حقوق النساء في أفغانستان: محمية بقرار دولي أم مسألة قابلة للتفاوض؟
يستمر تردّد المجتمع الدولي في الاعتراف بحكومة طالبان التي استولت على السلطة بحكم الأمر الواقع، ما عقّد مهمة الأمم المتحدة في التواصل معها. وتنتقد بعض المنظمات غير الحكومية تنازلها أمام طالبان؛ ما يؤثر سلباً في حقوق النساء في أفغانستان.
توثّق نظيفة جلالي، ناشطة حقوقية أفغانية تعيش في النرويج، وعضو في شبكة الدفاع عن حقوق الإنسان (HRD-Plus)، الانتهاكات الحقوقية في أفغانستان. وقد حدّدنا في سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) موعدًا لمقابلتها، لكنها أبلغتنا قبل الموعد بضرورة تأجيل اللقاء. وبعد بضعة أيام، أوضحت لنا أن القضية تتعلق بتعرّض فتاة في السابعة عشر من عمرها للاعتداء، وقررت طالبان معاقبتها، في حين نجا المعتدِي من أي عقاب.
وتسعى جلالي حاليًا للحصول على وساطة من شخصيات محلية، مثل شيوخ القبائل، للتفاوض مع طالبان لنقل الفتاة إلى مكان آمن لحمايتها.
وقد شاركت في الخريف الماضي في دورة مجلس حقوق الإنسان ( HRC)، التابع للأمم المتحدة في جنيف، بحكم نشاطها. وتنتقد المجتمع الدولي، لاقتصار إجراءاته خلال السنوات الثلاث الأخيرة، منذ تولي طالبان السلطة، على كتابة التقارير بدلاً من اتخاذ خطوات فعّالة لمحاسبتها، ما أسهم في تدهور وضع النساء في أفغانستان حسب رأيها.
وأصدرت طالبان على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، أكثر من 80 مرسومًا وتوجيهًا تقيّد حقوق النساء والفتيات. فقد مُنعن من الالتحاق بالمدارس الثانوية، ووُضعت قيود صارمة على عملهنّ جعلت فرصه شبه معدومة. كما مُنعت النساء أيضًا من دخول المنتزهات.
لا مشاركة نسائية في المفاوضات
حضر ممثلو حكومة طالبان في آخر يونيو 2024، اجتماعًا نظمته الأمم المتحدة في الدوحة لأوّل مرّة، شارك فيه دبلوماسيون ودبلوماسيات من 25 دولة ومنظمة دولية، أبدت الحركة خلاله رغبة في الحصول على اعتراف دولي.
ورغم ذلك، استُبعدت النساء الأفغانيات من الاجتماع الثالث في ما يُعرف بمحادثات الدوحة، التي تسعى لمعالجة التحديات في أفغانستان. وأكدت الأمم المتحدة موافقتها على شروط طالبان لعقد مؤتمر “خالٍ من الأفغانيات”، حفاظا على استمرارية الحوار.
وتجدر الإشارة إلى غياب طالبان عن الاجتماع الثاني الذي عقدته الأمم المتحدة في فبراير 2023، لمشاركة نساء ممثلات عن المجتمع المدني الأفغاني في الوفد. بينما لم تُدعَ طالبان إلى الاجتماع الأول الواقع في مايو 2023.
وتهدف هذه الاجتماعات إلى تذكير طالبان بالتزاماتها بموجب القانون الدولي. واعتمد مجلس الأمن الدولي في ديسمبر 2023، قرارًا (لم تؤيده روسيا والصين) يحدد شروط الاعتراف الدولي بحكومة طالبان، يعتمد على احترامها للحقوق الأساسية، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تعد أفغانستان جزءًا منها.
لا تنازلات دون إصلاحات”
ترأست روزماري ديكارلو، وكيلة أمين عام الأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، الاجتماع الثالث في الدوحة. وصرّحت عقب الاجتماع لوسائل الإعلام، بخلوّ النقاط الرسمية المطروحة للنقاش من حقوق المرأة، لكن طُرحت هذه القضية مرات عديدة رغم ذلك، مع التأكيد خلال الاجتماع على أهمية وجود حكومة تمثل جميع فئات المجتمع.
كما تمحورت المناقشات حول إنشاء قطاع اقتصادي خاص، ودعم طالبان في الحفاظ على إنجازاتها في مكافحة المخدرات، إذ انخفضت زراعة الأفيون بنسبة تقارب 90% منذ تولي طالبان الحكم.
