“ومـيـض” عربي سويسري
تطرح اليوم 17 فبراير إحدى شركات الإنتاج الموسيقي على مستمعيها تجربة فنية جديدة من نوعها.. غناء عربي مصحوب بالعود مع مؤثرات صوتية إليكترونية ولمسات من الجاز، ليخرج "وميض" هذه التجربة الفنية الجديدة من سويسرا.
فاستخدام الآلات الشرقية أصبح ظاهرة متكررة في الموسيقى الغربية، من الجاز إلى البوب والروك.
“وميض” … لا يوحي هذا العنوان إلا بألبوم موسيقي هادئ لاسيما وأن الصورة المصاحبة له رمادية تجع بين الأسود والأبيض في تعانق بين درجات اللونين مع اسمين اثنين فقط على الغلاف، هما كميليا جبران وفرنر هازلر.
إلا أن المقطوعات تنقلك على عالم ممتلئ بالمعاني والصور الشعرية والفنية، ترافقك فيه أطياف موسيقية مختلفة، بين العود وآلات النفخ والمؤثرات الموسيقية الإيقاعية، ترى فيها صورة بعيدة عن المكان والزمان، فالموضوعات التي يقدمها الألبوم ذات طابع إنساني، أضفت عليها المعالجة الموسيقية طابعا عالميا.
تفاعلت كميليا جبران مع معاني الكلمات، وأظهرت ذلك في التركيز على جمل موسيقية غير مألوفة أحيانا على الأذن العربية ولكنها ليست نشازا، حيث حاولت أن تلحن المعنى وليس الكلمة أو الجملة، وتنقلت بسلاسة بين درجات الصوت دون أن تشعر المستمع بذلك، حيث حرصت على جذب تركيز المستمع إلى معاني القصائد التي تقدمها.
فرانز هازلر عازف الجاز السويسري تفاعل أيضا مع معنى الكلمات والأداء والألحان التي قدمتها كميليا جبران، ونسج معها رؤيته الإيقاعية واللحنية، بشكل لا يشعر فيه المستمع بأنه خرج عن سياق الكلمات أو الهدف منها، بل ساعدت على أن تضع الصورة كاملة، بلمسات تفاعلت مع المعاني الكلمات دون أن تخرج عن إطارها، بل في بعض الأحيان كانت تدعم المعنى، وتطغى عليه في السرعة والقوة، وفي مقاطع أخرى ينسحب من مقدمة الصورة، ليبقى مداعبا مسامع القارئ بنغمات بريئة تحافظ على قوة المعنى.
ففي أغنية “غريبة” من أشعار جبران خليل جبران، يستكمل صورة الخوف والقلق التي تعبر عنها كميليا عندما تغني ” في الغربة وحدة قاسية ووحشة موجعة”، ثم تلهث مع إيقاعه عندما تسمع أغنية “الشاطئ الآخر” من كلمات ديمتري أناليس وهي تقول “لم نرد أن نستسلم للأحلام، أن نستسلم للأوهام”، ليرفع من الشعور بالتحدي بهذا الواقع المرير الذي يشعر به كل من أجبرته الظروف على هجرة وطنه.
نغمات شرقية وإيقاعات غربية
ولا تختفي النغمة الشرقية من الحان كميليا جبران، فهي تظهر مثلا في “انكمش” من كلمات عائشة أرناؤوط، و”الحب أصعب” من كلمات سوسن دروزه، ولكنها بقيت في إطار حرية التقيد من المقام الموسيقي، لتشعر وكأنها فراشة تتنقل من زهرة إلى أخرى في رشاقة وخفة، أو موجة بحر تميل إلى الغضب فتثور ولا تعبأ بصخرة تواجهها، أو تهدأ فتداعب حبات الرمال، وكأنها أم تهدهد رضيعها.
تقدم كميليا جبران نوعا من الموسيقى الحرة، التي ينطلق فيها المؤدي والعازف بأحاسيسه مع الكلمات، جسدتها الفنانة الفلسطينية في عزفها على العود وأدائها الذي نقلت به مشاعر القلق والخوف، مع نبرات من التساؤل والحذر ممزوجة بالسخرية أحيانا وتارة أخرى بالتحدي.
قد يكون الجديد في ألحان واداء كميليا جبران أن المستمع يركز على الكلمات بشكل أكثر من التركيز على الجملة اللحنية، بينما تضع الموسيقى والإيقاع الهيكل العام للمقطوعة، لتخرج في النهاية وكأنك كنت تستمع إلى محاضرة ثرية بالمعاني والمفاهيم، أو وجبة دسمة متعددة الأصناف.
موسيقى الشرق في جبال الألب
“وميض” ليست فقط ألبوم موسيقي، لكنها تجربة تثبت على كل حال أن اختلاف الثقافات لا يعني عدم فهم الآخر، فهازلر عازف الجاز فنان سويسري لا يعرف العربية، وكميليا لها خلفيتها في الموسيقى الشرقية والعربية، وعازفة جيدة للعود، ودرست مقامات الموسيقى الشرقية وتغنت ببعض ألحان التراث في فترات سابقة، قبل أن تستقل برؤيتها الفنية الجديدة.
تجربة الثنائي جاءت مثيرة. فهو لا يعرف عن تركيبة الموسيقى العربية شيئا، واستقى معرفته من خلال عمله المشترك مع كميليا جبران، وهو ما أثرى هذا العمل، إذ كان عليه أن يدرس المقطوعات بشكل كاف، ويفهم معاني الكلمات، ثم يطابق ما لحنته كميليا قبل أن يضع بصماته عليها، ثم يناقشان سويا الصورة النهائية للأغنية.
إنتاج مثل هذه الأعمال الفنية يحتاج إلى مجازفة من شركات الإنتاج، لكن كونها جديدة فمن السهل أن تصبح مثيرة للمستمع السويسري والأوروبي، الذي يميل إلى سماع كل جديد في الموسيقى، لاسيما وأن ظاهرة انتشار الآلات الموسيقية العربية في فرق الموسيقى الغربية سواء في الجاز أو الروك أو البوب أصحبت تقليعة يحرص عليها بعض الموسيقيين للتعبير عن التعددية الثقافية في أوروبا، وربما ذلك ما شجع هيئة الثقافة في كانتون برن ومؤسسة الثقافة والتنمية السويسرية على دعم هذا العمل الموسيقي.
لقد شهدت سويسرا أول تجارب مثل هذا التعاون بين الموسيقار المصري فتحي سلامة وفريق مانياك السويسري في جنيف في عام 1996، أسفر عن إنتاج عملين مشتركين، ثم ظهر المغربي سمير الصاحبي الذي جمع بين موسيقى الجاز الحديثة والفنون الشعبية المغربية، ثم أضاف إليها إيقاعات الريغيreggae، لتصبح موسيقاه أشبه بجولة بين جبال أطلس والألب:
وفي السياق نفسه، ظهرت في برن أسيتا حميدي التي تمكنت من مزج سحر موسيقى الشرق، بفضل أصولها الإيرانية، مع أنغام الغرب في تناغم شد انتباه الكثيرين من نقاد الموسيقى، فكان من الطبيعي وسط هذا الخضم أن يتأثر الموسيقي السويسري نيكولا ماير بهذا التيار الجارف، ليصدر آخر ألبوم له تحت اسم “الشرق”.
سويس انفو – تامر أبوالعينين
يتضمن البوم وميض 11 قصيدة من الشعر الحر الحديث في تلحين مشترك بين الفلسطينية كميليا جبران والسويسري فرنر هازلر.
يظهر الالبوم في السوق السويسري في 17 فبراير، وتصحابه مجموعة من الحفلات في سويسرا وفرنسا.
تقيم كميليا جبران بين باريس وبرن، ولها مشاركات مختلفة في الفعاليات الثقافية في أوروبا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.