من هو طارق رمضان؟
أصبح الدكتور طارق رمضان السويسري المولد والمصري الأصل من بين الشخصيات المسلمة الأكثر إثارة للجدل في أوروبا وفي الغرب عموما.
وبعد الزوبعة الإعلامية التي أحاطت به مؤخرا في سويسرا وفي فرنسا، أجرت صحيفة Le Temps “الزمان” السويسرية تحقيقا عن شخصيته في محاولة للتعرف على هذا المفكر الذي سيشد الرحال قريبا إلى أمريكا.
تقول صحيفة Le Temps “الزمان” في عددها الصادر في جنيف يوم 28 يناير 2004: “إن طارق رمضان البالغ من العمر 41 عاما يظل لغزا. فهو يقدم نفسه كـ”خبير في الشؤون الإسلامية”، لكنه يوصف مرارا بـ”الواعظ” أو “التطرفي”. وبينما يشدد رمضان على ضرورة اندماج المسلمين في الغرب، أعرب مقدم برامج تلفزيونية فرنسي عن اعتقاده أن خطاب رمضان “يثير الخوف” تماما مثل الزعيم اليميني المتطرف جون ماري لوبان.
وتضاعف الاهتمام بطارق رمضان في الآونة الأخيرة في فرنسا بعد المجابهة التلفزيونية التي جمعته بوزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي.
وفي مدينة فريبورغ السويسرية، حيث يدرس الدكتور طارق رمضان الفلسفة والإسلام، اعتبرت نائبة في حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد بأن رمضان يجسد “خطر التبشير”، واقترحت إبعاده من التدريس في جامعة فريبورغ.
في محاولة للإجابة على سؤال “من هو”؟ الذي يتبادر للذهن دائما عند الحديث عن هذا المفكر المسلم الذي يتمتع بشهرة وشعبية واسعتين في أوروبا وفي أنحاء مختلفة من العالم العربي والإسلامي وحتى داخل الولايات المتحدة، حاولت صحيفة “الزمان” رسم ملامح السيرة الذاتية لهذه الشخصية المثيرة.
طفل متحفظ ومولع بكرة القدم
تورد الصحفية: “في البدء، كان طفلا صغيرا متحفظا وكتوما. ابنٌ لمنفي مصري لجأ في جنيف للحفاظ على الشعلة الإسلامية في فترة احتدم فيها الصراع بين الشيوعية والرأسمالية على الساحة الإيديولوجية”.
كان الطفل مولعا بكرة القدم. بدأ يمارس رياضته المفضلة مع فريق “ستار سيشيرون” الذي تحول إلى “أنتير ستار”. وسرعان ما لاحظ أعضاء الفريق أن طارق مختلف عنهم بسبب دينه. ثم التحق الشاب بفريق “كوليكس بوصي” في القسم الثاني من البطولة السويسرية قبل أن ينتقل إلى فريق “إف سي بيرلي” الذي تولى تدربيه بعد فترة.
بيير إيف لينغر الذي كان قريبا منه في ميادين كرة القدم، يتذكر طارق رمضان كـ “لاعب وسيم ومتحفظ ومواظب وذكي”. أما فلافيو بتريني الذي كان يتولى تدريب فريق “بيرلي” إلى جانب طارق رمضان، فيقول عنه إنه كان رياضيا قاسيا مع نفسه وكان يتابع تدريبات مُتعبة جدا في الملاكمة. كان بلا شك بإمكانه الاحتراف في كرة القدم، لكن في نهاية الثمانينات، ترك الميدان. ويتذكر بتريني أنه في “ذلك الوقت بدأ يهتم رمضان بصفة متزايدة بدينه”.
أصبح طارق رمضان أب أسرة في عمر مبكر حيث كان قد تجاوز العشرين بفترة قصيرة حينما تزوج من زميلة اعتنقت الإسلام في الثانوية التي كان يعمل بها.
وفي مسقط رأسه جنيف، درس الفرنسية ثم الفلسفة ما بين عامي 1988 و1992 في إعداية “دو سوسور”. كان آنذاك أصغر عميد لمؤسسة ثانوية في سويسرا. كان التلامذة يحبونه كثيرا. في المساء، دأب على مساعدة الأقل شطارة منهم على التحضير لامتحانات الباكالوريا، كما كان يعطي دروسا للكبار.
