موقع “التقدمية”.. محاولة لبلورة “إعلام بديل في زمن النفاق”
لا يتردد رياض الصيداوي مؤسس صحيفة "التقدمية" الألكترونية في جنيف في القول بأنه يعتبرها من الظواهر التي تمهد لـبروز "إعلام بديل"، بعيد عما يصفه بـ "النفاق" و "شراء الذمم بالمال" في زمن ثورات الربيع العربي.
وفي معرض تعريفه لها، يقول مؤسسها ورئيس تحريرها في حديث مع swissinfo.ch: “إن صحيفة التقدمية التي أسست قبل عام ونصف (بداية 2011) وفقا للقانون السويسري، والمرتبطة بمشروع المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية، كما يُفهم من عنوانها، تندرج في إطار الإعلام البديل، أي انها ليست من الإعلام الرسمي، ولا الإعلام شبه الرسمي مثل الجزيرة والعربية. وتحترم في نفس الوقت الضوابط المهنية المتعارف عليها، ولا تسقط في السفاسف أو الشتائم او الحملات الإعلامية”.
وبالنسبة للسبب الكامن وراء اختيار اسم “التقدمية”، يشرح الصيداوي أنه يأتي في سياق “نشر الديمقراطية، وتحرير المرأة العربية، ونشر إسلام عقلاني يتصدى لهذه الثقافة الجديدة التي أنتجها البترودولار، أي ثقافة الفتاوي الملكية”، على حد تعبيره.
وبخصوص الشعار الذي ترفعه “التقدمية”، والمستند للآية القرآنية رقم 34 من سورة النمل، يشير الصيداوي إلى أن الموقع يحمل “تصورا حضاريا للإسلام وللعروبة وللحياة الاجتماعية” كما أنه “على عكس هذا التجاذب بين العلماني اليساري التقدمي من جهة، والإسلامي العربي من جهة أخرى. بل يجمع الإثنين، بمعنى التوفيق الفعال”.
شيوخ صادقون وشيوخ منافقون
من حيث الأبواب التي تتطرق لها التقدمية يقول رياض الصيداوي: تتطرق لمواضيع يمكن القول أنها من المسكوت عنها في الإعلام العربي الرسمي، مثل فتاوي التقدمية. وهو باب يشرف عليه أستاذ دراسات إسلامية ويُصدر مجموعة فتاوى تتصدى لظاهرة تشويه الإسلام كالفتاوى المتحجرة من نوع منع المرأة من قيادة السيارة ، أو تحريم الفن التشكيلي، أو تحريم لعب كرة القدم، أو تحريم تصفح المرأة لصفحات الإنترنت بدون وجود محرم”.
فهي تقدم في نظره “فتاوى تواكب العصر ، وتنطلق من مفهوم لا كهنة في الإسلام، ومن هذا المنطلق من حق كل مجتهد ان يدلو بدلوه”. وتعمل التقدمية على ” تصنيف شيوخ الفضائيات الجدد وتبين للقارئ، رغم ان ذلك يصدم، أن هؤلاء يندرجون في إطار السلطة الملكية الثرية الجديدة التي اشترت بأموالها الإعلام والصحفيين واشترت في نفس الوقت الشيوخ ووظفتهم لصالحها”.
ويذهب رياض الصيداوي الى حد أن هؤلاء يرغبون في إعطاء صورة عن أن “الجمهورية رديئة في حين أن الملكية هي المفضلة في الإسلام”. ويقول “هذا خطأ أساسي جوهري لأن الإسلام اقرب الى الجمهورية بل هو جمهوري ديمقراطي باعتبار ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لا ملكا ولا ولي عهد”.
الربيع العربي والإمبراطوريات الإعلامية الخليجية
يعتبر رياض الصيداوي ان التقدمية تعاملت مع كل ثورات الربيع العربي بإيجابية وبدون انتقائية. ويقول “صحيح تنبأنا بالربيع العربي وبثوراته وذهبنا في ذلك بعيدا بحيث كنا أكثر إنصافا لثورات أخرى لا يتحدث عنها أحد، او قليل التحدث عنها في الإعلام العربي الكبير مثل الجزيرة والعربية مثل ما يحدث في البحرين او ما يحدث في المنطقة الشرقية في السعودية، وسلطنة عمان الخ … كما تبنينا في التقدمية قضية شاعر قطري مسجون لمجرد كتابته قصيدة ولا يتحدث عنه أحد”.
وينتهي في انتقاده لهذا التجاهل لوسائل اعلام كبرى مثل العربية والجزيرة بقوله ” لاحظنا بأن ثمة انحيازا لهذه الوسائل الإعلامية العربية الكبرى وانها تكيل بمكيالين”. ويرى أن ثورات الربيع العربي ” بينت بأن هذه الإمبراطوريات الإعلامية القطرية والسعودية من جزيرة وعربية وغيرها، نسبة الحرية فيها تساوي الصفر، لأن الحرية تبدأ بما يُسمى في علم الإعلام بقانون القرب أي ان تبدا باقرب شيء أي ان الجزيرة من المفروض أن تبدا بما يحدث اولا في الدوحة قبل الاهتمام بما يجري في تونس او الجزائر او سوريا. ونفس الشيء بالنسبة للعربية “.
من هذا المنطلق تغطي التقديمة بعض المواضيع المحرمة والمنسية والمهمشة. وقد جاءت قبل الربيع العربي ثم اندرجت في الربيع العربي وهذا ما جعلها تحقق ، في نظر مؤسسها “نجاحا جيدا ومرضيا الى حد الآن يتمثل في حوالي 6000 زيارة يومية”.
