تهاني سليم.. صرخة فلسطينية مُـدوّيـة على ركـح سويسري
تزامن عرض الممثلة الفلسطينية تهاني سليم لمسرحية "سماء خفيفة" في إطار أسبوع الشرق الذي ينتظم بفينترتور، مع الذكرى الستين للنكبة الفلسطينية، ليتحول إلى مناسبة للتذكير بتمسك الشعب الفلسطيني بالبقاء وحب الحياة، برغم الحصار وثقل الأحزان.
وتهدف تهاني من خلال وقوفها على خشبة المسرح إلى لفت نظر المجتمع السويسري إلى الحقيقة الفلسطينية وأبعادها الإنسانية العميقة، التي يعسر اختزالها في عملية السلام المتعثرة أو الحروب الصغيرة المتواصلة في القطاع أو الضفة.
وخلف التعتيم والصور المشوهة التي تقدمها وسائل الإعلام عن أوضاع هذا الشعب، تقول تهاني سليم: “هناك قضية إنسانية وسياسية عادلة، وهناك نساء مثقفات ومبدعات، وعلى المثقف الذي يتاح له مخاطبة المجتمعات الغربية أن يسعى إلى بناء جسر حقيقي للتواصل يقوم على تصحيح صورة الشرق في مرايا الغرب”.
كذلك من خلال هذا العمل، تهدف الفنانة الفلسطينية إلى تأكيد نضح المرأة العربية وقدرتها على الإبداع، بما يعد ردا شافيا على الأفكار المسبقة التي يحملها عموم الناس في الغرب عن النساء العربيات.
وتؤكد الممثلة تهاني سليم أن فكرة مسرحية “سماء خفيفة” قدأوحت لها بها زيارتها إلى الأراضي المحتلة السنة الماضية، حيث شد انتباهها “تمسك الناس بالحياة وإقبالهم عليها على الرغم من حظر التجوّل، ومن القصف المستمر”.
خلف مشاهد الدمار شعب مقبل على الحياة
من الصور المثيرة التي حفزتها لهذا العمل “حرص الناس في الأعياد على تبادل الهدايا وإيصالها إلى أصحابها وقطع المسافات من اجل ذلك برغم سياسات الإغلاق وقطع الطرقات، ونقاط المراقبة”.
هذه القيمة الإنسانية حاولت الممثلة عرضها على خشبة المسرح بطريقة مثيرة، ومستفزة تنتقل بالمتفرج من مشهد إلى آخر: فمن جهة “فاطمة الأرملة التي تسكن الطابق الثاني والتي لم تخرج كعادتها إلى شرفتها تراقب حركة الجيران خوفا من القناصة المرابطين فوق السطوح، وهذا الجندي الذي نزل من الدبابة ودخل الحديقة ليعبث بأواني النباتات ويحطمها، وذاك خالد ابن أبو محمود الأصغر، مراهق في السابعة عشر، أخذوه خائفا مرتبكا، وكانوا يدفعونه معصوب العينين نحو سيارة الجيب العسكرية”.
ومن جهة أخرى، وفي مخيم الكرامة دائما “امرأة همها الاحتفاء بمظهرها في غنج وعناد، والجلوس أمام باب منزلها، في مواجهة الشارع والمقهي وشلة الشباب. وعمر، أخو مريم الوحيد الذي قتلها في أحد الأيام انتقاما لشرف العائلة، وشفاء لغليله، وسليم الغاوي الذي يتجوّل في أزقة المخيم على دراجته بحثا عن ضحية لنزواته التي لا تعرف حدا. وكل ذلك تدور أحداثه، والقناصة يواصلون العبث بحياة الجميع، ويحولون حياة الناس إلى سجن كبير”.
فهذه اللوحات والمشاهد أبعد ما تكون عن الصور النمطية المعروفة عن الفلسطيني “المقاوم” و”الباسل” و”الشجاع” لدى البعض، و”الإرهابي” و”القاتل” و”الفاقد للإنسانية والزاهد في الحياة” لدى البعض الآخر.
وعندما تسأل الممثلة الفلسطينة عن الرسالة التي تريد إبلاغها من خلال هذا العمل الفني تجيب: “أردت أن أؤكد للمشاهد بأن الفلسطيني قبل أن يكون فلسطينيا وقبل أن يكون صاحب قضية هو إنسان، ولو فقد هذا الإنسان معنى الحياة وأعرض عنها في تفاصيلها ورغباتها الصغيرة، لن يمكن له حمل رسالة او الدفاع عن قضية”.
جسر للتواصل
هذه الفلسطينية التي وصفها أحدهم بالقول: “إنها صرخة مدوية في صمتها”، تريد أن تحوّل تجربتها الشخصية إلى وصلة على أساسها يمكن بناء جسر التواصل بين الشعبين الفلسطيني والسويسري. وتجسد مسرحية “السماء الخفيفة” ما يمكن أن يثمر هذا التواصل، ففكرة المسرحية لتهاني سليم، ونصها للكاتب الفلسطيني غسان زقطان، وإخراجها لسوزان ماري وراغ، سويسرية من أصول ألمانية تربطها بالشعب الفلسطيني مشاعر التعاطف والمؤازرة.
وعن نشأة هذا التعاون تقول تهاني سليم “كنت أنا الوصلة التي ربطت المسرحين السويسري والفلسطيني ببعضهما البعض، والكثير من المؤسسات الأوروبية والسويسرية تدعم مشاريع ثقافية مشتركة في فلسطين”.
ولكونها مقيمة في سويسرا ومحافظة على علاقات وثيقة مع الحياة الثقافية في بلدها الأصلي، وسبق لها التعاون مع المؤسسة الثقافية السويسرية بروهيلفيستيا، يسّر وجودها التعرف على تفاصيل الحياة الثقافية الفلسطينية، وشجّع زملاءها في سويسرا على الانخراط في أعمال مشتركة تلقى الدعم من جهات عدة.
وتعتبر الممثلة الفلسطينية بوابة التعاون هذه بمثابة “الرئة التي من خلالها يسمح للفلسطينيين بأن يتنفّسوا وأن يقدموا أنفسهم للآخرين”، لكنها تصر على أن الفرص في هذا المجال محدودة جدا، ولابد من الصبر والمثابرة والإصرار الدؤوب للفوز بثقة الجهات الداعمة.
المونودراما، طريقة فعالة للتواصل
أما من الناحية الفنية، فقد اختار القائمون على هذا العمل المسرحي فن المونودراما، وتقوم بأداء المسرحية ولمدة ساعة كاملة تقريبا الممثلة تهاني سليم بمفردها. وهذا النوع من الفن يتطلب من الممثل درجة كبيرة من التركيز والسيطرة الفائقة على حركاته وانفعالاته، ويتطلب منه قدرة عالية على جذب المشاهد، وتقريب الصورة بأقصى درجة ممكنة حتى يشعر بأن الرواية التي يسمعها والحركات التي يراها امامه كانها الأحداث نفسها تتجلى له في ميدانها.
كما يتطلب هذا الصنف المسرحي صبرا كبيرا من جانب المشاهد، ووعيا من درجة عالية يمكنه من التقاط خيط النص، وفك رموزه والغوص في دلالالته فلا تاخذه سِنة من الإهمال والملل، فيفقد من وراء ذلك حبل التواصل مع النص ومع ممثله.
وعن اختيارها لهذا النوع من التمثيل، تقول تهاني سليم: “يمكن أن تقول أنه اختيار، كان بسبب وجودي لوحدي هنا في سويسرا، وعدم وجود ممثلين عرب أخرين، وقد عُرفتُ منذ البداية بهذا النوع من الفن، ثم كل فنان يرغب في ينتج عملا ينسب إليه بمفرده، فالعمل الفني امتداد للذات، من الصعب قبول المشاركة فيه”.
يُضاف إلى ذلك أن هذه الممثلة من الصنف الذي يحبذ التجوال والحركة خلال العرض، ولا غرابة، فقد ألفت الترحال حتى صار جزء من براعتها،إذ هي الأصل من طبريا، وُلدت في سوريا، وتعيش في سويسرا، وتقدم عروضها في العديد من البلدان العربية والغربية.
ولدت الممثلة الفلسطينية تهاني سليم في 25 فبراير 1967 في سوريا، من عائلة فلسطينية تقدم من طولكرم، وهي مقيمة في سويسرا منذ 5 سنوات.
بدأت عملها الاحترافي كممثلة بالمسرح أولا في مجال مسرح الأطفال وتعاونت في ذلك مع العديد من الفرق الدولية، وعرضت أعمالها في عدة بلدان عربية وأوروبية.
من أول أعمالها التي قدمتها في سويسرا مسرحية “شهرزاد اليوم” المستوحاة من “ألف ليلة وليلة” سنة 2002، وعرضت مسرحيتها الثانية “السماء الخفيفة” ضمن فعاليات أسبوع ثقافة الشرق بفينترتور في مايو 2008.
وخلال عرض المسرحية نفسها في رام الله بفلسطين حصلت تهاني سليم على جائزة أفضل ممثل وممثلة للأداء الرائع الذي قامت به.
إلى جانب نشاطها المسرحي، تعمل تهاني بشكل دوري مع المتحف الوطني السويسري بزيورخ، وسبق أن قدمت دروسا في مجال فن الدراما، وتتابع تهاني أيضا دراساتها الجامعية في مجال العلوم الإجتماعية والإعلام.
تهاني متزوجة في سويسرا ولها ابن يدرس فن السينما في مصر.
ينظم هذه السنة “أسبوع الشرق” بفينترتور تحت رعاية رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان، والنائب البرلماني ماركوس نوتا، وعمدة المدينة إرنست فولفاند. كما ينجز هذا الأسبوع الثقافي بالتعاون بين الكنيسة الإنغليكانية بكانتون زيورخ، والمنتدى الثقافي بفينترتور، وأيضا بمشاركة مجلة “لسان” ومقرها ببازل، وقسم الدراسات الشرقية بجامعة زيورخ، ومؤسسة تريغون فيلم، والمكتبة العامة بفينترتور.
وتشتمل أنشطة هذا الأسبوع الذي يدور في إطار فعاليات “2008.. السنة الأوروبية للحوارات المتعددة الثقافات” على عدة عروض مسرحية وسينمائية وموسيقية وفنية بلغات مختلفة، وعلى ندوات ومحاضرات، بالإضافة إلى تقديم أكلات شرقية وتنظيم مناشط تجارية ضمن مشاركات متنوعة.
من بين المساهمات الثقافية الشرقية في الأسبوع يحضر مسرح الخريف من دمشق ومسرح كاراكوز من تركيا وأشرطة سينمائية عربية من تونس (بابا عزيز للناصر خمير) ومن لبنان (غرب بيروت لزياد الدويري) ومن تركيا (تقوى للمخرج أوزر كيليستان) وفرق موسيقية من البلقان وتركيا وإيران.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.