ثلاثـةُ وزراء يخرجون من صمتهم
عبر ثلاثة وزراء سويسريين عن موقفهم من مزاعم وجود سجون سرية أمريكية في أوروبا، والتقاط المخابرات السويسرية لرسالة فاكس مصرية تؤكد تلك المزاعم.
وابتعدت تصريحات الوزراء عن موقف نائب مجلس الشيوخ السويسري ديك مارتي الذي كلفه المجلس الأوروبي بالتحقيق في القضية والذي انتقد “السلبية” السويسرية والأوروبية إزاء واشنطن.
جاء أول رد فعل لوزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري حول نشر صحيفة “سونتاغس بليك” يوم 8 يناير الجاري لفحوى وثيقة سرية التقطتها أجهزة المخابرات السويسرية تؤكد وجود مراكز اعتقال أمريكية سرية في أوروبا في صحافة يوم الأحد 15 يناير (“نويه تسورخر تسايتونغ” الصادرة بالألمانية في زيورخ و”لوماتان” الصادرة بالفرنسية في لوزان).
الوزيرة الاشتراكية أعربت عن اعتقادها أن مضمون الوثيقة السرية ليست “مُذهلة”. في المقابل، اعتبرت نشر الوثيقة “مشكلة حقيقية تسيء إلى مصداقية سويسرا”.
وأوضحت السيدة كالمي ري في تصريحاتها للصحيفتين أن الدول التي وردت أسماؤها في الوثيقة كبلدان تأوي مراكز اعتقال سرية تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية “سي أي إي” (رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا ومقدونيا وإقليم كوسوفو) لم تكن “مسرورة بتوجيه أصابع الاتهام إليها”، وأنها ردت الفعل بـ”قدر من المرارة” على حد تعبير الوزيرة.
واستطردت قائلة: “إنها (البلدان المذكورة) تطلب منا الآن تقديم الدلائل. ونحن لا نتوفر عليها في الوقت الراهن. لكننا موافقون على إطلاعها على المعلومات التي بحوزتنا”.
نفي “سلبية” السلطات الفدرالية
وحرصت وزيرة الخارجية على التذكير بأن سويسرا مستعدة للرد “قدر الممكن” على أسئلة مُُحقق المجلس الأوروبي، نائب مجلس الشيوخ السويسري ديك مارتي.
وأوضحت السيدة كالمي ري في هذا السياق أن برن توصلت بطلب معلومات من الأمين العام للمجلس الأوروبي، وأنها تنوي الاستجابة للطلب إلى نهاية يناير الجاري.
ورفضت الوزيرة الاتهامات التي وجهها السيد ديك مارتي لسويسرا والعديد من الدول الأوروبية يوم الجمعة 13 يناير في مدينة بورغدورف السويسرية على هامش أعمال اليوم السنوي للحزب الراديكالي السويسري.
وقد ندد السيد مارتي بما وصفه بـ”السلبية” التي تتعامل بها الحكومة السويسرية والحكومات الأوروبية إزاء نشاطات وكالات الاستخبارات الأمريكية في أوروبا.
ويرى نائب مجلس الشيوخ السويسري الذي كلفه المجلس الأوروبي في 5 نوفمبر الماضي بالتحقيق في مراكز الاعتقال السرية في أوروبا، أن “سلبية” السلطات السويسرية والأوروبية إزاء هذا الملف “مثيرة للصدمة”. ويعتقد السيد مارتي أن بعض الدول تعاونت مع واشنطن وأن البعض الآخر تسامح مع نشاطاتها في هذا الإطار.
وشدد مارتي على أن سويسرا لا يجب أن تقبل بهذا الوضع في أي حال من الأحوال، وأنه يتعين عليها أن تقف بوضوح إلى جانب احترام حقوق الإنسان.
عن هذه النقطة، ردت وزيرة الخارجية بالقول: “إن سويسرا من بين الدول الأكثر مثابرة للحصول على معلومات حول النقل المُحتمل للمعتقلين (بين المراكز السرية) خارج إطار القانون”.
وذكـّرت السيدة كالمي ري بأن برن ردت الفعل منذ يونيو الماضي عندما طلبت تفسيرات من الولايات المتحدة. ووعدت الوزيرة: “سنواصل طلب توضيحات منها”.
“سويسرا ليست حارسة ضمير العالم”
وكان وزيرا الداخلية باسكال كوشبان والمالية هانز رودولف ميرتس قد عبرا عن موقفهما من هذا الملف يوم السبت 14 يناير على هامش تجمع نواب الحزب الراديكالي في بيرتو (كانتون برن).
وقال السيد كوشبان “أعتقد أن سويسرا ليست حارسة ضمير العالم”. وفي تصريح لتلفزيون سويسرا الروماندية (TSR)، أعرب وزير الداخلية عن اعتقاده انه يجب الحفاظ على العلاقات الجيدة بين سويسرا والولايات المتحدة، موضحا أن برن ليس لها أن تعطي دروسا لواشنطن.
وأضاف في هذا الصدد “يجب إيلاء قدر من الاحترام لدولة ديمقراطية كبيرة تقود نقاشا حول كيفية محاربة الإرهاب”.
وفي تصريح لإذاعة سويسرا الألمانية (DRS)، قال السيد كوشبان “إن سويسرا تدافع بالفعل على المبادئ الخلقية، لكنها ليست “سانت سييج” (فاتيكان) حقوق الإنسان”، مضيفا أن “الحكومة الفدرالية مسؤولة عن علاقات سويسرا مع باقي العالم. والحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة من ضمن مسؤوليتها”.
من جانبه، أوضح وزير المالية هانس رودولف ميرتس في تصريح لتلفزيون سويسرا الروماندية أنه يتفهم ردة فعل محقق المجلس الأوروبي ديك مارتي. في المقابل، ذكر وزير المالية أن الحكومة السويسرية ليست لديها الآن سوى الشبهات والشكوك ولا تتوفر بعد على أدلة ملموسة.
ووعد السيد ميرتس أنه “فور التمكن من الحكم على الملف استنادا لوقائع، لن نتردد في اتخاذ موقف. وإذا ما تم بالفعل انتهاك حقوق الإنسان، سنضطر إلى التحرك”.
غالبية الرأي العام مع مارتي
وقد أوضح سبر آراء نشرته يوم الأحد 15 يناير صحيفة “سونتاغس بليك” أن زهاء 75% من السويسريين يأملون أن تحتج الحكومة الفدرالية لدى واشنطن حول قضية وجود سجون سرية تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية “سي أي إي” في أوروبا. 20 % فقط من المُستجوبين يؤيدون تحفظ سويسرا الرسمية في هذه القضية.
وقد شمل سبر الآراء الذي أنجزه معهد “إيزوبوبليك” 1000 شخص من سويسرا الروماندية المتحدثة بالفرنسية وسويسرا المتحدثة بالألمانية.
وحسب نتائج نفس الاستطلاع، أعرب ثلثا المستجوبين عن اعتقادهم أنه كان يتعين على الحكومة السويسرية إعلام نائب مجلس الشيوخ السويسري ومحقق المجلس الأوروبي ديك مارتي برسالة الفاكس المصرية التي التقطتها أجهزة الاستخبارات السويسرية، قبل أن يعلم بالأمر من وسائل الإعلام.
سويس انفو مع الوكالات
يوم 8 يناير 2006، نشرت صحيفة “سونتاغس بليك” السويسرية نسخة من وثيقة سرية التقطتها أجهزة المخابرات السويسرية.
النسخة عبارة عن ترجمة لرسالة فاكس من مكتب الشؤون الأووبية التابع للخارجية المصرية موجهة إلى سفير القاهرة في لندن. وتقدم الوثيقة “أدلة” على وجود سجون أمريكية سرية في دول أوروبية.
أثار حادث تسريب الوثيقة السرية الى وسائل الإعلام مخاوف الأوساط السياسية السويسرية التي عبرت عن مخاوفها من مصداقية أجهزة المخابرات السويسرية.
تم فتح تحقيق جنائي عسكري ضد رئيس تحرير الصحيفة واثنين من الصحفيين بتهمة نشر أسرار عسكرية.
17 يونيو 2004: أكدت منظمة “هيومن رايتس واتش” المدافعة عن حقوق الإنسان للمرة الأولى بأن الولايات المتحدة تعتقل ارهابيين في 15 سجنا سريا في العالم.
7 نوفمبر 2005: كلف المجلس الأوروبي نائب مجلس الشيوخ السويسري ديك مارتي بالتحقيق في مراكز الاعتقال السرية في أوروبا ونقل الأسرى بين تلك المعتقلات على متن الطائرة.
14 ديسمبر 2005: طلب البرلمان الفدرالي من الحكومة السويسرية تقريرا عن مزاعم نقل معتقلي وكالة الاستخبارات الأمريكية سي أي إي بين مراكز اعتقال سرية. وفتح مكتب المدعي العام الفدرالي بدوره تحقيقا في القضية.
8 يناير 2006: كشفت صحيفة “سونتاغس بليك” أن اجهزة المخابرات السويسرية التقطت رسالة فاكس مصرية تؤكد ان وكالة الاستخبارات الامريكية تجري تحقيقات مع معتقلين في مراكز سرية في أوروبا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.