تنويع اللغة والمحتوى
التقدمية التي بدأت باللغة العربية هي اليوم تصدر بعدة لغات مثل الإنجليزية والفرنسية. وهناك نية في توسيعها الى اللغة الألمانية والإسبانية.
وبخصوص الفتاوى السياسية يرى رياض الصيداوي ” أن التقدمية كشفت الفتاوى السياسية التي يصدرها شيوخ لخدمة ملوكهم وأمرائهم، مثل الشيخ يوسف القرضاوي الذي افتى للناتو بقصف ليبيا او بالتدخل العسكري في سوريا، في حين عندما يوجه له سؤال حول تقييمه للملك عبد الله في السعودية او لأمير قطر فإنه يصمت ويقول لم افهم السؤال”.
كما أن التقدمية تعتمد على النص والصورة وعلى الفيديو، وذلك ” كما يقول رياض الصيداوي “للتأكيد والبرهنة عما نقوله وحتى لا يكون مجرد شائعات او مجرد ادعاء على الاخرين “. ويشير الى ان قناة التقديمة على اليو توب “بلغ عدد زوارها المليون زائر”.
ومن الأبواب التي يقول رياض الصيداوي ان التقديمة تنفرد بها باب الوثائق “سري جدا” لأننا نتوصل بوثائق سرية جدا فنحقق من طبيعتها وننشرها كما هي”.
وعن ردود فعل الدول المعنية بهذه الوثائق يقول رياض الصيداوي” الدول التي تتسرب منها هذه الوثائق بإمكانها أن تتصل بنا وتبرهن أنها خاطئة فنسحبها. كما اننا نشرنا تسجيلا لداعية في تونس ارسله لنا للتهجم علينا ولم نتردد في نشره “.
وللتقدمية باب يعنى بحرية المرأة وحقوق الإنسان. وبهذا الخصوص يقول رياض الصيداوي “كل مواطن يشعر بأنه مضطهد يستطيع أن ينشر قضيته على اروقة التقدمية ليُسمع صوته”.
ومن المحرمات التي تتطرق لها التقدمية ركن “مخابرات عربية” إذ يقول رياض الصيداوي “قد يبدو ذلك صادما للقارئ العربي لكن من يعيش في واربا او في أمريكا يعتبر ذلك امرا عاديا جدا أن تكتب عن أجهزة الاستخبارات باعتبارها أنها مؤسسة مثل البرلمان او الجيش او الحزب الحاكم”. وعن إدراج هذا البند يقول ” نحن أخذنا هذا النهج غير المألوف لدى الإعلام العربي، وكسرنا هذا الصنف من التابوهات، وبدانا نكتب عن هذه الأجهزة التي تمثل العمود الفقري لأغلب ان لم نقل لكل الدول العربية “.
حتى السي إن إن
من حيث الاقبال على محتويات التقدمية يقول رياض الصيداوي ” بان هناك اقبالا عليها من كافة الدول العربية ومن الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا. وأن هناك مصالح مثل وزارة الخارجية الأمريكية، ووزارة الدفاع من المواظبين على الزيارة إضافة الى جامعات ومعاهد اوربية وأمريكية ترغب في معرفة بعض الحقائق المعتمدة على الحجة والدليل”.
وبالنسبة لاهتمام وسائل الإعلام يذكر رياض الصيداوي أن هناك “ترددا من قبل العديد من وسائل الإعلام التي تنقل عنها تارة بذكر المصدر واخرى بدون ذكر المصدر. وخص بالذكر وسائل إعلام دولية مثل فرانس 24 بل حتى موقع شبكة سي إن إن الامريكية باللغة العربية التي نقلت عن التقدمية نشرها بالحجج خبر أن المواجهات التي تمت بين مصر والجزائر بسبب مباريات كرة القدم كانت بتحريض من السعودية”.
ولكن التقدمية التي تحظى بمتابعة في كل الدول العربية، تعرف منعا في المملكة العربية السعودية. لكن مع ذلك يرى مؤسسها رياض الصيداوي أن “العدد الكبير من قراء التقدمية هم من بلدان الخليج. و حتى في المملكة العربية السعودية هناك من يدخل للتقدمية عبر البروكسي لأنهم محرومون من معرفة ما يحدث في بلدانهم”.
سويسري من أصل تونسي من مواليد عام 1967 في بوحجلة بتونس. مدير المركز العربي للدراسات السياسية والإجتماعية (مقره في جنيف) ومؤسس ورئيس تحرير “التقدمية” (صحيفة على شبكة الإنترنت).
تخصص في الكتابة عن الحركات الإسلامية والجزائر والديمقراطية في العالم العربي. ويشارك في عدد من وسائل الإعلام الناطقة بالعربية أو المهتمة بالأوضاع في بلدان المنطقة.
من خريجي معهد الصحافة في تونس في عام 1992، ثم الدراسات السياسية في عام 1995، قبل أن يسافر الى سويسرا ويتابع دراسته في جامعة جنيف بالمعهد العالي لدراسات التنمية، ويتخرج منه في عام 1997. وهو بصدد إعداد شهادة دكتوراه حول موضوع “الحركات الإسلامية والأنظمة السياسية في العالم العربي”.
لرياض الصيداوي عدة مؤلفات منها:
حوارات ناصرية صدر في عام 1992، هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية (1993)، صراعات النخب السياسية والعسكرية في الجزائر: الحزب، الجيش، الدولة (2000)، جون زيغلر يتحدث للعرب (2003)، معارك عبد الناصر( 2003).
صدرت له أيضا بالفرنسية عدة كتب منها: الحركة الإسلامية في الجزائر.. ثورة في الطريق (1998)، الفيس، الجيش، الجماعات الإسلامية المسلحة: المنتصر والمنهزم (2002).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.