عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
يحتفي مهرجان "فلسطين، التصوير هو البقاء" الذي انتهت فعاليته يوم الإثنيْن 2 ديسمبر الجاري، بالسينما الفلسطينية، التي تتعرض لاختبارات قاسية بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس. ويعرض المهرجان، في نسخته الثالثة عشرة، أفلامًا قصيرة تُعرض لأوّل مرة، صوّرها سكان بقطاع غزة المحاصر.
تقول كاترين هيس، المشاركة في تنظيم اللقاءات السينمائية “فلسطين، التصوير هو البقاء: “في غزة، أصبح التصوير منذ الهجمات الإرهابية في 7 أكتوبر 2023، مستحيلا تقريبا”. فمنذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، فقد أكثر من 130 صحفيًا، حياتهم في غزة معظمهم من الفلسطينيين.ات، بينما يمنع الجيش الإسرائيلي دخول المراسلين الأجانب والمراسلات إلى القطاع.
نافذة على غزة
ولمواجهة هذا “التعتيم الإعلامي”، وزّع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي 20 كاميرا على سكان غزة، معظمهم من الهواة. وأدى هذا المشروع، الذي يحمل عنوان “من نقطة الصفر”، إلى إنتاج 22 فيلمًا قصيرًا، تجمع بين الخيالي والوثائقي، وتفتح نافذة على حياة سكان قطاع غزة اليومية، وستكون جزءًا من كل عرض في المهرجان.
وتشرح كاترين هيس التي تشعر بأن تأثير تداعيات الحرب قد وصل إلى المهرجان نفسه قائلة: “هذه إحدى الفرص القليلة المتبقية التي تربطنا بسكان غزة منذ نهاية عام 2023”. وتضيف: “لقد فقدنا التواصل مع السينمائيين.ات في غزة. وقد رأى أخريات وآخرون منازلهم قد سويت بالأرض، وفقدوا جميع وثائقهم، بما في ذلك أفلامهم“.
لقد أصبح التصوير السينمائي صعبا في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، ناهيك عن غزة. وتوضح المنسقة التي تقول إن الأمل لا يزال يحدوها في الفن السابع الفلسطيني: ”لقد أمكن استئناف التصوير في الضفة الغربية، لكن الوضع يظل معقدا للغاية. فالسفر مقيّد، وتخنق نقاط التفتيش أي حركة، لذلك غالباً ما تقرر الفرق التصوير في الأردن المجاور”.
وتؤكّد كاترين هيس أن ”عدد حضور المهرجان قد تضاعف منذ بداية الحرب، فالجمهور، يأتي من كل حدب وصوب، لمحاولة فهم ما يحدث. لذلك كان علينا أن نجد مكاناً أكبر لاستضافة هذه الدورة”.
الكرامة في مواجهة الرعب
ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي يظل المحور الأساسي للأفلام المعروضة، إلا أن هذه الأعمال لا تقتصر على سرد الحرب. بل ”يروي صانعو الأفلام قصة حياتهم اليومية. نعم، الصراع جزء منها، لكنهم غالباً ما يسعون إلى تسليط الضوء على تعقيد الوضع الفلسطيني، دون إغفال الجوانب الإنسانية، وأحيانا بطريقة لا تخلو من لمسات الفكاهة”، كما تشير كاترين هيس.
كما تتناول هذه الأفلام، التي أُنتج معظمها قبل الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس على إسرائيل في 7 اكتوبر 2023، مجموعة متنوعة من المواضيع، معظمها عابر للزمن، مثل حلم الفلسطينيين.ات في الضفة الغربية والقدس في أن يتأملوا يومًا ماء البحر، الذي تعيق القيود المفروضة على السفر الوصول إليه.
ويستكشف البعض الآخر جفاف البحر الميت نتيجة الاستغلال المفرط لنهر الأردن، بالإضافة إلى نهب التراث الأثري، ومخيم جنين للاجئين، وهو معقل تاريخي للمقاومة الفلسطينية. فتلاحظ كاثرين هيس: ”بالنسبة إلى صانعي وصانعات الأفلام الفلسطينيين، من الضروري الحفاظ على كرامة شعبهم في مواجهة التجريد من الإنسانية. وينعكس ذلك في أعمالهم”.
الثقافة كوسيلة لتخطي الانقسامات
في بداية شهر نوفمبر الماضي، أقيم أيضا في زيورخ مهرجان للأفلام اليهودية، قامت بتغطيته أيضًا سويس إنفو. هل أقيمت اتصالات بين المهرجانيْن؟ ”نحن لا نعرف أي شيء عن هذا المهرجان، ولكن يمكننا أن نتصور تبادل الأفلام خلال العروض خارج المهرجان. نود أن ندعو المخرج الإسرائيلي إيال سيفان على سبيل المثال”، تقول المنظمة المشاركة، مؤكدةً أن الفن السابع يتجاوز الانقسامات التي تجزئ المجتمع. ”من الناحية الثقافية، لا وجود لهذه الانقسامات. صانعو الأفلام الفلسطينيون يروون قصة ما يرونه ويشاهدونه”.
هل تلقي الأفلام المختارة نظرة نقدية على هجوم 7 أكتوبر الذي دبرته حركة حماس؟ ”في العام الماضي، عرضنا فيلم ’عطلة نهاية الأسبوع في غزة‘، وهو فيلم كوميدي يتخيل القطاع الفلسطيني كمكان آمن وحيد بعد الجائحة“، كما تشرح المنظّمة للمهرجان. يروي هذا الفيلم، كيف يساعد الفلسطينيون والفلسطينيات الإسرائيليين، من الرجال والنساء، على الفرار عبر غزة، وهو ما يعني ضمنيًا انتقاد حماس.
ومع ذلك، تشير إلى أن صانعات الأفلام وصانعيها الفلسطينيين، الذين يُمنعون من الوصول إلى المستوطنات الإسرائيلية، غالبًا ما يجدون أنفسهم غير قادرين على دمج وجهة نظر الطرف الآخر في أفلامهم: ”هناك مواضيع لن يتمكن الفلسطيني من تصويرها أبدًا”.
“صداقة” بين إسرائيلي وفلسطيني
وضع صانع الأفلام السويسري الفلسطيني إيفان ياغشي نفسه أمام تحدٍ يتمثل في مضاعفة وجهات النظر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. في فيلمه الوثائقي ”قبل أن لا يكون هناك شيء“، ينطلق في رحلة مروعة للقاء صديق طفولته من جنيف الذي يعيش الآن في مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية. هذا الصديق، الذي يعتنق أفكارا صهوينية، يعيش في مكان لا يحق للمخرج، كفلسطيني، أن يستقر فيه.
تقول كاثرين هيس: ”هذه سابقة من نوعها بالنسبة لمخرج فلسطيني؛ فبفضل جواز سفره السويسري وصداقته هذه، تمكن إيفان ياغشي من التصوير في مستوطنة إسرائيلية”.
“أردت أن أرى ما إذا كانت رابطة الصداقة التي جمعتنا باستمرار ستسمح لنا بمواجهة آرائنا”، يوضح إيفان ياغشي. ولسوء الحظ، لم يكن الأمر كذلك. فبعد عدة أشهر من التصوير، لحقت بعلاقتنا الانقسامات أخيرًا، عندما أمره صديقه بالتخلي عن المشروع، بمساعدة محامٍ. والنتيجة هي وجه غير واضح طوال الفيلم الوثائقي، والذي كان له تأثير غير متوقع في تعميم التجربة. ويعلق قائلاً: ”هذا الصديق الذي نحبه ونحاول فهمه رغم اختلافاتنا، يمكن أن يكون أي شخص“.
يتخلل هذا السرد المصور، الذي يتحول إلى مسعى شخصي لفهم هويته الفلسطينية، العديد من المقابلات، لا سيما مع حاخامات صهاينة وحراس أمن إسرائيليين ومزارعين ولاجئين فلسطينيين. لكن كيف يمكن رسم خط الموضوعية في فيلم وثائقي غالبًا ما يتم سرده بضمير المتكلم؟
يجيب إيفان ياغشي: ”صديق طفولة. هذا يثير المشاعر مباشرة. لم نعد نشيطن العدو، بل نحاول فهمه“. عندما أصبح ذلك مستحيلاً، تحول هذا الفيلم إلى سجل يتتبع تطور آرائي. أن تكون هذه رواية ذاتية، هذا أمر مفروغ منه”.
أنتج هذا الفيلم الوثائقي بين عامي 2018 و2023، وكان محاصرا بالأحداث الجارية. ومن قبيل المصادفة، أنهينا الفيلم في 7 أكتوبر 2023“. كنت أخشى أن يكون من الصعب عرض الفيلم، لكن حدث العكس. لقد ازداد الاهتمام بالثقافة الفلسطينية إلى مستوى لم أتخيله أبدًا.
في سياق الحرب، للصور التوثيقية بُعدٌ قانوني أيضًا، إذ تتيح أحيانًا توثيق جرائم حرب محتملة. ويمكن استخدام هذه الوثائق كأدلة من قبل العدالة الدولية.
وإلى جانب العروض، سينظم المهرجان هذا العام معرضًا للصور الفوتوغرافية في غروتلي بعنوان ”الصور أيضا يمكن أن تقاوم “رابط خارجي. وتوضح كاترين هس: ”هذه الصور الفوتوغرافية التي التقطها مصورون.ات من غزة والضفة الغربية من أعضاء مجموعة أكتيفستيلز ( Activestills) غالباً ما تستخدم في جلسات المحاكم“.
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: مي المهدي
التدقيق : لمياء الواد
المزيد
مقالاتنا الأكثر قراءة هذا الأسبوع
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.