مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اهتمام متزايد بالأقمشة والمنسوجات الإسلامية القديمة في جنيف

قطعة سجاد فاطمي، تعود لمنتصف القرن الثاني عشر وتحمل عبارة "اليمن". swissinfo.ch

اقتنى متحف الفن والتاريخ في جنيف مجموعة من القماش الأثري الإسلامي رغم المنافسة الكبيرة من دول الخليج. وتعكس هذه المجموعة التي تُعرض للجمهور حتى 19 ابريل 2009، تقنيات المنسوجات في العصور الإسلامية المختلفة ونماذج من ألبسة مملوكية وفاطمية إضافة إلى تقنيات "طراز" الفارسية.

يحتضن متحف الفن والتاريخ في جنيف منذ يوم 4 ديسمبر 2008 وإلى يوم 19 أبريل القادم معرضا لعينات من القماش والمنسوجات الإسلامية التي تعود إلى عدة حقب ومناطق جغرافية مختلفة من العالم العربي والإسلامي.

وهي المرة الأولى التي يُولي فيها هذا المتحف المشهور أهمية متميزة لمعرض خاص بالأقمشة والمنسوجات الإسلامية منذ أن نظم عرضا في عامي 1993 و 1994 خصصه للمنسوجات المصرية “كشاهد على العالم العربي في الفترة ما بين القرنين الثامن والخامس عشر”، ومعرض “روح الهند” في عام 1997، ومعرض ” قماش وحرير الساسانيين” في عامي 1999 و 2000.

ويعود السبب في اهتمام المتحف هذه المرة بشكل جاد بالأقمشة والمنسوجات الإسلامية، كما تقول محافظة المعرض السيدة مارييل مارتينياني ريبر إلى “العرض الذي تقدمت به في عام 2004 إحدى أكبر تجار التحف الفنية المعروفين على مستوى جنيف، وهي السيدة أراكسي غارابيديان، والمتمثل في 50 عينة من مقتنياتها من نماذج القماش الإسلامي القديم، التي أضيفت لها هدايا حصل عليها المتحف من جهات مختلفة حديثا، وعينات من القماش الإسلامي التي جلبها علماء آثار وهي ملك للمتحف منذ تأسيسه. وهذا ما يجعل متحفنا اليوم يملك ولأول مرة معرضا للقماش الإسلامي بأتم معنى الكلمة”.

النسيج مهنة رجالية

تنطلق زيارة المعرض رفقة المحافظة مارييل مارتينياني ريبر من أمام لوحة فنية كبيرة لمنمنمات تمثل المشهد 43 من مقامات الحريري (1054-1122) الذي يصور أوجه الحياة المتعددة وبالأخص شاب يقوم بغزل الصوف. وهو ما تقول عنه السيد ريبر “إنه يفيدنا بان النسيج والطرز كانا من تخصص الرجال مثلما هو الحال في الحضارات الأخرى مثل البيزنطية وغيرها”.

وقد تم تقسيم المعرض الى جزئين: قسم في الوسط يشتمل على القطع الصغيرة المعروضة تحت ألواح من الزجاج وهي في متناول الزائر حيث يمكن له أن يقترب منها للتعرف على خصوصياتها، فالبعض يهتم بالنسيج وهناك من يهتم باللون وبالزخارف وهناك أيضا من يحاول فك أسرار النصوص العربية المرسومة أو المطرزة على تلك القطع.

أما القسم الثاني من المعرض فهو عبارة عن قطع كبيرة علقت على الجدران بعضها سجاجيد والبعض الآخر نماذج نادرة لقميص مملوكي بألوان وقامات مختلفة.

من بداية العصور الإسلامية حتى تطور النسيج في الفيوم

المحطة الأولى تعكس العصور الأولى من الإسلام وتبدأ بقطعة سجاد تقول عنها السيدة مارتينياني ريبر “إنها قطعة فارسية تقترب من التقاليد الساسانية والبيزنطية والمتمثلة في نماذج حيوانية واقفة إلى جانب نبات”،وهناك القطعة التي تحمل عبارة “بركة من…” والمدونة بالخط الكوفي.

المجموعة الأخيرة عبارة عن عينات من المناديل أو غطاء الرأس التي تعود للحقبة الواقعة ما بين القرن التاسع والثاني عشر والمصنوعة في منطقة الفيوم بمصر والتي تقول عنها السيدة مارتينايني ريبر “إنها مناديل مصنوعة من نوعية ممتازة من الصوف لربما لأنه تم انتقاء النماذج الحيوانية التي تقدم تلك الصوف”. وإذا كان النموذج المثالي لإنتاج أحسن أنواع الصوف هو النموذج المعروف باسم خروف “ميرينوس” الإسباني، فإن الخبيرة السويسرية تذكّر بأن “العرب هم الذين أدخلوا هذا العنصر الى الأندلس والذي تقترب جودة صوفه من شعر ماعز كشمير”.

