جدلٌ حول صلاحيات الملك
أتت التصريحات من الأصولية واليسارية، من السياسيين والحقوقيين، لغتها ومفرداتها مختلفة، لكن محورها واحد: صلاحيات الملك دستوريا وسياسيا.
تحديد هذه الصلاحيات وتقليصها بحيث تصبح الملكية في المغرب ملكية “تسود ولا تحكم” هي المطالب التي تتبلور الآن في بلد ينص دستوره الحالي على أن الملك شخص مُقدس.
عدم إثارة زوابع سياسية على تصريحات لتطوير الملكية في المغرب، لا يعني أن ما تضمنته هذه التصريحات قد وُضع على الرفوف وأصبح خارج الاهتمام السياسي والدستوري في المغرب، الذي يسعى ويبذل فيها جهودا للتقدم على طريق الديمقراطية الذي بات، على الأقل بالشعارات المرفوعة، طريقا عربيا إلزاميا برغبة الحاكمين أو بدون رغبتهم.
أتت التصريحات من الأصولية واليسارية، من السياسيين والحقوقيين، لغتها ومفرداتها مختلفة، لكن محورها واحد، صلاحيات الملك دستوريا وسياسيا، وبالتأكيد المطالبات هي تحديد هذه الصلاحيات وتقليصها.
مصطفى الرميد، أحد القيادات المتشددة في حزب العدالة والتنمية الأصولي المعتدل، أطلق الإشارة الأولى في مقال صحفي، عاد فيما بعد وفصل موقفه في حوار مطول وكان معه عبد الحميد أمين، اليساري ورئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
وطرح الاثنان أفكارهما قُـبيل أيام من عقد مؤتمر حزب الرميد وجمعية أمين، وقد يكون التوقيت مقصودا من كل منهما لحسابات انتخابية، وهو ما حفّـز البعض لمنح ما طرحاه هذه الدواعي والتفسيرات، إلا أن كلا منهما طرح ما طرحه دون أن يستكين أو يتراجع ويؤكّـد على أن التوقيت مجرد مصادفة.
“ملك يسود ولا يحكم”
وتتمحور الأفكار الواردة في التصريحات حول المطالبة بملكية تسود ولا تحكم، إذ طالب مصطفى الرميد بمحوره دور الملك بإمارة المؤمنين، حكما للفعل الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد، يمسك بزمام الأمور ويمنع خروجها عن أصول الدين وأسسه وثوابته، وبالنسبة إليه، فإن المطلوب هو حكومة فاعلة ذات صلاحيات وسلطات للتدبير اليومي الذي لا يمارسها الملك. فالممارسة اليومية تنتج بالتأكيد أخطاء، ويجب أن يخضع ممارسوها للتقييم (السلبي أو الإيجابي)، وبما أن شخص الملك، حسب الدستور شخص مقدس، فلا يمكن محاسبته، وهذا ما يناقض الديمقراطية.
ويطالب عبد الحميد أمين بدستور جديد لا يتضمن الفصل 19 الذي ينص على أن الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملّـة والدين ويمنحه صلاحيات، تجعل تدبير البلاد بيده، دون أن يكون خاضعا للمحاسبة، والدستور الجديد الذي يطالب به أمين يجب أن يتضمن فصلا واضحا للسلطات، وأن يكون الملك يسود ولا يحكم.
المطالبات التي أعلنت وأثارت ردود فعل حتى الآن محدودة، لا تُـعرض صاحبيها للمساءلة القانونية، فهي ليست خارجة عن القانون. فهي تقر بالملكية وبإمارة المؤمنين للملك، لكنها ومن داخلها، تطالب بالتطوير والتحديث لتتناسب مع الدعوات المكثفة حول الديمقراطية التي ارتفعت على المستوى العالمي، خاصة في المنطقة العربية، وباتت شعارا للحاكمين والمحكومين.
والمغرب، على ضوء ما عرفه خلال العقد الماضي من انفراج واسع في العلاقة بين القصر والقوى السياسية، وانفتاح ملحوظ في ميدان الحريات العامة وحرية التعبير وحقوق الإنسان، يعرف منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم عام 1999 نقاشات في قضايا كانت قبل ذلك تعتبر محرمة أو على الأقل غير مقبول الاقتراب منها، ولا يُـنظر للمقتربين بعين الرضى.
سنوات الجمر
فعلى الصعيد الحقوقي، باتت المكتبات تضم عشرات الكتب عما يُـعرف بسنوات الجمر أو سنوات الرصاص، عقدي الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات، وهي السنوات التي عرفت مواجهات كانت في كثير من الأحيان دموية وشرسة بين النظام ومعارضيه.
والندوات تُـعقد هنا أو هناك حول هذه السنوات، يتحدث فيها ناشطون في تلك المرحلة ومن دفعوا ثمنها سجنا وتعذيبا واغترابا، وذهبت السلطات تبعد من ذلك في استحداث مؤسسات لفتح ملفات هذه المرحلة تمهيدا لإغلاقها بشفافية، بالإضافة إلى تعويض المتضررين من الانتهاكات التي شهدتها تلك العقود.
لم يصل النقاش السياسي والدستوري إلى المستوى الذي وصل إليه النقاش الحقوقي، ومطالبات الرميد وأمين لم تتلوها إشارات عن فتح نقاش منظم حول مسألة الإصلاحات السياسية والدستورية، خاصة ما لا يتعلق بصلاحيات المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية والفصل بينها، مثل تلك النقاشات التي شنّـها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الاستقلال في خريف 1991 بمذكرة مشتركة رسمية وجّـهت للقصر، وتضمنت وبوضوح أفكارا حول هذه الصلاحيات والتي تعني بوضوح تقليص صلاحيات الملك وتوسيع صلاحيات مجلس النواب والوزارة الأولى.
ولقد أسفرت تلك النقاشات في حينه عن دستور عام 1992 الذي كان بالنسبة للحزبين غير كاف، ولم يساعد على إدخال البلاد مرحلة العمل المشترك بين القصر وهذين الحزبين في تدبير شؤون البلاد، لكنه كان تمهيدا لدستور عام 1996 الذي وضع البلاد على طريق التناوب، وتولي الاتحاد الاشتراكي من خلاله حكومة زعيمه عبد الرحمن اليوسفي إدارة البلاد في حدود ما منحه الدستور من سلطات.
المطالبة بإصلاحات دستورية
وكشفت سنوات الممارسة لحكومة التناوب الأولى والثانية، ثم تكليف ادريس جطو بالوزارة الأولى وإبقاء اختيار الوزير الأول من اختصاص الملك، بغض النظر عن ما تُـعطيه صناديق الاقتراع، قصور تلك التعديلات لمجاراة ما عرفه المغرب من تطور سياسي واجتماعي، وأيضا عن “الشروط” اللازمة لديمقراطية مستديمة وسليمة ومساهمة في التنمية.
وتجري في أوساط الأحزاب الديمقراطية، ومنذ انتخابات عام 2002 وما تلاها، نقاشات حول ضرورة العمل على إصلاحات دستورية، وإن كانت أوساط أخرى في هذه الأحزاب ترى أن تطبيقا سليما لما هو موجود، يمكن أن يكون في هذه المرحلة كافيا لإنجاز مهام ديمقراطية تحديثية وتنموية في البلاد.
وإذا كان حزب العدالة والتنمية قد سارع إلى النأي بنفسه عن تصريحات الرميد دون أن يدينها أو يعلن رفضها، وإذا كان مؤتمر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لم يتبن بحماس تصريحات أمين دون التبرؤ منها، فإن الأوساط الحزبية المنادية بالإصلاحات الدستورية قد تجد في مطالبات الرميد وأمين مشجعا لها لتكثيف النقاش الداخلي وإخراجه من الوسط الحزبي إلى الرأي العام ليصبح نقاشا عاما.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.