرو والحكومة المحلية لكانتون زيوريخ.
العلاقات المتنوعة والاهتمام الاعلامي بأنشطة المركز سمحت بوصول شيء من الدعم لتظاهرة بحجم مهرجان شعري عالمي حمل اسم المتنبي وحرص منذ الاعداد لدورته الاولى في بداية عام الفين على أن يكون نافذة دولية متعددة اللغات على الشعر العربي.
مزيد من التوسع
في ربيع العام الماضي، كان مثيرا ان ترى الدهشة منطبعة على وجوه المتابعين للقراءات الشعرية – ومعظمهم سويسريون يتحدثون الألمانية او الفرنسية – لشعراء عرب من ليبيا أو الجزائر أو العراق أو مصر او لبنان .. لم يستوعب بعض المثقفين السويسريين هذا الاستغراق العربي في عالم الكلمة والحرف لكنهم تبينوا بسهولة أن الشعر معبر سليم ورائع لحوار مفقود أو غائم بين العرب وبقية العالم.
أما في مهرجان المتنبي الثاني الذي تنتظم فعالياته هذه الايام في أحد مسارح زيوريخ فمن المؤكد أن الدهشة ستكون أكبر بعد أن تمكن منظموه من استقطاب شعراء عرب من لبنان وسوريا ومصر والمغرب وعُمان والكويت والامارات والعراق والاردن والسعودية وزملاء لهم من سويسرا وهولندا والمجر وكرواتيا وفرنسا وألمانيا.
وإذا كان أدونيس أبرز الاسماء الشعرية العربية المشاركة في دورة هذا العام إلا أن تنوع الحضور الاوروبي وتميزه يحقق هدف المهرجان الرئيسي أي توفير فرصة للتبادل والحوار الحضاري بين العرب والعالم.
صحيح أن الشعر تحول في عصر العولمة إلى مادة ثقافية شبه مهجورة في الغرب ومثيرة للتحسر عند العرب لكنه يظل محتفظا بجاذبية وسحر خاصين قد يساعدان على التعريف وإعادة الاكتشاف في مدينة لم يسمع بها أبو الطيب المتنبي..بالمرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.