ألـّف كتابيـْن مع تلامذته، أحدهما بعنوان “Le Sablier fendu” أو “السّاعة الرملية المشقوقة”، خُصِّصَ للأشخاص المسنين الذين يفقدون الذاكرة.
فعالية رمضان بدأت في ذلك الوقت تثير غضب بعض زملائه. ويحكي ستيفان لاتيون، وهو معرفة قديمة له حيث عمل معه في مجال التدريس قبل أن يصبح هو أيضا متخصصا في الإسلام: “كان يثير آنذاك ردود فعل حساسة مع أن مظهره لم يكن يوحي بأنه مسلم”.
شخصية جذابة وقوية
التزامه السياسي استغرق وقتا طويلا قبل أن تبرز ملامحه. وحسب صديقته إيريكا دوبر، العضوة السابقة في حزب العمل، انتبه طارق رمضان للنضال في غمرة التيارات الشبابية في الثمانينات مثل “لا تمس بصديقي” و”SOS Racisme”.
تحمس للقضية الفلسطينية وتعززت صلته بالزوجين إيريكا دوبر وجون زيغلر اللذين سيتحولان إلى أبرز الشخصيات السويسرية التي توفر الدعم السياسي لطارق رمضان.
في بداية التسعينات، سافر مع تلامذته في جنيف إلى إفريقيا والهند والبرازيل في إطار برنامج جمعوي نُظم على هامش النشاطات الدراسية وكان يحمل إسم “يد المساعدة”.
وبرفقة التلامذة المتطوعين، قابل شخصيات عالمية بارزة مثل الدالاي لاما، والأم تيريزا، ودوم إلدر كامارا الذي أسس ما يعرف بالتيار اللاهوت التحرري.
وتتذكر إحدى المشاركات في هذه الرحلات، “كنا نمد يد المساعدة في المستوصفات. صُدمنا جدا بتلك الأجواء وكنا نبكي طيلة اليوم. كان طارق رمضان يحضر اجتماعات الاستعداد لتلك النشاطات مع زوجته المحجبة، لكنه لم يكن يتحدث كثيرا. كان متحفظا، لكن في قرارة نفس الجميع، كان هو الزعيم. فهو كان يثير نوعا من الاحترام الممزوج بالخوف”.
مع بعض المنشطين الآخرين كانت العلاقات تتوتر بسرعة. وبنبرة انفعالية يتذكر جون مارك غوي الحفلات المتعددة الثقافات التي كان ينظمها طارق رمضان بإعدادية “كودريي” في ضاحية جنيف.
وعن تجربة “يد المساعدة”، يحتفظ غوي بذكريات يمتزج فيها الإعجاب بشخصية رمضان والتذمر من ثقته بنفسه حيث يقول: “أعجبت به كثيرا، إنه شخص متألق وجذاب، لكنه على قناعة بأنه يمتلك الحقيقة… يقول نحن هنا لنقرر سويا، لكن على الميدان، كان يقرر يوميا لوحده. لا يحب التشكيك في مواقفه. يقول دائما إنه يرغب في النقاش، لكن التسامح ليس نقطة قوته”.
وبعد سنوات، ترك طارق رمضان عملية “يد المساعدة”. وإثر مغادرته، تفككت الجمعية بسرعة وتوقفت نشاطاتها.
بعد العودة إلى الجذور…
ومن رحلاته المتعددة، استقى طارق رمضان عنصرا أساسيا في إيديولوجيته والمتمثل في الاستفادة من الدين لمحاربة مختلف أوجه عدم المساواة.
في عام 1991، شد الرحال مع زوجته وأطفاله إلى مصر حيث أسس جده الشيخ حسن البنا حركة الإخوان المسلمين عام 1928.
ويقول ستيفان لاتيون إن رمضان تعلم هناك لمدة عام حفظ القرآن وترتيله وخرج متحولا من هذه العودة إلى الجذور.
بعد عودته إلى جنيف، برز خلال عام 1993 في إطار نقاشات الرأي العام عندما انتقد برمجة مسرحية للأديب الفرنسي فولتير تُصور الرسول محمد بشكل غير لائق. فتم سحب المسرحية من برنامج العرض.
في نفس الفترة، أدار طارق رمضان البيت الثقافي المسلم ثم أنشأ في عام 1994 “مسلمو ومسلمات سويسرا” (MMS)، وهي منظمة كرست لمسلمي الجيل الثاني. ومثلت هذه المحطة بداية عمل جمعوي تميز بنشاطات مكثفة. فقد خصص الدكتور طارق رمضان كامل أوقات فراغه لتحضير إصدارات عديدة ولإعداد المؤتمرات التي يعقدها في مختلف أنحاء أوروبا ثم في العالم بأسره.
اتخذت محاولاته لتوحيد المسلمين في أوروبا مسارات مختلفة. في سويسرا، لن تتمكن منظمة “مسلمو ومسلمات سويسرا” من تجاوز الاختلافات اللغوية والثقافية للجاليات المسلمة. أما في فرنسا، وبعد أول ظهور له على شاشة التلفزيون عام 1994، فرض طارق رمضان نفسه كمتحدث باسم الشباب المسلم.
قربه من حركة الإخوان المسلمين، على الرغم من تأكيده بعدم الانتماء إليها ومجرد الوفاء لموروثها، كلفه أمرا بمنعه من الدخول إلى فرنسا عام 1995 بذريعة تهديده للأمن العام. وسيرفع هذا الإجراء الذي اتخذ ضده في خضم الهجمات الإسلامية في فرنسا بعد بضعة سنوات.
في عام 1998، درس بمؤسسة “لايشستر” الإٍسلامية في بريطانيا، وهي مؤسسة تُعتبر أحيانا بمثابة المركز الأوروبي لتكوين الإخوان المسلمين، خاصة وأن إرث مؤسس الحركة حسن البنا حاضر فيه بقوة.
لا شيء يوقفه!
كان طارق رمضان على قناعة أن أطروحة الدكتوراه التي قدمها في جنيف ستُقبل من دون أية مشاكل. ودائما حسب ما ورد في صحيفة “الزمان”، كان مؤلفه المخصص للمفكرين الإسلاميين “الإصلاحيين” دفاعا بالدرجة الأولى عن أفكار ونشاطات حسن البنا.
في باريس، كان أحد الناشرين على استعداد لنشر المؤلف، لكن الانقسام طغى على أعضاء لجنة التحكيم. اعتبر خبيران فرنسيان مضمون المؤلف غير مقبول وقدما استقالتهما. العميد الحالي لكلية الآداب في جامعة جنيف شارل جنكون، المختص في شؤون العالم العربي قام بالمثل. ويقول الأستاذ جنكون: “إنها أطروحة تثير إشكاليات عديدة، كانت إيدلولوجية ومُُوجهة. لم تكن تحمل الجديد. لقد طلبت من طارق رمضان تصحيحها لكنه لم يغير شيئا في نص الأطروحة. اعتقد أنه استهزأ بي”.
ردة فعل طارق رمضان لم تكن هادئة. لجأ إلى إيريكا دوبر النائبة في حكومة جنيف وإلى زوجها جون زيغلر الأستاذ في جامعة جنيف والنائب البرلماني. الزوجان هددا بإبلاغ وسائل الإعلام وبإحداث فضيحة حقيقية. وتقول السيدة دوبر “لم يكن يستحق ألا تُقبل أطروحته”. إثر ذلك، اضطرت الجامعة إلى تكوين لجنة تحكيم ثانية، فتم قبول الأطروحة بعد إلغاء بعض الفقرات منها.
لم تنجح هذه التحفظات الأكاديمية التي رافقت قبول الأطروحة من وقف المشوار الجامعي لطارق رمضان الذي ذاع صيته عبر المحيطات والذي يتأهب لعبور المحيط الأطلسي هذا الصيف للتدريس بجامعة “نوتردام” الكاثوليكية العريقة في الولايات المتحدة.
طارق رمضان من مواليد 26 أغسطس عام 1962 في جنيف
حصل على إجازة في الفلسفة والأدب الفرنسي وعلى شهادة الدكتوراه في الحضارة الإسلامية من جامعة جنيف
عمق دراساته في العلوم الإٍسلامية في القاهرة بين عامي 1992 و1993
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.