مسيرة نجاح متألقة لمتحف الفن الحديث في لوغانو
يُعد متحف الفن الحديث في مدينة لوغانو أحد أهم المتاحف في كانتون تيتشينو، وقد لاقى المعرض الذي نظمه في عام 2006 نجاحا باهرا، إذ تمكن من اجتذاب آلاف الزوار من الداخل ومن الخارج.
ومن المؤكد بأن المتحف الذي تزهو به منطقة الجنوب السويسري الناطقة بالإيطالية، أصبح في السنوات الأخيرة معلما ذو شهرة عالمية بفضل تنظيمه عدة معارض حول فنانين لهم مكانة عالمية لا يرقى إليها شك.
وجدير بالذكر، أن متحف الفن الحديث في لوغانو خط طريقه بعرق الجبين، فقد بدأ مشواره من رماد فيلا مالبينساتا (مقر متحف المدينة) في عام 1992، ثم حلق عاليا كطائر الفينيق، ليستضيف لسنوات العديد من المعارض التي تختلف فيما بينها موضوعا وحجما، لترسم نهجا جديدا وبديعا للسياسة الثقافية لمدينة لوغانو.
ويعود الفضل في هذا التحول والانبعاث للمدير السابق رودي تشابّيني، الذي التقته swissinfo.ch قبل أن ينطلق في مشروع مهني جديد، بعد أن آلت الإدارة الجديدة للمتحف لبرونو كورا.
جذور التحول
في حديثه لـ swissinfo.ch قال المدير رودي تشابّيني: “إن جذور التحول في الحياة الثقافية والفنية في ظاهرها سلبية، لكونها تتزامن مع رحيل مقتنيات عائلة تايسن من لوغانو، إلا أن هذا الرحيل قاد المدينة للبحث عن خيارات أخرى”، رغبة في سد الهوة وتعويض الخسارة الثقافية التي خلفها إغلاق فيلا فافوريتا، التي كانت تضم مقتنيات تايسن الفنية قبل أن تنتقل إلى العاصمة الإسبانية مدريد.
ودون تباطؤ، جاء رد المدينة واضحا، فبدأت منذ عام 1990 بالتخطيط لنهج جديد في عمل المعارض، وبسرعة ازدهرت الفكرة وآتت أكلها، وكان من أولى الخطوات تغيير اسم المكان، “فمن مجرد فيلا مالبينساتا إلى متحف الفن الحديث في مدينة لوغانو”.
حاز تغيير الإسم توافقا واسعا، خاصة من قبل الجمهور الذي أبدى تجاوبا مع المقترحات الجديدة فاق كل التوقعات.
الفن التعبيري
ومنذ اللحظة الأولى، توجه المتحف إلى مخاطبة الناس من خلال اهتماماتهم، بعيدا عن أسلوب المَعارض التقليدية المقتصرة على نوعية من الجمهور أو من الفئات المهتمة، فطرح مبدأ تنظيم سلسلة من الفعاليات تستقطب اهتمام أعداد كبيرة من الجماهير. ويوضح تشابّيني قائلا: “سعينا إلى اعتماد نهج مخالف لما كان عليه متحف تايسن الذي كان يركز بشكل رئيسي على الفن الانطباعي”.
وأضاف: “وهكذا يمّمنا وجوهنا قبل المدرسة التعبيرية بمفهومها الواسع، أي أننا انحزنا إلى مذهب الفنانين الذين جعلوا الإنسان محور موضوعاتهم، وبعد ذلك، توجهنا إلى زيادة رصيدنا الشعبي”. وقد نجحت الخطة بامتياز، بدليل أعداد زوار المتحف من جميع أنحاء سويسرا ومن خارجها، ومن مناطق شمال ايطاليا على وجه الخصوص.
الجودة أولا
وأشار مدير المتحف قائلا: “وبعيدا عن كل الاعتبارات، فإن الاسم ليس جوهر اهتمامنا، لكن الأهم بالنسبة لنا هو قيمة المادة التي نقدمها، ولذلك، قمنا بتقديم شخصيات لامعة مثل مونش وشاغال وموديلياني، كما نجحنا بعزيمة، وإصرار على النهج، في طرح شخصيات ربما كانت أقل شهرة مثل بيرميكي وباسكيات وساورا”.
ومن المؤكد، أن البحث عن مشاهير الفنانين هو المعيار الرئيسي في اختيارات مختبر الفن الحديث، لكن تبقى الشخصيات الأقل شهرة كحل ثانوي. وبشيء من التأكيد، قال تشابّيني: “تجدر الإشارة، حينما نتحدث عن أشهر الشخصيات التي قمنا بتقديمها، أن نُذكّر بأن هؤلاء الفنانين غاب حضورهم عن الساحة في سويسرا لسنوات طويلة”، فعلى سبيل المثال، جاء المعرض الذي تم تكريسه لشخصية مونش، وكان في عام 1998 في مدينة لوغانو، بعد غياب استمر نحو 15 – 18 سنة.
واستطرد قائلا: “بالنسبة لنا، النوعية وقيمة العمل المُنتَج، غير قابلتين للمساومة، ونعتني بتقديم الشخصيات الفنية التي صار لها مدة 6 أو 7 سنوات غائبة عن ساحات المعارض في سويسرا وفي الشمال الإيطالي، حتى تكون أقدر على جذب اهتمام الناس”.
وأضاف رودي تشابّيني قائلا: “حين ننظم المعارض نحاول المناوبة، على قدر الإمكان، بين الفنانين ذوي الشهرة الكبيرة وبين من هم أقل منهم شهرة، رغبة منا في تكريس مفهوم أن الشخصيات الكبرى ليست هي هدفنا الأوحد، ولكننا نحرص في ذات الوقت على المناوبة السليمة دون إخلال”.
وأبان موضحا: “المهم بالنسبة لمتحف الفن الحديث هو تقديم العرض الذي من شأنه أن يتيح تصورا عن الإنتاج الفني للفنان بغض النظر عن اسمه، ولكي لا يُتّخذ الاسم ذريعة، يجب أن يكون مشفوعا بعرض أعمال رئيسية هي ضمن إنتاج هذا الفنان أو ذاك”.
طوابير الزوار
لا يُخفي مدير المتحف افتخاره بالنجاح الذي حققه المتحف قائلا: “أبدا، لم يتوقع أحد تُعقّد في مدينة لوغانو معارض يمكن أن يؤمها 150 ألف زائر أو أكثر”، حيث يصطف هؤلاء الزوار في طوابير طويلة ينتظرون بفارغ الصبر الدخول إلى حيث تعرض أعمال فنانين كإدوارد مونش أو إيغون شييل أو غيرهم.
ومن الطبيعي، أن يكون لهذا النجاح المتميز تأثير على هيكل المتحف، كما أفاد تشابّيني قائلا: “وجدنا أنفسنا مضطرين لتطوير جهازنا التنظيمي وزيادة مواردنا لمواكبة الواقع الجديد بطريقة مهنية”.
وحينما سُئل رودي تشابّيني عن كيفية إدارة هكذا نجاح، تبسم وبدا متماسكا وقال: “إنها مهمة صعبة جدا، لأن النجاح غالبا ما يولد الحسد، كما يولد أوضاعا غير مرضية، وأعتقد أن من المهم أن نمضي قدما ونواصل طريقنا”. ولكن كيف يكون ذلك؟ يقول: “بتنظيم المعارض التي تتحف الجماهير، ولكن، يجب على من يقترحها أن يكون يحبها، لأن الوسيلة الأفضل أن نقتنع بما نفعل، والوقت بعد ذلك هو الكفيل في إظهار الصح من الخطأ”.
مهمة صعبة
لامفر من التذكير بأن النجاح يضع اصحابه أمام مشاق، خصوصا وأن الحركة ليست سهلة في سوق الفن، وهي أصعب حينما يصبح الوسط كثير التشابك. وفي هذا السياق، يرى مدير متحف لوغانو أن: “هنالك جملة من الأسباب وراء صعوبة الأمر لاسيما حينما يتعلق بمتحف من المستوى المتوسط الصغير كما هو حال متحف لوغانو، ولعلّ العقبة الكبرى في عدم امتلاك المتحف لمقتنيات قيّمة تمنحه قدرة المساومة والمبادلة، وهذا شيء مُوجع”.
ويعرّج تشابّيني على جانب آخر يراه جديرا بالملاحظة، فيختم به قائلا: “أعداد المعارض في تزايد متواصل، وليس من السهل على العامّة التفريق بينها. فالسبيل الوحيد من أجل كسب الجماهير هو التركيز على النوعية مع دعم المَعارض بمبادرات وفعاليات جانبية، بالإضافة إلى تقريب العامّة والشباب من الفن عبر الجولات الإرشادية والبرامج الخاصة بالمدارس”.
فرانسواز غيهرنغ – لوغانو – swissinfo.ch
بعد رحيل مقتنيات البارونة فون تايسن عن فيلا فافوريتا، اتخذت المدينة قرارها بضرورة التحرك، فكان في عام 1992 تأسيس متحف الفن الحديث في مدينة لوغانو في عام 1992.
وقع الاختيار على أن يتخصص المتحف في الترويج لفن القرن العشرين، مع التركيز على المدرسة التعبيرية بمعناها الواسع.
المدرسة التعبيرية هي مذهب فني سلكه بعض كبار الفنانين الذين جعلوا الإنسان مادة فنهم، فترجموا بواسطة الفن تعابير الإنسان ومشاعره الداخلية وحالته النفسية.
استضاف المتحف أعدادا من الفنانين عن طريق تقديم أعمالهم للجمهور، ونجد من هؤلاء الفنانين باكون ومونش موديلياني وكيرشنر وشاغال وباسكيات، وآخرهم بحسب الترتيب الزماني كريستو جان كلود.
بُنيت فيلا مالبينساتا في أوائل القرن 18، وهي الآن مقر متحف الفن الحديث في مدينة لوغانو.
وفي عام 1845، آلت ملكيتها لأسرة كاتشا، بعد عدة تحولات وتوسيعات.
في عام 1893، قام الوريث بمنحها لمدينة لوغانو رغبة جامحة منه أن يراها تحوّلت إلى متحف.
وفي عام 1967، تقرر إعادة تجديدها وتحويلها إلى معرض بكامل معنى الكلمة.
من عام 1973، وهو عام الافتتاح، وحتى عام 1990، استضافت فيلا مالبينساتا نحو 100 معرض.
عام 1992، كان نقطة التحول حيث تحولت فيلا مالبينساتا إلى متحف الفن الحديث في لوغانو.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.