جنيف تدعم المشاريع الأثرية في غزة
تستعد جنيف لاستقبال أكبر معرض لآثار فلسطينية من قطاع غزة بعد تجاوز عراقيل الإغلاق والتقلبات السياسية وفي انتظار الشروع في تجسيد فكرة بناء متحف الآثار بغزة.
ويهدف هذا النشاط الأثري الذي تسهم فيه مدينة جنيف ومتحف الفن والتاريخ بجنيف إلى إعطاء صورة عن قطاع غزة، تختلف عن تلك التي تتناقلها وسائل الإعلام يوميا وللسماح للجمهور بالتعرف على ثراء وتنوع ما شهدته غزة كمعبر لمختلف الحضارات.
يستعد متحف الفن والتاريخ بجنيف لتنظيم معرض للآثار الفلسطينية، وذلك ما بين 27 أبريل و 7 أكتوبر 2007 بعرض أكثر من 500 قطعة أثرية تمثل مختلف الحقب التي مر بها قطاع غزة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى أواخر العهد العثماني.
المعرض الذي سهر على إعداده كل من مارك اندري هالديمان وماريال مارتينياني ريبر من متحف الفن والتاريخ بجنيف، يعد أكبر معرض ينظم خارج الأراضي الفلسطينية على الإطلاق. ويهدف – حسب السيد هالديمان- الى “إعطاء صورة عن غزة للرأي العام السويسري والأوروبي والعالمي تعكس هذا الثراء الخارق للعادة للمعالم التاريخية التي تزخر بها المنطقة وليس فقط ما تتناقله وسائل الإعلام يوميا من مآس”.
حقب تاريخية مختلفة
ما سيعرض في جنيف من تحف فنية فلسطينية من قطاع غزة يمثل بقايا حضارات متعاقبة امتدت من فترة ما قبل التاريخ حتى العهد العثماني. وتقول الخبيرة السويسرية ماريال ماريتنياني فيبر أن “ما سيطغى على قطع المعرض هو ما يعود للحقبة الإغريقية من قطع فخارية وغيرها إما صنعت في المنطقة أو تم جلبها الى قطاع غزة من مناطق أخرى خصوصا من قبرص واليونان”.
وإلى جانب الحقبة اليونانية، تشير السيدة ماريال إلى أن “منطقة غزة تزخر ايضا بآثار الحقبة المسيحية رغم أن دخول الديانة المسيحية عرف بعض الصعوبات بسبب تفشي الديانات البدائية وبالأخص الرومانية التي كانت تقدس الإله زويس”.
وتشير بالخصوص الى شخصيات مسيحية مثل القديس هيلاريون الذي لم يذع صيته ونفوذه في طاباطا مسقط رأسه في غزة فقط بل أيضا في قبرص حيث أقيم له دير هناك قبل تتم إعادة رفاته الى موطنه الأصلي.
وتشير الخبيرة السويسرية الى أن قطاع غزة يزخر أيضا بمعالم أثرية هامة تعود للحقبة النبطية ثم الإسلامية التي تمتد من العصر العباسي حتى العثماني.
وعن تنظيم المعرض تشير السيدة ماريال مارتينياني فيبر الى ان افتتاح المعرض سيكون بجرتي فخار من قطاع غزة تم العثور عليهما في حفائر جرت تحت كاتدرائية جنيف. وتقول السيدة ماريال “إن هذه القطع الفخارية كانت تستعمل لجلب الخمر الذي يوزع في القداس الديني”.
ويختتم المعرض الذي يشتمل على 500 قطعة، بعضها يمثل الحياة اليومية في القطاع مثل الصيد والبحرية، بسارية آثرية تعود للحقبة البيزنطية، وقد أعيد استعمالها كحجر قبور لجندي شارك في حملة أللنبي أثناء فترة الانتداب البريطاني.
اهتمام بالآثار رغم الظروف
ما يتبادر للذهن عند الحديث عن معرض آثار فلسطيني في الخارج هو التساؤل هل هناك من يهتم بهذا القطاع في ظل الظروف الحالية التي يعرفها الفلسطينيون؟ سؤال وجهناه للسيدة ماريال مارتينياني فيبر التي نوهت إلى أن “الاهتمام بالآثار في فلسطين متواصل منذ عشرة أعوام تقريبا، خصوصا ما يقوم به الأب جون باتيست هومبر الأستاذ بالمدرسة الانجيلية في القدس والذي يقوم بحفائر في قطاع غزة، وما يوليه قسم السياحة والآثار الفلسطيني من اهتمام لهذا القطاع”.
وتثني الخبيرة السويسرية على “وعي كل الساهرين على قسم الآثار بل حتى المواطنين بمدى أهمية التعرف على الماضي ومدى حرصهم على حماية تلك الآثار”، لكنها عبرت عن الأسف لأن بعض تلك المعالم تعرضت للتلف أو النهب على ايدي الإسرائيليين.
فقد أشارت الى “توغل دبابات في المنطقة التي عثر فيها على كنيسة تعود للعهد البيزنطي، مما أدى الى إلحاق أضرار برسوم فسيفساء”. كما أشارت الى أنه تم نهب حوالي 70 تابوتا أثريا في عهد موشي دايان ونقلهم الى متحف بإسرائيل، إلا أنه استدركت قائلة “إنه ليس بالأمر المأساوي لأن تلك التوابيت أو جزء منها قد يعاد عن طريق المفاوضات”.
رغم كل العراقيل، المعرض سيقام
إذا كانت النوايا حسنة للتعريف بالتحف التاريخية التي تزخر بها منطقة غزة، فإن تطورات الأوضاع بالمنطقة كادت أن تفشل المشروع. إذ يقول مارك أندري هالديمان “إن فكرة تنظيم المعرض والعمل في مشروع بناء متحف غزة ظهرت في عام 2005 لما كانت الظروف بالمنطقة ملائمة” .
لكن الأمور تطورت بشكل مأساوي ابتداء من منتصف فبراير 2006. حيث يشير مارك أندري هالديمان إلى أنه “رغم اتصالنا بكل الأطراف وتقديم كل الوثائق والصور عن القطع المراد إخراجها من قطاع غزة في شهر يونيو 2006 لم نحصل على الرد من السلطات الإسرائيلية إلا في شهر نوفمبر 2006”.
ويرى أن الانفراج تم “بفضل جهود كل من الخارجية المصرية التي ساعدت على إخراج القطع عبر منطقة رفح الحدودية، وبفضل تجند وزارة السياحة والآثار في السلطة الفلسطينية ومكتب الرئيس محمود عباس، وبفضل ترخيص مكتب الوزير الأول الإسرائيلي”.
مشروع بناء متحف غزة
مدينة جنيف لم تكتف بالمشاركة في تنظيم معرض التحف الفنية الفلسطينية، بل تشرف على جزء من مشروع بناء متحف غزة في المنطقة التي عثر فيها على كنيسة بيزنطية. وفي هذا الإطار، ستشهد جنيف في الأسبوع القادم (يوم 23 يناير 2007) انطلاق مسابقة دولية لتصميم بناء هذا المتحف الذي تشرف عليه منظمة اليونيسكو وتشارك عدة جهات في تمويله. ومن المفروض أن يكون المتحف جاهزا لاستقبال القطع الأثرية ابتداء من عام 2016.
وترى الخبيرة السويسرية ماريال ماريتنياني فيبر أن “بناء متحف غزة سيعود بالفائدة على سكان القطاع لتعريفهم بماضيهم من جهة ولكي يصبح نقطة جلب سياحي من ناحية أخرى”.
وبالإضافة الى مساهمة مدينة جنيف في مشروع بناء متحف غزة، سيقوم متحف الفن والتاريخ التابع لمدينة جنيف، بالسهر على تكوين إطارات للعمل في متاحف فلسطينية. وتقول السيدة ماريتيناني فيبر “إن ذلك كان بطلب من السلطات الفلسطينية التي ترغب في تكوين كوادر في إدارة المتاحف وفي ترميم الوثائق”، مضيفة بأن متحف أثينا عبر بدوره عن الرغبة في المشاركة في تكوين الإطارات المتحفية الفلسطينية الى جانب السويسريين.
الثقافة وسيلة للتقارب
عن الدروس المستخلصة من هذه التجربة ، يقول السيد مارك أندري هالديمان “إن ما ظهر مع تقدم الوقت في إعداد هذا المعرض، هو أن الثقافة تحمل بين طياتها الكثير من الأمل في وقت تعرف فيه الأوضاع السياسية تأزما”.
وحتى لا يقتصر الأمر على معرض مؤقت، هناك التزام للعمل على تشييد متحف غزة الذي يقول عنه السيد هالديمان ” تكمن أهميته في قيمة الكنوز التي سيحتوي عليها والتي يجب ان يستفيد منها أبناء قطاع غزة بالدرجة الأولى، لأن من يجوب القطاع اليوم لا يجد اية آثار لماض يعود لأكثر من 5000 سنة”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
ينتظم المعرض في متحف الفن والتاريخ في مدينتة جينف
تستمر فعاليات المعرض من 27 أبريل إلى 7 أكتوبر 2007
يبلغ حجم القطع البرونزية والصخرية التي ستعرض للجمهور حوالي 55 متر مكعب.
تم استقدام جزء من المعروضات من قطاع غزة أما القطع المتبقية فقد أمكن جلبها من باريس حيث كانت محفوظة (بعد عرضها في دونكيرك ببلجيكا عام 2001) في انتظار تشييد متحف غزة.
بقية القطع المعروضة تشكل مجموعة خاصة على ملك السيد جودت خضري، وهو مقاول فلسطيني من سكان غزة اهتم بتجميع القطع الأثرية بحكم عمله في مجال البناء.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.