جولة جديدة من المفاوضات
بعد خمسة أشهر من التوقف، تنعقد يوم الخميس في برن جلسة مفاوضات وُصفت بانها "هامة جدا" بين سويسرا والإتحاد الأوروبي حول ملف التهرب الجبائي.
وفيما يبدو الجانب الأوروبي متعجلا لإنجاز تقدم في هذا الملف الشائك، يحتمل أن يتقدم السويسريون بمقترحات جديدة.
في الثامن عشر من شهر أبريل الماضي، افترق المفاوضون السويسريون والأوروبيون بعد أن اقتنعوا بوجود عدم اتفاق مزمن حول ملف التهرب الجبائي الذي يحظى بأهمية خاصة لدى بروكسل.
وعلى الرغم من أن رودولف ديتريش، مدير الجمارك السويسرية، قد صرح حينها أن المفاوضات وصلت إلى “نقطة جمود”، إلا أن الطرف الأوروبي أحجم عن أي تعليق وظل صامتا طيلة الأشهر الماضية. أما الجانب السويسري فقد اكتفى بالقول إن الأمر لا يزيد عن “سوء تفاهم”.
وعشية انعقاد جلسة جديدة من المباحثات في برن حول هذا الملف الذي يندرج في سياق الجولة الثانية من المفاوضات الثنائية بين سويسرا والإتحاد الأوروبي، تقول مصادر مكتب الإندماج الأوروبي (التابع لوزارة الإقتصاد الفدرالية) إن سويسرا سوف تتقدم بمقترح جديد حول مسألة التهرب الجبائي، فيما تتحدث جهات أخرى عن “مجرد إنجاز برن لعمل توضيحي من أجل الإقتراب من نص مشترك”.
أما في بروكسيل فقد أكد مصدر أوروبي أنه لا يوجد شيء جديد على طاولة المفاوضات – رسميا – ، لكنه لم ينف أن “أفكارا غير رسمية” قد عُـرضت من طرف الجانب السويسري في اجتماع غير رسمي. وشدّد نفس المصدر على أن الأوروبيين ينتظرون “بفارغ الصبر” أن تبدي برن قدرا أكبر من المرونة في مواقفها التفاوضية.
محاور الخلاف
يكتسي ملف “التهرب الضريبي” أهمية استثنائية في العلاقة المستقبلية بين برن وبروكسيل. فمن جهة تبذل دول الإتحاد الأوروبي الخمسة عشر جهودا استثنائية لوقف نزيف المستحقات الجبائية والثروات المودعة من طرف مواطنيها في المصارف السويسرية تهرّبا من دفع الضرائب المستحقة عليها في بلدانهم الأصلية.
ومن ناحية أخرى، ترفض سويسرا التنازل عن أربعة عناصر “أساسية” في تشريعاتها وتتمثل في مبدإ “الإدانة المزدوجة” للجرائم أي أن الجريمة يجب أن تكون خاضعة للمساءلة والمعاقبة في البلدين، وفي مبدإ “التخصّـص” (أي أن المعلومات المطلوبة من طرف أي جهة لا يجب أن تُستعمل إلا في الإطار الذي طُـلبت من أجله) إضافة إلى مبدئي “مراقبة الحسابات المصرفية” في البنوك و”الطابع التجميدي” لأية إجراءات أو أحكام إثر التقدم بطلب الإستئناف أو التعقيب.
من جانبها، تسعى المفوضية الأوروبية إلى أن يصبح التعاون الإداري والقضائي بين برن وبروكسيل، بالنسبة لجميع المخالفات التي تترتب عنها أضرار مالية، على نفس المستوى المعمول به فيما بين دول الإتحاد الأوروبي، وهذا سواء اعتُـبرت هذه المخالفات أعمالا إجرامية في سويسرا أم لا مثلما يشدّد على ذلك ديبلوماسي أوروبي.
وفي محاولة أخرى لطمأنة الجانب السويسري حرص مسؤولون في المفوضية الأوروبية عشية الإجتماع على التذكير بأن جهودهم لمكافحة التهرب الجبائي تستهدف بالأساس الجباية غير المباشرة (مثل الضريبة على القيمة المُـضافة، …) وليست موجّهة للمداخيل والثروات الشخصية أو ما يُـعرف بالجباية المباشرة.
كما يرغب الأوروبيون – في هذه المرحلة على الأقل – في تجنّـب أي خلط بين ملفي التهرب الجبائي والضرائب المفروضة على المدخرات الذي لا زال الجدل مستعِـرا حوله بين الجانبين.
مقترحات محتملة
وتُفيد بعض المصادر السويسرية أن برن قد تقترح يوم الخميس “تجريم” بعض الممارسات التي تعتبر حاليا في سويسرا مجرد مخالفات يُـعاقب عليها بتسليط غرامات مالية. وعندها سيكون بالإمكان إصدار أحكام بالسجن على مرتكبيها بما يسمح بإطلاق إجراءات المساعدة القضائية المعمول بها في العديد من الجرائم الأخرى.
وفي صورة اعتماد هذه المقاربة، فان مبدأ “الإدانة المزدوجة” المعمول به في القانون السويسري والذي يؤكد على الفصل التام بين “التهرب الضريبي” و “التهرب الجبائي” لن يتعرض لأي تغيير. كما أن مبدأ السرية المصرفية الشهير سيخرج “سليما” من العملية إضافة إلى أن حجم المساعدة (على مستوى المعلومات والتعاون القضائي) المقدمة من طرف سويسرا إلى بروكسل ستشهد المزيد من التوسع.
ديبلوماسي أوروبي علق على هذه المعلومات بالقول :”إننا نرحب بكل مبادرة” وهو ما قد يُفهم منه أن بداية التغيير في الموقف السويسري قد يمهّـد لتطورات إيجابية في جلسة يوم الخميس التي ستكون محل متابعة خاصة من طرف المراقبين وخاصة فيما يتعلق بالجانب السياسي العام نظرا للجمود الذي طبع الجولة الجديدة من المفاوضات الثنائية بين الجانبين منذ انطلاقها في ربيع هذا العام.
تهديدات مبطنة
يشار إلى أن اجتماع التاسع عشر من سبتمبر يأتي قبل أسابيع قليلة من آجتماعين مهمين، يضم الأول وزراء خارجية الدول الأوروبية في الثلاثين من هذا الشهر ويخصص لدراسة وضع العلاقات الثتائية بين الكونفدرالية والإتحاد.أما الثاني فينعقد في الثامن من أكتوبر القادم وسيتخذ فيه وزراء المالية والإقتصاد في دول الإتحاد الأوروبي موقفا نهائيا من ملف جباية المدخرات.
ومن هنا، فان توصل المفاوضين إلى تحقيق آختراق جدي أو تقدم ملموس في الجولة الجديدة من المحادثات سينعكس إيجابا على مسار المفاوضات الثنائية برمتها. أما في صورة تفاقم الخلاف وتمسك كل طرف بمواقفه السابقة، فان تهديدات أوروبية واضحة – تم تسريبها إلى بعض وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة – باتخاذ موقف متشدّد من برن قد تجد طريقها إلى التنفيذ وهو ما من شأنه أن يدخل العلاقات الثنائية في طور بالغ الحرج.
سويس إنفو مع الوكالات
قد تكون الجولة الجديدة من المفاوضات بين سويسرا والإتحاد الأوروبي حول ملف التهرب الجبائي حاسمة لجهة سير المفاوضات الثنائية التي لا زالت تراوح مكانها وخاصة فيما يتعلق بملف التهرب الجبائي وما يرتبط بالسرية المصرفية عموما
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.