مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ترامب والأمم المتحدة … ما الذي يخفيه المستقبل؟ 

ترامب والامم المتحدة
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوقع العديد من الأوامر التنفيذية، بما في ذلك مغادرة منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس وإيقاف تمويل الأونروا. Keystone

شهدت الأسابيع القليلة الماضية اضطرابا كبيرا، على مستوى الهيئات والمنظمات الإنسانية في جنيف. ففي البداية، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من منظمة الصحة العالمية، ودخل الحظر الإسرائيلي على عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حيز التنفيذ، ثم جاء القرار الأمريكي بحجب التمويل عنها، وعن العديد من المنظمات الإنسانية الأخرى.  

يتعمّق بودكاست “من داخل جنيف” في عدده الأخير، في الآثار المترتبة عن هذه القرارات. فما الذي تعنيه بالنسبة للعمل الإنساني في جميع أنحاء العالم؟ وما الذي تخبرنا به عن علاقات الأمم المتحدة مع الولايات المتحدة، وعن مستقبل الدبلوماسية متعددة الأطراف؟  

لتسليط الضوء على هذه القضية، وفهم أبعادها، تحدثنا إلى لورانس غوستين، أستاذ قانون الصحة العالمية في جامعة جورج تاون في واشنطن، ويورغن جونسهاوغن، من معهد أبحاث السلام في أوسلو (PRIO)، وكاتب تقرير عن تأثير حظر الأونروا، والصحفي كولوم لينش، مراقب الأمم المتحدة والسياسة الخارجية الأمريكية في صحيفة واشنطن بوست منذ فترة طويلة، وفورين بوليسي، والآن في موقع ديفيكس (devex.com)، من بين آخرين.       

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

المزيد

نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

اشترك.ي في النشرة الإخبارية لدينا، واحصل.ي على بريد إلكتروني كل يوم جمعة يحتوي على أخبار من الدول الناطقة بالعربية تم جمعها بواسطة وسائل الإعلام السويسرية. معلومات من منظور سويسري خصّيصًا من أجلك.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

لم يكن قرار الولايات المتحدة الانسحاب من منظمة الصحة العالمية مفاجئا، إذ حاول ترامب فعل الشيء نفسه في ولايته الأولى، رغم أنّ الوقت لم يسعفه. لكن لا يرى لورانس غوستين، الذي يبدو ”غاضبا ومحبَطا“، إثر عقود من العمل عن كثب مع منظمة الصحة العالمية، في الاستراتيجية الأمريكية سوى مساوئ جمّة.        

ويقول لـبودكاست ”من داخل جنيف”: “سيعاني كل العمل الحيوي والمهم الذي تقوم به منظمة الصحة العالمية، من قضاء على شلل الأطفال، والإيدز، والسل، والملاريا، من نقص في التمويل”.    

  قرارات سيئة بالنسبة للولايات المتحدة أيضا    

ويشدّد غوستين على أن الخروج من منظمة الصحة العالمية، ليس في صالح الولايات المتحدة أيضًا، مستشهدا بمسببات الأمراض الناشئة، والإيبولا، وإنفلونزا الطيور المنتشرة حاليًا في أمريكا الشمالية. ويقول: ”يجعلنا ذلك في عزلة ووحدة، وأكثر عرضة للخطر والهشاشة ضد جميع أنواع التهديدات الصحية“.      

وقد ناشد مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس إدهانوم غيبريسوس، الدول الأعضاء محاولة إقناع ترامب بالعدول عن رأيه. لكن قد يبقى ذلك من باب التمني لا أكثر؛ إذ تشير موجة الأوامر التنفيذية الصادرة عن البيت الأبيض، وبعضها مشكوك في قانونيته، إلى حرص هذه الإدارة على المضي قدمًا في تنفيذ الأمور مهما كان الثمن.      

ويعترف غوستين، مثل زميله القديم أنتوني فاوتشي، المستشار الطبي الأكبر في أمريكا سابقا، بأنّه أصبح يخشى على سلامته الشخصية بسبب معارضته الصريحة لسياسة ترامب في مجال الصحة العامة. ويقرّ أنه ما في اليد حيلة الآن، وأنه لابد من الانتظار والتمسك بالأمل في حدوث تغيير.      

في حظر الأونروا … تحدي للأمم المتحدة     

ولم يشكل الحظر المفروض على الأونروا مفاجأة أيضا. فقد وافق عليه البرلمان الإسرائيلي في أكتوبر الماضي، لكنه مرّ بفترة انتقالية مدتها 90 يومًا قبل أن يدخل حيز التنفيذ. وتتمثّل المشكلة، كما يقول يورغن جونسهاوغن، من منظمة PRIO، في غموض كيفية تنفيذ هذا الحظر بالضبط.      

فقد أغلقت الأونروا مكاتبها في القدس الشرقية. وحُظر على أي جهة إسرائيلية في غزة والضفة الغربية، الاتصال بالأونروا، ما يعني، وإن على الورق، عدم قدرة المنظّمة على العمل إطلاقا، نظرا لسيطرة إسرائيل على هذه الأراضي، وخاصّة على ما يدخلها ويخرج منها.  

وستترتّب عن هذا القرار نتائج وخيمة على توزيع المساعدات، خاصة في شمال غزة، حيث يعود آلاف الأشخاص الآن إلى منازلهم المدمرة، في منتصف الشتاء. فيقول جونسهاوغن: ”الأونروا، هي العمود الفقري للعملية الإنسانية. إذ لا تقوم بإدخال المساعدات التي توزعها بنفسها، فقط، بل هي في الحقيقة الآلية التي تعتمد عليها جميع الجهات الفاعلة الأخرى في المجال الإنساني”.      

هل كان من الأفضل لو استغلّت الأمم المتحدة تلك الأيام التسعين لتعزيز حضور الوكالات الأخرى، لتحل محل الأونروا؟ في الواقع، اختارت تلك الوكالات، وبصوت واحد، التأكيد على عدم إمكانيّة ذلك.  

ويسلّط يورغن جونسهاوغن الضوء أيضًا على معضلة الأمم المتحدة، إذ تتمسّك من ناحية، بـ”موقفها المبدئي“ بعدم القدرة على تكثيف عملها، لأنها ”لا تستطيع قبول شرعية قانون {الحظر الإسرائيلي}، ومن ناحية أخرى، ترى أن طرد وكالة من وكالات الأمم المتحدة غير قانوني”.    

وفي الحالتيْن، يرى جونسهاوغن، في حديثه إلى بودكاست “من داخل جنيف”، أن “الأمم المتحدة ووكالاتها خاسرة”.      

ويستمر في شرح موقفه قائلا: ”إذا نظرنا إلى الموقف المبدئي، يغيب الاستعداد الكافي للموقف الإنساني. وإذا نظرنا إلى الموقف الإنساني، تغيب الناحية المبدئية“. 

خفض المساعدات في جميع المجالات    

وقد تكون فكرة تدخل وكالات أخرى لتحل محل الأونروا الآن، مسألة تفتقر إلى الواقعية، لأن الولايات المتحدة، التي هي أكبر مانح لمعظم الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، قد أمرت بتجميد المساعدات الخارجية. وحتى لو أراد الآخرون ملء الفجوة، فقد لا تتوفّر الأموال اللازمة لذلك.      

لقد ألغت المنظمات الإنسانية جميع برامجها، من إزالة الألغام إلى الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية. وطلبت من موظفيها وموظفاتها البقاء في المنازل. ويقول لينش من موقع ديفيكس: ”إنه حكم بالإعدام على العديد من المنظمات غير الحكومية الصغيرة، التي لا تملك الموارد المالية اللازمة لمواجهة الأمر“.      

سوف تتسبب هذه الأضرار الكبيرة، للأسف، في معاناة آلاف الأشخاص الأكثر ضعفاً في العالم، الذين يحتاجون إلى علاج الملاريا، أو إزالة الألغام من المدارس والأراضي الزراعية، أو إلى العديد من المساعدات الأخرى التي تقدمها وكالات الإغاثة.

فما هي خطة ترامب إذًا؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للأمم المتحدة؟ لا يعتقد لينش أن ترامب يكره الأمم المتحدة فعلا، ولا يُعدّ أول رئيس أمريكي يريد تقليص حجمها، بالتأكيد. ويقول للـبودكاست: ”لا أعتقد أن لديه أي نوع من العداء المتأصل تجاه الأمم المتحدة، أو أنه أيديولوجي بشكل خاص. بل أعتقد أنه إذا كانت مفيدة له، فلا بأس. وأما إذا لم تكن مفيدة له، فإنّه يفعل ما يحلو له.“    

نظام متعدد الأطراف أم منطق الصفقات؟      

ويُفترض أن تكون الأمم المتحدة مؤسسة متعددة الأطراف، وليست مؤسسة صفقات. لكن أشارت سفيرة ترامب الجديدة لدى الأمم المتحدة، إليز ستيفانيك، بالفعل إلى تفضيل واشنطن بعض الوكالات؛ كبرنامج الأغذية العالمي (برنامج الغذاء العالمي)، أو اليونيسيف (صندوق الأمم المتحدة للطفولة)، لتعزيزها مصالح الولايات المتحدة في الخارج.       

ويعتبر لينش التغييرات الطارئة على نظام المساعدات الإنسانية عميقة. فيقول: ”هذه حقاً نهاية المساعدات الخارجية كما نعرفها، فقد واجهت الصومال مجاعة كبيرة قبل عامين. وتدخّلت أمريكا بتقديم أكثر من مليون دولار أمريكي. حقًّا، لا أرى أنّ هذه الإدارة تستجيب لأزمة قادمة بإنفاق مبالغ ماليّة كبيرة كما فعلنا تاريخيًا.“      

وفي الوقت نفسه، ينتظر غوستين مرور السنوات الأربع المقبلة بفارغ الصبر، ويأمل في مستقبل أفضل. فيقول: ”أعتقد أنه سيكون هناك رئيس جديد بعد أربع سنوات… وستعود أمريكا مرة أخرى إلى مكانتها كقائدة للمجتمع الدولي، وكجهة تتمتع بقيم عالية. هذا هو أملي وحلمي، وهو أيضًا توقعي“.      

لكن في أوسلو، بدا جونسهاوغن أقل تفاؤلًا. وحذّر قائلاً: ”أعتقد أن الأمور تسير نحو المزيد من عدم الاحترام لما تمثله الأمم المتحدة. فهل يمكن لها أن تنجو من هذا النوع من الضغط؟ آمل ذلك حقًا. لكننا نواجه أوقات صعبة، دون أدنى شك، وآمل أن تتمكن الأمم المتحدة من الصمود“.      

ومثلما أوضحنا في البداية، يمثّل ما يحدث ”صدمة، ويثير الرعب”.

لفهم هذه الرهانات، استمع إلى المناقشة كاملة على بودكاست”من داخل جنيف، (باللغة الإنجليزية).    

محتويات خارجية

  

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية