فيرناند ميلغار: “لـقد بنينا جدارا لإبقاء البؤس بعيدا عنا”
في شريطه الوثائقي "القلعة المُحصنة"، يستكشف فيرناند ميلغار الواقع المعـقد في أحد مراكز طلب اللجوء في سويسرا. هذا الفيلم الذي يعرُض حاليا في قاعات السينما السويسرية حصل على جائزة الفهد الذهبي في الدورة الحادية والستين لمهرجان لوكارنو (جنوب البلاد) في شهر أغسطس الماضي، ولقي نجاحا كبيرا في أوساط النقاد والجمهور.
فيرناند ميلغار رجل مُتـحمس ولا ينتقي كلماته للتعبير عن مشاعره. وقد وافق على الحديث عن شريطه وعن موضوع الهجرة إلى سويسرا وذكرياته كابن لأسرة إسبانية مهاجرة.
ويحظى فيرناند ميلغار في المشهد السينمائي السويسري بهالة خاصة، فهذا المخرج أثار جدلا كبـيرا عام 2005 بشريطه “إكزيت (خروج)، الحق في المت” الذي تطرق بحس مُرهف لموضوع المساعدة على الإنتحار البالغ الحساسية. ونال هذا الفيلم الوثائقي الجائزة الكبرى للسينما السويسرية عام 2006.
واليوم، يعود فيرناند ميلغار إلى صدارة الأحداث السينمائية بــ “القلعة المُحصنة” (La Forteresse)، وهو شريط فاز بجائزة الفهد الذهبي (في فئة سينمائي الحاضر) خلال الدورة الأخيرة لمهرجان لوكارنو الدولي للفيلم. ويستكشف هذا العمل الجديد واقـعا خانـقا في أحد مراكز طالبي اللجوء في فالورب بكانتون فو. ولأول مرة، سُمح لكاميرا بالتصوير داخل هذه الجدران لتقدم شهادات عن الحياة اليومية لهؤلاء الرجال والنساء الذين يتوافدون عليه من مختلف أنحاء العالم بحثا عن حياة أفضل.
سويس انفو: كيف نشأ مشروع “القلعة المُحصنة”؟
فيرناند ميلغار: نشأت الفكرة يوم 24 سبتمبر 2006 عندما وافق الشعب السويسري بنسبة 68% على تشديد قوانين اللجوء والهجرة من خارج بلدان الاتحاد الأوروبي.
سويس انفو: للتصوير في مركز فالورب (على الحدود السويسرية الفرنسية)، هل كان من الصعب الحصول على التصريحات من قبل سلطات المكتب الفدرالي للهجرة؟
فيرنانرد ميلغار: يمكن الإجابة بنعم وبلا، لأن هذا البلد يعمل حـقا كدولة ديمقراطية. فيمكن لأي مواطن الحصول على المعلومات. وقد تطلب الحصول على التصاريح ستة أشهر ولم يطلب المكتب الفدرالي للهجرة في المقابل حق مشاهدة المواد المصورة. وهو أمر مُذهل.
سويس انفو: قبل التصوير، عملتم لمدة أشهر عديدة في فالورب، هل حظي حضوركم بالقبول؟
فيرناند ميلغار: لقد شاركتُ طالبي اللجوء حياتهم اليومية لمدة ستة أشهر لفهـم الكيفية التي يعمل بها المركز. وعندما وصلنا بالكاميرات، كانوا يعرفوننا جيدا. وعندما تكتسب ثقة مواطن من التوغو أو نيجيريا، فإنك تحصل على ثقة مجموعته العرقية بأكملها أو كل من يحمل نفس جنسيته، وهي ظاهرة مثيرة للاهتمام.
سويس انفو: هل تـُعتبر حالات طلب اللجوء بدون أساس قانوني أمرا مألوفا؟
فيرناند ميلغار: ثمة حقيقة غير معروفة جيدا، والتي يمكن تسميتها بالسياحة الصحية. فبعض الأشخاص يأتون إلى سويسرا لمعالجة أنواع من الإدمان أو أمراض خطيرة. وفور دخولهم في نظام طلب اللجوء، يتلقون علاجا طبيا، وهذا هو سبب تقديم عدد كبير من طلبات اللجوء.
سويس انفو: هل الدخول إلى سويسرا بهذه الدرجة من الصعوبة؟
فيرناند ميلغار: إنه مستحيل بكل ببساطة. لا توجد سوى طريقتين فقط لتخطي الشخص التراب السويسري إذا لم يكن من مواطني بلدان فضاء شنغن: الزواج من سويسري أو سويسرية، وطلب اللجوء.
لكن من بين مائة شخص يقدمون الطلب، يتلقى واحد فقط ردا إيجابيا. بينما يقدم الآخرون استئنافات إدارية ويستنفذون القنوات القانونية قبل الالتحاق بدائرة الهجرة السرية. وشريط “القلعة المُحصنة” لا يتحدث فقط عن فالورب، بل هو استعارة تنطبق على سويسرا وأوروبا. لقد بنينا جدارا لإبقاء البؤس بعيدا عنا.
سويس انفو: هل هنالك الكثير من الطلبات “المـُزيفة”، مثلما يدعي اليمين السويسري؟
فيرناند ميلغار: لن أستخدم هذا المصطلح على الرغم من وجود حالات يتقدم فيها أشخاص بطلب اللجوء وهم يعلمون تماما أنه ليس هنالك أي فرصة للنجاح، ولكن لمدة شهرين، يستفيد هؤلاء الناس من الإيواء والغذاء، وهي فترة تمنح لهم الوقت لإقامة اتصالات مع شبكات العمل الأسود، ويكونوا قد اكتسبوا بعد موطئ قدم لهم في سويسرا.
وفي لوزان وجنيف، يعيش 40 من المهاجرين السريين من أمريكا اللاتينية في غرفة واحدة اعتمادا على ما يُسمى بـنظام “الأسـِرة الساخنة”. فكل شخص ينام لفترة ثمان ساعات، ويقوم ليحل محله الشخص الموالي. ويعمل هؤلاء الناس عموما كخدم في المنازل مقابل 500 فرنك شهريا بالإضافة إلى الغذاء…
سويس انفو: علاقتكم بـمشاكل الهجرة شخصية جدا، هل يمكنكم أن تحكوا لنا كيف ومتى قدمت أسرتكم إلى سويسرا؟
فيرناند ميلغار: أسرتي أنـدلسية. أبي قدم كعامل موسمي وعاش في أكواخ بينما كان يعمل مقابل مبلغ زهيد. وقد جلب أمي بصفة غير قانونية وكان علـيّ أن أعيش مُخبأ. وإذا ما طرق أحد الباب، كانا يخبئاني تحت السرير. وفي عام 1996، وبعد 27 عاما من العمل في سويسرا، قرر والديّ العودة إلى إسبانيا.
سويس انفو: ما هو الفرق في نظركم بين الحقبة الراهنة والحقبة التي عاش فيها والداكم هنا؟
فيرناند ميلغار: في وقت والدي، كان يوجد تصريح “A” الذي كان يعطي الحق في العمل لمدة تسعة أشهر، ولكن دون الحق في جلب الأسرة. وهي وضعية مثالية بالنسبة لسويسرا التي كانت تتوفر بتلك الطريقة على يد عاملة “يمكن التخلص منها بعد الاستخدام” فضلا عن أنها تظل تحت السيطرة. وكان يعيش حوالي 150000 عامل في تلك الظروف.
ومنذ توقيع سويسرا للاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، لم يعد ذلك التصريح موجودا. وهل تعلمون ما يحدث الآن؟ يوجد 150000 من العمال غير الشرعيين.
إنهم أولئك الذين كانوا سيستفيدون في السابق من تصريح “A”. وقد يؤدي بك العمل اليوم بصفة غير قانونية إلى السجن تقريبا. بما في ذلك الحالات التي تخص القصر، وأعتقد أن هذا يمثل حالة فريدة من نوعها في العالم.
سويس انفو: يـُظهر شريطكم أحيانا شخصيات لا تولد سوى تعاطفا قليلا أو منعدما لدى المشاهد، هل كان هذا أمرا متعمدا؟
فيرناند ميلغار: أحاول الخروج من الخطاب المانوي الذي يعارض بين الأغنام السوداء والأغنام البيضاء. اعتقد أنه ينبغي علينا أن نكون قادرين على استكشاف المناطق الرمادية.
سويس انفو: ماذا يمثل الفهد الذهبي الذي فزتم به هذا العام في مشواركم؟
فيرناند ميلغار: إن لوكارنو مهرجان من الدرجة الأولى وهذه الجائزة هي تكريس حقيقي لعملي. وسيُعرض الشريط في بوينوس آيرس وفلورانسا وطهران. وأستنتج أن رسالة هذا الفيلم عالمية، ولئن كان يتناول موضوعا محليا جدا.
سويس انفو: هل لديكم مشاريع أخرى؟
فيرناند ميلغار: أنا بصدد كتابة قصة خيالية عن الجالية الإكوادورية المقيمة بصفة غير شرعية في مدينة لوزان، وهي بمثابة عودة لذكريات طفولتي، وستكون بعنوان “بعيدا، وراء الجبال”.
سويس انفو: ما هي روابطكم اليوم مع إسبانيا؟
فيرناند ميلغار: لقد صورت شريط “القلعة المُحصنة” لكي لا أنسى من حيث قدمت، وهذا الفيلم بمثابة نوع من التكريم والتحية لأصولي. وسأعطيكم بالمناسبة سبقا صحفيا: العرض الدولي الأول للفيلم سيكون في مهرجان خيخون في أستورياس في نهاية شهر نوفمبر (الجاري). وأنـا سيعد جدا بعرض شريطي في إسبانيا!
سويس انفو: ما هي الرسالة التي تودون إيصالها من خلال هذا الشريط الوثائقي؟
فيرناند ميلغار: يتحدث فيلم “القلعة المُحصنة” عن الأسرة، عن الأب الغائب، عن الإبن المفقود، لكن هذا الجانب لم يـُفهـم حقا. أحاول أن أظهر أن الحياة تبدأ من جديد وبدون توقف حتى في خضم أسوأ المآسي. إنها استعارة، فالحياة تدعو دائما إلى الحياة في دورة تتجدد مرارا.
سويس انفو- رودريغو كاريسو كوتو
تلقت سويسرا خلال العام الماضي 10387 طلب لجوء تمت الموافقة على 1561 منهم.
قدم معظم طالبي اللجوء إلى سويسرا من أريتريا وصربيا والعراق وسريلانكا وتركيا.
في عام 2007، غادر سويسرا 8199 طالب لجوء.
من مواليد طنجة بالمغرب عام 1961، في أسرة نقابيين إسبان هاجروا خلال حقبة فرانكو.
وصل إلى سويسرا عام 1964 وحصل مؤخرا على الجنسية السويسرية.
شارك في تأسيس شركة “كليماج” في لوزان، وهي الشركة التي أنتجت مثلا شريط “إيكزيت (الخروج)، الحق في الموت”، الذي حصل على الجائزة الكبرى للسينما السويسرية عام 2006.
كان العرض الأول لشريط “القلعة المُحصنة” في مهرجان لوكارنو الدولي للأفلام في شهر أغسطس 2008، بحضور وزيرة العدل والشرطة السويسرية إيفلين فيدمر-شلومبف التي عبرت عن “تأثرها” بهذا الفيلم الوثائقي.
يعتبر مهرجان لوكارنو الدولي للفيلم (الذي احتفل هذا العام بالذكرى الحادية والستين) أحد أعرق التظاهرات السينمائية في أوروبا، فهو يعد من أهم النشاطات الثقافية في سويسرا إلى جانب مهرجان مونترو لموسيقى الجاز ومهرجان لوتسرن للموسيقى ومعرض الفن في بازل.
شاركت في دورات الأعوام القليلة الماضية لمهرجان لوكارنو نجوم عالمية مثل سوزان ساروندون والسير أنتوني هوبكينس وناني موريتي وجون مالكوفيتش ومدير التصوير الفوتوغرافي الشهير فيتوريو ستورارو.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.