عندما تتحولُ الثقافة إلى رهان سياسي..
لا يستبعدُ وزير الداخلية باسكال كوشبان دمج المؤسسة الثقافية السويسرية "بروهلفسيا" في المكتب الفدرالي للثقافة الذي يقع ضمن مسؤولياته والذي سيشغر منصبُ إدارته قريبا.
ولدى التمعن في الإجراءات التقشفية التي تنوي الكنفدرالية اتخاذها، والقانون حول الثقافة الذي لا يزال في طور المراجعة، يمكن القول إن الثقافة تحولت من جديد إلى “عصب السياسة”.
منذ أن قدّمَ مدير المكتب الفدرالي للثقافة دافيد شترايف استقالته في نهاية أغسطس الماضي، انفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول مستقبل العديد من المؤسسات الثقافية السويسرية.
عميد الثقافة السويسرية شترايف، الذي دُُفع إلى مغادرة منصبه بعد 11 عاما من ترأسه المكتب، سيترك مكانه شاغرا اعتبارا من شهر مارس المقبل. وسيتسنى حينئذ لوزير الداخلية باسكال كوشبان -الذي يقع المكتب الفدرالي للثقافة ضمن مسؤولياته- إعادة تحديد السياسة الفدرالية في مجال الثقافة.
فكرة الاندماج
في هذا الإطار، بدأ الحديث عن إدماج مؤسسة “بروهلفسيا” المتخصصة في الترويج للثقافة السويسرية في العالم في المكتب الفدرالي للثقافة. وقد أكد المتحدث باسم السيد كوشبان، جون مارك كروفوازي، في تصريحات نشرتها الصحف الصادرة يوم 13 سبتمبر الجاري، أنه “يتعين على المدير الجديد للمكتب الفدرالي للثقافة دراسة كافة الخيارات”.
فهل كانت هذه مجرد “إثارة” إعلامية يعرف الوزير السر الكامن وراءها؟ الأكيد أن الوقت مناسب بالفعل لإعادة ترتيب البيت الثقافي السويسري خاصة وأن القانون الجديد حول الثقافة والقانون التابع له الخاص بمؤسسة “بروهلفسيا” مازالا في طور المراجعة.
وقد طالت مراجعة هذين القانونين أكثر مما كان متوقعا إذ لن تختتم المشاورات حولهما قبل عام 2005، وبالتالي لا يُتوقع البدء في تطبيقهما قبل عام 2008. وهذا ما يسمح للكنفدرالية بكسب ما يكفي من الوقت، خاصة وأن تطبيق بنود القانون الجديد سيكلف 36 مليون فرنك إضافية، أي أكثر من الميزانية السنوية المخصصة لـ”بروهلفسيا” التي تبلغ حاليا 35 مليون فرنك والتي ستتراجع بمليون فرنك ابتداء من عام 2005.
تعدد الفاعلين في المجال الثقافي
الأمر يتعلق إذن بتوضيح العلاقات بين المكتب الفدرالي للثقافة و”بروهلفسيا” اللذين يخضعان لسلطة وزير الشؤون الداخلية الراديكالي اليميني باسكال كوشبان، وأيضا بين المهام الثقافية المُسندة لوزارة الخارجية السويسرية برئاسة الاشتراكية ميشلين كالمي راي.
وكانت الوزيرة قد أنشأت العام الماضي مركز اختصاص في مجال السياسة الثقافية الخارجية حل محل الفرع الثقافي لمؤسسة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة “يونسكو”.
ويذكر هنا أن وزارة الخارجية تشرفُ أيضا على مؤسسة “الحضور السويسري” المعنية بترويج صورة سويسرا في الخارج، وعلى “دائرة التعاون والتنمية” التي تسهر على تنفيذ جملة من المشاريع التنموية في عدد كبير من بلدان العالم الثالث.
ويشار إلى أن النظام الفدرالي السويسري يقتضي أيضا أن تُساهم سلطات الكانتونات والمدن والبلديات والشركات في دعم الثقافة. وتقدّم هذه الجهات ما لا يقل عن ملياري فرنك سنويا للمؤسسات الثقافية، بينما لا تتجاوز إجمالي مساهمات السلطات الفدرالية 225 مليون فرنك.
بين التأييد والرفض
وقد أثار تعقيد الوضع المرتبط أساسا بالمصاعب المالية مخاوف البعض إلى درجة المطالبة بإنشاء كتابة دولة معنية بالشؤون الثقافية. ومن بين هؤلاء بيير كيلير مدير مدرسة الفنون في كانتون لوزان الذي قال في تصريح لـ”سويس انفو”: “إن النظام الفدرالي يُشتت كل شيء. أنا أؤيد تعيين شخص واحد لإدارة كافة المؤسسات (الثقافية)”، مضيفا أنه حان الوقت لترتيب الأوضاع في المكتب الفدرالي للثقافة الذي أصبح “معملا إداريا كبيرا” على حد تعبيره.
أما مارليز بيتري، العضو السابق في مجلس إدارة مؤسسة “بروهلفسيا”، فلها رأي مخالف تماما حيث تقول: “إن المهام ليست نفسها: بروهلفسيا تستجيب لمطالب يتقدم بها مبدعون، بينما يدعم المكتب الفدرالي للثقافة هياكل مؤسساتية”.
وتعتقد الناشرة بيتري – وهي من كانتون جنيف – أن اندماج “بروهلفسيا” والمكتب الفدرالي للثقافة شيء “لا يُعقل” لأن “بروهلفسيا، رغم تمويلها من طرف برن، تظل مستقلة وهذه ميزة هامة بالنسبة للفنانين”.
وتشاطر هذا الرأي كريستيان لانغنبرجي، رئيسة لجنة العلوم والتربية والثقافة في مجلس الشيوخ السويسري، إذ تقول: “إن ضرورة ترتيب الأوضاع شيء مؤكد، لكن يجب الفصل بين الإدارة العملية والاستراتيجية، وإلا ستحدث أضرار كبيرة”.
أين هو “جاك لانغ” السويسري؟!
يبقى إذن إيجاد شخصية شبيهة بوزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ! أي شخصية تجمع بين المقدرة على ممارسة السلطة والإدارة وبين الاستمتاع بالحس الثقافي. ويرى بيير كيلير أنه يجب أن تتوفر في الشخص المطلوب رؤية واضحة وطابع كاريزمي بهدف طمأنة البرلمانيين والتأثير عليهم.
أحزاب اليمين تؤيد هذه الفكرة، لكن اليسار يخشى أن يتم اختيار شخصية ثقافية “نيوليبرالية” محضة تهوى “استعمال القلم الأحمر لشطب النفقات” حسب التعبير الذي استعملته صحيفة “تاغز أنتسايغر” التي تصدر بزيورخ.
الأكيد أن خلف مدير المكتب الفدرالي للثقافة دافيد سترايف سيتحمل عبئا ثقيلا، لكن قبل تحمله لهذا العبء.. يجب أولا العثور عليه بحلول شهر مارس 2005!
إيزابيل أيشنبرجي – سويس انفو/ نقلته إلى العربية إصلاح بخات
سينخفض عدد العاملين في مؤسسة الثقافة السويسرية “بروهلفسيا” من 86 إلى 69 موظفا ابتداء من عام 2005.
ستتراجع المساعدات الفدرالية للمؤسسة من 35 إلى 34 مليون فرنك سنويا
يُوظف المكتب الفدرالي للثقافة 500 شخص، وتبلغ ميزانيته السنوية 225 مليون فرنك
لم يتم بعد تحديد المبالغ التي يتعين على المكتب توفيرها مستقبلا
تساهم الكنفدرالية بـ220 مليون فرنك سنويا في تمويل المجال الثقافي بينما يبلغ مجموع إسهامات الكانتونات والمدن والمجالس البلدية فيها مليارين من الفرنكات
(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.