في غياب الولايات المتحدة الأمريكية … المحادثات بين إيران وأوروبا تحرز تقدما خجولاَ
في سياق دولي يشوبه التوتر السياسي، وقبل أسبوع من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، التقت وفود دبلوماسية من إيران، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، في وقت سابق من هذا الأسبوع في جنيف. وكان البرنامج النووي الإيراني على جدول أعمال المناقشات التي انتهت مساء الثلاثاء. لكن تبدو فرص إحراز تقدم مستقبلي في هذا الملف الشائك ضئيلة.
مساء الاثنين، بعد انطلاق المحادثات في مكان سريّ قرب جنيف بيومين، قالت شخصيات دبلوماسية مطلعة واصفة المحادثاتبأنها “جادة، وصريحة، وبناءة”. وأضاف رئيس الوفد الدبلوماسي الإيراني مساء الثلاثاء أنه” لمس استعداداً حقيقيا“ من جانب فرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا، لاستئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني.
ويهدف الاجتماع، الذي اتفق الطرفان على أنه ليس” مفاوضات“ بل مجرد ”مشاورات“، إلى إتاحة الفرصة لإيران والقوى الأوروبية لمناقشة عدد من القضايا، بما فيها قضية تطوير إيران لبرنامجها النوويّ الحساسة.
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
ويكمن وراء هذه اللغة الدبلوماسية وضع ملح ومستعجل. إذ تشعر الدول الأوروبية بالقلق من تقدم إيران في برنامجها النووي. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA )، هيئة الرقابة النووية التابعة للأمم المتحدة، أصبحت إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تضاهي 60%، ما يقارب 90% اللازمة لصنع سلاح نووي. وقد دعت فرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا، السلطات الإيرانية إلى وضع حد” للتصعيد النووي“، لكن إيران ¨دافعت عن حقها في استخدام هذه الطاقة لأغراض مدنية.
كما تواجه إيران التي أضعفتها الانتكاسات العسكرية التي ألحقتها إسرائيل بـ”وكلائها“ في المنطقة، وسقوط نظام حليفها بشار الأسد في سوريا، أزمة اقتصادية خطيرة. وفي سياق هذه المحددات، تسعى طهران جاهدةً إلى رفع العقوبات الغربية المفروضة عليها.
وقد أصبح التوصّل إلى اتفاق مع القوى الأوروبيّة بالنسبة للسلطات الإيرانية، أكثر إلحاحاً، إذ ستنتهي في أكتوبر 2025 صلاحيّة بعض بنود اتفاق فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، الموقع في عام 2015، و خاصّة آلية ”إعادة فرض العقوبات“، التي تسمح لباريس، أو لندن، أو برلين، بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران من جانب واحد. ولا يمكن لها استخدام هذه الآليّة بعد انقضاء الموعد النهائي.
وتدهورت في السنوات الأخيرة، علاقات إيران بالدول الأوروبية، (التي كانت أفضل تاريخياً من علاقات إيران بالولايات المتحدة، التي ظلت مقطوعة منذ 45 عاماً)، بسبب تسليم طائرات دون طيار إلى موسكو كجزء من الحرب في أوكرانيا، وقمع احتجاجات النساء في إيران بعد وفاة مهسا أميني.
المزيد
إيران وسويسرا: علاقة ذات طبيعة خاصة
غياب واشنطن على المحادثات
لكن لا بدّ أن يمرّ كلّ اتفاق جديد عبر الولايات المتحدة الغائبة عن محادثات جنيف.
ففي عام 2018، وبدفع من دونالد ترامب، انسحبت بلاده من الاتفاق النووي الإيراني. ولطالما انتقد الحزب الجمهوريّ هذه المعاهدة، أحد النجاحات الرئيسية للسياسة الخارجية لسلفه باراك أوباما، لعدم تكافئها. ويفرض الاتفاق، الذي وقّعت عليه أيضًا فرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا، والصين، وروسيا، قيودًا على تطوير إيران لبرنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران. وقد تحررت إيران من هذه القيود بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق، المصحوب بالعقوبات.
ويقول دافيد ريجوليه-روز، باحث مشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، مركز الأبحاث في باريس: ”يعلم الجميع اليوم انقضاء مدّة الاتفاق، لتقدّم طهران الهائل منذ توقيعه في التخصيب وكمية اليورانيوم التي تنتجها، التي لا علاقة لها بالأغراض المدنية، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية نفسها. لذلك، يصعب أن تلتزم إيران، ذات النزعة القومية المتفاقمة ببنود ذلك الاتفاق“.
ولم يعد حصول إيران على سلاح نووي، في رأي الباحث، متوقفا على” مسألة تقنية، بل على خيار سياسي“. ويمكن أن تشجّعها الضغوط التي تواجهها من جهات عدة على امتلاك سلاح رادع، القنبلة النووية.
المزيد
ما هي الدروس المستفادة من العقوبات على مدى التاريخ؟
مفاوضات مستقبلية معقدة
وأعرب الرئيس الإيرانيّ الجديد، مسعود بيزشكيان، منذ توليه منصبه في شهر أغسطس الماضي مرارًا وتكرارًا، عن رغبته في إعادة إطلاق المفاوضات مع شركائه على الساحة الدولية.
ويقول فرزان ثابت، خبير أمن الشرق الأوسط في معهد الدراسات العليا في جنيف ( IHEID): ”يفضل الرئيس وفريقه المسؤول عن العلاقات الخارجية إبرام اتفاق مع الإدارة الأمريكية الجديدة. وقد يشمل ذلك القوى الأوروبية أو لا يشملها، وتسعى الحكومة الإيرانية إلى تخفيف العقوبات، ومنها تقليل التوترات مع واشنطن من أجل تجنب مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، وفي المقابل، تجد نفسها في موقف تشعر فيه بأنها مضطرة لتطوير أسلحة نووية“.
ويشير الخبير إلى أن المشكلة تكمن في أن الرئيس ليس صاحب القرار الوحيد في المسألة النووية، إذ أنه يعتمد على موقف لاعبين آخرين أكثر قوة داخل النظام الإيراني، ولا سيما موقف المرشد الأعلى والحرس الثوري. ويضيف: ”من الصعب معرفة مدى تطوّر خطوط إيران الحمراء الحقيقية في القضية النووية، وفي أي اتجاه، خاصة في ضوء الأحداث الأخيرة التي أدت إلى تآكل أمنها ونفوذها“.
عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض
كما تلقي عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير بظلالها، وتحمل في طياتها الكثير من الشكوك. فيتّخذ الجمهوري موقفًا متشددًا من إيران، وقد أحاط نفسه في إدارته الجديدة بشخصيات تشاركه هذا النهج. لكن يعتبر دونالد ترامب نفسه صانع صفقات أيضا، ويمكن أن يميل إلى الذهاب بمفرده والتفاوض مباشرة مع طهران، كما فعل عندما زار كوريا الشمالية خلال ولايته الأولى.
ويرى دافيد ريجوليه-روز إمكانيّة محاولته التفاوض دون إشراك الأطراف الأوروبيّة، لكنه قد يواجه معضلة في هذه الحالة. فيدّعي رئيس الولايات المتحدة المستقبليّ أنه مؤيد قوي لإسرائيل، وقد تحدث عن احتمال السماح لإسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية. وفي الوقت نفسه، يريد الجمهوري أن يقدم نفسه كرئيس دولة محب للسلام. ويخلص الباحث إلى أنّ ”الأكيد أن دونالد ترامب إذا أراد التوصل إلى اتفاق، فسيكون ملزمًا لإيران أكثر من خطة العمل الشاملة المشتركة. والمشكلة تكمن في أن طهران لن تقبله”.
ورغم وجود مؤشرات إيجابية لعقد اجتماع جديد بين باريس، ولندن، وبرلين، وطهران، لم يتأكّد الموعد ولا المكان حتى الآن.
تحرير: فيرجيني مانجان
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: مي المهدي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.