وما بين المحطتين السالفتي الذكر، نمر عبر محطة تشتمل على النماذج التي تم فيها استبدال الخط بنماذج زخرفية قبل أن نتوقف قليلا عند جناح “الطراز” وهو القسم الذي يعكس فن التطريز المستمد من الحضارة الفارسية.

وتقول الخبيرة مارييل مارتينياني ريبر “إن العرب ورثوا فن النسيج عن البيزنطيين الذين ورثوه (بدورهم) عن الرومانيين واحتفظوا بنفس معالم ورش النسيج التي كانت سائدة من قبل”. ولكي يتم تصنيف قطعة من القطع على أنها “طراز” فيجب أن “تحمل عبارة تبجل الخالق والخليفة والورشة التي أنتجت فيها”. وقد شهد “الطراز” بدوره تطورا في كيفية صنعه بحيث تم الانتقال شيئا فشيئا من مرحلة تدوين النص عبر عملية النسيج، إلى مرحلة تطريزه فوق النسيج.

المرحلة الأخيرة هي الفاطمية التي تتميز بخاصية تتمثل في أن “الزخرف ينصهر في المشهد الخلفي، والنص يتحول الى خط مبهم المعالم يصعب التعرف عليه”، وهي الفترة التي تحددها الخبيرة السويسرية “بنهاية العهد الفاطمي والمتميزة بخلفية صفراء تحمل زخارف حمراء قسمها الأكبر من الحرير”.

ولاشك في أن أثمن القطع المعروضة هي تلك النماذج لقميص مملوكي بأحجام مختلفة وزخارف مختلفة من التطريز. وتقول محافظة المعرض السيدة مارييل مارتينياني ريبر “إن هذا القميص يعتبر أجمل قميص مملوكي نادر محتفظ به في العالم والذي يعكس دقة الزخرف والتفصيل… والذي يوحي بأنه العنصر الذي تطورت منه الملابس العصرية التي لم تعد تنسج بل تفصل وتتم خياطتها”.

وتنتهي الجولة في المعرض بالوقوف أمام صورة فوتوغرافية للمصورين اليونانين الأخوين صانغاكي والتي تمثل طفلا مصريا نائما إلى جانب حماره في احد أرياف مصر وهو يرتدي العباءة التي تعتبر التطور الطبيعي للقميص واللباس الشائع في العديد من الدول الإسلامية إلى يوم الناس هذا.

منافسة خليجية قوية

وتكمن المشكلة التي أصبحت المتاحف السويسرية (والغربية عموما) تواجهها أثناء سعيها لاقتناء عينات من القماش والمنسوجات الإسلامية العتيقة أو القطع الأثرية الإسلامية القديمة في المنافسة الكبرى الصادرة عن الراغبين في اشتراء هذه التحف من بلدان الخليج سواء كانوا مؤسسات حكومية أو خواصا.

وقد واجه متحف الفن والتاريخ في جنيف، صعوبات جمة لاقتناء هذه القطع من القماش الإسلامي أثناء عرض مجموعة السيدة أراكسي غارابيديان للبيع بالمزاد العلني. وتقول المحافظة مارييل مارتينياني ريبر “من الطبيعي ان ترغب دول الخليج في تأسيس متاحف تجمع كل هذه التحف الفنية الأثرية الإسلامية التي ليست في متناول الجميع”.

ومع إقرار السيدة ريبر بأن متحف الفن والتاريخ لم يولي أهمية كبرى في السابق للقماش الأثري والمنسوجات القديمة لكنها تشير إلى وجود اهتمام كبير في الوقت الحاضر، وتلاحظ أن المشكلة “تكمن في أن الأسعار أصبحت أغلى والمنافسة قوية وهذا ما يحد من قدرتنا على شراء مزيد من القطع في عمليات البيع بالمزاد العلني”، حسب قولها.

وعن نظرتها كمحافظة بالمتحف لهذه المنافسة من قبل الأثرياء الخليجيين وبالأخص الخواص منهم الذين يقتنون قطعا كثيرا ما تبقى حبيسة جدران منازلهم ويُحرم منها الجمهور، تقول السيدة ريبر “هناك إحساسا مزدوجا، لأن هؤلاء الخواص هم القادرون على الإقتناء وفي بعض الأحيان يسمح عرض المجموعات الخاصة في متاحف معينة بالتعرف على مخزون أثري نادر. لكن هناك مجموعات وضعت تحت تصرف الجمهور مثلما هو الحال بالنسبة لمجموعة آل ثاني في قطر والتي تعتبر من أهم المجموعات الأثرية التي يمكن مشاهدتها”.

وعما إذا كان متحف الفن والتاريخ في جنيف يرحب دوما بعرض مجموعات أثرية تابعة لخواص، ترد المحافظة بالمتحف السيدة مارييل مارتينياني ريبر بدون تردد “بالطبع نرحب بذلك إذا كان ذلك يتماشى مع المجموعات المعروضة في المتحف وشريطة ألا يكون وراء تلك الخطوة رغبة في إضفاء أهمية تجارية على المجموعة”.

أكثر من مجرد قطعة قماش

قطعة قماش قديمة قد تحمل الكثير من المعلومات التي تتعدى ميدان النسيج لتقدم لنا معلومات “عن طرق التجارة التي كانت سائدة ومعلومات عن تطور الفن التقليدي وفن المخطوطات وفقا للحقب”،مثلما تقول السيدة ريبر.

وتضيف بان “هذه القطع تحمل الكثير من النصوص التي تحل في العالم الإسلامي محل الزخارف أو تدعمها”. وهناك العديد من هذه النصوص ما يتخذ شكل دعاء للتيمن والبركة أو للحماية من كل مكروه. وفي هذا الإطار تشير السيدة ريبر إلى أن “قطعة قماش تعود للعصر العباسي تحمل عبارة (بركة من الله)”، وهناك قطع أخرى من العصر المملوكي تحمل عبارات مثل “نصر من الله” أو “اليُمن ” أو “التوفيق من الله”.

أما في العصر الفاطمي فقد اشتملت قطع القماش المتاحة على نصوص أطول يصعب في كثير من الأحيان الاحتفاظ بها كاملة. وتشير السيدة مارتينياني ريبر إلى أن هذه القطع “تحمل دوما في البداية عبارة دينية تؤكد التعلق بالعقيدة الإسلامية، يليها إسم الخليفة وفي كثير من الأحيان عندما يحالفنا الحظ نعثر على اسم المدينة والتاريخ الذي تم فيها نسج القطعة”.

ونظرا للقيمة التاريخية لهذه القطع ولإمكانية تأثُّرها بالنور والأضواء، ستعاد إلى مخازنها المظلمة بعد نهاية المعرض في 19 ابريل 2009، على أن يتم اللجوء لاستخدامها من جديد في معارض ظرفية قادمة.

وكي لا تبقى زيارة هذا المعرض نظرية، أقدم متحف الفن والتاريخ على توفير ورشة إلى جانب المعرض تتيح للزوار ولطلبة المدارس والأجيال الصاعدة فرصة التعرف على تفاصيل خياطة القميص المملوكي. ولمساعدة الشباب على القيام بالتجربة تم رسم نماذج لكل قطعة من قطع القميص يمكن لمن يرغب في ذلك نقلها ومحاولة تصميم قميص مملوكي حسب هواه. كما وضعت في زاوية من الورشة جلابية يمكن لمن يرغب في ارتدائها من أجل التعرف على خصوصيتها أو العباءة او القميص.

سويس انفو – محمد شريف – جنيف

لا تكتفي سويسرا المعروفة بكثرة متاحفها باقتناء التحف الأثرية والقطع النادرة بل تعمل على تطوير أساليب الحفاظ عليها. وفي مجال الحفاظ على القماش الأثري والمنسوجات التاريخية تعد سويسرا من الجهات الرائدة على المستوى العالمي في مجال تدريس فنيات ترميم وصيانة الأقمشة والمنسوجات القديمة.

في هذا الإطار تذكر الخبيرة مارييل مارتيناني ريبر بما تقدمه “مؤسسة آبيغ” الواقعة بالقرب من العاصمة الفدرالية برن، والتي يعود تأسيسها في نهاية الستينات الى رجل صناعة النسيج السويسري فيرنر آبيغ، صاحب معامل الحرير في ميلانو، والذي عهد برئاسة هذه المؤسسة إلى خبيرة ألمانية في ترميم القماش الأثري تعلمت الحرفة من طرف أساتذة اسكندنافيين.

وتقول السيدة مارتينياني ريبر “إن مدرسة مؤسسة آبيغ تخّرج منها العديد من خبراء ترميم القماش الأثري في العالم”. ومن بين التقنيات التي طورتها مدرسة مؤسسة آبيغ “اعتماد تقنية قابلة لإعادة القماش الى وضعه الأصلي قبل الترميم بحيث لا يتم اللجوء الى اللصق بل للخياطة فوق أرضية قماش آخر وبإضافة قطع أخرى غير موصولة بالقماش الأصلي”، كما تقول الخبيرة السويسرية.

ومن فوائد هذه التقنية إمكانية إعادة قطع قماش الى وحداتها الأصلية عندما تتاح الفرصة. وهو ما تم في ورشة متحف الفن والتاريخ في جنيف عندما عُثر في القطع التي حصل عليها المتحف من مجموعة تاجرة التحف الفنية أراكسي غارابيديان، وتمت إعادتها إلى قطعة يملكها المتحف منذ مدة وتعود للعهد الفاطمي.

يُشار أيضا إلى أن ورشة ترميم القماش الأثري بمؤسسة آبيغ عادة ما تلتجئ إليها العديد من المتاحف العالمية لترميم قطع نادرة من مجموعاتها.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية