سبق سينمائي عالمي في فريبورغ!
حظي جمهور بانوراما "فلسطين/إسرائيل، ذاكرة سويسرية" في مهرجان فريبورغ الدولي بسبق سينمائي، إذ شاهد أول عرض عالمي لشريط وثائقي عن الجدار الفاصل.
الشريط من إخراج الفلسطيني عيسى فريج والسويسري نيكولا فاديموف، اللذين أنهيا مونتاج وترجمة الفيلم ليلة الجمعة ووصلا إلى فريبورغ السبت لتقديم عملهما “الطري”.
نجح الموزع السينمائي السويسري آلان بوتاريلي، الذي اقترح على مهرجان فريبورغ السينمائي الدولي بانوراما “فلسطين/إسرائيل، ذاكرة سويسرية”، في تحقيق أمله والوفاء بوعده.
أعلن قبل انطلاق الدورة 19 للمهرجان أن جمهور فريبورغ سيحضر أول عرض عالمي للشريط الوثائقي “العشاء الأخير” للمخرجين الفلسطيني عيسى فريج والسويسري نيكولا فاديموف.
وكان له ما تمنى، وللجمهور ما وعده به. وصل فريج وفاديموف يوم السبت إلى فريبورغ قادمين من إسرائيل. وانتهيا من وضع آخر اللمسات على الشريط، من مونتاج وترجمة، ليلة الجمعة!
مهلة ستة أسابيع..
وقبل العرض العالمي الأول لشريطهما، حكا المخرجان للجمهور قصة تعارفهما، وقصة شريط “العشاء الأخير” الذي صُور بين يناير وأكتوبر 2004.
التقيا لأول مرة عام 1989 في جنيف التي كان عيسى فريج يزورها لإحياء سهرات موسيقية ضمن فرقة “صابرين”. نيكولا فاديموف يحب الموسيقى أيضا. فريج مصور سينمائي – “كاميرامان”، وفاديموف مخرج. قواسم مشتركة كافية ومشجعة للعمل معا.
كان التعاون الأول بينهما في الشريط الوثائقي “الكفوف الذهبية لعكا” (1992)، الذي عُرض أيضا بعد ظهر السبت في مهرجان فريبورغ. ظلا على اتصال إلى أن التقيا مرة أخرى العام الماضي لتصوير شريط وثائقي عن مبادرة جنيف غير الرسمية لإحلال السلام في الشرق الأوسط. وأثناء تصوير هذا الشريط الذي سيعرض بدوره للمرة الأولى الأسبوع القادم في جنيف، خطرت عليهما فكرة “العشاء الأخير”.
آلان بوتاريلي، الذي كان على علم بهذه التطورات، طلب من زميليه بإلحاح تحضير “العشاء الأخير” لعرضه في مهرجان فريبورغ ضمن بانوراما “فلسطين/إسرائيل، ذاكرة سويسرية” – التي تضمنت ما لا يقل عن 20 فيلما وشريطا وثائقيا من إنجاز مخرجين سويسريين، أو من مُقربين من سويسرا مهتمين بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
استجاب فريج وفاديموف بمودة لمطلب بوتاريلي. مهلتهما لم تكن تتعدى ستة أسابيع. سافرت صور الشريط بين رام الله وجنيف أكثر مما سافر المخرجان للقاء بعضهما البعض لتوضيب الفيلم!
وقد احترما أجل المهلة فكان الشريط (20 دقيقة) جاهزا قبل فجر السبت. لدى مغادرتها إسرائيل، تعرضت أسطوانة الشريط لتفتيش عنيف بعض الشيء في مطار بن غريون، مما أفقدها ثانيتين أو ثلاث من الصوت..لكن ذلك لا يُضر بالمحتوى خاصة أن الصور غنية عن التعليق!
“هناك القدس، يعني إسرائيل”
كانت الفكرة تتمثل في البداية في تصوير أسرتين قريبتين تريدان تنظيم عشاء أخير قبل بناء الجدار الذي سيفصلهما، غير أن الجدار كان أسرع ولم يتم العشاء. لكن المخرجين فريج وفالديموف قررا الاحتفاظ بعنوان “العشاء الأخير” لشريطهما الوثائقي الذي صوراه في قرية أبو ديس.
تتحرك الكاميرا ببطء في الصور الأولى من الفيلم وهي “تتأمل” الجدار الفاصل. لونه يبدو رماديا حزينا وقبيحا.
تقول سيدة فلسطينية تحمل طفلها أمام الكاميرا إن أهل أبو ديس بدؤوا يتعودوا تدريجيا على الجدار وأن الذهاب إلى الجهة الأخرى من السور يشبه السفر.
“حتى لو ما فيه جدار، أنا ممنوع علي أروح هناك، هنا حدود الضفة، وهناك القدس، يعني إسرائيل”.
تدير السيدة سُمية رأسها نحو جبل قريب يطل على القدس وتضيف بلهجة فلسطينية متحسرة: “بدهُم يقيموا مستوطنة على كل ها الجبل. لما تطلع هناك منطقة كثير حلوه.. كل القدس تشوفها ..من أحلى المناطق.. أخذوها هيك.. خلاص”.
ثم يظهر جد فلسطيني جالس على كرسي يقابل أشغال بناء الجدار. كان في الماضي يتأمل على نفس الكرسي الشمس وهي تغرب وراء مدينة القدس العتيقة… يقول للكاميرا: “شو عمل لينا مجلس الأمن الدولي منذ 50 عاما، جابو لنا البلاوي”.
ضجيج الجدار يزعزع المنازل
عندما نشاهد في نشرات الأخبار صور الجدار الفاصل الذي تشيده إسرائيل بينها والضفة الغربية، لا نسمع صوته. لكن الأسر المقيمة على مترين أو ثلاثة من الجدار، مثل عائلة السيدة سمية، تعيش على إيقاع آلات الحفر. ضجيج يزعزع مطبخ سمية. نرى أواني ترقص فوق ثلاجتها..تقول سمية: “صْحـِينا الصبح على هذا الضجيج، لا يمكن أن نعيش حياة طبيعية”.
فلسطينيون كبار ينظرون إلى أعمال البناء. أطفال يلعبون أمام الجدار، آخرون يكتبون أو يرسمون عليه. من بين العمال فلسطينيون أجبرتهم البطالة على قبول وضع أيديهم في بناء السور الذي يعارضونه. يقول أحدهم: “لو وجدت مكان عمل آخر الآن والله لأترك هذا العمل اللحظة، لكنني لن أجد أي عمل، إنها مأساة”.
تعود الكاميرا بعد التقاط مشاهد مختلفة إلى السيدة سمية التي تقول إن قرية أبو ديس خالية من المدارس والمستشفيات والمناطق الخضراء. “زي ما نكون في سجن، الفرق إنك مع أسرتك”. قالت لزوجها:”هذا (الجدار) حيـْسَكَّر عليك الأبواب لمدة 100 عام. تعالى نطلع نشوف محل ثاني، هنا ما فيه مستقبل”.
أي مستقبل بدون مدارس ومستشفيات وعمل؟
المخرج عيسى فريج المقيم في القدس شرح لسويس انفو بعد عرض الفيلم أن أطفال أبو ديس يضطرون يوميا إلى المرور بين قطع الجدار التي لم تغلق بعد. هو ببساطة لا يعتقد بتاتا أن ذلك الفصل سيحمل السلام.
وبعدما ذكر المخرج نيكولا فاديموف أن أبو ديس، خلافا لـقلقيلية أو جنين، قرية هادئة لم ينفذ أبناءها أية عمليات ضد إسرائيل، أشار إلى أن بناء الجدار لا يعني فصل الشعبين فقط بل سلب الأراضي من أصحابها بما أن السور يمتد إلى داخل الأراضي الفلسطينية.
“من يجرؤ على معارضته يفقد كل شيء”
وعندما سألته سويس انفو في دردشة تلت عرض الشريط إن كان حصل بسهولة على رخصة من إسرائيل لتصوير “العشاء الأخير”، أجاب بسرعة وتلقائية أن إسرائيل لا تأبه بأحد فيما يخص بناء الجدار. يمكن لمن أراد أن يصوره، فهي ستمضي قدما في تشييد ما تسميه بـ”الحاجز الأمني”، خاصة وأنها تحظى بدعم أكبر قوة عالمية.
وكان فالديموف قد أوضح أمام جمهور فريبورغ أن هنالك قرى فلسطينية طُوقت تماما بالجدار. وعندما سألته إحدى المتفرجات عن رد فعل الإسرائيليين إزاء السور الذي يصل ارتفاعه في بعض المناطق إلى 12 مترا، أوضح فالديموف أن مجموعة الإسرائيليين المناهضة للجدار، التي نظمت مظاهرة احتجاجية العام الماضي، تعرضت لإطلاق النار برصاص حقيقي..
كما شدد على أن الأمن مسألة حساسة بالنسبة للإسرائيليين، وأن قلة قليلة جدا تجرأ على التعبير علنا عن معارضتها للجدار. وذكر أن إسرائيليين اثنين فقط من الموقعين الخمسة عشر على مبادرة جنيف جهروا بموقفهم المعارض لبناء السور، وأن من يبدي شجاعة في هذا الملف “يفقد كل شيء، حتى حقوقه الانتخابية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.