كيف تعيد الصين صياغة حقوق الإنسان على المستوى العالمي
مع احتفاله بالذكرى السنوية الخامسة عشرة لتأسيسه، أصبح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف ساحة معركة بين مصالح البلدان الغربية والصين.
افتُتِحَت الدورة الحالية (السابعة والأربعون) لِمَجلس حقوق الإنسان التي حَضَرَها ممثلون عن 47 دولة من أعضاء الأمم المتحدة في 21 يونيو المنصرم بِبَيانٍ واضحٍ اللهجة من ميشيل باشليه، المُفوَضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تحدثت فيه عن تعامُل بكين مع الاحتجاجات في هونغ كونغ، ومُعاملتها السيئة لسكان الإيغور في مقاطعة شينجيانغ.
وأعرَبَت باشليه عن”قلقها العميق” حيال قانون الأمن القومي الذي فُرِضَ في هونغ كونغ قبل عام، وعَبَّرَت عن أملها في أن تتمكن من الوصول إلى إقليم شينجيانغ للإيغور المُتَمَتِّع بِحُكم ذاتي، “لا سيما مع استمرار صدور تقارير عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان هناك”.
من جانبه، رَفَضَ المتحدث باسم البعثة الصينية ليو يوين تصريحات المفوضة السامية لحقوق الإنسان، وقال إن بكين لن تسمح بـ “تدخل” أي قوى خارجية في ما وصفه بأجزاءٍ غير قابلة للتصرف من أراضي الصين. كما حَثَّ ليو يوين باتشيليه على “احترام الحقائق” و”التوقف عن الإدلاء بتصريحات خاطئة عن الصين”.
الاتهامات والاتهامات المُضادة تواصلت خلال هذه الدورة، حيث نَدّدَ تحالف من 40 دولة بقيادة كندا، بانتهاكات حقوق الإنسان ومُمارسات التعذيب والعمل القسري في الصين، ولا سيما ضد أقلية الإيغور المسلمة. بدورها، رَدَّت الصين وحُلفاؤها مثل كوريا الشمالية وروسيا البيضاء وفنزويلا، واستَخدَمَت المُنتدى لانتقاد تعامل كندا اللاإنساني مع المهاجرين، وطالبتها باجراء تحقيق بشأن انتهاكها لحقوق شعوبها الأصلية.
هذا التبادل الفَظْ للكلمات يعكس نقاشاً أوسع نطاقاً في الواقع. فخلال جولته الأخيرة في أوروبا، أوضح الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الوقت قد حان لكي يَتَّحِد الحلفاء الغربيون لمُواجهة ما يعتبره البيت الأبيض النفوذ المُتنامي للصين على مستوى العلاقات والسياسات متعددة الأطراف. وكانت الصين على مدى السنوات القليلة الماضية، قد قَدَّمت أو دَعَمَت مُرشحين لبعض المناصب الرئيسية في وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، مثل الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO).
في الوقت نفسه، نَظَّمَت بكين حملة شرسة لِضَمان انتخابها في مجلس حقوق الإنسان.
وكما كتبت كريستين لي، وهي زميلة مشاركة في برنامج آسيا والمحيط الهادئ في مركز الأمن الأمريكي الجديد (Center for a New American Security) على موقع ‘بوليتيكو’ الإخباري، فإن هيمنة المواطنين الصينيين في وكالات الأمم المتحدة الرئيسية إنما “تعكس دبلوماسية بكين الذكية كقوة صاعدة، وموقعها كثاني أكبر اقتصاد في العالم”.
وتعتقد إدارة الرئيس بايدن ومُحللون في الغرب مثل لي، أن الصين استغلَّت الانسحاب الأمريكي من مجلس الأمن تحت قيادة دونالد ترامب، كَفُرصة لِمَلء الفراغ الذي خلَّفته واشنطن وراءَها.
“في الوقت الذي تحاول فيه بكين إعادة تنظيم الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية لصالحها، فإنها تترك في أعقابها نظاماً عالمياً فقد توازنه بسبب غياب القيادة المُستقرة للولايات المتحدة”.
إن عودة الولايات المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان كمراقب، ستكون جزءاً من الجهود الرامية لِمَنع الصين من فَرض أجندتها الخاصة في المحافل العالمية مثل مجلس حقوق الإنسان. لكن استعادة الأرض المفقودة ستكون صعبة.
لسنوات عديدة، كان الخبراء والدبلوماسيون يعتقدون أن إدماج الصين في الأسواق والهياكل العالمية، سوف يجبر بكين على دَعم حقوق الإنسان. لكن، وبحسب منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’، حدث العكس تماماً. وكما كتبت المنظمة غير الحكومية في تقريررابط خارجي صدر في شهر سبتمبر الماضي، فإن الحكومة الصينية، تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ على الأخص “لا تسعى فقط إلى تحييد التحقيق حول الأوضاع في الصين من قبل آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بل تطمح أيضاً إلى تقويض قدرة هذا النظام على محاسبة أي حكومة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.
ووفقاً للمنظمة غير الحكومية، لم تَعُد بكين تكتفي بمُجرد إعفاء نفسها من المساءلة، ولكنها تسعى إلى تعزيز قدرة الدول الأخرى على تأكيد حقها في قمع الحريات داخل الهيئات الدولية مثل مجلس حقوق الإنسان، حتى لو كانت هذه المؤسسات مصممة لتوفير بعض مظاهر العدالة.
استراتيجية “تعزيز التعاون”
بيد أن السبيل إلى تحييد هيئات الأمم المتحدة لا يكون من خلال تركها. ففي عام 2018، شاركت بكين في تقديم قرار يتعلق بـ “تعزيز التعاون متبادل المنفعة في مجال حقوق الإنسان”. والتعاون هنا، يعني أن الدولة “أ” تحترم إرادة البلد “ب” في اختيار الأولوية في مجال حقوق الإنسان. ويرى المراقبون في ذلك أداة فعالة لإقناع الدول الأخرى بدعم المزاعم الصينية حول حقوق الإنسان ودعم القرارات المقترحة من قبل بكين.
بعد ذلك بعامين، تم اعتماد هذا القرار بأغلبية 23 صوتاً مقابل 16 صوتاً وامتناع ثمانية أعضاء عن التصويت. وقد أيَّدَت العديد من الأنظمة الاستبدادية هذا القرار، بما في ذلك روسيا البيضاء، وكوريا الشمالية، وميانمار (وتعرف أيضاً باسم بورما)، وروسيا وسوريا وفنزويلا.
وكما يقول كازوشيجي كوباياشي، الباحث في مركز دراسات الصراعات والتنمية وبناء السلام في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية بجنيف، نجحت الصين في الترويج لفكرة التعاون في المجلس على الرغم من الخلافات العديدة بين الدول النامية. وبرأيه، “كان مفهوم المعاملة بالمثل فعالاً”.
وفقاً لِمَسح جديد نُشر في 30 يونيو أجراه مختبر أبحاث ‘أيد داتا’ (AidData) في كلية ويليام وماري للأبحاث العالمية (في فيرجينيا)، استمر تنامي نفوذ الصين بين الدول النامية على مدى السنوات القليلة الماضية. كما أظهر المسح قيام الصين بتقديم المشورة والمساعدة لنحو 113 دولة في عام 2020، لتصبح بذلك ثامن أكثر شركاء التنمية نفوذاً بشكل عام.
وكما يؤكد كوباياشي، فقد “اعتمدت الصين في السنوات الأخيرة نَهجاً أكثر إيجابية تجاه حقوق الانسان في سياستها الخارجية، وابتعدت بذلك عن موقفها السابق الذي كان يَعتَبر الموضوع شأناً داخلياً”. وعلى حدِّ قوله: “تحاول الصين من خلال هذا النهج التأثير على السَردية المتعلقة بحقوق الإنسان، تماماً كما يفعل الآخرون”.
وأوضح مراقبون صينيون طلبوا عدم ذكر أسمائهم أن رؤية الصين لحقوق الانسان يختلف عن رؤية الغرب، ولا بُدَّ من الأخذ في الاعتبار هذا المفهوم في إطار البعد المتعلق بالسيادة.
لقد أدركت بكين كيف يمكنها الاستفادة من المجلس للترويج لمبادئها وأعرافها.
مع ذلك، تَدَّعي منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’ أن الصين تسعى إلى “إعادة صياغة القانون الدولي لحقوق الإنسان باعتباره مسألة من مسائل العلاقات الثنائية بين دولة وأخرى، وتتجاهل مسؤولية الدولة عن حماية حقوق الفرد، وتنظر إلى حقوق الإنسان الأساسية على أنها موضوع تفاوض وتسوية، ولا ترى أي دور ذي مَغزى للمجتمع المدني”.
لكن، وعلى حد تعبير الوفد الصيني، فإن ما تسعى إليه بكين هو “تعزيز التعاون”، وليس خَلق الانقسام”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.