مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قطعة أثرية استثنائية… لكن لمن الصورة التي تجسمها؟ 

امبراطور روماني
الشيء المؤكّد هو أن هذا التمثال النصفي الذهبي يمثل إمبراطور روماني. ولكن أي منهم؟ swissinfo.ch

تمثال ماركوس أوريليوس الذهبي هو الكنز الأكثر قيمة والأكثر شهرة في عالم القطع الأثرية السويسرية. وبينما لا يُشكك أحد في قيمته، لا يمكن قول الشيء نفسه عن هوية صاحبه. فلا تمثّل هذه القطعة إمبراطورًا رومانيًا شهيرًا، وفق أحدث الدراسات، بل مغتصبًا مغمورا من بلاد الغال. 

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

المزيد

نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

اشترك.ي في النشرة الإخبارية لدينا، واحصل.ي على بريد إلكتروني كل يوم جمعة يحتوي على أخبار من الدول الناطقة بالعربية تم جمعها بواسطة وسائل الإعلام السويسرية. معلومات من منظور سويسري خصّيصًا من أجلك.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

إحقاقا للحقّ، يعدّ تمثال ماركوس أوريليوس النجم الأكبر في علم الآثار السويسري. فلا شكّ أنّ هذا الكائن المحفوظ بشكل مثالي، مثير للإعجاب. فتبهر هذه القطعة الأنظار بارتفاعها البالغ 33،5 سنتمترا، ووزنها 1،6 كيلوغراما من الذهب عيار 24 قيراطًا، وتُعتبر ثمينة جدا حتّى أنها تُحفظ في خزائن مصرف كانتون فو في لوزان. وأمّا التمثال المعروض في متحف الرومان في أفانش، فمجرد نسخة من الأصل.    

يأتي التمثال من أفانش (Avenches)، البلدة الصغيرة في كانتون فو، عاصمة هلفيتيا الرومانية ذات يوم. وقد عُثِر عليه خلال حفريات عام 1939، التي أُجريت عبر برنامج توظيف العاطلين والعاطلات عن العمل. ووُجد مدفونًا في مصرف بالقرب من معبد المنتدى القديم.  

وتعكس القطعة صورة رجل ملتحٍ، في مقتبل العمر، مع بعض التجاعيد على جبهته، ويرتدي درعًا يتكون من صدرية ولوحة ظهر مثبتتين معًا. لكن لا يوجد نقش يكشف عن هويته. ولا شيء مؤكد، سوى أنّه لا يمكن أن يكون إلا إمبراطورًا، نظرًا لاستخدام الذهب.    

اكتشاف التمثال النصفي في نشرة أخبار المجلة السينمائية السويسرية لعام 1939 (أرشيفات التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالفرنسية (RTS):

محتويات خارجية

وتعكس القطعة صورة رجل ملتحٍ، في مقتبل العمر، مع بعض التجاعيد على جبهته، ويرتدي درعًا يتكون من صدرية ولوحة ظهر مثبتتين معًا. لكن لا يوجد نقش يكشف عن هويته. ولا شيء مؤكد، سوى أنّه لا يمكن أن يكون إلا إمبراطورًا، نظرًا لاستخدام الذهب.    

وبعد فترة وجيزة من الاكتشاف، اتفق الفريق المختصّ آنذاك، في مؤتمر حول الأثار في برلين، على اسم ماركوس أوريليوس، الإمبراطور الذي اعتلى العرش من عام 161 إلى 180 ميلادياً. ولئن عُدّ التمثال النصفي استثنائيًا، فإن الشخصية المرتبطة به كذلك.    

وإذا كان التمثال النصفي استثنائيًا، فإن الشخصية المرتبطة به استثنائية أيضًا. فقد كان ماركوس أوريليوس أحد أقوى أباطرة الرومان، نموذج الإمبراطور الفيلسوف المثالي، الذي أسس حكمه على مبادئ الرواقية، كما أنه الامبراطور والكاتب الذي خلّف للعالم كتابه الشهير “تأملات”.  

المزيد
أديلاسيوس إبالكوس

المزيد

لقاء مثير مع ماضي سويسرا الروماني!

تم نشر هذا المحتوى على “كان إبالكوس شابًا، يبلغ من العمر 20 عامًا تقريبًا، وعاش في حوالي عام 700 بعد الميلاد”، كما أوضحت أنجيلا كومّر، مديرة المتحف الثقافي والتاريخي في غرينشينرابط خارجي، حيث تتواجد وتعرض عظامه حتى 9 يونيو 2019 وحيث تم إعادة تشكيل وجهه. لقد كان هذا الشخص من سلالة الغالون الرومان الذين عاشوا في المنطقة عندما دخلت القبائل…

طالع المزيدلقاء مثير مع ماضي سويسرا الروماني!

قصة لحى وتجاعيد  

تُعتبر اللحية والتجاعيد من سمات الفلاسفة المميّزة المعروفة، لذا يمكن جدا أن يكون هذا التمثال النصفي لماركوس أوريليوس. لكن تبقى مجرد فرضية، على الأقلّ لأنّ حوالي 15 إمبراطورا كانوا يطلقون اللّحى .   

وقد ذُكرت أسماء أخرى كذلك. وقبل استقرار الرأي على ماركوس أوريليوس، ظنّ علماء الآثار عام 1939، أن التمثال لسلفه أنطونينوس بيوس (138، 161). ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد ظهرت في الثمانينات نظرية أخرى، ترى التمثالَ النصفي صورةً لجوليان المرتد (361، 363)، الإمبراطور الذي حاول عبثا إعادة نشر الوثنية.  

 ثم نشرت مجلة “باسيه سامبل” (Passé Simple)، المجلة الشهرية المتخصصة في الآثار والدراسات التاريخية للناطقين والناطقات باللغة الفرنسية في سويسرا الروماندية مؤخرا، دراسة لميشال فوخ، أستاذ علم الآثار الفخري بجامعة لوزان، ومؤلف العديد من المنشورات حول “أفانش”، عاصمة هيلفيتيا القديمة، يشير فيها إلى أنّ الشخصية المرسومة على التمثال النصفي تعود لتيتريكوس الأوّل (271، 274)، آخر أباطرة الإمبراطورية الغالية قصيرة العمر (260، 274).   

ويشير فوكس مثل من سبقه، إلى أن جميع مجسمات ماركوس أوريليوس المعروفة، تظهره بشعر مجعد، ما لا ينطبق على الشخصية التي يحمل صورتها التمثال النصفي. بينما تشبه الصورة المسكوكة على العملات الحاملة لصورة تيتريكوس إلى حدّ كبير. 

وأوضح في حديثه إلى قناة التلفزيون السويسريّ الناطق بالفرنسيّة (RTS) قائلا: “ويعرف تيتريكوس بأنفه الدقيق، ولحيته المهذّبة وخصلة شعره المرفوعة إلى الأعلى: شعر ناعم في الخلف، وعلى شاكلة نجمة على الجمجمة. وينطبق هذا التوصيف إلى حد بعيد مع ما نعرفه عن التمثال النصفي الذي عثر عليه في أفانش”.   

بل أكثر من ذلك، تُظهر العملات التي عُثر عليها هناك أن المدن كانت إلى جانب إمبراطورية الغال المنشقة، وليس إلى جانب الأباطرة الرومان الشرعيين.  

عملة استثنائية  

ولا تقدم نظرية ميشال فوكس الجديدة دليلاً على هوية هذه الشخصية. ويرى دينيس جينيكواند، مدير الموقع والمتحف الروماني في أفانش، أن هذا الدليل في الواقع “ضعيف”.   

فيقول: “إن دراسة الصور الرومانية ليست علمًا دقيقًا، وهو تخصص لم يعد رائجًا. فالتمثيلات الوحيدة المتوفّرة لدينا عن تيتريكوس، هي صوره على العملات المعدنية. ونحتاج إلى تماثيل أخرى لإجراء مقارنة أكثر ملاءمة”. ويبقى ماركوس أوريليوس بالنسبة إليه، “التفسير الأكثر احتمالاً”.  

ولم يتفاجأ فوكس بهذا التشكيك. بل “سيكون من الصعب جدا، أو من الجرأة التلاعب بصورة ماركوس أوريليوس، التي يقدمها التمثال النصفي الذهبي في أفانش. فهي تشير إلى الإمبراطور بامتياز، الإمبراطور الذي سعى جميع خلفائه إلى تقليده، وأشادت به المؤلفات اللاحقة”، كما ورد في مجلة “باسيه سامبل”.  

وقد لا يحصل إجماعٌ أبدا حول هوية الشخصية. لكن، يمكن الاتفاق على الطابع الاستثنائي جداً لهذه القطعة الأثرية.   

فقد قال جينيكاند للإذاعة السويسريّة العموميّة الناطقة بالفرنسيّة: “إنه تمثال نصفي ذهبي لإمبراطور روماني في حال جيدة جداً من الحفظ، وهو كبير الحجم مقارنةً بالتماثيل النصفية الذهبية المعروفة الأخرى. لذا، هو اكتشاف استثنائي على أيّة حال”. 

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية