“جيل الطوارئ” بمصر.. “قنبلة موقوتة”
"سلبي.. خائف.. قلق.. منكسر.. غاضب.. مطحون.. مهموم.. غير مطمئن، فاقد الثقة.. لا يبالي.. عازف عن المشاركة.. مشغول بالبحث عن لقمة العيش.. غير آمن على حياته ولا مستقبله..."
تلك أهم السِّـمات البارزة التي اتفق عليها خبراء مصريون متخصصون في السياسة والاجتماع والقانون وعلم النفس، لـ “جيل الطوارئ”
“سلبي.. خائف.. قلق.. منكسر.. غاضب.. مطحون.. مهموم.. غير مطمئن، فاقد الثقة.. لا يبالي.. عازف عن المشاركة.. مشغول بالبحث عن لقمة العيش.. غير آمن على حياته ولا مستقبله…”
تلك أهم السِّـمات البارزة التي اتفق عليها خبراء مصريون متخصصون في السياسة والاجتماع والقانون وعلم النفس، لـ “جيل الطوارئ”، الذي ولد وعاش وتعلم في ظل قانون الطوارئ الذي يحكم البلاد بالحديد والنار على مدى ربع قرن، بدأت مع تولي الرئيس محمد حسني مبارك مقاليد السلطة في البلاد خلفاً للرئيس الراحل محمد أنور السادات في عام 1981.
ويحذر الخبراء من أن هذا الجيل، وفي ظل التمديد الأخير للطوارئ لعامين آخرين ينتهي في مايو 2008، ينتظر منه “الغضب والتمرد، كما ينتظر منه أن يكون ساخطاً على المجتمع، وأن يكون لديه مشاعر سلبية من نظام الحكم”، معتبرين أن “هذا الجيل يمكن أن يثور ويعترض ويتمرد بصورة تؤدي إلى تغيير نظام الحكم، فهو أشبه بالقنبلة الموقوتة”.
صورة “البلطجي”
يرى الكاتب والمفكر المصري الدكتور رفيق حبيب، أن “جيل الطوارئ” هو ذلك الجيل من الشباب الذي ولد وتربّـى وعاش وتعلّـم في ظل قانون الطوارئ، مشيرا إلى أن هذا القانون الكئيب قد ترك بصماته على هذا الجيل.
وقال حبيب في تصريح خاص لسويس إنفو، إن هذا الجيل يتسم بخمس سمات هي: “العزوف عن العمل السياسي” واعتباره نوعاً من المغامرة غير محسوبة النتائج، وتصوره أن كل انخراط في العمل السياسي يؤدي إلى الاعتقال، مما يربط بين السياسة والاعتقالات، وكأنه نوع من العقاب، وهو ما جعل ممارسة السياسة لدى هذا الجيل هي نوع من الجرائم، و”النظر إلى أمور السياسة بوصفها حِـكراً على من يملك القوة”، سواء الجيش أو الشرطة، وأنها ليست عملاً شعبياً، بل هي تخص نخبة فقط، مما أدى إلى غياب فكرة المشاركة السياسية.
وأضاف حبيب: “تكون وجهة نظر عن الشرطة بوصفها قوة منفلتة”، من أي نظام أو قانون، وأنها قادرة على إيقاع الأذى بأي فرد واعتقاله لأسباب قد يكون بعضها سياسي وبعضها الآخر شخصي، وهو ما يرسم صورة لرجل الأمن أقرب لصورة “البلطجي”، و”قناعة الشباب بمنطق القوة”، وأن الغلبة لمن يملك القوة، يستطيع أن يفرض بها ما يريد عن حق أو باطل، مما يسهم في استخدام القوة بصورة خارجة عن القانون، مادام النظام السياسي نفسه يستخدم القوة بشكل استثنائي وبعيداً عن القانون الطبيعي.
وأشار حبيب إلى أن خامس هذه السمات “غياب فكرة العدل على جميع المستويات والصور”، فلا يشعر الشاب بأنه يعيش في نظام عادل، بل يشعر بأن المنطق السائد أقرب إلى “قوانين الغاب”، مما يشعره بالظلم، ويؤدي بالتالي إلى تكوّن أنماط سلوكية لا تلتزم بقاعدة عامة، ولا تراعي قيم العدل والحق.
“جبن غير مسبوق”
ويتفق الفقيه الدستوري الدكتور محمد سليم العوا مع الدكتور رفيق حبيب فيما ذهب إليه، ويقول لسويس إنفو: “أعتقد أن أهم سمة يمكن رصدها لهذا الجيل من الشباب الذين ولدوا وتربوا وعاشوا في عصر الطوارئ، هي الجبن غير المسبوق في تاريخ مصر”.
ويقول الدكتور علي فهمي، أستاذ القانون والاجتماع لسويس إنفو: “هذا الجيل يعيش في غيبوبة منذ أكثر من ربع قرن، ورغم الضنك الاقتصادي وقلة ذات اليد والارتفاع الجنوني في الأسعار، فإنه يعيش لأنه ليس أمامه بديل، جيل غير مؤمن بالمشاركة السياسية، ومن ثم فإنه غير مهتم بممارسة السياسة، ولا يعبأ بالأحزاب السياسية، إنه جيل مطحون، مهموم، مشغول بالبحث عن لقمة العيش”.
ويستهل الدكتور سمير عبد الفتاح، أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعة المنيا، وعميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببنها، حديثه قائلا: “ملامح جيل الطوارئ هذا، هي ملامح ضاغطة في كل الأحوال، فلا يمكن أن ننسى الضغوط المختلفة التي تحيط به، اقتصادياً واجتماعياً، كما يجب أن نعترف بأن 25 عاما من المشكلات والهموم قد أثرت سلباً في تكوين هذا الجيل”.
“جيل انهزامي”
ويصف الدكتور عبد الفتاح ملامح هذا الجيل في حديث خاص لسويس إنفو فيقول: “الشباب المصري في عصر الطوارئ هو شباب غير منتج، لا يميل للحركة، إلا إذا كانت مقابل مصلحة مادية مباشرة، فضلاً عن أنه جيل يفتقد القدوة، كما يفتقد مبدأ الثواب والعقاب”. كما أن من أبرز سماته “السلبية واللامبالاة والانسحابية”، وذلك بسبب مشاهدته الفساد بكافة صوره متفشيا بدرجة كبيرة في شتى مجالات الحياة، بينما يقف القانون عاجزا أمام إشكالية محاسبة المفسدين!
ويعتبر الدكتور عبد الفتاح أن هذا الجيل: “مضطرب، ومتضخم الذات، لا يرى غير نفسه، أناني، كما أنه جيل ضعيف لا يستطيع أن يعبر عن آماله، فضلاً عن أنه جيل انهزامي، مهزوم منذ مولِـده، ليس لديه الرغبة في المشاركة السياسية الحقيقية، لأنه على قناعة بأن مشاركته لن تأتي بجديد، فاقد الثقة في الآخرين، يرى وعود الكبار كاذبة وبرامجهم أقل من أن تحقق طموحاته”.
ويختتم الدكتور عبد الفتاح رسمه لملامح هذا الجيل قائلاً: “هو جيل بطالة، لا يحب العمل ولا يجده ولا يرغب فيه، لأن سوق العمل يتطلب قدرات ومواصفات خاصة غير موجودة لديه، كما أنه جيل خائف، وقلق، منكسر، غاضب، وغير مطمئن وغير آمن على حياته، فضلاً عن أن يكون آمناً على مستقبله”، مشيراً إلى أن “البيئة الطارئة التي ولد فيها ونشأ وترعرع فيها هي التي شكّـلت الخصائص السلوكية لدى هذا الجيل الذي يمكن أن نطلق عليه “جيل الطوارئ”.
“العصر الأكبر كآبة”
ومن جهته، يوضح الدكتور محمد السيد سعيد، نائب مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، أن “عصر الرئيس مبارك وعلى مدى 25 عاما متواصلة، ذبح هذا الجيل. فهو بكل المقاييس العصر الأكبر كآبة في تاريخنا الوطني، عصر الطغيان الظاهر للدولة، حيث أغلِـقت جميع منافذ التعبير الوطني. فالحياة الجامعية مغلقة تماماً، ممارسة السياسة ممنوعة في الوسط الجامعي المفترض أنه جيل المستقبل المسؤول عن إعداد وتأهيل أساتذة ومعلمي ومهندسي وأطباء وعلماء وساسة المستقبل”.
ويقول الدكتور سعيد في تصريح خاص لسويس إنفو: “الحياة الجامعية انقسمت إلى “شلل”، والثقافة السياسية قلّـت، وتم ذبح الحياة السياسية في الجامعة، والمدارس أصبحت مكلفة جداً، والتربية السياسية منعدمة، فضلاً عن أنه لا توجد مشاركة سياسية، كما أنه جيل يعاني من فقر شديد في العبقرية السياسية، وذلك لأن النظام البوليسي مدّ سلطانه على كل أركان العملية السياسية فأصابها بالشلل التام”.
ويذكر الدكتور سعيد جانباً من سِـمات وملامح جيل الطوارئ فيقول: “إنه جيل يحتقر السياسة، ولديه ميل عام للانسحاب من الحياة السياسية، كما أنه جيل مستلب سياسياً، ومتغرب إلى حد كبير”، معتبراً أن “عصر مبارك هو عصر إخلاء الفضاء العام من السياسة وملؤه بالاقتصاد، وهو ما أنتج جيلاً أكثر اهتماما بالـ “بيزنس” على حساب السياسة”.
غاضب وساخط
ويتساءل الدكتور رفيق حبيب قائلا: “ماذا ينتظر من جيل بهذه المواصفات؟! ويسارع حبيب بالرد: “ينتظر منه الغضب والتمرد، لأنه يرى عدم إتاحة حياة عادلة له من الجيل السابق، وينتظر منه أن يكون ساخطاً على الأجيال الأكبر منه التي سكتت على أوضاع غير عادلة في المجتمع، يُـنتظر منه أن يكون لديه مشاعر سلبية من نظام الحكم”.
ويحذر حبيب من أن “هذا الجيل هو أشبه بقنبلة موقوتة، يمكن أن يثور ويعترض ويتمرد بصورة تؤدي إلى تغيير نظام الحكم في مصر، وهو ما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث ظهرت كثافة كبيرة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18- 25 عاما، وهم ممن ولدوا في أجواء الطوارئ، لوحظ إقباله على التصويت، خاصة وأنهم تم قيدهم بشكل آلي في جداول الانتخابات”.
ويختتم الدكتور حبيب حديثه مؤكداً أن “هذه الفئة من الشباب أعطت أصواتها لجماعة الإخوان، ولم تعطها للنظام الحاكم، مما يدل على الرغبة في رفض النظام والتمرد عليه ورفض أساليب حكمه، وهو ما أفرز رد فعل إيجابي غاضب ورافض لقانون الطوارئ ونظام الحكم برمته”.
همام سرحان – القاهرة
شكل عدد من نواب البرلمان رابطة أطلقوا عليها “نواب ضد الطوارئ” بمجلس الشعب، ضمت 114 نائباً، (88 ممثلو الإخوان + 26 من نواب المعارضة والمستقلين والحزب الوطني الديمقراطي)، حشدت جهودها لمنع تمرير القانون المشبوه، الذي تحكم به البلاد منذ ربع قرن.
نظَّمت نقابة المحامين المصرية مساء السبت 29 أبريل 2006 مؤتمرًا جماهيريًّا حاشدًا للتنديد بقانون الطوارئ، حيث أكد المشاركون استمرار الفعاليات المناهِضة لهذا القانون سيئ السمعة.
تقدمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بمذكرة إلى الرئيس مبارك، والدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، والسيد محمد صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، ورؤساء الأحزاب السياسية، وقيادات النقابات المهنية، والدكتور بطرس غالي، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، تحت عنوان “إنهاء حالة الطوارئ الآن وليس غدا”، تضمنت مطالبة الرئيس بعدم تجديد حالة الطوارئ.
“المبادرة الوطنية للإفراج عن المعتقلين السياسيين” دعت الدولة المصرية بكل مؤسساتها وأجهزتها، الرئاسية والتنفيذية والأمنية، أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية، وأن تضع مصلحة الوطن في اعتبارها، وأن تقدم، وبلا تردد على إلغاء قانون الطوارئ الذي وقف حجر عثرة أمام تطور البلاد ونهضتها وإصلاحها.
عرفت مصر الأحكام العرفية لأول مرة بسبب الحرب العالمية الأولى ( من عام 1914 إلى عام 1922)، ثم أعيد فرضها (من 1 سبتمبر 1939 إلى صيف 1945).
أعلنت الأحكام العرفية للمرة الثالثة في مايو 1948 بمناسبة دخول الجيوش العربية، إلى فلسطين.
في أبريل 1950، بادرت آخر وزارة وفدية إلى إعلان إنهاء الأحكام العرفية مع الإبقاء عليها جزئيًّا ولمدة سنة قابلة للتجديد في المناطق الحدودية مع فلسطين وفي محافظتي سيناء والبحر الأحمر.
عادت الوزارة نفسها بعد أقل من عامين في 26 من يناير 1952، إلى إعلان الأحكام العرفية للمرة الرابعة في جميع أنحاء البلاد.
استصدر الرئيس جمال عبد الناصر قانون الطوارئ الحالي رقم 162 لسنة 1958 وطبق لأول مرة في 5 يونيو 1967 إثر اندلاع حرب الأيام الستة.
استمرت حالة الطوارئ قائمةً من يونيو 1967 إلى أن تقرر إلغاؤها اعتبارًا من منتصف ليل 15 مايو 1980.
عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في 6 أكتوبر 1981، أعيد فرض حالة الطوارئ التي لازالت مستمرة إلى اليوم.
يوم 30 أبريل 2006، وافق مجلس الشعب على طلب تقدمت به الحكومة بمد حالة الطوارئ لمدة عامين، (من 1 يونيو إلى 31 مايو 2008).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.