من لوكارنو.. الفلسطينية نجوى النجّار تدافع عن “المر والرمّان”
في ما تتواصل فعاليات الدورة الثانية والستون للمهرجان الدولي للأفلام في لوكارنو التي تميّزت بمشاركة كبيرة للأفلام الأوروبية والآسيوية، كادت السينما العربية أن تغيب تماما عنها لولا استثناءات قليلة منها الشريط الفلسطيني "المر والرمان" الذي يُعرض تكريما لمخرجته نجوى النجّار، العضو في لجنة تحكيم مسابقة "فهود الغد" لهذا العام.
هذا الفيلم أثار سيلا من النقد وكثيرا من الجدل داخل الشارع الفلسطيني، وعلى مستوى الساحة العربية، لما تميّز به من جرأة في مواجهة واقع الإنسان الفلسطيني، بعيدا عن الخطاب السياسي الذي اعتادت عليه الألسن ومجّته الآذان.
swissinfo.ch انتهزت فرصة وجود المخرجة الفلسطينية في لوكارنو، التي تشارك فيها باعتبارها عضو بلجنة تحكيم “سينما أو فهود الغد”، وأجرت معها حوارا شمل نظرتها وتقييمها للدورة الحالية لمهرجان لوكارنو، وتداعيات الجدل واللغط المثار حول باكوة إنتاجها “المر والرمان”، الذي سيُعرض ضمن بعض فعاليات المهرجان. فكان الحوار التالي.
swissinfo.ch : كيف يمكن تفسير الغياب اللافت للسينما العربية في مهرجان لوكارنو هذه االسنة؟
نجوى النجّار: هذا الغياب لا يعكس ضعف الإنتاج السينمائي في البلدان العربية، ولو أخذنا الأراضي الفلسطينية فقط هذه السنة، تم انتاج أربعة أو خمسة أفلام. ومن خلال مشاركتي في المهرجانات السينمائية الكبيرة بدءًا بدبي ومرورا بكان، وغيرها.. ألاحظ إنتاجا سينمائيا غزيرا. ضعف المشاركة العربية في لوكارنو ربما تعود إلى أسباب أخرى، كاختيار المشاركة في مهرجانات دولية أكبر وأكثر شهرة، وربما طُلب من بعض السينمائيين العرب الحضور ورفضوا. وأعتقد ان مهرجان لوكارنو محطة مهمة من المفيد للمخرجين والمنتجين العرب المشاركة فيه.
رغم غياب السينما العربية عن هذه الدورة تظل قضايا المجتمع العربي حاضرة من خلال العديد من الأفلام التي قدمها مخرجون أجانب، هل تؤمنين بجدوى ذلك؟
نجوى النجّار: الأمر يتوقف على الغاية التي تهدف إليها تلك الأعمال، وإجمالا، أفضّل أن يكون الإنتاج من طبيعة بيئته، من يصوّر واقع اللاجئين لا بد أن يكون قد عاش التجربة، فليس من عاش كمن روى. رغم ذلك، عندما يسلط الضوء مخرج كبير على قضية مثل القضية الفلسطينية، فهذا يجلب لها الانظار، ويكسب لها الأنصار، ويساعد في تحقيق إختراق إعلامي لصالح القضية.
هل الإنتاج السينمائي العربي اليوم في مستوى المشاركة في مهرجانات دولية كبرى، وقادر على المنافسة؟
نجوى النجّار: أعتقد أن الفيلم العربي كان حاضرا دائما في هذه التظاهرات الدولية الكبرى. وفي كل مرة، تتعلق الأنظار بفيلميْن أو ثلاث من العالم العربي. الإنتاج السينمائي في البلدان العربية أصبح ذا مستوى عالي، وهناك ممثلون من الطراز العالي.
شاركت ايضا في دورات سابقة لمهرجان لوكارنو، ما الذي لفت نظرك في دورته الحالية؟
نجوى النجّار: أنا عضو في لجنة تحكيم، لا أستطيع أن أشير إلى عمل بعينه، أجيبك على هذا السؤال بعد نهاية المهرجان، ولكن إجمالا، لما أعود بالذاكرة إلى مشاركات سابقة، أجد أن الأفلام المشاركة في لوكارنو ذات طابع خاص، وتتطلب هذه المشاركة استعدادا خاصا لركوب نوع من الأخطار، ففي لوكارنو ثقافة الجمهور تختلف عن بقية المهرجانات، والقضايا تطرح فيه بطريقة مختلفة.
رغم تعدد مشارب الأفلام المشاركة، موضوعيا، وجغرافيا، إلا ان هناك نقاط تقاطع بينها عند قضايا إنسانية كبرى، هل تتفقين مع القول بأن السينما الوثائقية باتت تأخذ مكان السينما الروائية رويدا رويدا؟
نجوى النجّار: السينما الروائية كذلك فيها كثيرا من الآليات التي تمكن الفنان من التطرق إلى قضايا الواقع، والواقع الإنساني في هذه السينما أو تلك هو موجود، وهو محور كل عمل مبدع، سواء كان فنتازيّا أو روائيا او وثائقيا. حتى لو كان الموضوع قصة عاطفية، أو شعور إنساني، كله لا يخرج من الواقع. لا يمكن عزل أي نوع من السينما عن الواقع.
أمام القضايا الإنسانية الكبرى المطروحة كقضية ضياع الشباب، ومشكلة البيئة، والتعدد والتنوع، أين يقف دور السينمائي، وما المطلوب منه؟
نجوى النجّار: اتمنى أن تنجح السينما في لفت الانظار إلى موضوعات مهمة، لم يهتم بها احد من قبل، أو أن تضيء أبعادا ظلت مغفلة، أو تضفي معنى وروحا معينة على قضية من القضايا، أو تطوّر فهما من الأفهام. في الحلم الواسع، الأمل دائما ان السينما تقدر على تغيير الواقع. هذا هو الأمل، إذا قدرت أنا السينمائية على تغيير طفيف في الصورة التي تحضر بها بلدي في مخيّلة الآخر، وان أساهم في صياغة وعي ثان للمشكلات التي يعاني منها مجتمعي الفلسطيني، هذا بالنسبة لي إنجاز كبير.
هل يمكن ان يحلم السينمائي بتشكيل رأي عام أو حشد الدعم لقضية من القضايا؟
نجوى النجّار: يمكن للسينمائي أن يكون مساهما في التغيير، لكن من الصعب عليه لوحده القيام بذلك، السينما ضرورية للمجتمع، ولكن لكي تؤدي دورها، لابد لها من دعم، دعم من الجمهور أولا، ومن دوائر القرار، حتى لا يترك السينمائي يسبح في بحر لا يرى له شاطئ، لابد من دعم ومن مأسسة للصناعة السينمائية في العالم العربي. المخرج أو المنتج لحاله، لا يمكن أن يضمن الدور الفاعل للسينما. السينما إلى حد ما مرآة عاكسة لواقع مجتمعها.
كيف تقدمين لنا فيلم “المر والرمان” الذي سيُعرض ضمن دورة مهرجان لوكارنو الحالية؟
نجوى النجّار: هذا الفيلم، هو قصة إنسانية فلسطينية، موجودة في المجتمع الفلسطيني وهي قصة سياسية أيضا بامتياز، لكن ليس باللغة والصورة السياسية التي تقدم بها عادة المأساة الفلسطينية على شاشات التلفزيون. الفيلم يتطرق إلى قضايا الأسرى في السجون الإسرائيلية، وإلى قضية معاناة المرأة الفلسطينية، وأيضا مصادرة الأراضي، والجدار العنصري العازل، والإستيطان. كل ذلك موجود في الفيلم، لكنه يقدم بطريقة جديدة، لأن القضية الفلسطينية لم تقدم إلى حد الآن بطريقة صحيحة.
عندما يتم الهجوم على غزة، ويقع الضحايا فيها بالآلاف، ويدمّر فيها عشر آلاف بيت، وأربعة آلاف جريح. في الخطاب السياسي، هؤلاء جميعا يتحوّلون إلى مجرّد أرقام، اما السينمائي الذي يقدم قصة إنسانية، فيتوقف عند كل حالة، ويبين أن هذا الضحية الذي سقط تحت القصف الإسرائيلي هو أب لعائلة، وله أبناء، وله منزل قد دمّر، وأنه قد ترك زوجة أرملة، وأم ثكلى، وابنا يتيما.
