مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا يريد الناتو افتتاح مكتب اتصال له في جنيف؟ 

دار السلام بجنيف
مبنى "دار السلام" في جنيف، الذي سيصبح قريبًا مقرًا لمكتب اتصال حلف الناتو، يضم بالفعل مركز السياسات الأمنية، ومركز الرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة، والمركز الدولي لإزالة الألغام لأغراض إنسانية. (KEYSTONE/Martial Trezzini)

قرر حلف شمال الأطلسي (الناتو) فتح مكتب اتصال له في جنيف في وقت لاحق من هذا العام، ما أثار مخاوف عميقة بشأن حياد سويسرا وسمعتها بوصفها ”عاصمة السلام“ في العالم. توضّح سويس إنفو ما هو على المحكّ.  

 كشفت مجموعة تاميديا رابط خارجيالإعلامية السويسرية الخاصة في أكتوبر من عام 2024، عزم حلف شمال الأطلسي “الناتو” (Nato)، افتتاح مكتب في جنيف، بعد تقارب آراء البلدان الأعضاء فيه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتأكّد الخبر لاحقا، إثر توقيع الحلف اتفاقية مع الحكومة السويسريّة في شهر يوليو من هذا العام. لكن وصول هذا التحالف السياسي، والعسكري الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، إلى أرض سويسرية محايدة، أثار جدلاً واسعا في بلد جبال الألب.  

ما المقصود بمكتب اتصال؟ 

تشدّد السلطات السويسرية على أنّ وجود الناتو على أراضيها، سيكون من خلال مكتب اتصال يعزّز تعاونه مع المنظمات المتمركزة في جنيف، منها الأمم المتحدة، ولا صلة له بالعلاقات الثنائية مع الكنفدرالية السويسرية.  

وقد فتح الحلف مكتبيْن مماثليْن في فيينا بالنمسا، ونيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، موقعي الأمم المتّحدة المهمّين أيضا. وبإضافة مكتب جنيف في الخريف المقبل، سيكون الحلف حاضرا في المراكز الرئيسية للأمم المتحدة في العالم، باستثناء نيروبي، عاصمة كينيا.  

وستستقرّ المنظمة في مركز جنيف للسياسات الأمنية (GCSP)، مؤسسة التدريب الدولية في مجالات تعزيز السلام والأمن، الواقعة في ”دار السلام“ (Maison de la Paix )، في قلب الحي الدولي. وسيتولى شخص واحد العمل في هذا المكتب.

لماذا جنيف؟ 

تُعتبر جنيف منارة دبلوماسية متعددة الأطراف، رائدة في مجالات الحَوكمة المختلفة من نزع السلاح، والقانون الإنساني الدولي المعني بوضع قواعد الحرب.  وتحتضن هذه المدينة المقر الأوروبي للأمم المتحدة، والعديد من وكالاتها المتخصّصة مثل منظمة الصحة العالمية (WHO)، والاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، فضلا عن مقرّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر الرئيسي(ICRC). 

لذلك، يعتبرها الحلف مركزا محوريا واستراتيجيا، وقد تعاون كثيرا مع الأمم المتحدة في مهام الحفاظ على السلام منذ سنوات عديدة، فقد شارك، على سبيل المثال، في عمليات عسكرية بتفويض من الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك وأفغانستان وليبيا.  

وسيتمكن حلف الناتو من الوصول إلى دبلوماسيين.ات يمثلون تقريبًا المجتمع الدولي بأكمله، حيث يوجد أكثر من 180 دولة ممثلة في المدينة السويسرية، فضلا عن إمكانية تعامله مباشرة مع 750 منظمة غير حكومية موجودة فيها، منها المهتمّة بقضايا الأمن وإزالة الألغام، ما سيعزّز فرص التعاون، والتنسيق حول هذه المجالات الحيوية.  

+ أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى تعديل موقف الدول الأوروبية المحايدة، مما جعل حلف الناتو أكثر جاذبية لبعضها:

المزيد

لماذا الآن؟ 

يعتبر ديفيد سيلفان، أستاذ فخري في معهد الدراسات العليا في جنيف، في تصريح للإذاعة العامة السويسرية (RTS)، افتتاح هذا المكتب “أحد المؤشرات على شروع الحلف في إعادة هيكلة صفوفه، ليس في شمال الأطلسي فقط كما يوحي به اسمه، بل حتى في أفريقيا وآسيا“.  

ويهدف هذا التوسّع إلى مواجهة نفوذ روسيا والصين المتزايد في هاتين القارتين، بدليل مشاركة دول عديدة من غير أعضاء الحلف، مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، في قمة الناتو السنوية مؤخّرا. وقد تخلّت المنظمة عن فكرة إنشاء مكتب اتصال في طوكيو، بعد طرحها العام الماضي.  

وتشعر الدول، حليفة الناتو في أوروبا بالقلق إزاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر. فهي تخشى عودة محتملة للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كان ينتقد المنظمة ودعم الولايات المتحدة لأوكرانيا. وقد صرّح المرشح الجمهوري في وقت سابق من هذا العام بأنّه “سيشجّع” روسيا على مهاجمة كلّ دولة في الناتو لا تلتزم بدفع اشتراكاتها في الميزانية الدفاعية لهذه المنظمة. ولم يتوضّح بعد في جنيف، التأثيرات الممكنة لولاية ترامب الثانية المحتملة في الناتو.  

ما هي ردود الفعل في سويسرا؟

أثار نبأ افتتاح مكتب حلف شمال الأطلسي في جنيف عاصفة من الجدل السياسي ومن الانقسامات في سويسرا: يعتبر كلّ من اليسار واليمين المحافظ على حد السواء، السماح بوجود منظمة عسكرية أجنبية على الأراضي السويسرية، يتعارض مع حياد البلاد، ما يضرّ بسمعتها كمركز للسلام في العالم.  

في المقابل، ترى الحكومة السويسرية أم وجود الناتو، سيعزز مكانة جنيف كمركز للحوار حول قضايا السياسة الأمنية، وتؤكّد الحكومة احترام قرارها مبدأ حياد سويسرا، مشيرة إلى قانون الدولة المضيفة – الإطار القانوني الذي ينظم العلاقات بين الحكومة والمؤسسات التي تستضيفها – والذي يعامل الناتو كمنظمة حكومية دولية مثل غيرها.

ويؤيد التياران السياسيان الوسطي واليميني رؤية الحكومة، المتعلّقة بتعزيز استضافة حلف شمال الأطلسي مكانة جنيف باعتبارها منارة منفتحة على العالم، مع الاعتقاد بأنّ وجود الناتو سيمهد الطريق لتعاون دولي أعمق في مجالات السلام والأمن.  

لكن مجموعة “من أجل سويسرا بلا جيش”، المنظمة غير الحكومية المعارضة لعسكرة البلاد، تخشى من أن يكون قرار الحكومة بمثابة وسيلة غير مباشرة للضغط على البرلمان للموافقة على انضمام سويسرا إلى الناتو، وهو أمر لا يحظى بتأييد بالإجماع في البرلمان.  

+ هكذا ينظر السويسريون.ات إلى حلف الناتو:

المزيد
العلم السويسري يظل خارج دائرة حلف الناتو

المزيد

وفق قواعد واضحة… أغلبية سويسرية تريد علاقات أوثق مع حلف الناتو

تم نشر هذا المحتوى على تعدّ نظرة الشعب السويسري للوضع الأمني العالمي أكثر قتامة من أي وقت مضى، وهو تشاؤم يؤثّر بدوره على رأي السويسريين.ات في حلف الناتو.

طالع المزيدوفق قواعد واضحة… أغلبية سويسرية تريد علاقات أوثق مع حلف الناتو

هل ستقترب سويسرا أكثر من حلف الناتو؟  

بعثت الحرب في أوكرانيا حلف شمال الأطلسي من جديد، بعد أن وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2019 بأنه “ميت دماغيًا”، وقد دفعت بعض الدول المعروفة بحيادها، إلى الانضمام إليه.  

كما أُثيرت مسألة التقارب المحتمل بين الحلف وسويسرا.  ورغم أنها ليست عضوة فيه، فأنّها تتعاون معه منذ عام 1996، ضمن مبادرة الشراكة من أجل السلام. وتنتشر قوة من الجيش السويسري في كوسوفو كجزء من قوة حفظ السلام الدولية (كفور) التي أنشأها حلف شمال الأطلسي بموجب تفويض من الأمم المتحدة.

+ لمعرفة المزيد عن سويسكوي في كوسوفو، إقرأ.ي هذا التقرير:

المزيد
سويسكوي

المزيد

الجيش السويسري في كوسوفو: بين الحياد وتحديات السياسة الخارجية

تم نشر هذا المحتوى على تتواجد بعثة حفظ السلام سويسكوي في كوسوفو منذ عام 1999 وهي بمثابة مفتاح لفهم النقاشات حول الحياد السويسري.

طالع المزيدالجيش السويسري في كوسوفو: بين الحياد وتحديات السياسة الخارجية

وطلبت فيولا أمهيرد، وزيرة الدفاع، ورئيسة الكنفدرالية الحالية، المعروفة بدعمها الشديد للتعاون مع الناتو، عام 2023 من مجموعة من الخبراء والخبيرات، تقريرا حول السياسة الأمنية السويسريّة.

نُشر التقرير بالفعل نهاية شهر أغسطس. ويوصي بتعاون أوثق مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وتطبيق أكثر مرونة لسياسة الحياد. كما توصي اللجنة بزيادة ميزانية الجيش إلى 1% من إجمالي الناتج المحلّي بحلول عام 2030. وقد انتقد حزب الشعب السويسري (SVP/اليمين المحافظ) بشدة هذا التقرير الذي يعني  بالنسبة إليه ”نهاية الحياد السويسري“. من جانبه، يعتقد اليسار أنه سيكون من ”الخطأ الكبير“ إنفاق الأموال على الاستعداد لهجوم تقليدي على سويسرا، وهو ما يعتبره خطراً غير محتمل.

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية