جنيف تعلن حربا على التسول
شرعت سلطات جنيف في تطبيق مخططها الهادف للقضاء على ظاهرة التسول في شوارع المدينة، وهو المخطط الذي سيتواصل بترحيل المخالفين بعد تفكيك مخيمات إقامتهم.
ويذهب البعض إلى أن ظاهرة التسول قد تفاقمت في جنيف في أعقاب إقرار البرلمان المحلي لمشروع قانون تقدم به الاشتراكي لوران موتينو يلغي معاقبة التسول، وأدى إلى اندلاع جدل سياسي على مستوى الكانتون.
طبقا لما تعهدت به سلطات دويلة جنيف في مخططها الرامي إلى محاربة التسول الذي أعلنت عنه في بداية الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر الجاري، شرعت في الساعات الأولى من يوم الجمعة 16 نوفمبر في تفكيك مخيمات إقامة أعداد من المتسولين الرومانيين الذي توافدوا عل المدينة خلال الأشهر الأخيرة والذين أصبحت تعج بهم بعض النقاط الهامة في المدينة وفي محيط محطة القطار “كورنافين” بوجه خاص.
فقد قامت قوات الشرطة المصحوبة بعدد من العاملين في مجال الدعم الاجتماعي وموظفي البلدية بترحيل عشرات المتسولين الرومانيين من المخيمات العشوائية التي أقاموها تحت جسرين بالمدينة، ونقلهم الى ملجأين تابعين للحماية المدنية خصص أحدهما للرجال والآخر للنساء والأطفال.
ولمنع عودتهم الى هذه المخيمات المؤقتة، شرعت البلدية في تفكيكها، كما قامت قوات الأمن بالتثبت من هويات الأشخاص الذين كانوا متواجدين على عين المكان وذلك على الرغم من أنها لا تعتبرهم من المجرمين أو من المشتبه فيهم.
تشديد الإجراءات مستقبلا
وقد أمهلت السلطات هؤلاء المتسولين مدة عشرة أيام لمغادرة جنيف، لكن العديد منهم استعد لهذا الاحتمال وشرع (حتى قبل العملية) في مغادرة سويسرا في اتجاه إسبانيا. كما ينتظر البعض الآخر الإنتهاء من جمع مصاريف رحلة العودة للتوجه مجددا إلى بلادهم. وفي هذا السياق، تشير بعض الجهات الإجتماعية التي قدمت يد العون إلى هؤلاء المتسولين إلى أن غالبيتهم تنحدر من قرية واحدة في رومانيا.
في المقابل، أعلنت السلطات في كانتون جنيف أنها سوف لن تسمح بعودة الأمور مجددا إلى ما كانت عليه وذلك بتشديد الدوريات وملاحقة المتسولين في الساحات ومداخل المحلات التجارية وفي محيط محطة القطار الرئيسية وداخل المدينة القديمة على مدى أسبوعين على الأقل، تقوم بعدها وابتداء من غرة ديسمبر بتطبيق القانون الفدرالي المنظم لشروط إقامة الأجانب في سويسرا.
ويعني هذا القرار عمليا إعادة المتسولين الذين يوجدون في وضعية “غير نظامية” والذين ليس بإمكانهم إثبات توفرهم على مورد رزق كاف، على الفور الى بلدهم، حسب تأكيدات لاوران موتنيو، الوزير المكلف بالعدل والشرطة في الحكومة المحلية لكانتون جنيف.
حق التسول والجدل بين اليسار واليمين
وكان القرار الذي اتخذته جنيف في الصيف الماضي، بعدم اعتبار التسول نشاطا يعاقب عليه القانون، إثر مقترح تقدم به الاشتراكي لوران موتينو قد أثار جدلا بين مختلف التيارات السياسية في الكانتون، كما أثار غضب العديد من المواطنين خصوصا بعد تفاقم ظاهرة التسول في شوارع جنيف والضواحي الفرنسية بشكل ملفت للانتباه.
ويعترف الوزير موتينو بأنه “لم يسبق له أن توصل من قبل برسائل من المواطنين كالتي توصل بها بخصوص المتسولين، والتي كانت في بعضها مهددة له ولعائلته”.
وفيما يرى العديد من المراقبين في هذا التشديد ضد المتسولين تحولا في موقف حكومة جنيف وبالأخص في موقف الوزير الاشتراكي، غير أن سياسيين يمييينن يصرون على المطالبة بإلغاء القانون الذي كان ورائه، والقاضي باعتبار التسول عملية لا يعاقب عليها القانون.
ويصر النائب الليبرالي أوليفيي جورنو على مشروع القانون المضاد الذي تقدم به، ويرى أن “ما تقدمت به الحكومة في هذه الخطوة مهم، ولكنه لا يذهب الى حد اعتبار التسول ممنوعا قانونيا”. أما إيف نيديغر، النائب عن حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، فاعتبر أن موتينو “برفضه اعتبار التسول أمرا محظورا إنما يبدي حياء في غير محله”.
في مقابل ذلك، اعتبرت أصوات أخرى (بعضها يميني) أن ما قامت به الحكومة المحلية “يعتبر تصرفا لائقا يحافظ على كرامة الناس”، مثلما جاء على لسان الراديكالي فريديريك هول.
ولكن أصواتا من اليسار أو من قطاع العمل الاجتماعي شككت في أن يكون اعتماد القانون المثير للجدل قد أدى إلى تضخيم ظاهرة التسول في المدينة. وترى إيزابيل فيدمر، الموظفة في المصالح الاجتماعية بالمدينة أن “طائفة الروم (الغجر الرومانيون) تتردد على دفعات غير منتظمة على سويسرا ولمدة ثلاثة أشهر تقريبا”، كما تعتقد أن قرار عدم معاقبة التسول “لم يعمل على مضاعفة أعداد المتسولين بشكل كبير، ولا يمكن القول أن الروم وصلوا الى المدينة بأعداد كبيرة وبشكل مفاجئ”.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
الجدل القائم في جنيف انتقل على الفور إلى لوزان المجاورة حيث ارتفعت أصوات أغلبها من أقصى اليمين للإعراب عن التخوف من أن يؤدي طرد المتسولين من جنيف إلى تحولهم إلى مدينة لوزان أو كانتون فو.
وما يزيد من تخوف بعض المسؤولين في كانتون فو (عاصمته مدينة لوزان)، القرار الذي اتخذته سلطات كانتون برن يوم 12 نوفمبر بتعزيز الرقابة البوليسية في شوارع العاصمة الفدرالية للتخلص من المتسولين ومدمني المخدرات.
فرانسوا بريلا، النائب عن حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، بادر بتقديم التماس برلماني يحمل توقيعات اثنين وعشرين نائبا في البرلمان المحلي يطالب فيه حكومة كانتون فو بسن القوانين الضرورية لمواجهة الظاهرة.
السلطات المحلية في الكانتون قللت من أهمية المخاوف المثارة وأشارت إلى أن عدد المتسولين في كانتون فو أقل بكثير مما هو موجود في جنيف. كما أعلنت أنها ترفض المساس بالقانون الحالي (اعتمد رسميا في يناير 2007) الذي يمنح الحق في التسول.
من جهته، يرى مارك فيومير، المستشار البلدي اليساري من الحزب السويسري للعمل أنه “يجب علينا ان نقضي أولا وقبل كل شيء على الفقر”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.