مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تنجح منظمة التجارة العالمية في أداء دورها على أكمل وجه؟  

ترامب
يمهد ميل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض الرسوم الجمركية الطريق لعصر جديد من الحروب التجارية. Connect Images


تتصاعد التوترات التجارية العالمية منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه. وينتظر من منظمة التجارة العالمية، التي تتخذ من جنيف مقرًا لها، أن تحافظ على سلاسة المعاملات التجارية على الساحة الدولية. فما مدى قدرتها على تحقيق ذلك؟  

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

المزيد

نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

اشترك.ي في النشرة الإخبارية لدينا، واحصل.ي على بريد إلكتروني كل يوم جمعة يحتوي على أخبار من الدول الناطقة بالعربية تم جمعها بواسطة وسائل الإعلام السويسرية. معلومات من منظور سويسري خصّيصًا من أجلك.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

ينفّذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعوده التي قطعها أثناء حملته الانتخابية، فيفرض تعريفات جمركية شاملة للضغط على الدول المجاورة، وحلفائه عبر الأطلسي، بالإضافة إلى خصومه. وفي المقابل، تسعى كندا، والمكسيك، والاتحاد الأوروبي، والصين، للرد على هذه الإجراءات. 

فقد أعلنت الصين فرض رسوم جمركية انتقامية على مجموعة من المنتجات الزراعية الأمريكية. وفي ذات السياق، فرضت كندا تعريفات جمركية على مجموعة من السلع الأمريكية، بما في ذلك عصير البرتقال، وزبدة الفول السوداني، والقهوة. 

في 1 فبراير، أمر ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع الواردة من المكسيك وكندا، بالإضافة إلى رسوم جمركية بنسبة 10% على الواردات من الصين. 

استفادت المكسيك وكندا من فترة توقف مؤقت لمدة شهر واحد للرسوم الجمركية، بعد الاتفاق على تعزيز الرقابة على الحدود.  

دخلت التعريفات الجمركية الأمريكية على السلع من كندا والمكسيك حيز التنفيذ في 4 مارس.  

وفي 3 مارس، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية إضافية بنسبة 10% على جميع السلع الصينية.   

ومن المقرر أن تدخل الرسوم الجمركية بنسبة 25% على واردات الألومنيوم والصلب حيز التنفيذ في 12 مارس.   

كما هدد ترامب أيضًا، بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع الأوروبية. 

آخر تحديث يوم 11 مارس 2025

ويؤكد بعض المحللين والمحللات أن الإجراءات الانتقامية تُستخدم أحياناً لإرضاء الرأي العام سياسيا. لكن من الناحية الاقتصادية، تؤثّر هذه الإجراءات  سلباً في جميع الأطراف المعنية، كما يمهّد تبادل الإجراءات الانتقامية الطريق لحرب تجارية. وقد أقر ترامب بأن الاقتصاد الأمريكي قد يمر بـ “فترة انتقالية” مع تراجع أسواق الأسهم العالمية. 

وقد تأسست منظمة التجارة العالمية (WTO) في جنيف عام 1995، بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا، بهدف ضمان انسيابية التجارة العالمية، وتوفير منصة لتسوية النزاعات الاقتصادية. وقد حلت هذه المنظمة محل الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (GATT). ومع تصاعد التوترات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، قد تشكل هذه اللحظة فرصة لتأكيد أهمية دور المنظمة في تحقيق هذه الأهداف بشكل فعال. 

الرئيسية
المدير العام لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا Keystone / Til Buergy

وأكدت نغوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، خلال اجتماع الأعضاء في جنيف مؤخرًا، على أن “منظمة التجارة العالمية أنشئت خصيصًا للتعامل مع مثل هذه الأوقات، من خلال توفير منصة للحوار، والحد من تصاعد النزاعات، وتعزيز بيئة تجارية مفتوحة يمكن توقع تطوراتها المستقبلية”. 

والسؤال هو: هل يمكن ذلك؟

يقول سيدريك دوبونت، الأستاذ في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية بجنيف: “لا يهتمّ ترامب بالقواعد التي وضعتها منظمة التجارة العالمية، بغض النظر عن طبيعتها فبالنسبة إليه، يتعلّق الأمر بالصفقات، وهي عملية ثنائية، لذا فهو لا يرغب في إزعاج نفسه بمنظمة التجارة العالمية”. 

ويؤيد السفير السويسري السابق، ديدييه شامبوفي، هذا الرأي، إذ يضيف: “تتصرف الولايات المتحدة وكأنها ليست جزءًا من منظمة التجارة العالمية، عندما يتعلق الأمر بالتعريفات الجمركية”. 

وتنطوي عضوية منظمة التجارة العالمية على مجموعة من الامتيازات والالتزامات. وتتمثّل الركيزة الأساسية في القدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية بشروط عادلة وقابلة للتحقق. ويحصل الأعضاء على ميزة التجارة غير التمييزية. وتتضمن الالتزامات أيضاً خفض التعريفات الجمركية، وتجنب نظام الحصص، وتسهيل تدفق المبادلات التجارية من خلال إجراءات جمركية فعّالة. 

التعريفات الجمركية هي ضرائب تفرضها الحكومات على السلع والخدمات المستوردة، مما يجعل المنتجات الأجنبية أغلى من البدائل المنتجة محليًا.

عندما يفرض بلد ما تعريفة جمركية مثل فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الصلب المستورد، يجب على المستورد دفع تلك النسبة للحكومة قبل بيع المنتج محليًا.

يمكن استخدام هذه الرسوم الجمركية لحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية، أو زيادة الإيرادات الحكومية، أو معالجة الاختلالات التجارية. كما يمكن استخدام التعريفات الجمركية للضغط الدبلوماسي.

وتنظر إدارة ترامب إلى العجز التجاري باعتباره مسألة سلبية. وقد استخدمت التعريفات الجمركية للحد منه، بدعوى حماية الصناعة الأمريكية. كما سعت لتحقيق أهداف متنوعة مثل السيطرة على الهجرة والحد من تدفق الفنتانيل، المخدر الذي يسبب وفيات لمئات الآلاف سنويًا، لكن يكمن الخطر في أن هذه التدابير قد تؤدي إلى تصعيد متبادل يتحول إلى حرب تجارية شاملة، تشمل العديد من الدول والقطاعات الاقتصادية. 

ولا تستطيع منظمة التجارة العالمية فعل الكثير لدفع الولايات المتحدة إلى الالتزام بقواعد التجارة الدولية. ويشير ”دوبونت“ إلى أن منظمة التجارة العالمية يقودها أعضاؤها، ولا قدرة لها على التصرف من تلقاء نفسها. فمعظم الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، في الوقت الراهن، في وضع الانتظار والترقب، عندما يتعلق الأمر بأجندة ترامب التي تتغير يومًا بعد يوم. ومن الواضح أن واشنطن ليست من مؤيدي منظمة التجارة العالمية، وقد تجاهلت بعض أحكامها السابقة بالفعل. 

نقلة نوعية  

وأشار السفير والأستاذ الجامعي، إلى أن السياسة الأمريكية أسفرت عن تراجع منظمة التجارة العالمية منذ فترة رئاسة باراك أوباما. فقد أدت إدارة ترامب الأولى إلى إضعاف هيئة الاستئناف في المنظمة، التي تعتبر بمثابة المحكمة العليا للتجارة العالمية، من خلال عرقلة تعيين أعضاء جدد ليحلوا محل الأعضاء المتقاعدين. 

وفي ظل تصاعد النزاعات التجارية في منظمة التجارة العالمية بشأن سياسات مشابهة لتلك المعمول بها حالياً، مثل الرسوم الجمركية العالمية على الصلب وحرب الرسوم بين الولايات المتحدة والصين، ادّعت الولايات المتحدة أن هيئة الاستئناف قد تجاوزت صلاحياتها بإلغاء قرارات لجان الخبراء. 

ولم يتمكن الرئيس الأمريكي جو بايدن من تغيير مسار المنظمة، بل زاد من ضعفها. كما تجاهلت إدارته،  بشكل ملحوظ، الحكم الذي أشار إلى تعارض التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب والألومنيوم في عام 2018 مع التزامات الولايات المتحدة تجاه منظمة التجارة العالمية. 

ويعتبر السفير أن تغيير الولايات المتحدة لنهجها يعكس “نقلة نوعية”. فعندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، كانت التوقعات تشير إلى ضرورة اتباعها لسياسات إصلاحية. وكان من المُفترض أن يسهم تحرير التجارة، بالاشتراك مع روسيا التي انضمت بعد أكثر من عشر سنوات، في تعزيز انتقالها نحو اقتصاد السوق. 

ولكن بدلًا من ذلك ، بدأت الصين بحلول منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، في اتباع استراتيجيات متنوعة لتدخل الدولة، مثل تقديم الإعانات والقروض منخفضة التكلفة، ونقل التكنولوجيا بشكل إلزامي. وقد تمكنت من تحقيق ميزة تنافسية في صناعات مثل السيارات الكهربائية، والصلب، وبناء السفن. وفي المقابل، شهدت وظائف التصنيع في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تراجعًا ملحوظًا، مما أدى إلى ردود فعل سياسية قوية. 

المزيد
سوغيل

المزيد

ما هي التعريفة الجمركية؟ الدليل المختصر

تم نشر هذا المحتوى على تلعب التعريفات الجمركية دورًا رئيسيًا في استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصادية وتحركاته الدبلوماسية. ولكن من المستفيد الحقيقي ومن يدفع الثمن؟

طالع المزيدما هي التعريفة الجمركية؟ الدليل المختصر

وأظهرت دراسة أجراها معهد السياسات الاقتصادية (Economic Policy Institute) في عام 2020، مساهمة الزيادة في العجز التجاري الأمريكي مع الصين بين عامي 2001 و2018  في فقدان 3،7 مليون وظيفة أمريكية، وكانت ثلاثة أرباع هذه الوظائف في قطاع التصنيع. وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت الأتمتة بشكل كبير في فقدان الوظائف خلال نفس الفترة. 

وقد عجزت منظمة التجارة العالمية عن التصدي لما اعتبره البعض في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ممارسات غير عادلة من قبل الصين، مما أدى إلى إحباط واشنطن. وعند تقديم شكاوى قانونية إلى منظمة التجارة العالمية، تكبدت خسائر في نزاعات رئيسية، مثل القضية الخاصة بتمييز الهيئة العامة عن الكيان الخاص، المسألة المعقدة المتعلقة بتفسير قواعد المنظمة حول الإعانات والتدابير المضادة. 

ويشير شامبوفي إلى كيفية تحقيق الصين انتصارات في بعض الحالات البارزة. فيقول: “هكذا تطور الاستياء، ويبدو أن الولايات المتحدة قد توصلت إلى استنتاج مفاده أن منظمة التجارة العالمية ليست الوسيلة المناسبة لحل المشاكل التي تواجهها مع الصين”. 

وفي المقابل، لا تزال بكين تلجأ إلى منظمة التجارة العالمية لطرح مشكلاتها مع الولايات المتحدة؛ فبمجرد أن فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 10% على جميع السلع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة، قدم بلد التنين شكوى إلى منظمة التجارة العالمية على الفور، وردّ في وقت لاحق بفرض رسوم جمركية بنسبة 15% على بعض الواردات الزراعية الأمريكية، بما في ذلك الدجاج والذرة.   

ويمكن أن يصدر حكما من هيئات منظمة التجارة العالمية بأن ترامب قد انتهك قواعد التجارة، كما كان الحال في عام 2020، عندما وجدت الهيئة أن تعريفاته الجمركية الموجهة ضد البضائع الصينية انتهكت قواعد التجارة.  

لكن سيكون انتصار الصين، الذي سيتطلب من حيث المبدأ سحب ترامب تعريفاته الجمركية، رمزيًا في المقام الأول. ويمكن للولايات المتحدة أن تستأنف، لكن لن يحقّق ذلك شيئا بسبب هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية الفاقدة لفعاليتها. ومع ذلك، يبدو أن بكين ترى بعض الجدوى من هذه العملية.   

ويقول دوبونت: ”يريد الصينيون أن يُظهروا للولايات المتحدة: ’نحن الأخيار، نحن لاعبون جيدون متعددو الأطراف، وأنتم الأشرار‘.  ”ولكن هذا أيضًا لأنهم يدركون أن هذه المؤسسة مفيدة. وإذا لم يعد لديك هذه المؤسسة، فماذا سيتبقى لك؟ مبادلات ثنائية طوال الوقت؟ هذا أمر مؤلم.“ 

الحلول البديلة   

ورغم ذلك، لا تزال منظمة التجارة العالمية تحتفظ بأهميتها. إذ تواصل تقديم الدعم لأعضائها لحل النزاعات التجارية، حتى في غياب هيئة استئناف نشطة، وإن كان ذلك بشكل أقل فعالية. وفي السنوات الأخيرة، جرت مشاورات حول نزاعات تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وتجارة السلع الزراعية، وتدابير مكافحة الإغراق. لكن تعاني منظمة التجارة العالمية اليوم، من عجز في اتخاذ قرارات ملزمة قانونياً بسبب عدم وجود هيئة استئناف فعالة. كما أشار تشامبوفي قائلا: “من الواضح أن منظمة التجارة العالمية ليست في وضع جيد”. 

محتويات خارجية
تسوية النزاعات
Kai. Swissinfo

ولقد أصبحت منظمة التجارة العالمية حاليًا، غير قادرة على إصدار قرارات ملزمة قانونيًا بسبب غياب هيئة استئناف فعالة. ويشير تشامبوفي إلى أنه “من الواضح أن منظمة التجارة العالمية ليست في وضع جيد”. 

ويتجلى تفضيل العمليات متعددة الأطراف أيضًا في قرار الدول الأخرى بإنشاء ترتيبات التحكيم الاستئنافية المؤقتة متعددة الأطراف (MPIA) في عام 2020، لتجاوز الحال التي آلت إليها هيئة الاستئناف، ما يوفر مساحة للصين والاتحاد الأوروبي لحل المشاكل مع بعضهما البعض، حتى وإن لم يشمل ذلك الولايات المتحدة. وعلى خلاف هيئة الاستئناف، ليست قرارات هيئة التحكيم ملزمة قانونًا.  

مع ذلك، لا يزال دوبونت وشامبوفي يؤكدان أنه من الممكن أن تكون هناك مؤسسة قابلة للاستدامة، حتى في ظل حكم ترامب.  

ويقول دوبونت: ”هناك تعامل تجاري كبير لا يشمل الولايات المتحدة. ولا تزال الدول الأخرى حتّى الآن، مهتمة بمنظمة التجارة العالمية، ولا يعني هذا أن منظمة التجارة العالمية لا يمكن أن تعمل. فالولايات المتحدة تلعب لعبة خطيرة للغاية، لأن العالم سينتظم أكثر فأكثر دونها“. 

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية