جدل حول الميثاق العربي لحقوق الإنسان
مرت أكثر من 30 عاما من النقاشات حول إصدار ميثاق عربي لحقوق الإنسان بين حكومات ترفض المزيد من التقييد ومنظمات مجتمع مدني لا تقبل بأقل من المعايير الدولية.
وفيما يُـنتظر أن تبحث القمة العربية المقبلة في تونس النص النهائي للميثاق، دعا خبير عربي في جنيف إلى استدراك السلبيات وعدم التمترس وراء الخصوصيات.
استغرق الحديث عن إصدار ميثاق عربي لحقوق الإنسان حوالي عشرين عاما، ولم يكتب له أن يرى النور إلا عام 1994، وهذا بسبب عدم جدية الحكومات العربية في تبني ميثاق ملزم في ميدان حقوق الإنسان الدقيق والمحرج.
وترى الأوساط المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان أن الميثاق الذي تبناه مجلس جامعة الدول العربية في سبتمبر 1994، قد “ولد ميتا”. وتذهب بعض الأراء إلى القول بأن عدم وجوده افضل من وجوده، لأن التحفظات العديدة التي أبدتها عدة دول قد أفرغته من مضمونه، وأدخلته في بعض الأحيان في تعارض واضح مع بعض ما جاء في المواثيق الدولية التي وقعت عليها هذه الدول، مختارة في بعض الأحيان، ونتيجة الضغوط الدولية في العديد من الحالات.
وقد أدى تجند بعض منظمات المجتمع المدني العربية المدافعة عن حقوق الإنسان إلى تنشيط الاهتمام بهذا الموضوع الذي تعمل الدول العربية على تجاهله قدر المستطاع، والذي تتجنب جامعة الدول العربية طرحه على جدول الأولويات استبعادا لبروز خلافات جديدة بين أعضائها.
لذلك، دعت الجامعة العربية لجنتها الدائمة لحقوق الإنسان للاجتماع في الفترة ما بين 18 و26 يونيو 2003 للبحث في سبل “تحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان”.
وفي سياق الإعداد لهذا الاجتماع، نُـظمت عدة لقاءات إقليمية على مستوى منظمات المجتمع المدني للتحسيس والتوعية في كل من صنعاء والقاهرة وتونس، وكان آخرها اللقاء الذي نظم في بيروت ما بين 10 و12 يونيو 2003، وشاركت فيه 36 منظمة غير حكومية، و11 منظمة دولية و15 خبيرا مستقلا، و7 خبراء حكوميين وبرلمانيين.
وقد صدر عن الاجتماع الذي عُـقد في العاصمة اللبنانية “إعلان بيروت”، الذي تضمن تحفظات بشأن اعتماد الدول العربية للميثاق في شكله الحالي ومطالبة بالعمل على إدخال إصلاحات جذرية وشاملة عليه.
في انتظار مصادقة القمة
وفي محاولة لتجاوز “حوار الطرشان” القائم بين الحكومات العربية ومنظمات المجتمع المدني بخصوص تحديث نص الميثاق العربي لحقوق الإنسان، تدخّـلت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان واقترحت تكليف لجنة من الخبراء الدوليين التابعين لها والمتحدرين من دول عربية بمهمة تقديم توصيات بشأن إصلاح الميثاق.
وضمت لجنة الخبراء المقترحة الأستاذ إبراهيم الشدي من السعودية والعضو في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، والسيدة غاليا آل ثاني من قطر والعضوة في نفس اللجنة، والأستاذ أحمد توفيق خليل من مصر من لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والدكتور حاتم قطران من تونس. وأسندت رئاسة اللجنة إلى القاضية الجزائرية ليلى زروقي رئيسة مجموعة العمل الأممية المعنية بالاختفاءات القسرية.
وفي 26 ديسمبر 2003، قدمت لجنة الخبراء توصياتها إلى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي رفعتها بدورها إلى جامعة الدول العربية وإلى اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان.
وتُـفيد آخر المعطيات المتوفرة أن اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان قد وافقت على حوالي 85% من توصيات الخبراء. ومن المنتظر أن يُـعرض الميثاق العربي لحقوق الإنسان في صيغته الجديدة قريبا على مجلس وزراء الخارجية العرب من أجل اعتماده ورفعه إلى القمة العربية التي يُـنتظر أن تُـعقد في شهر مارس القادم في تونس لاقراره
نهائيا.
وتنص تشريعات الجامعة العربية على أن بدء العمل ببنود الميثاق العربي لحقوق الإنسان سيكون متاحا إذا ما صادقت عليه سبع دول عربية على الأقل.
سلبيات قائمة
وفي لقاء جمعه مؤخرا بالصحافة العربية في جنيف، أشار السيد فرج فنيش، الخبير التونسي المكلف بالمنطقة العربية في المفوضية السامية لحقوق الإنسان، إلى أن الميثاق العربي الجديد لحقوق الإنسان “لازالت به العديد من السلبيات على الرغم من الإيجابيات التي تضمنها”.
وعدّد من بين السلبيات، ترك المجال مفتوحا أمام الحكم بالإعدام على الأحداث (أي الأشخاص الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة) او في حق المصابين بأمراض عقلية، والاستمرار في التمييز بين المواطنين والوافدين الأجانب في العديد من التشريعات.
وقال السيد فرج فنيش إن الميثاق الجديد “خـصّ المواطن بحرية التجمع وإقامة الجمعيات، وليس كل شخص يقيم في البلد كالعمال الأجانب”. كما نـصّ الميثاق الجديد على تمتّـع المواطنين فقط بالحماية الاجتماعية، في الوقت الذي يُـفترض فيه “ان تشمل هذه الحماية كل شخص يوجد بصورة قانونية فوق تراب البلد”.
ومن أبرز النقاط التي لا يرقى فيها الميثاق العربي لحقوق الإنسان الى مستوى المعايير الدولية، حسب رأي السيد فرج فنيش، مسألة “الاعتراف بالحق في حرية الفكر والعقيدة والدين”. ومع أن الميثاق ينص على ذلك في صيغته الجديدة، إلا أنه يحصُـره في “حدود ما يسمح به التشريع النافذ”.
ويقول الخبير العربي إن القوانين النافذة في هذا البلد أو ذاك “قد تحد من بعض من هذه الحقوق بالنسبة لفئات معينة، وهذا ما يعطي أولوية للقانون الداخلي على القوانين الدولية”، حسب تعبيره.
ومع اعتراف الخبراء بتضمّـن الميثاق العربي لحقوق الإنسان في صيغته الجديدة لتقدم هائل فيما يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة في شتى الميادين، إلا أن استثناء الزواج وربطه بالتشريع النافذ “أفرغ محاولات المساواة بين الرجل والمرأة من محتواها”، على حد قول السيد فرج فنيش.
من جهة أخرى، اعتبر العديد من الخبراء أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان رائد في مجال ضمان الرعاية الصحية للمواطنين، لكنهم انتقدوا إسقاط الفقرة المتعلقة بختان الإناث في المادة 39 التي اكتفت بالدعوة إلى “تجنب الممارسات التقليدية المضرة بصحة الفرد”. ويرى السيد فرج فنيش في هذا السياق أن الإشارة الى تحريم هذه الممارسات “مفيد جدا، خصوصا وأنها ممارسات لا مبرر لها من الناحية الدينية”، على حد تعبيره.
من جهة أخرى، تساءلت لجنة الخبراء التي عيّـنتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن الأسباب التي دعت إلى حذف فقرة من المادة 41 من الميثاق تشير الى “ضرورة إسهام التعليم وتعزيزه للتفاهم والتسامح والصداقة والسلام بين كل الشعوب والأمم والأديان والثقافات”، خصوصا وأن هذه المبادئ متضمّـنة في ميثاق الأمم المتحدة التي تنتمي إلى عضويتها جميع الدول العربية.
أخيرا، انتقد الخبير الأممي في حقوق الإنسان تنصيص الميثاق على “مجانية التعليم بالنسبة لمواطني الدول العربية”، واعتبر ذلك تحديدا يُـقصي غير المواطنين من المقيمين الأجانب بمن فيهم الوافدون العرب، ورأى فيه تراجعا عن التعهدات التي التزمت بها الدول العربية من خلال انضمامها إلى معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الطفل.
الميثاق بين المثالي والمعقول
وبالاضافة إلى هذه الانتقادات الصادرة عن فريق العمل التابع للموضية السامية لحقوق الإنسان، ضمّـنت المنظمات العربية غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان المزيد من الانتقادات فيما سُـمي بإعلان بيروت.
فقد اعتبرت منظمات المجتمع المدني تسمية الميثاق بالميثاق العربي لحقوق الإنسان إنكارا للتعددية العرقية والدينية والثقافية في العالم العربي، واقترحت تسميته بـ “ميثاق حقوق الإنسان في العالم العربي”.
كما رفضت المنظمات الإشارة المتكررة في نص الميثاق للخصوصية الحضارية او الدينية، معتبرة أن ذلك يندرج في محاولات السلطات العربية التملص من الالتزام الصارم بالمعايير الدولية في مجال حقوق الانسان باسم الحفاظ على الخصوصية.
وفي انتظار ما قد تُـسفر عنه القمة العربية القادمة من قرارات بهذا الشأن، يظل مستقبل الميثاق العربي لحقوق الإنسان معلّـقا بين تمسّـك منظمات المجتمع المدني العربية بميثاق عربي “مثالي” لحقوق الإنسان، وبين حرص الحكومات العربية الشديد على ألا يفلت من يدها بأي شكل من الأشكال زمام التحكم في هذا الملف بجميع تفاصيله.
أما المواطن العربي العادي، فهو لا يطمح إلى أكثر من موقف وسط ينعم فيه فعليا بمقدار معقول من الحرية والكرامة والأمن، دون تنكّـر للخصوصيات أو إقصاء للأقليات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.