مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بازل تقتـرح معرضا فريدا للرسام فان غوخ

Reuters

افتتح يوم الأحد 26 أبريل 2009 في متحف الفن ببازل معرضٌ "فريد من نوعه في العالم"، إذ كـُرس حصريا للمناظر الطبيعية التي رسمها الفنان الهولندي فينست فان غوخ، ويشتمل على 70 لوحة أبـدِعت ما بين 1883 و1890، في تجسيد لمشوار مُتميز.

الإعلانات والنشريات والمطويات والقمصان وغيرها من الأدوات الإشهارية التي تـُتداول في مدينة بازل على ضفاف نهر الراين قبل افتتاح الأبواب يوم الأحد، تـَعد الجمهور بأن معرض فان غوخ هذا حدث غير مسبوق في العالم بأسره.

وأثناء تقديمه للمعرض أمام وسائل الإعلام يوم الخميس 23 أبريل، أعرب مدير متحف الفن ببازل، بيرنارد مينديس بورغي عن اندهاشه قائلا: “(لسبب) غامض، لم تُعالج أبدا في أيّ معرض المناظر الطبيعية في رسوم فان غوخ”، لكنه لم يُقـدّم أي تفسير لهذه الثغرة.

وحرص المنظمون أيضا على إبراز العدد الكبير للوحات المعروضة، إذ يُمثل 70 رسما مجموعة “مُذهلة” في معرض يطمح أن يكون “بانوراما كاملة لعالم فان غوخ”، ليضع متحف الفن ببازل نفسه في مرتبة عالية جدا لمن سيريد منافسته في هذا الإطار.

السوسن وعباد الشمس: في مكان آخر

الزوار الذين يتصورون أن اللـّوحات عُلـِّقت بأسلوب فخـم يسمح بالانتقال من تأمل إبداع معروف إلى آخر مشهور قد يُصابون بخيبة أمل، إذ أن متجر المتحف، وليس اللوحات المعروضة، هو الذي يزخر أكثر بقطع مزخرفة بأزهار السوسن وعباد الشمس (التي تشتهر بها إبداعات الرسام الهولندي).

وفي التوضيحات التي قدَّمها بهذا الشأن، قال مينديس بورغي: “لقد أردنا التـّركيز على المعارف العلمية الجديدة حول أعمال فان جوخ. ويُظهر مسار المعرض، الذي يحترم التسلسل الزمني للوحات، مدى تـعَلُّق فان غوخ بدورات الطبيعة – بنهاية الأشياء وعودة (الحياة فيها)، مثلما كان يقول ذلك (الفنان) قوي الإيمان الذي كان يود أن يصبح كاهنا”.

ونـُدرك في متحف الفن ببازل أن فان غوخ فكـّر في رسم العديد من اللوحات ضمن مجموعات مُحدّدة، مثلما هو الحال بالنسبة للثـّلاثية المـُكونة من “ضفاف البحيرة في فصل الربيع” (التي تمثل أحد المناظر الطبيعية النادرة الخالية تماما من السكان، والتي رُسمت في باريس في الفترة الممتدة من 1886 إلى 1888)، و”الصيد في فصل الربيع” و”امرأة في الحديقة”.

منطقة آرل وتتبُّع المواسم

تجميع هذه اللوحات الثلاث في بازل يُعتبر من أبرز نجاحات المعرض، علما أنها محفوظة في مواقع مُختلفة (دالاس وشيكاغو (الولايات المتحدة)، وفي مجموعة خاصة). وإن كان المنظمون قد قاربوا اللوحات أكثر أثناء تعليقها على الجُدران، لكان من الأسهل تأمل هذه المجموعـة. لكن الفهرس المرافق للمعرض يتمكن من ذلك على صفحة مزدوجة.

وتكشف الفترة التي أمضاها في منطقة آرل الفرنسية (1888-90) عن ولعه بمُلاحظة تعاقب المواسم، إذ تشتمل قاعة عرض واحدة على ما لا يقل عن ستة من حقول القمح التي يُجرب فيها الرسام أنواع مُختلفة من اللـّمسات.

وفي جنوب فرنسا على وجه الخصوص، وبعد أزمته مع الرسام بول غوغان، تجلّى المرض النفسي لفان غوخ بدرجة قوية دفعته إلى قصد مستشفى مُغلق بمحض إرادته. وهنالك “بحث في المناظر الطبيعية عن الحرية والحماية، كموارد للتصدي للمرض”، على حد تعبير مدير المتحف بيرنارد مينديس بورغي.

“بين الأرض والسماء”، وليس العكس!

في واحدة من أشهر رسائله إلى أخيه تيو، كتب فان غوخ: “كـُلما ازدَدت قـُبحا وعـُمرا وشرّا ومرضا وفقرا، كلما أحاول أكثر إصلاح فشلي بجعل ألواني زاهية ومتناسبة جيدا”. وقد سمحت هذه الرسائل بتفـَهـُّم المعاناة الهائلة لفنسنت فان غوخ من الوحدة.

لكن الرسم منحه في بعض الأحيان لحظاتِ مُصالحة وتوازن. ويقول مدير المتحف في هذا السياق: “لقد عكسنا عمدا عبارة “بين السماء والأرض” كعنوان فرعي للمعرض؛ فمن خلال الحوار بين الإثنين، وانطلاقا من الواقعية باتجاه الأشياء غير الملموسة والميتافيزيقا (علم ما وراء الطبيعة)، وجد فان غوخ التوازن”.

قبل ذلك، كان الرسام قد تخلى عن لوحة ألوانه القاتمة، التي كانت تُميز الفترة الهولندية (1883-85). وعلى غرار الفنانين المعاصرين له الذين كانوا يتحرّرون من الأشكال بفضل الألوان، كانت هذه الألوان تشغله منذ بداياته.

ويتجسد ذلك بروعة في لوحة “حقول الزهور في هولندا” غير المعروفة جيدا، والتي تم جلبها من مجموعة خاصة. وتسبق هذه اللوحة في المعرض جوهرة أخرى وهي “قارب الخث” (1883)، الذي لم يكن فيه فان غوخ بعيدا عن المدرسة التجريدية.

..وختامه مسك

إقامة فان غوخ بـباريس (1886-88) واكتشافه للفن الياباني، الذي كان يحظى بشعبية واسعة في ذلك الوقت، وللمدرسة الانطباعية (التي كان يُصنِّف ضمنها فان غوخ الأسلوبَ “الياباني”)، عناصر غـّيرت لوحة ألوانه.

وإذا كان المعرض قد ارتكب بعض الأخطاء، هنا وهناك، باعتماده اختيارات مُفاجئة (من الصعب رؤية منظر من “عيد 14 يوليو في باريس” أو “مطعم لاسيرين”)، وبغياب مؤسف لبعض اللوحات (لكن ندرك في الوقت نفسه مدى صعوبة جلب أعمال لمثل هذا الفنان)، فإن القاعة الأخيرة تزخر بالروائع.

“الحديقة في أوفير”، التي أنجزها فان غوخ، مثل اللـّوحات الخمس والسبعين الأخرى (دون احتساب الرسوم)، خلال السبعين يوما قبل انتحاره بمنطقة أوفير (Auvers) بفرنسا لدى الدكتور غاشي (Gachet)، تقف أمام الناظر بخطوطها المُجردة لكن بدون مبالغة، لتـُظهر لنا رساما راضيا ومتصالحا مع المدارس الفنية التي تأثر بها.

وبأبعاد جديدة بالنسبة للرسام (50 سنتمترا على 100)، تبدو لوحة “سهل أوفير” متمتعة بالهدوء، بعيدا عن التفاف النجوم في سموات جنوب فرنسا (غير المعروضة). لكنّ السماء التي يتمزج فيها الأزرق بالرمادي، كانت تنذر بقدوم العاصفة…

يــُقدم معرض “فان غوخ، بين الأرض والسماء: المناظر الطبيعية” من 26 أبريل إلى 27 سبتمبر 2009 بمتحف الفن ببازل 70 لوحـة لمناظر طبيعية رسمها الفنان الهولندي فينسنت فان غوخ/ Vincent van Gogh، الذي عاش من 1853 إلى 1890.

نشأت فكرة هذا المعرض في عام 2002 خلال عودة مجموعة شتيخلين (Staechelin) لـمتحف الفن ببازل، والتي كانت تشتمل على ثلاثة من أعمال فان غوخ. وهذه هي المرة الأولى التي يركز فيها معرض، بشكل حصري، على موضوع المناظر الطبيعية في أعمال فان غوخ.

تُقدم أيضا في أروقة المعرض 40 لوحة لفنانين معاصرين لفان غوخ (كورو/Corot، ماني/ Manet، ديغاس/ Degas، سينياك/ Signac، موني/Monet، رونوار/Renoir، سيسلي/Sisley، بيسارو/Pissarro)، تركز أيضا على المناظر الطبيعية.

بدأت عملية بيع التذاكر الـعام الماضي، ولم يكشف المتحف، قبل يومين من افتتاح المعرض، عن أية أرقام حول حالة المبيعات. ويُستحسن الحجز بشكل مُبكر.

يتوقع المتحف توافد 500000 زائر لتغطية النفقات، أي ما يعادل 490 شخصا في الساعة. وقد حرص المنظمون على إبقاء جدار أو اثنين بدون لوحات في معظم قاعات

لا تعرف قيمة ميزانية المعرض، لكن يدور الحديث عن مبلغ بالملايين (برقمين). أما مبلغ التأمين فيتجاوز 2 مليار فرنك.

يوفر المعرض فهرسا مفيدا وعمليا جدا (يشتمل على التفسيرات في نفس الصفحة وليس في آخر الأجزاء…) باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية، بسعر 59 فرنكا.

سترتبط بازل بصورة فان غوخ خلال موسم الصيف القادم بأكمله، بحيث تقترح بعض المخابز “حلويات فنسنت” أو “حلويات ليكرلي” التي تشتهر بها المدينة في علب مزخرفة برسوم زهرة السوسن التي تذكر بأعمال فان غوخ، كما يوجد ملصق إعلاني ضخم لمعرض فان غوخ بمطار بازل-مولوز.. فان غوخ سيكون في كل مكان…

لا يزال فان غوخ (1853-1890)، الذي يصفه بعض معاصريه بـفنان وحيد، ومريض، و”مجنون”، يستقطب الحشود في المتاحف.

اجتذب معرض “فان غوخ، صور مرسومة” الذي اختُتم في ديسمبر الماضي بمتحف “ألبيرتينا” بفيينا (النمسا) قرابة 590000 زائر في ظرف ثلاثة أشهر.

في عام 2000، اجتذبت مؤسسة جيانادا بمدينة مارتيني السويسرية (كانتون فالي) 450000 زائرا، أكبر نجاح لها، بفضل فان غوخ.

مازال الرقم القياسي لعدد زوار معرض مؤقت في سويسرا بحوزة توت عنخ آمون الذي استضافه متحف الآثار والعصور القديمة في بازل عام 2004 (620000 زائر). وحسب صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الرصينة (تصدر بالألمانية في زيورخ)، استُثمر مبلغ 26 مليون فرنك في ذلك المعرض.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية