شريط سويسري يطرح أسئلة مزعجة حول الترحيل القسري
عاد المخرج السينمائي السويسري فيرناند ميلغار لمهرجان لوكارنو السينمائي هذا العام بفيلم وثائقي مثير حول عمليات الترحيل الإجباري لطالبي اللجوء الذين رفضت مطالبهم.
هذا العمل الإبداعي الذي أنجزه ميلغار، والذي صُوِّرت أحداثه في سجن فرامبوا بجنيف، يشارك في المسابقة الرسمية للدورة الرابعة والستين لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي، ويأمل صاحبه أن يفوز بجائزة “الفهد الفخري”. وفي هذا الحوار، يشرح المخرج السويسري الأسباب التي دفعته لإنجاز هذا العمل.
ويــُحتجز كل عام في سويسرا الآلاف من الأجانب، أغلبهم من المهاجرين غير الشرعيين ومن طالبي اللجوء، في مراكز الاعتقال الثمانية والعشرين المنتشرة في البلاد في انتظار ترحليهم قسرا إلى خارج البلاد.
يقدّم فيلم “رحلة خاصة” لمحة عما يجري داخل مركز الإعتقال بفرامبوا بجنيف. ومن خلال قصص ستة مهاجرين، يكشف ميلغار أشهــــُر الإنتظار التي يقضيها هؤلاء بين الأمل واليأس. ولئن كان الفيلم يسلط الضوء على السلوك الإنساني لفريق الحراسة، فإنه يكشف قساوة الترحيل القسري.
هذا العمل الوثائقي يأتي عقب فترة من الجدل الواسع شهدته سويسرا حول عمليات ترحيل طالبي اللجوء. ففي مارس 2010، توفى رجل نيجيري أثناء عملية الترحيل، ما أدى إلى تعليق مؤقت لجميع هذه الرحلات الخاصة. وقد استؤنفت هذه الرحلات في اتجاه البلدان الإفريقية، بإستثناء نيجيريا، في يوليو 2010. ونظّمت أوّل رحلة إلى نيجيريا الشهر الماضي، ولكنها لم تخل من أحداث، إذ قاوم نيجيريان عملية الصعود على متن الطائرة التي أقلتهما لبلادهما.
وسبق لميلغار أن فاز بجائزة “الفهد الذهبي” في مهرجان لوكارنو بفضل عمله السابق “القلعة المحصّنة”، والذي سلّط فيه الضوء على ما يعانيه طالبو اللجوء في مركز التسجيل بفالورب في غرب سويسرا. ويمثّل فيلمه لهذا العام واحدا من ثلاثة أفلام سويسرية تشارك في المسابقة الرئيسية لجائزة المهرجان في دورته الرابعة والستين.
Swissinfo.ch: بعد ثلاث سنوات من فيلم “القلعة المحصّنة”، تعود هذا العام إلى لوكارنو بعمل وثائقي آخر حول قضايا اللجوء والهجرة. ما الذي يجعلك تقبل على رواية مثل هذه القصص؟
فيرناند ميلغار: أنا على قناعة أن المخرجين ليسوا هم الذين يختارون مواضيع أفلامهم، بل يحدث العكس تماما في معظم الأحيان. لقد كانت زيارتي إلى سجن فرامبوا على وجه الصدفة، وبسبب علاقة الصداقة التي ربطتني بفهد خمّاس، أحد شخصيات فيلم “القلعة المحصّنة”، والذي وضع في السجن بعد أن رُفِض طلبه للجوء. عندما ذهبت للتحدث معه، أخذتني الدهشة حقا، لأنني ما كنت أتوقّع أن شيئا مثل هذا يمكن أن يحدث في سويسرا. لذلك أخذت قرارا بالتحقيق في الأمر، ومن هنا جاءت فكرة فيلم “رحلة خاصة”، وانطلق العمل فيه.
يوجد في هذه المعتقلات أناس لا ذنب لهم سوى أنهم مهاجرون غير شرعيين. كانوا يحتجزون في انتظار ترحيلهم، ولكن في أغلب الأحيان إما أنهم لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم، او أنهم لا يرغبون في ذلك، إما لأنهم يخشون أن تتعرّض حياتهم للخطر، أو لأنهم قضوا سنوات طويلة في سويسرا، فتصبح مغادرتها تعني بالنسبة لهم فقدان كل شيء، بما في ذلك فقدان أزواجهم وأبنائهم.
كيف نجحتم في كسب ثقة المعتقلين وحراسهم على السواء؟
فيرناند ميلغار: في جميع أفلامي الوثائقية، يربطني مع الناس الذين أتعامل معهم دائما نوعا من العقد الأخلاقي المؤسس على الانفتاح والصدق. وفي حالة فيلم “رحلة خاصة” كان الوقت حليفنا الأكبر. ولمدة ستة أشهر، كنا قادرين على الذهاب إلى مركز فرامبوا، والتحدّث إلى هؤلاء الأشخاص، في محاولة لكي نشرح لهم ما نريد القيام به، ومن هناك كسب ثقتهم. كذلك سمح 80% من الموظفين هناك بإمكانية تسجيلهم بالكاميرا، وهذا كان مهماّ جدا بالنسبة لنا. وأما بالنسبة للمعتقلين، مثّل نشر ما تعرّضوا له وما عاشوه وسيلة لطرد الشعور بالنسيان من طرف العالم الخارجي، وكان الفيلم تقريبا بمثابة صرخة يائسة بالنسبة لهم.
ما هو الشعور الذين ينتاب المرء عندما يمرّ عبر بوابات سجن فرامبوا؟
فيرناند ميلغار: على المستوى الشعوري، كان من الصعب جدا إنتاج هذا الفيلم ومعايشة الشعور بالظلم لوجود أشخاص أبرياء داخل السجن. وبحسب رأيي، في كل الأحوال، الهجرة غير الشرعية هي وضعٌ يكون الإنسان ضحية له، وليست جريمة يرتكبها. لكن وإلى حد الآن، يــُمارس الكثير من النفاق بهذا الشأن: يعيش اليوم ويعمل في سويسرا حوالي 150.000 مهاجر غير شرعي، ولا يمكن أن يكون كل هؤلاء تجار مخدّرات، كما يحاول أن يوهمنا حزب الشعب (يمين شعبوي).
في السنوات الأخيرة، أصبحت القوالب النمطية الجاهزة حول الأجانب سلبية أكثر فأكثر. وأنا الذي لا أعدّ نفسي مناضلا، كل ما أحاول أن تقوم به أفلامي هو دفع الجمهور إلى طرح أسئلة حول ما يحملونه من أفكار.
لقد انقضى عام كامل منذ ان أنجزت هذا الفيلم الوثائقي. ما الذي حدث للأشخاص الذين رحّلوا قسريا؟
فيرناند ميلغار: عندما انتهينا من إنتاج فيلم “رحلة خاصة” شعرنا باليتم. فقررنا إذن متابعة قصص بعض شخصيات الفيلم، ولهول ما اكتشفنا. سوف أكتفي بمثال واحد: جويردري، رجل من الكاميرون، تم طرده إلى بلاده حيث سُجن وعذّب لمدة خمسة أشهر، فقط لأنه تقدّم بطلب لجوء إلى سويسرا. لم يكن هو من أعلم سلطات بلاده بذلك، لكنها عرفت بذلك في النهاية. أكتفي بالقول هنا أنهم حصلوا على وثائق من ملف طلب اللجوء الذي تقدّم به في سويسرا. ولا أعلّق أكثر.
تقول انك لست مناضلا سياسيا، لكن أعمالك السينمائية تحمل رسائل سياسية قوية. ما الذي تريد من الحكومة السويسرية أن تفعله؟
فيرناند ميلغار: أنا لا أنتج أفلاما سياسية. وكل شخص له مهمّته ورسالته الخاصة في هذه الحياة. أنا منتج ولست رجل سياسة، أنا مجرّد شخص يقدّم شهادته على الواقع كما يراه. على كل شخص تحمِّل مسؤوليته، والإحتكام لضميره. بإمكانك أن تسألي أعضاء الحكومة ما هو رأيهم في هذا الفيلم…
إنه من المدهش التعرّف إلى أي حد تمكّن رجال السياسة من تشويه الواقع في السنوات القليلة الماضية في سويسرا المعروفة بانفتاحها على حد ما.
في هذا الوقت التي أتحدّث فيه إليكم، سيكون على البرلمان السويسري التصويت بشأن مشروع قانون يلزم المدرّسين بإبلاغ السلطات في حالة وجد من بين تلامذتهم أبناء لمهاجرين غير شرعيين. هل تعلمين متى كانت آخر مرّة طُلب فيها من المدرّسين الإبلاغ عن الأطفال “المختلفين”؟ أترك لكِ الجواب…
خلال الحرب العالمية الثانية؟
فيرناند ميلغار: هذا صحيح. وهذا يدعونا إلى التأمّل والتفكير، أليس كذلك..
عام 1961: ولد فيرناند ميلغار، في عائلة نقابية إسبانية كانت لاجئة في المغرب خلال حكم فرانكو. وقد رافق ميلغار والديْه الذين وصلوا بطريقة غير شرعية إلى سويسرا ولم يتجاوز عمره السنتيْن. وكان والداه من العمال الموسميين.
سنة 1980: ترك مقاعد الدراسة في مجال الأعمال التجارية لكي يشارك في إنشاء نادي أورفيل الليلي، الذي شارك في إنتاج ثقافة شعبية في سويسرا الناطقة بالفرنسية.
سنة 1983: بدأ مشواره في مجال السينما من خلال إنتاج العديد من الأفلام التجريبية.
سنة 2006: أخرج فيلمه الوثائقي “خروج – الحق في الموت” الذي نال جوائز دولية عديدة بما في ذلك “جائزة ارتباط الذهبية” لأفضل الأفلام الأوروبية، وفاز أيضا بجائزة السينما السويسرية.
سنة 2008: فاز فيلمه الوثائقي “القلعة المحصنة” بجائزة “الفهد الذهبي” عن قسم مخرجي الأفلام العصرية بمهرجان لوكارنو.
مارس 2010: توفّي سجين نيجيري كان محتجزا من أجل ترحيله إلى بلاده مباشرة قبل أن تقلع به الطائرة إلى لاغوس. وعقب ذلك الحادث، علقت الحكومة السويسرية لفترة عمليات الترحيل القسري الخاصة لطالبي اللجوء الذين رفضت مطالبهم، أو للمقيمين بطريقة غير شرعية.
7 يوليو 2011: أستؤنفت الرحلات الخاصة في اتجاه نيجيريا، بعد ان أقلعت طائرة على متنها 19 إفريقيا من مطار زيورخ.
على الرغم تأكيد المكتب الفدرالي للهجرة أن الرحلة جرت من دون أي حوادث تذكر، أظهر التلفزيون السويسري الناطق بالألمانية مفرزة من رجال الشرطة تضرب رجلا أبدى مقاومة لمنع صعوده إلى الطائرة.
تطالب المنظمات غير الحكومية بتعليق هذه الرحلات الخاصة. ووعد المكتب الفدرالي للهجرة بفتح تحقيق حول الحادثة، لكنه أعلن أيضا ان رحلة أخرى منتظرة قريبا.
قال ناطق بإسم المكتب الفدرالي للهجرة يوم الأحد الماضي 7 أغسطس 2011 إنه سوف يسمح للشرطة باستخدام القوة لإجبار الذين أخذ قرار بترحيلهم على صعود الطائرة التي سوف تقلهم إلى بلدانهم. لكنه قال أن إجراءات الحد من حرية حركة الشخص لن تنفّذ إلا عند الضرورة.
يكلف قضاء يوم واحد في سجن فرامبوا 280 فرنك سويسري بالنسبة للسجين الواحد.
استقبل هذا السجن سنة 2009، 227 معتقلا.
تكلف الرحلة الخاصة الواحدة ما يزيد عن 20.000 فرنك بالنسبة للبلدان القريبة، وحوالي 200.000 فرنك بالنسبة للبلدان الإفريقية.
تقدّر التكلفة بالنسبة للشخص الواحد خلال هذه الرحلات الخاصة ما بين 15.000 فرنك و23.000 فرنك
التكلفة التي تتحمّلها سنويا كل من السلطات الفدرالية والسلطات الكانتونية تصل إلى ما يقارب 1.9 مليون فرنك.
يمكن أن تمتد الرحلة الواحدة 40 ساعة أو يزيد، وخلالها يكون المرحلون مكتوفي الأيدي محدودي الحركة، وموثوقين إلى مقاعدهم.
تم التعاقد مع شركة الطيران السويسرية، وشركات الطيران الخاصة لتسيير هذا النوع من الرحلات.
المصدر: معلومات حول الرحلات الخاصة.
(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.