أثار شريطك سخطا كبيرا في بعض الأوساط الفلسطينية، ورأى فيه البعض لمزا في صمود الأسرى، واعتبره البعض الآخر بمثابة خنجر في ظهر الفلسطيني، كيف استقبلت كل ذلك؟
نجوى النجّار: الفيلم أثار حديثا طويلا، وكمخرجة، لا يمكنني إلا أن أكون سعيدة جدا بذلك، الفيلم عندما عُرض، لم يُفهم، والنقد جاء من أناس لم يشاهدوه أصلا. حماس عبّأت الجمهور ضد الفيلم، ومنعتني من عرضه بغزة، ما ضايقني أكثر هو أن إحدى الشخصيات الفلسطينية كتبت نقدا للفيلم، ووزّع النقد على الأسرى في السجون الإسرائيلية، وفعلا استاء الأسرى من الفيلم من خلال ما قرؤوه، وهذا لا يسعدني طبعا، يكفيهم ما هم فيه.
عندما نفكّر بتروّ: هل زوجة السجين ليس لها حق في الحياة؟ أليست إنسانا ذات رغبات واحتياجات إنسانية كأي انسان آخر؟. السينما تتطلب من المشاهد حدا أدنى من الخيال، لا يستطيع الفيلم أن يقول كل شيء. ثم من الصعب الحديث عن موقف عام من الفيلم، كل فرد له موقف خاص، يختلف بحسب كسبه الثقافي، ووضعه الإجتماعي، وتوجهه الفكري. كتب في هذا الفيلم أكثر من سبعين نقدا، ونظمت ندوات ونقاشات على شاشات القنوات التلفزيونية، وبه أصبح الفيلم الفلسطيني متداولا على مستوى عالمي.
الفيلم يعالج قضايا الإنسان الفلسطيني الطبيعي، لكن البعض يقول انه يتجاهل الوضع الإستثنائي للشعب الفلسطيني؟ هل توافقين على أنه يُعلي من القضايا الفردية الإنسانية، ويتناسي القضية السياسية؟
نجوى النجّار: هذا ليس صحيحا، أنا إبنة الواقع الفلسطيني، وهذا الفيلم عنّا نحن الفلسطينيون. نحن لسنا كل يوم في مظاهرات في الشوارع، أو كل أوقاتنا مقاومين وأطفال حجارة، المقاومة ليست هذه، للفلسطيني حلم باستعادة أرضه المسلوبة، والمقاومة هو ثباته على تلك الأرض، المقاومة ان تقدر برغم كل الظروف أن تظل على تلك الأرض، وأن تعيش حياتك كإنسان، تحب، تنمي قدراتك، وتربي الأجيال. هذه بحد ذاتها مقاومة. هذا الشكل من المقاومة لا ينفي الشكل الثاني منها. أن يظل الإنسان الفلسطيني منزويا في ركن، يتباكى على واقعه، سلبي في حياته، هو ما يتمناه المحتل. القصة الإنسانية في النهاية لا يمكنها أن تخرج عن إطارها السياسي العام، ولا أعرف كيف يستطيع الواحد أن يعزل هذه عن الأخرى! كل الفيلم سياسي، اللغة والتصوير فقط يختلف!
هل هي دعوة إلى المقاومة الناعمة؟
نجوى النجار: هي مقاومة بطريقة ثانية، ماذا أنكى على الإسرائيلي أكثر من أن يظل الفلسطيني متشبثا بأرضه، ولكن كيف يمكن للفلسطيني ان يظل على أرضه، إذا هو لا يضحك، وليس له حياة، ولا يرقص ولا يحب، كيف بإمكانه أن يظل إنسانا حيّا؟ أليس الفلسطيني كأي إنسان آخر؟ الفلسطيني إذا فقد إنسانيته، سيصبح مثل عدوه. عموما الفيلم حقق نجاحا عالميا واسعا.
البعض يرى في هذا النجاح وهذا الدعم الدولي دليلا آخر على صحة شكوكه حول الفيلم؟
نجوى النجّار: المر والرمان هو أوّل فيلم فلسطيني، بإنتاج فلسطيني خالص، و80% من تمويل الفيلم من العالم العربي، مستثمرين عرب وفلسطينيين، وأوّل مرة بتاريخ السينما الفلسطينية، لم يتجاوز الدعم الخارجي 20%، وقد استخدمت في الإنتاج التجريبي. الفيلم انتاجا وإخراجا وليد قرار فلسطيني خالص.
البعض فهم من الفيلم أنه بالإمكان تغيير الوضع الفلسطيني عن طريق الرقص؟
نجوى النجّار: أعتقد فعلا أن الرقص كتعبير يمكن أن يؤدي إلى التغيير، وهذا واضح جدا في الفيلم. عندما أدركت بطلة الفيلم أن التغيير لن يحصل، عندئذ قررت عدم العودة إلى زوجها الثاني، رغم سماح زوجها الأول لها بذلك.(ويذكر هنا أن الزوج الأول كان مقاوما سجينا، وأن الزوج الثاني كان معلم رقص).
عبد الحفيظ العبدلي – لوكارنو – swissinfo.ch
نجوى النجّار، مخرجة وكاتبة سيناريو فلسطينية في العقد الرابع من العمر، بعد أن اكملت دراستها في مجال العلوم السياسية والإقتصادية، باشرت دراسة فنون السينما وانتاج الفيديو بجامعة واشنطن حيث حصلت على الماجستير.
تعيش نجوى النجّار اليوم في مدينة رام الله، بفلسطين، وتهتم بالإخراج والإنتاج السينمائي الروائي اكثر من الوثائقي، وتعتني خاصة بقضايا الشعب الفلسطيني.
قامت هذه المبدعة بانتاج العديد من الأفلام القصيرة، من ابرزها “أغنية ياسمين” (2006)، حصلت على جائزة في لوكانو وبرلين في نفس العام، ويعد فيلم “المر والرمان”، أوّل فيلم روائي طويل لنجوى النجّار، وقد شارك سنة 2009، في العديد من المهرجانات العربية والدولية، حيث اختير فيلم افتتاح السينما العربية في مهرجان دبي، وشارك في مهرجان ساندانس بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان احد مائتيْ فيلم وقع عليها الاختيار من مجموع عشرة آلاف فيلم مترشحة للمشاركة في ذلك المهرجان.
شارك هذا الفيلم أيضا في مهرجان روتردام، وايدنبورغ ، عاصمة سكوتلاندا، كما شارك في مهرجان بجنوب إفريقيا، وبرلين، وفيها قدم الفيلم في عرض خاص حضره وزير الثقافة. ويعرض حاليا ضمن فعاليات المهرجان الدولي للافلام بلوكارنو.
وعن فكرة الفيلم تقول نجوى النجّار: “خلال الإنتفاضة الثانية، كنا نحن الفلسطينيون مجبرين على البقاء في البيوت، وكان القصف والقنص سيفا مسلطا على رقابنا،والأوضاع صعبة ومؤلمة. ولكن مع الوقت بدانا نتواصل، ونتحرّك. وتولّدت لدينا فكرة، كيف نستطيع منع العدو من الوصول إلى التحكم في حياتنا، أو سجننا، ونحن في بيوتنا. هذا الواقع ولّد في نفسي الشعور بمرارة السجن. وزاد الطين بلّة تشييد الجدار العنصري، والحواجز العسكرية التي تحاصر المدن والقرى، ومن هنا جاءت فكرة الفيلم، واختيار إمرأة من القدس ورجل من رام الله، اللذان تنتهي علاقتهما إلى زواج، وتطوّرات القصة معروفة…”.
اختارت المخرجة لفيلمها فئة من الشعب الفلسطيني، هي فئة الشباب، نظرا لكونها فئة غائبة في السينما الفسطينية، ، واختارت قصة ذات بعد إنساني ترتبط بقضية الهوية، وجعلت الأرض مدار الصراع بين الفلسطيني والإسرائيلي، كل ذلك في سياق قصة حبّ، لا تتعارض فيه هذه الأبعاد بل تتكامل، وربما هذا ما جعل الفيلم يلقى إقبالا كبيرا في البلدان الغربية، وإن شكك فيه أهل البلد!
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.