وقد استبعدت ديكارلو الاعتراف بحكومة طالبان الأفغانية؛ ما دامت تفرض قيودًا على تعليم النساء ومشاركتهن في الحياة العامة. وأكدت أن قرار الاعتراف بها هو مسؤولية الدول الفردية، وليس من واجب الأمم المتحدة.
ولم تعترف أي دولة بحكومة طالبان حتى الآن، ولكن فتحت 16 دولة سفارات في أفغانستان، منها اليابان، والصين، والهند. وانتهت الجولة الثالثة من محادثات الدوحة دون أن تقدم طالبان أي تعهدات بإدخال إصلاحات، أو تحصل على تنازلات من المجتمع الدولي.
وقد اتفقت الدول المشاركة مبدئيًا، على تشكيل مجموعات عمل لمناقشة قضايا التنمية الاقتصادية، ومكافحة المخدرات، والإرهاب.
“ثمن باهظ جدا”
وصف ريتشارد بينيت، المقرر الخاص المعني بوضع حقوق الإنسان في أفغانستان بجنيف، استبعاد النساء بأنه “ثمن باهظ جدا”. وقد واجهت الأمم المتحدة انتقادات حادة من قبل المنظمات النسائية الأفغانية، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.
وأبلغت أنييس كالامار الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية في بيان صدر قبل الاجتماع، أن “حقوق النساء والفتيات في أفغانستان غير قابلة للتفاوض”.
وتعبّر فرشته عباسي، الناشطة الأفغانية في حقوق الإنسان التي تعمل مع منظمة هيومن رايتس ووتش في المملكة المتحدة، عن حزنها لخلوّ المؤتمر الثالث في الدوحة من النساء.
ولفتت عباسي الانتباه إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325، المعتمد عام 2000، الذي يفرض على الأمم المتحدة ضمان مشاركة النساء في المفاوضات، ويُلزم الدول الأعضاء بحماية حقوقهنّ وضمان مشاركتهن بشكل متساوٍ في عمليات السلام، وحل النزاعات، وإعادة الإعمار.
وأفادت نظيفة جلالي من جانبها، بأن الشعب الأفغاني فقد الأمل في المجتمع الدولي بعد المؤتمر الثالث في الدوحة، الذي عُقد دون مشاركة النساء. وأكدت أن “هذا الاجتماع منح طالبان الفرصة لمواصلة ارتكاب الجرائم، لعلمها بأنها ستفلت من العقاب”.
فصل عنصري بين الجنسين
وصف بينيت، مقرر الأمم المتحدة الخاص، وضع حقوق النساء والفتيات في أفغانستان بالفصل العنصري المنهجي بين الجنسين، وتتوافق مع هذا الوصف هيئات أممية أخرى. ويُعترف حاليًا بالاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي كجريمة ضد الإنسانية.
وتطالب منظمات حقوق الإنسان، سواء الأفغانية منها أو الدولية، بإدراج مصطلح “الفصل العنصري بين الجنسين” في المفاوضات الحالية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإصدار اتفاقية جديدة تهدف إلى منع الجرائم ضد الإنسانية، ومعاقبة مرتكبيها.
ومع ذلك، تتحفّظ الدبلوماسيّة الغربيّة على استخدام هذا المصطلح، لأنه يذكّر بنظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، والعقوبات القاسية التي فُرضت عليه.
سفير ما قبل طالبان لدى الأمم المتحدة
لم تحظَ حكومة طالبان باعتراف دولي، ولذلك لا يزال ناصر أحمد أنديشة، سفير أفغانستان ما قبل حكم طالبان، يمثّل بلاده في الأمم المتحدة في جنيف حتى الآن. وقد مثَّلها هذا العام في الاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان في أفغانستان، حيث تلقت أفغانستان 243 توصية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
وقبلت أفغانستان، أو بالأحرى وفد السفير أنديشة، 215 توصية، منها إنهاء العقوبات البدنية، ورفع القيود الصارمة المفروضة على الفتيات والنساء في مجالي التعليم والعمل. وتتحمل بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان مسؤولية متابعة تنفيذ سلطات طالبان لتوصيات الاستعراض الدوري الشامل.
وفي أكتوبر، مدّد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف ولاية المقرر بينيت لعام إضافي. ومع ذلك، لم يستجب القرار لمطالبات المنظمات غير الحكومية بإنشاء هيئة إضافية لجمع الأدلة حول انتهاكات حقوق الإنسان لمحاكمة الجناة.
ولا تزال الفتاة المهددة بعقوبات بدنية شديدة تقبع في سجن طالبان.
تحرير: إيموجين فولكس
ترجمة: ريم حسونة
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/أم
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.