جدل حول تعاون أمني سويسري أمريكي
كشف تقرير برلماني أن مكتب المدعي العام الفدرالي طلب من السلطات الأمريكية عرض صور لإسلاميين سويسريين محتملين، على أشخاص معتقلين في غوانتانامو.
هذه المعلومة، أثارت ردود فعل شديدة ومنتقدة من طرف برلمانيين وخبراء في القانون الدولي ومنظمات حقوقية.
مرة أخرى، يثير التعاون القائم بين مكتب المدعي العام الفدرالي والولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، المزيد من الجدل في سويسرا. هذه المرة، عاد الحديث مجددا عن مسألة سبق أن أعلِـن عنها، وتتمثل في أن محققين سويسريين طلبوا معلومات من معتقلين في غوانتانامو حول أشخاص مشتبه بهم في سويسرا.
فقد كشفت صحيفة بليك، الواسعة الانتشار (تصدر بالألمانية في زيورخ) يوم الاثنين 29 يناير، أن لجنة التصرف التابعة لغرفتي البرلمان قد تطرقت إلى هذا الموضوع في تقريرها السنوي، المنشور قبل بضعة أيام.
اللجنة استطلعت المعلومات التي تحدثت عن أن صورا فوتوغرافية قد تكون عُـرضت على أشخاص معتقلين في غوانتانامو وحصُـلت على توضيحات من مكتب المدعي العام الفدرالي، أفادت بأنه قد توجّـه بطلب إلى الهيئة القضائية الأمريكية المختصة عن طريق التعاون الأمني الدولي.
وتضمن ردّ مكتب المدعي العام أن الهدف من هذه الخطوة، كان يتمثل في معرفة ما إذا كان بعض المعتقلين يعرفون الأشخاص الذين يجري التحقيق معهم في سويسرا، وما إذا كان هؤلاء الأشخاص قد شوهدوا في معسكرات تدريب في أفغانستان أو في جوارها. وقد حصُـل مكتب المدعي العام الفدرالي على أجوبة على هذه الأسئلة عبر الطريقة المعتمدة في إجراءات التعاون القضائي بين البلدين.
مفوضية لجان التصرف في البرلمان الفدرالي، اعتبرت أن الأجوبة التي تلقّـتها من مكتب المدعي العام الفدرالي، مُـرضية، ورأت أنه لا توجد ضرورة لاتخاذ المزيد من الإجراءات في إطار المهام الموكلة إليها بمراقبة أداء السلطة التنفيذية عموما.
ردود فعل غاضبة
هذا التفسير الذي أوردته اللجنة البرلمانية في تقريرها السنوي، لم يكن كافيا. فقد اندلع جدل سياسي وقانوني وحقوقي، شاركت فيه الأطراف المعنية من خلال تصريحات حادة وتهديدات باللجوء إلى استجواب الحكومة أمام البرلمان.
النائب دانيال فيشر (من حزب الخُـضر – زيورخ)، رئيس لجنة الشؤون القانونية في مجلس النواب، لم يتردد في تصريحات أدلى بها إلى الإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية، في القول “إنها فضيحة أن يتعاون الادعاء الفدرالي مع غوانتانامو، حيث انتُـزعت اعترافات تحت التعذيب”، ووعد بإطلاق “نقاش سياسي” حولها في البرلمان.
من جهته، لم يُـخفِ النائب جاك سيمون إيغلي (ليبرالي – جنيف)، انزعاجه بشأن الحصول على معلومات من غوانتانامو، وأوضح في تصريحات للإذاعة السويسرية الناطقة بالفرنسية “إنني أفضل أن لا تضع سويسرا أصابعها في هذه المنطقة، الخارجة عن القانون”.
الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية ندّد من جانبه بما وصفه “الخطاب المزدوج لسويسرا”، فمن جهة، تطالب سويسرا بأن يتم احترام الفصل المتعلق بحظر التعذيب في معاهدات جنيف في معتقل غوانتانامو، وفي الوقت نفسه، يتعاون مكتب الادعاء العام الفدرالي مع المؤسسات المسؤولة عن سوء المعاملة التي يتعرض لها المعتقلون في القاعدة الأمريكية، مثلما يقول يورغ كيلير، المتحدث باسم المنظمة، مضيفا: “إننا مصدومون”.
الحكومة الفدرالية كانت على عِـلم
في سياق متصل، لا يبدو أن الادعاء العام الفدرالي قد تحرّك “بشكل منفرد”، مثلما ردد البعض في العاصمة الفدرالية بعد نشر تقرير صحيفة بليك، بل إن الحكومة الفدرالية كانت على عِـلم بما يحدُث.
ففي ردها على مساءلة برلمانية، تقدّم بها النائب ألكسندر بومان (حزب الشعب السويسري – زيورخ)، واستنكر فيها “بعض الأساليب المستعملة من طرف المدعي العام الفدرالي، مثل محاولة كلود نيكاتي، الحصول على معلومات حول غوانتانامو لا تتلاءم تماما مع القانون السويسري” (حيث تطرق النائب بالتحديد إلى قضية بنك التقوى)، قالت الحكومة في ردها المؤرخ يوم 29 سبتمبر 2006، “على الرغم من أن قضاة تحقيق وأعوان شرطة من دول أوروبية أخرى تحولوا إلى غوانتانامو لإجراء تحقيقات، فإن المدعي العام الفدرالي والشرطة القضائية الفدرالية، تراجعوا عن التحول على عين المكان وفضلوا – عن طريق المساعدة الأمنية – طلب خدمات الشرطة القضائية الأمريكية، وهي الجهة المسؤولة فيما يتعلق بالقواعد الجوية لهذا البلد، وبالتالي، لغوانتنامو أيضا”.
كما أكّـدت الحكومة في ردها على أنه “نظرا لأن الموضوع الوحيد لهذا الطلب كان يتمثل في معرفة ما إذا كان الأشخاص المتهمون في سويسرا معروفون لدى معتقلين أو ما إذا كان هؤلاء الأشخاص قد شوهدوا فعلا في معسكرات تدريب في أفغانستان أو في أماكن قريبة منها”.
هذا الطلب المشار إليه، الذي يندرج في إطار المساعدة القضائية، الذي تمّ في سياق تحقيق يتعلّـق بخمسة أشخاص يمنيين وصومالي وعراقي، يُـحاكمون حاليا من طرف المحكمة الجنائية الفدرالية بتهمة “الاحتفاظ بعلاقات مع منظمات إرهابية”، تقدّمت به مباشرة الشرطة القضائية الفدرالية إلى مكتب التحقيقات الفدرالي FBI، وجاء الرد عليه إلى الشرطة وإلى مكتب المدعي العام الفدرالي “عن طريق الإرسال العادي”، مثلما جاء في رد الحكومة.
هذا الرد حُـرر من طرف وزارة العدل والشرطة، لكنه – وعلى غرار كل ردٍّ كتابي على أية مساءلة برلمانية – عُـرض على جميع أعضاء الحكومة الفدرالية، وهو ما يعني أنه لا يمكن لأي وزير أن يزعم أنه لم يكن على عِـلم أن سويسرا حاولت الحصول على معلومات من أشخاص معتقلين في غوانتانامو.
وفيما يؤكّـد مكتب المدعي العام الفدرالي أنه تصرّف طِـبقا لمقتضيات القانون السويسري، يتركّـز الجدل حول الطريقة التي تمكّـن بها الأمريكيون من الحصول على معلومات في معتقل غوانتانامو لحساب سويسرا، نظرا لأن المعتقلين لا يُـدلون عادة باعترافات، إلا بعد خضوعهم للتعذيب، لذلك، يعتبر المنتقدون أن سويسرا – بإقدامها على هذه الخطوة – قد تكون موافقة على ما يحدُث في غوانتانامو، نظرا لأنها تستفيد منه.
في المقابل، يرفض بعض الخبراء هذه الحجّـة، ويذهبون إلى أن استنطاق معتقلين في غوانتانامو، أمر يجب القبول به في إطار مكافحة الإرهاب، خصوصا وأن الاعترافات المحتملة يُـمكن أن تساهم في ضمان أمن الأشخاص (إذا ما سمحت بتجنّـب حدوث هجمات إرهابية)، كما أن هذا لا يجب أن يحول دون قيام سويسرا بواجبها من خلال التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان.
لكن فولفغانغ فوهلرس، أستاذ القانون الجنائي، لا يشاطر هذا الرأي، ويقول في تصريح لوكالة الأنباء السويسرية “إن المدعي العام الفدرالي أشبه بمن يُـطلق رصاصة على قدمه، إنه من غير الممكن استعمال أدلة أمام محكمة، متأتية بشكل غير مباشر من اعتراف انتُـزع تحت التعذيب”.
“ليست لها أي قيمة”
ومع أن تقرير اللجنة البرلمانية لا يورد تفاصيل عن طبيعة المعلومات، التي قد يكون أعوان الأمن الأمريكيين قد تمكّـنوا من الحصول عليها، إلا أن الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية استنكر الخلاصات التي توصلت إليها اللجنة، ودعا على لسان المتحدث باسمه إلى ضرورة استصدار قوانين “تحظر على أية مؤسسة سويسرية التعاون مع هيئة تأكّـدت ممارستها للتعذيب”، وأضاف يورغ كيلير “إن سويسرا ليست مؤتمنة على معاهدات جنيف حول حقوق الإنسان فحسب، بل وقعت أيضا على المعادة الدولية ضد التعذيب”.
هذه المعاهدة تحظر على أية محكمة استعمال معلومات تمّ الحصول عليها تحت التعذيب، لذلك، يشكّـك النائب فرانس فيكي (من الحزب الديمقراطي المسيحي – لوتسرن)، رئيس لجنة الشؤون القانونية في مجلس الشيوخ، في أن تكون للأجوبة المحتملة، المقدّمة من طرف معتقلين في غوانتانامو، أية فائدة، لأن “أدلة” من هذا القبيل، ليست لها أية قيمة بالنسبة لرجل القانون.
أخيرا، يُـقرّ التقرير السنوي لعام 2006، الصادر عن لجان التصرف في البرلمان الفدرالي في الصفحة رقم 109، بأنه “قد تمّ الاستعلام عن قضية الصور التي قد تكون عُـرضت على معتقلين في سجن غوانتانامو وعن الأسس القانونية المتعلقة بها” ويكتفي بالنتيجة المتمثلة في “أنه لا يوجد مُـبرر لاتخاذ المزيد من الإجراءات تحت مُـسمّـى المراقبة العليا لمكتب الادعاء العام الفدرالي”، إلا أن هذه الخلاصة قد لن تكون كافية لوضع حدٍّ للجدل القانوني والسياسي والحقوقي، الذي أثارته هذه القضية في سويسرا.
سويس انفو مع الوكالات وصحيفة لوتون الصادرة في جنيف
كشفت صحيفة بليك الواسعة الانتشار، أن مكتب المدعي العام الفدرالي قد بعث عن طريق الأمريكيين بقوائم أسماء وصور لأشخاص مشبوهين في سويسرا إلى معتقلين في قاعدة غوانتانامو في محاولة للحصول على معلومات بشأنهم.
الحكومة الفدرالية كانت على عِـلم بهذه الخطوة، ولم تسجل أي اعتراض عليها.
ورد في التقرير السنوي لعام 2006 لمفوضية لجان التصرف في البرلمان الفدرالي، أن التفسيرات التي قدمتها الحكومة حول هذا الموضوع، كافية، وقررت عدم التوسع في متابعة الموضوع.
انتقد نواب وحقوقيون ومنظمات دفاع عن حقوق الإنسان لجوء سويسرا إلى مثل هذه الممارسات وهدد سياسيون بطرح الموضوع مجددا في دورة الربيع للبرلمان في شهر مارس القادم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.