في ظل نظام عالمي متغيّر… مجلس حقوق الإنسان يعقد دورته الأولى لهذا العام

افتتح مجلس حقوق الإنسان، الهيئة التابعة للأمم المتحدة، أشغاله يوم الإثنين 24 فبراير الجاري في جنيف. وتتسم الدورة الأولى لهذا العام بغياب الولايات المتحدة، ومواجهة صعوبات في الميزانية، مع إعادة تشكل موازين القوى داخله.
يجتمع أعضاء مجلس حقوق الإنسان هذه المرة، في سياق جيوسياسي متوتر، في دورة تغطي مدة أشغالها ستة أسابيع. وستركزرابط خارجي هذه الهيئة المسؤولة عن الدفاع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، والبالغ عدد أعضائها 47 دولة، اهتمامها في هذه الدورة على تدارس أوضاع حقوق الإنسان في قائمة طويلة من البلدان.
وتشمل المناقشات التي تمتد لعدة أسابيع الصراعات في أوكرانيا، والشرق الأوسط، ومستقبل سوريا، بعد أكثر من 13 عاما من الحرب الأهلية، من بين أمور أخرى.
ولكن ستشهد هذه الاجتماعات غائبا كبيرا، بعد إعلان الولايات المتحدة، برئاسة دونالد ترامب، مطلع شهر فبراير، انسحابها الكامل من مجلس حقوق الإنسان. وقد أعقب هذا القرار إعلان إسرائيل مقاطعة هذه الهيئة أيضا. وتتهم واشنطن، التي تخلت بالفعل عن عضويتها خلال رئاسة ترامب الأولى، مجلس حقوق الإنسان بأنه “متحيز ضد إسرائيل”، وبوجود دول أعضاء فيها متهمة بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
ضربة قاصمة للعمل متعدّد الأطراف
يقول فنسن شيتيل، أستاذ القانون الدولي، في معهد الدراسات العليا في جنيف: “ترك قوة هذه الهيئة العالمية الرائدة، رغم أنها هي التي ساهمت في تشكيل النظام الدولي، القائم على حقوق الإنسان مؤسف للغاية”.
“لكن لن يغيّر هذا الانسحاب الأمور بشكل جذري”، يضيف الأستاذ الجامعي، فحتى لو كانت هذه الضربة الجديدة قاسية بالنسبة للعمل متعدّد الأطراف، فلم تكن الولايات المتّحدة منذ بداية العام، سوى “مراقب” بسيط في المجلس، دون حق التصويت. ولذلك، سيكمن الفارق الكبير في عدم مشاركتها بعد الآن في المناقشات المستمرة في المجلس.

وتتولى سويسرا، ممثلة في السفير يورغ لاوبر، رئاسة اجتماعات المجلس لأوّل مرّة في تاريخها. وهو دور فخري وتنسيقي، إلى حد كبير، يشمل تعيين خبراء وخبيرات في لجان تقصي الحقائق، التي يفوضها المجلس.
وأجاب يورغ لاوبر، ردا على سؤال في مؤتمر صحفي، حول تأثير انسحاب الولايات المتحدة، بأن المجلس يظل “الهيئة الأكثر أهمية، في ما يتعلق بالمشاورات الحكومية الدولية، الخاصة بقضايا حقوق الإنسان”. ويرى أن هناك شبه إجماع داخل المجتمع الدولي على التقدير الكبير للدور الذي يقوم به المجلس.
ودعا يورغ لاوبر جميع الدول إلى الانخراط” في هذه الهيئة، معترفًا بأن واشنطن “صوت مهم” في هذا الخصوص.
مشكلة السيولة المالية
وتغطي التمويلات التي تقدمها الولايات المتحدة، ثلث ميزانية هذه الهيئة. وقد أدّى الإعلان عن تجميد المساعدات الإنمائية الأمريكية الشهر الماضي، إلى إثارة موجة من الذعر داخل وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، التي تعتمد على المساهمات الأمريكية.
ولئن كانت ميزانية مجلس حقوق الإنسان المدمجة في ميزانية الأمم المتّحدة العادية غير مهددة بشكل مباشر على المدى القصير جرّاءَ إلغاء دونالد ترامب لمساهمات بلاده، فإنها تظل معرضة للخطر على المدى الطويل، خاصة وأن المنظمة تواجه أزمة سيولة أصلا، بسبب تأخر بعض الدول الأعضاء في سداد مساهماتها المالية.
ويقول فنسن شيتيل: “سيكون لتخفيضات التمويل الأمريكي تأثير سياسي أهم من انسحاب الولايات المتحدة من المجلس، وذلك من شأنه أن يعيد خلط الأوراق لصالح دول غنية، مثل الصين، القادرة على ملء الفراغ».
ومن أجل تحقيق وفورات، أجبر المجلس العام الماضي بالفعل، على عقد جلسات عمل بواسطة تقنية الفيديو. كما أجريت تخفيضات في ميزانية بعثات تقصي الحقائق.
واعترف يورغ لاوبر بأن “حالة السيولة المالية لدى الأمم المتحدة تفرض قيودا معينة على عمل المجلس”. ولئن رفض التعليق على حجم التوفير الذي يجب تحقيقه في عام 2025، في الوقت الحالي، فقد أشار إلى عمله على تعزيز “فعالية عمل المجلس” لتحسين الموارد، بشكل وقائيّ.
وقد تعرقل الاقتطاعات المالية الأمريكية مشاركة المنظمات غير الحكومية، الضرورية لعمل المجلس، بفضل خبرتها الميدانية، لأن السفر إلى جنيف مكلف.
عودة الصين
وخلال انسحاب الولايات المتّحدة الأوّل، بين 2018 و2021، استغلت الصين غياب واشنطن، صاحبة الثقل الدبلوماسي، لتعزيز مُثُلها فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وخاصة من خلال اقتراح قراراتها عند التحدث أمام المجلس.
وقد شككت بكين في الطبيعة العالمية لهذه الحقوق الأساسية، مشددة على السيادة الوطنية والاختيار الحر للدول، لتحديد أولوياتها الخاصة في هذا المجال. وقد زعمت الصين إعطاءها الأولوية لحقوق سكّانها الجماعية، وخاصة الاقتصادية منها، بدلا من الحقوق الفردية، وخاصة السياسية. لكن هذه الرؤية عارضتها الديمقراطيات الأوروبية.
وقد تسعى الصين مرة أخرى إلى زيادة نفوذها داخل المجلس. ويعتقد دبلوماسي أوروبي، رداً على سؤال حول هذه المسألة، ” في مواجهة انسحاب الولايات المتحدة، سترغب الصين في العمل على إظهار أنها تلميذ نجيب، وعامل استقرار داخل العالم متعدّد الأطراف. ولذلك، يُرجَّح أن تسعى البلاد في الأسابيع المقبلة إلى تقديم مقترحات، يُرجّح أن تحظى بأغلبيات كبيرة”.

المزيد
الصّين وإعادة صياغة معايير حقوق الإنسان
وقال فيل لينش، مدير الخدمة الدولية لحقوق الإنسان، المنظمة غير الحكومية، مقرها جنيف: “من المؤكد أن يفتح انسحاب الولايات المتحدة المجال أمام الدول الأخرى، لمتابعة أجنداتها وزيادة نفوذها. ويمكن أن يكون ذلك أمرا إيجابيًا أو سلبيًا”.
ويشير فيل لينش إلى أن انسحاب واشنطن في السابق، قد مهّد الطريق أمام دول أمريكا اللاتينية للالتزام بمكافحة الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان، في فنزويلا.
وعام 2019، أيدت مجموعة من دول أمريكا الجنوبية منها الأرجنتين، والبرازيل، والبيرو، قرارا يطالب بإنشاء بعثة تحقيق في الانتهاكات في فنزويلا؛ مثل الإعدام خارج نطاق القضاء، وحالات الاختفاء القسري.
ومن جانبه، يرى فنسن تشيتيل أيضًا، أنه من المحتمل أن تسعى دول أخرى، كالصين أو الدول الأوروبية، إلى زيادة نفوذها، لكن سيتعين علينا الانتظار حتى نهاية دورة المجلس، لكي تتشكّل لنا فكرة واضحة عن توازن القوى الجديد.
تحرير: فيرجيني مانجان
ترجمة: مصطفى قنفودي
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.